فاس : توقيف شابين ظهرا في فيديو سرقة بالعنف تحت التهديد بالسلاح الأبيض    احتياجات الخزينة ستتجاوز 12 مليار درهم خلال غشت    اسرائيل تستعد لمرحلة جديدة من العدوان على غزة قد تتضمن إعادة احتلال القطاع بالكامل    لولايات المتحدة.. العجز التجاري يتقلص بشكل ملحوظ في يونيو    نظام تأشيرات جديد: 15 مليون للحصول على ڤيزا أمريكا    تركمنستان.. انتخاب المغرب نائبا لرئيس مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للبلدان النامية غير الساحلية    تقرير: تمويل البنوك الإسلامية لقروض السكن يواصل نموه في 2024 ليبلغ 25 مليار درهم    طرق المغرب تنزف.. حصيلة ثقيلة خلال أسبوع واحد    "مستوطنة على أرض أمازيغية مغربية".. كتاب يصور مليلية مثالا لاستمرار الاستعمار وتأثيره العميق على الناظور    لطيفة رأفت تعلن تأجيل حفلها بأكادير وتعد بلقاء قريب        زيادة إنتاج نفط "أوبك+" تنعش آمال المغرب في تخفيف فاتورة الطاقة    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    تحرير مغاربة مختطفين في الساحل يعيد الجدل حول السلامة بعمق إفريقيا    أمريكا تسلح أوكرانيا بمال اسكندينافيا    حادثة مأساوية بين المعازيز والخميسات تودي بحياة سائق طاكسي وأفراد من عائلته    صحيفة إسبانية: هذه المدينة المغربية تنافس موناكو كوجهة لعشاق السيارات الفاخرة    وصول المساعدات المغربية إلى مخازن في مدينة دير البلح وسط غزة    قيوح: المغرب جعل من التعاون مع الدول غير الساحلية وخاصة في إفريقيا أولوية استراتيجية في سياسته التعاونية    توقيف قائد بعمالة مراكش للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    الدورة السادسة عشرة من معرض الفرس للجدیدة سلسلة من الندوات حول العنایة بالخیل والتراث الفروسي    عملية مرحبا.. إطلاق حملة لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج تحت شعار "التعمير والإسكان في خدمة مغاربة العالم"    فتيات المغرب تكتسحن الجزائر ويحجزن مقعدا لهن في "أفروباسكيط 2025"    الإفراج بكفالة مشروطة عن توماس بارتي لاعب أرسنال السابق    "ألكسو" تحتفي بتراث القدس وفاس    مندوبية ‬التخطيط ‬تكشف: ‬وضعية ‬سوق ‬الشغل ‬لازالت ‬تعاني ‬من ‬آثار ‬الجفاف    تراجع نسبة ملء السدود بالمغرب إلى 35.3%    دراسة: الحر يؤثر على الصحة العقلية للإنسان    الأوقاف تكشف سبب إعفائها رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك    الموهبة الكبيرة وزان يوقع عقدًا جديدًا مع أياكس بعد رفض ريال مدريد التعاقد معه    "منتخب U20" يستعد لكأس العالم    رضا سليم يعود للجيش الملكى على سبيل الإعارة    المغرب ‬يسير ‬نحو ‬جيل ‬جديد ‬من ‬برامج ‬التنمية ‬المجالية.. ‬نهاية ‬زمن ‬الفوارق ‬وتفاوت ‬السرعات    خواطر تسر الخاطر    تارودانت… 14 مليون درهم لتأهيل المواقع السياحية بأسكاون وتيسليت    "سورف إكسبو" لركوب الأمواج في دورته الرابعة أكتوبر المقبل    الريسوني: تخلف وزارة الأوقاف سحيق لأنه مقدس وله حراسه.. وتخلف الدولة يسمى "الانتقال الديمقراطي"    22 شهرا من الإبادة.. الجيش الإسرائيلي يقتل 20 فلسطينيا في غزة فجر الثلاثاء    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    المغرب ومالي ينجحان في تحرير 4 سائقين مغاربة اختطفتهم "داعش" في بوركينا فاسو    وَانْ تُو تْرِي دِيرِي عَقْلك يَا لاَنجِيرِي!    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    كاميرات مراقبة صينية في سبتة ومليلية تثير الجدل في إسبانيا    بعد أيام من تركيبه.. مجهولون يخربون رادارا حديثا لرصد المخالفات المرورية    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطبال يواصل رحلة الطريق إلى الإنسان
نشر في المساء يوم 23 - 06 - 2008

صدر مؤخرا للشاعر المغربي نزيل سفشاون عبد الكريم الطبال ديوان شعر جديد بعنوان «مرآة تحكي»، في إطار المسيرة الشعرية التي يواصلها هذا الشاعر منذ عمله الأول «الطريق إلى الإنسان» سنة 1971. هنا قراءة في هذه التجربة التي تتسيد من الشرفة المشرفة لشاعر يقرأ العلامات بمزاج الصوفي.
دأب، على امتداد نصف، قرن على رعاية صوته الداخلي وفي منأى عن البيانات والصياح بين تخوم القبائل، والمشاحنات والمناكفات التي أفضت بأصحابها إلى الطفو على السطح، مقيما أبديا في قصيدته المكانية قائمة الذات، مدينة شفشاون، إنه عبد الكريم الطبال الشاعر الأقل كاريزمية بين شعراء العربية في العصر الحديث، والأكثر جاهزية لمحاورة ألبرتو ماتشادو، بيسوا ولوركا، بندية بالغة.
نسج الطبال، منذ دواوينه الأولى (الطريق إلى الإنسان1971، الأشياء المنكسرة 1974، وعابر سبيل 1974، رؤيا خاصة اتضحت معالمها في (البستان)1988، و(آخر المساء)1994، و(شجرة البياض)1995، رؤيا غالبا ما تختزلها الصحافة برطانة في كليشيهين هما: الرومانسية والصوفية، لكن شعر الطبال هو أبعد من أن نصفه بالشعر الرومانسي أو الشعر الصوفي، بل المنجز الشعري للطبال ينحى إلى تأسيس مجال رؤيوي خفي ينبثق من كل قصائده السابقة، ويستشرف في الوقت ذاته ما سيأتي من قصائد لاحقة، وهو الذي يغرينا بملاحقة جديد الطبال بالرغم مما نجده في شعره من كثافة وأشكال لا تخفي وراءها غير البراعة اللافتة والصنعة المرهفة.
ما يقودنا إلى هذا التقديم هو صدور ديوان جديد للشاعر الرائي عبد الكريم الطبال الصادر حديثا عن منشورات السليكي إخوان.
القراءة الأولى للديوان تمنح اليقين لدى القارئ بأن قصائد (مرآة تحكي) لحظات شعرية معقدة (تعبير غاستون بشلار)، رغم سمة الهدوء التي تطبع التركيب والتصوير والموسيقى في قصيدة الطبال، هدوء يبعد عن الشاعر شبهة النبوءة وما يصاحبها من غنوص.
ينشد الطبال الخلاص والطمأنينة في قصائد الديوان، كما يفعل الأنبياء في آياتهم وأسفارهم ومزاميرهم، لكن الطبال لم يعتكف في الخلاء أو في الكهوف، لكتابة خلاصه، بل قصد المرآة سائلا عن (النفس، التذكرة، الرؤيا، الخوف، البرء، تاريخ، حيرة، نزوة، شراب، غزل، لعب، قلق، كابوس، سأم، شيخوخة، بكاء، الليل والمتاهة)، (قصائد الديوان)، لكن في كل مرة كانت هذه المرآة المقلقة تعكس له وحدة النقيضين: نفس/جسد، التذكر/النسيان، الرؤيا/العماء، الخوف/الشجاعة...
تكشف لنا مرآة الطبال أكثر الكلمات تجريدا وإشكالية مصحوبة بنقيضها عن طريق الإيحاءات المختلفة التي تتشابك في وجدان المتلقي وتصبح تجسيدا يعتمد على الصورة التي تشعل حدوسا في ذهن القارئ، تبرق بعض معاني القصيدة ولا تكشف سياقها العام، وبالتالي تبقى القصيدة في ديوان(مرآة تحكي) حمالة أوجه وليست محكمة الدلالة، شأنها شأن النصوص المقدسة الكبرى، كما لا تحمل أي تفاصيل زمكانية، وتخلو من روافد ومنبهات خارجية، بل كل قصيدة تتولد من ذاتها تعكس رغبة الطبال في محاورة إنسان خال من أي ماهية.
ما يؤكد احتفاء الطبال بالنبوءة والخلاص هو أن الشبكة الدلالية التي نسجها الطبال من خلال عناوين قصائده تتوخى القبض على يوتوبيا خاصة، منحت للشاعر القدرة على الرؤيا واختراق الواقع، وفتحت له أفقا يساعده على تجاوز المحدودية إلى ما يجعل من التعبير عنده «طاقة خلق».
في قصيدة (قلق) يأتي من الأعلى الغزو الغامض للذات، هو نفسه الأثر الذي تخلقه نبوءة ما أو نشيد عقائدي، عندما يجد طريقه إلى قارئ نموذجي يبحث عن الخفي في الظاهر في الكلمة:
يمور في ماء
صاخبا
وصامتا
وليس من سحاب
أو هواء
ينثرني في بعضه
يلمني في كله
تقول لي الأشجار
أنت ماء
تقول لي الأحجار
أنت ماء
فالكلام مني ماء
والصمت مني ماء
قضيتي:
أيقونة على الجدار
ونورس في الريح
قضيتي:
منارة في الرمل
وغسق في البحر
هذه القصيدة تحمل عنوانا مفارقا لمحتواها الدفين، الطبال لا ينتصر للقلق والشك والحيرة، المدلولات التي تشكل بامتياز المجال الرؤيا لشعراء ما بعد الحداثة في العالم العربي، بل يحتفي بالطمأنينة التي تسري عميقا تحت القلق، مثلما يمور الماء عميقا في ذات الشاعر ويحل في كلامه وصمته وتشظيه، هذه المفارقة بين الدال والمدلول تشكل ميتافيزيقا شعرية بالغة التعقيد والعمق، إذ يتنكر الطبال في كلمات هادئة لكنه يمارس في الوقت ذاته فعلا شعريا (diktem) عنيفا، يبتغي خرط المدلولات وحشوها بنقيضها. يقول الشاعر في قصيدة (سأم) مخاطبا المرآة:
أن تكون
هنا وهناك
أتوق
إلى أي سور
إلى أي جسر
ولو من سراب
هذا المقطع من القصيدة تأكيد واضح لمسعى الشاعر إلى البحث عن الخلاص والاحتفاء بكل ما يوصل إلى ضفة الطمأنينة من جسر أو سور ولو من سراب ويضع حدا لسأم ميتافيزيقي، ما يفتأ الطبال يلونه ببعض التراكيب الاستعارية، تصنع منه موجودا هلاميا تختلط فيه ملامح الطبيعة (جذع، جذر) بملامح الإنسان (الإجهاش، الرواح، الاشتهاء).
كابد الطبال في المكاشفة، وخاض مغامرة الغور في الأعماق السحيقة للإنسان، بعد أن تنازل الشاعر عن صوته لفائدة مرآة جعلها تحكي وتمزق الغشاوات، في نهاية الديوان/المغامرة، يظفر القارئ بخلاصة أن الإنسان كتلة غير منسجمة من المرايا والمتاهات.
من ثم يبقى ديوان(مرآة تحكي) محاولة تأكيد شعرية من نوع آخر لطالما عافته التجارب المعاصرة ألا وهي شعرية الفكرة، ف»مرآة تحكي» ينتج معرفة ويعطي القارئ خريطة طريق لمعرفة نفسه بنفسه، خريطة تطلب هدوءا عميقا وإنصاتا لجوانية النص لفهم مفاتيحها.
ما يعزز فكرة أن الديوان ينتج معرفة هو قيامه على تصور وموضوع ورؤيا واحدة، كما أن كل قصيدة لا تستقل في حركتها، بل هي مشدودة إلى شعاع موصول إلى مركز الديوان، صاغه الطبال على هيئة سؤال في قصيدة(متاهة):
يا أيها الأمثال لي
نحن المتاهة
والمتاهة
من سيكسر
هذه المرآة
منا
ذات نور
هو من سيبدأ
القصيدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.