المغرب وإسبانيا يعززان تعاونهما لمواجهة آثار التغير المناخي    أمن طنجة يوقف سائق عربة لنقل العمال دهس سائق دراجة نارية ولاذ بالفرار    الكاميرون: بول بيا يفوز بولاية رئاسية ثامنة في عمر 92 عاما    الدوري التركي.. النصيري يتألق بثنائية، وفنربخشة يكتسح غازي عنتاب برباعية نظيفة    إعادة انتخاب الحسن وتارا رئيسا لساحل العاج لولاية رابعة بغالبية ساحقة    المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة يواجه كوريا الشمالية في اختبار حاسم بمونديال الناشئات    ولد الرشيد يستقبل سفراء آسيا والمحيط الهادي ويؤكد انخراط المغرب في تعزيز التعاون البرلماني جنوب–جنوب    قافلة طبية جراحية لساكنة حد الغربية بضواحي طنجة    حادث انقلاب سيارة أجرة بطريق رأس الرمل وإصابة السائق بجروح متفاوتة الخطورة    محاولة تهريب 30 ألف و285 قرص طبي مخدر من معبر باب سبتة    مسعد بولس يصفع من جديد النظام الجزائري: تفاؤل أمريكي بحل نهائي لقضية الصحراء المغربية قبل جلسة مجلس الأمن    71 ألف و114 مستفيدا من دعم السكن    بولس يتفاءل بحل نهائي لنزاع الصحراء    سيدات الجيش في مجموعة متوازنة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة البيضاء    الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة وجمعية نظرة للثقافة والإعلام تنظمان:مصر في مرآة رحلات مغربية معاصرة    البرنامج الجديد للنقل الحضري العمومي.. إستلام 257 حافلة جديدة بميناء الدار البيضاء    الأمين العام الأممي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف    زمن النسيان العام    مجلس الحكومة يستعد الخميس المقبل لمنح ثلاث شركات للاتصالات تراخيص الجيل الخامس    محمد البارودي يقود الديربي بين الوداد والرجاء    الكاتب المغربي سعيد بوكرامي مرشحا لنيل جائزة ابن خلدون – سنغور للترجمة 2025    البلاوي: "حماية المال العام تعد من المهام الجسيمة التي تستلزم تعبئة تشريعية وقضائية ومؤسساتية متكاملة"    المانوزي: التمديد للشكر تم في منتصف الليل بشكل غير ديمقراطي وقد ألجأ للطعن إنقاذا للحزب    بركة: سنطلق في غضون أسابيع الربط المائي بين أبي رقراق وأم الربيع لنقل 800 مليون متر مكعب من الماء    تحرّك قانوني مغربي ضد توكل كرمان بعد إساءتها للمغرب    اقتراب منخفض جوي يحمل أمطاراً ورياحاً قوية نحو الريف والواجهة المتوسطية    Trevo تفتح باب التسجيل للمضيفين المغاربة‬    أهداف حاسمة ومساهمات قوية ل "أسود الأطلس" في صدارة المشهد الأوروبي    المدافع باعوف ضمن اللائحة الأولية لأسود الأطلس    تيزنيت: بتنسيق مع "الديستي"… عناصر الشرطة القضائية توقع بشخصين متهمين باضرام النيران بسيارتين بالشارع العام    شبكة لغسل أموال المخدرات عبر "منتجعات صحية" تُطيح بمسؤولين بنكيين    في قلب بنسليمان..مهرجان عيطة الشاوية يرى النور في مدينة المونديال    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    تصريحات لامين جمال تُشعل الكلاسيكو    فينيسيوس بعد استبداله في"الكلاسيكو": "سأغادر الفريق.. من الأفضل أن أرحل"    يضم نقوشا صخرية وقبورا جنائزية.. مطالب بحماية موقع أثري بكلميم من التخريب    تعديلات جديدة تحصر القيد في اللوائح الانتخابية وتضبط استطلاعات الرأي    تتويج المغرب في جائزة اللغة العربية    إقبال كبير من المهنيين وعشاق السينما على مهرجان الفيلم بطنجة    فاطمة عاطف.. تكريم بطعم المواويل    عودة الاحتجاج على تعطيل التكرير في مصفاة "سامير" وضياع حقوق الأجراء والمتقاعدين    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    دراسة حديثة: الاحتباس الحراري يؤثر في توزيع الأمطار والثلوج    ترامب يرغب في لقاء كيم جونغ أون    روسيا تعلن اعتراض 193 مسيرة أوكرانية    النفط يرتفع بعد توصل أمريكا والصين إلى إطار عمل لاتفاق تجاري    هامبورغ تتصدر مجددا قائمة الولايات الأكثر سعادة في ألمانيا    دونالد ترامب يبدأ زيارة رسمية لليابان    الصين: ارتفاع أرباح الشركات الصناعية الكبرى بنسبة 3,2 بالمائة عند متم شتنبر    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعامل والقصف الجوي في ليبيا
نشر في المساء يوم 24 - 03 - 2011

إذا كانت الثورتان الشعبيتان في تونس ومصر قد تشابهتا في إسقاط الرئيس ورحيله والتحوّل إلى تغيير النظام بما يتماشى والأهداف التي حملتاها، فإن الثورة الشبابية الشعبية
في ليبيا ارتطمت بإصرار القذافي وأولاده على مواجهة الإرادة الشعبية بالقوة العسكرية، الأمر الذي اضطرت معه الثورة الشعبية السلمية إلى اللجوء إلى السلاح.
وبهذا، أخذت الثورة في ليبيا سمة اختلفت جوهريا عن ثورتيْ مصر وتونس من حيث أسلوب تحقيق الهدف، وذلك بالرغم من أنها لم تقِلَّ عنهما شعبية، ولم يَقِلَّ القذافي عن حسني مبارك وزين العابدين عزلة عن الشعب، بل إن عددا من أقرب معاونيه استقال وانضم إلى الثورة كشأن قطاعات من القوات العسكرية.
ولكن الفارق، كما يبدو، يعود من جهة إلى عقل القذافي الذي اتسم بالشذوذ في كل الحالات التي تقلب فيها إلى حد اختلف معه الناس حول ما إذا كان مصدر ذلك عقدا نفسية لا شفاء له منها أم جنونا عضويا؟
فقد كان من علامات هذا الشذوذ طريقة بنيانه للقوات المسلحة، بحيث ترك بين يديه وأيدي أولاده مجموعات مسلحة، بعضها لا علاقة له بالليبيين، كما أبقى بين يديه مبالغ طائلة من النقد ساعدته على تجنيد مرتزقة محترفين بمن فيهم عدد من الطيارين.
ومن هنا، لم يجد أمامه جيشا منظما كما حدث في تونس ومصر، عندما عجزت أجهزته الأمنية في وجه طوفان الشعب، مما سمح له بالدخول في قتال ومن ثم تحويل الصراع إلى حرب مسلحة.
أما الفارق الثاني، من جهة أخرى، فقد جاء من موقف أمريكا التي قررت هذه المرة ألا تسمح بسقوط الطاغية الذي كان متحالفا معها دون أن ترتب أوراقها مع قيادة الثورة الشعبية، فهي -كما يبدو- لا تريد أن تدخل في المجهول كما حدث في مصر وتونس دون أن تضمن مساومة مع القوى القادمة بعد رحيل القذافي أو نهايته.
ولهذا، اعتمدت على التدخل عبر مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، وذلك بهدف وضع القذافي وأولاده وبطانته في زاوية لا مخرج لهم منها سوى المضي في القتال حتى النهاية. وإلا ما معنى تقديمهم إلى المحكمة الجنائية ليصبحوا مطاردين إذا ما تركوا ليبيا وغيرَ آمنين على أنفسهم حتى لو وجدوا ملاذا آمنا.. لأن أمانهم سيكون على كف عفريت.
وبالفعل، تضاعف إصرار القذافي على القتال بعد الخطوات التي اتخذتها أمريكا ضده بالقرارات، بينما تركت يداه مطلقتيْن في استخدام الطيران والقصف ضد مواقع الثوار، فلا العقوبات كانت مجدية ولا التهديد بالحظر الجوي نفع.
أما الهدف فكان إشعار أعضاء المجلس الوطني الانتقالي بالخطر جراء تفوق القذافي بالطيران والقصف لكي يدخلوا مع أمريكا في مساومات قبل إعلان الحظر الجوي، وهو ما فعلته الإدارة الأمريكية مع الجامعة العربية التي انقادت -بمهانة- لدعوة مجلس الأمن إلى التدخل، فضلا عن تغذية الأوهام في جدوى اللجوء إلى المجلس وعقوباته وقراراته.
على أن المشكل هنا ليس في القذافي وأمريكا فحسب، وإنما أيضا في الاتجاهات التي أخذت تطالب بالحظر الجوي وتفتح الباب للمساومة مع أمريكا من داخل المجلس الوطني الانتقالي، وتأمل أو ترى خيرا في العقوبات الدولية.
في الحقيقة، كان تقدير الموقف عسكريا وسياسيا خاطئا من جانب الذين بالغوا في أهمية الطيران في الصراع المسلح الذي اندلع في ليبيا، وعَموا عن خطورة التدخل الخارجي، ولاسيما إذا وضع مجلس الأمن ليبيا تحت البند السابع.
وأخطؤوا أكثر حين نسوا أن أمريكا كانت قد عقدت الصفقات مع القذافي وابتزته حتى أنزلته على ركبتيه، ثم تخلت عنه شكليا عندما وجدت سقوطه محتوما، فراحت تكرر عملية ابتزاز مشابهة -رغم الفارق- مع بعض أجنحة الثورة في ليبيا على أمل إخضاعها تحت تهديد الطيران الذي راح القذافي يستخدمه بحرية تامة.
إن أمريكا هي السم الزعاف ومجلس الأمن هو الدسم الذي يحمل ذلك السم، فكل تدخل خارجي يجب أن يكون مدانا تحت كل الظروف والحالات، علما بأن معادلة ميزان القوى بين الثورة والقذافي ستظل في مصلحة الثورة عسكريا وسياسيا رغم الطيران أو القصف بالمدفعية، برا وبحرا.
إن تجربة الحروب والمعارك المسلحة طوال المعارك التي خاضتها الثورة الفلسطينية منذ عام 1969 حتى قصف بيروت بالطيران عام 1982، تؤكد أن القصف من الجو، مهما بلغت شدته، وكذلك القصف البري من المدافع والدبابات، لا يكسب معركة لأن تأثيره الأساسي يكمن في ما يمثله من حرب نفسية.
أما على المستوى العسكري، فالدفاعات المفكر فيها جيدا يمكنها أن تخفف كثيرا من الخسائر وأن تتحول إلى كمائن للقضاء على المهاجمين بالدبابات إذا كان القصف تمهيدا لهجوم تكتيكي، وهنا من الخطأ أن تنجح الحرب النفسية.
إن ما ألقي على بيروت طوال 78 يوما من القصف عام 1982 قدّرهُ البعض بأنه يعادل نصف قنبلة نووية، والبعض الآخر قال «قنبلة نووية» بحجم ما ألقي على ناغازاكي وهيروشيما في اليابان، ومع ذلك لم يستطع العدو أن يدخل بيروت. أما خروج الثورة من بيروت فكان سياسيا لأسباب عربية ودولية وبعضها لبناني، ولم يكن بسبب القصف مطلقا.
وإن تجربتي حربي 2006 و2008/2009 في لبنان وقطاع غزة شاهدتان على أن القصف لا يحسم حربا ولا يكسب معركة، وأن الحاسم هو الاشتباك الميداني حيث يزول تفوّق سلاح الطيران والمدفعية والصواريخ، ومن ثم تبرز مزايا المقاتل المؤمن بقضيته والمتحلي بالذكاء والشجاعة، وتتكشف نقاط ضعف الطرف الآخر وعدم قدرته على الانتصار.
هذه المعادلة متوافرة تماما في ليبيا، ومن ثم ليس هناك من حاجة إلى حظر جوي، وإنما ينبغي أن يرتب الأمر عسكريا وسياسيا وعربيا شعبيا مع المحافظة على المعنويات العالية في مواجهة القصف الجوي والتعامل معه، من جهة، في التوزيع المرن والسرّي للقوات والتأكد من محدودية تأثيره، والقول للقذافي من جهة ثانية: لن ينفعك الطيران ولا القصف ولا الحرب النفسية، وإنك مهزوم عسكريا لا محالة أمام الشعب العظيم وثواره الأبطال.
هكذا تدار المعارك عسكريا في مواجهة معتدٍ يتفوّق بسلاح الجو والقصف عندما يكون أمريكيا أو صهيونيا، فكيف حين يكون في مستوى قدرات القذافي وعصاباته المأجورة؟
ذلكم هو الدرس المكرّر في كل معارك الحرب العالمية الثانية أو الحرب الكورية أو حرب فيتنام، فالقانون الحاسم هنا كان أولا الصمود غير المحدود أمام القصف، وإسقاط حربه النفسية، ثم الدفاع المفكر فيه جيدا (قدر المستطاع وحسب كل وضع)، ثم انتظار الحسم عند الانتقال إلى الاشتباك.
لقد أظهر الشعب في ليبيا وأظهرت قيادات الثورة الشبابية الشعبية قدرة هائلة على التعبئة والإقدام والإنجاز، وكان ذلك حين انطلقت الثورة سلمية، وأيضا حين انتقلت إلى ثورة شعبية مسلحة بسبب إصرار القذافي على إغراقها في الدماء حتى السحق إذا ما بقيت سلمية. فهذا التحوّل في الظرف الليبي، والخصوصية الجنونية القذافية، كان اضطراريا لا مفرّ منه.
ولكن ما دام كذلك وحين انتقل إلى مستوى المواجهة المسلحة، فيجب أن يُحسن التعاطي معه والانتصار فيه، علما بأن كل الشروط السياسية والعسكرية وموازين القوى تسمح بالانتصار، وإن كانت المواجهة ستطول نسبيا وتتعرّج بين كرّ وفرّ.
فالشعب والثوار في ليبيا رغم عدم الاستعداد المسبق لمواجهة مسلحة، يمكنهما ويستطيعان الاستعداد واكتساب الخبرة والارتفاع إلى المستوى المطلوب بأسرع ما يمكن، ومن خلال التجربة الميدانية نفسها. وهذا بدوره كان الحال في أغلب الثورات التي انتقل الشعب فيها إلى المواجهة المسلحة.
على أن نقطة الضعف الأساسية هنا لا تكمن في الميدان رغم تفوّق القذافي بطيرانه وقصفه، وإنما في المطالبة بتدخل مجلس الأمن أو بالحظر الجوي الدولي أو السماح لأمريكا بابتزاز المجلس الوطني الانتقالي، لأن مجلس الأمن وقراراته يجب أن يُعامَلا باعتبارهما ضد مصلحة الشعوب ما دامت أمريكا ومن يناصرها من دول كبرى تتحكم في قراراته، الأمر الذي يوجب عدم اللجوء إليه أو اعتباره ممثلا للشرعية الدولية. فلا خير مطلقا يمكن أن يأتي من أمريكا، وخصوصا بعد زيادة صهينتها في السنوات الأخيرة، وكذلك من مجلس الأمن وقراراته وعقوباته.
إن الثورة الشبابية الشعبية في ليبيا ستنتصر حتما، كما أن سقوط القذافي وبطانته أصبح محققا من النواحي العسكرية، فالمطلوب المزيد من الاعتماد على الذات وإسقاط كل رهان على مجلس الأمن وقراراته أو أي تدخل دولي. والمطلوب أيضا المزيد من الدعم الشعبي العربي أولا، ووقف مناشدة أمريكا وأوربا أو مجلس الأمن للتدخل ثانيا.
سيكون لانتصار الثورة الشعبية المسلحة على القذافي وطيرانه ومرتزقته مغزى خاص يكمل المغزى الذي حمله انتصار الثورة الشعبية السلمية في تونس ومصر.

منير شفيق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.