نقابة تشكو الإقصاء من منتدى جهوي    النسخة الثانية من الندوة الدولية المنعقدة بوجدة تصدر اعلانها حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    خبير يدعو لمراجعة جذرية للنموذج الفلاحي ويحذر من استمرار "التذبذب المناخي" في المغرب    تأجيل اجتماع بوتين وترامب ببودابست    بريطانيا تتجه إلى تشديد سياسات اللجوء سعياً لخفض الهجرة غير النظامية    وفاة شخصين على الأقل إثر عاصفة قوية بكاليفورنيا    مونديال قطر لأقل من 17 سنة: الصراع يتجدد بين المغرب ومالي وأوغندا ترفع التحدي أمام بوركينافاسو    مونديال الناشئين: المنتخب المغربي يخوض حصته التدريبية ما قبل الأخيرة تأهبا لمواجهة مالي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض 20 فيلماً قصيراً في المسابقة الدولية للأفلام القصيرة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    أمينة الدحاوي تمنح المغرب ذهبية في التايكواندو ضمن ألعاب التضامن الإسلامي    تفكيك شبكة دولية لقرصنة تطبيقات المراهنة.. الامن يوقف خمسة اجانب بمراكش    حكم قضائي يقضي بإفراغ محلات بالمحطة الطرقية "أولاد زيان"    دراسة علمية تؤكد أن الشيخوخة تمنح الجسم حماية من الأصابة بالأورام السرطانية    إدراج ملف جمهورية القبائل في الأمم المتحدة يزلزل أركان الجزائر    ماكرون يعلن إطلاق سراح الفرنسي كاميلو كاسترو الموقوف في فنزويلا منذ أشهر    الاتحاد البرتغالي يستأنف طرد رونالدو    طقس الأحد.. أجواء غائمة مع نزول أمطار بعدد من مناطق المملكة    "تلوثٌ في منطقة الفوسفاط يفوق الحدود المسموح بها".. دراسة تكشف ما يحدث في تربة آسفي الصناعية    سفير أنغولا: تكريم الملك الراحل الحسن الثاني يعكس عمق الصداقة التاريخية بين المغرب وأنغولا    من الاستثمار إلى التحالف: زيارة سفيرة كينيا على رأس وفد هام إلى العيون تفتح فصلًا جديدًا في العلاقات الثنائية    بلباو تُهدي فلسطين أمسية تاريخية.. مدرجات تهتف والقلب ينبض    لبنان سيقدم شكوى ضد إسرائيل لبنائها جدارا على حدوده الجنوبية تجاوز "الخط الأزرق"    مديرية الأمن الخارجي بفرنسا تشيد بتعاون المغرب في مجال مكافحة الإرهاب    عمر هلال: الدبلوماسية المغربية، تحت القيادة المستنيرة لجلالة الملك، ترتكز على فلسفة العمل والفعل الملموس    هل تمت تصفية قائد الدعم السريع في السودان فعلا؟    حموشي يقرر ترقية استثنائية لمفتش شرطة بآسفي تعرّض لاعتداء عنيف    الذكاء الاصطناعي يراقب صناديق القمامة في ألمانيا لضبط المخالفين    إيران تدعو إلى الأخوة والسلام بالمنطقة    سيدات الجيش الملكي يواجهن مازيمبي الكونغولي في نصف نهائي أبطال إفريقيا    اليونان تفوز على اسكتلندا في تصفيات كأس العالم    أكاديمية محمد السادس، قاطرة النهضة الكروية المغربية (صحيفة إسبانية)    حكيمي يطمئن المغاربة بصور جديدة    أكنول: افتتاح الدورة التاسعة لمهرجان اللوز    الناظور .. افتتاح فعاليات الدورة 14 للمهرجان الدولي لسنيما الذاكرة    ابن الحسيمة نوفل أحيدار يناقش أطروحته حول تثمين النباتات العطرية والطبية بالريف    أمين نقطى: زيارة أخنوش لمديونة سنة 2021 آتت أكلها بتنفيذ عدة مشاريع لفائدة الساكنة    العلمي يهاجم "العقول المتحجرة" .. ويرفض توزيع صكوك الغفران السياسية    في ظرف ثلاثة أشهر .. أنترنت الجيل الخامس (5G) يغطي 60 مدينة بالمغرب    رياض السلطان يقدم مسرحية الهامش وموسيقى لؤلؤة البحيرات العاجية ولقاء فكري حول ذاكرة المثقف    المغرب... دولة الفعل لا الخطاب    عامل العرائش و السلة الفارغة: كيف أنهى الأسطورة و تحققت نبوءة الانهيار!    ارتفاع سعر صرف الدرهم ب 0,2 في المائة مقابل الدولار الأمريكي ما بين 6 و12 نونبر 2025    وزارة الثقافة تعلن الإطلاق الرسمي لمشروع تسجيل "فن زليج فاس وتطوان" على قائمة يونسكو للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية    تطور جديد في ملف "إنتي باغية واحد".. متابعة دي جي فان بتهمة تهديد سعد لمجرد    لحمداني ينال "جائزة العويس الثقافية"    نواب "العدالة والتنمية" يطالبون بلجنة تقصّي حقائق في صفقات الدواء وسط اتهامات بتضارب المصالح بين الوزراء    إطلاق الموسم الفلاحي الجديد مع برنامج بقيمة 12.8 مليار درهم وتوزيع 1.5 مليون قنطار من البذور المختارة    "ترانسافيا" تطلق أربع رحلات أسبوعياً بين رين وبريست ومراكش على مدار السنة    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    المسلم والإسلامي..    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في جدوى تدريس الآداب في المدرسة المغربية
نشر في المساء يوم 06 - 06 - 2012


مصطفى الغرافي
إن التأمل في وضع المدرسة المغربية، اليوم، في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها هذا العصر، يواجَه بسؤال لا مناص من الإجابة عنه حتى نكوّن رؤية واضحة لمعالم المستقبل: مستقبلنا
ومستقبل أجيالنا. إنه السؤال -الإشكال: لماذا ندرس الأدب اليوم في المدرسة؟ وهو سؤال /معضلة يواجِه المهتمّين بحقل التربية والتعليم، بصفة عامة، والمشتغلين بالأدب، بصفة خاصة، وإنْ كان يهُمّ، بصفة أخص، أساتذة اللغات الذين توكل إليهم مهمة تنفيذ البرامج الدراسية، ومنها تدريس النصوص الأدبية، حيث تواجههم عند تدريسهم هذه المادة مشاكل جمة تجعل الأسئلة تتناسل أمامهم، فلا يستطيعون وقف سيلها الجارف: ما جدوى تدريس النص الأدبي؟ هل ندرسع استجابة لحاجة حقيقية تفرضها الأهداف والغايات الموجهة للسياسة التعليمية في هذه البلاد أم إن تدريسه يرجع فقط إلى «حكم العادة»، حيث جرت العادة أن تتضمن جميع الأنظمة التعليمية مادة الأدب كجزء من البرنامج الدراسي؟ ثم ما هو الوضع الاعتباري للأدب في الوقت الحاضر، الذي يشهد سيطرة واضحة لوسائل الإعلام، مقابل التراجع المهول في اقتناء الكتاب وقراءته؟ ثم، ما الوظيفة التي ينهض بها النص الأدبي؟ وما جدوى تدريس لغته، الهائمة والمموهة، لطلبتنا في ظل اجتياح «تقاليد كتابية» مختلفة تطالعنا في الأنترنت والهواتف المحمولة؟ أليست هذه هي اللغة التي يستخدمها الشباب في نقل مشاعرهم وأحاسيسهم ويرون فيها أداة ناجعة وفعالة في التواصل؟ وإذن، ما الحاجة إلى لغة الأدب، الوقورة والمغرقة في القواعد والقيود؟ هل يستشعر شبابنا، التائهون بين القنوات التلفزية المتنوعة، والذين تربَّوا على قيّم الاستهلاك السريع، حاجة إلى بذل الجهد وتجشُّم العناء من أجل قراءة وفهم قصيدة جاهلية يقف صاحبها على طلل مهجور، باكيا مستبكيا؟ وهل يراها تستحق القراءة أصلا؟ هل يملك شبابنا «الوقت» و«الكفاية التأويلية» حتى يتوقفوا عند قصيدة معاصرة يُجهد فيها صاحبها نفسَه في تتبع المجازات وآخر تقنيات الكتابة، فيحشد لها الرموز والأساطير والبناء الشذري المتشظي.. فيضني قارئه، الذي ما يلبث أن ينصرف عنه؟..
إن هذه الأسئلة تفرض نفسها علينا اليوم بإلحاح، ويرجع ذلك إلى عاملين اثنين:
-تدنّي مستويات القراءة داخل المدرسة وخارجها،
-سيادة تصور يرى أنْ ليست للأدب وظيفة في حياتنا المعاصرة، ومن ثم الدعوة إلى «تشييع جثمان» الأدب، ما دامت وظيفته، في أحسن الأحوال، هي التسلية والمتعة وخلق عوالم خيالية تفصل القارئ عن واقعه.
ومن هنا كان التساؤل عن جدوى تدريس الأدب مطلبا بيداغوجيا مُلحّاً، فهو المدخل الذي ينبغي اعتماده لإعادة طرح علاقتنا بالأدب من خلال تحديد الغايات والرهانات التي تقف وراء تدريس النص الأدبي. فالأدب يوجّه ويعلم ويربّي، ما يعني أنه يؤدي العديد من الوظائف، أبرزها:
-الوظيفة الإبداعية: من خلال احتكاك التلميذ بمجموعة من النصوص الأدبية المتباينة أجناسيا، يتمكن من التعرف على خصائص كل جنس على حدة، ومن خلال محاكاة هذه النماذج وتقليدها، يستطيع التلميذ أن يبدع نصوصا جديدة، بالنسج على منوال النصوص التي درسها. وغيرُ خافٍ أننا بواسطة هذا الإجراء، ننقل التلميذ من مجرد متلقٍّ سلبي إلى منتج لها ومن مجرد مستهلك للنصوص إلى مبدع لها، مما يجعل المدرسة منفتحة على الإبداع والخلق، بدل الجمود والاجترار.
- الوظيفة النقدية: لما كانت النصوص الأدبية، على اختلاف أجناسها، ليست مجرد تشكيلات لغوية محضة وإنما بناءات معرفية تتفاعل مع الحياة، وبالتالي تتضمن بالضرورة التجربة الحياتية لمبدعها، فإن التلميذ، من خلال احتكاكه بهذه النصوص، يتمكن من اكتساب الحس النقدي، الذي نفتقده في مدارسنا، لأن تأمل التلميذ القيّم التي تتضمنها النصوص الأدبية يتيح له مقارنتها بتلك السائدة في المجتمع، ومن خلال آليتي المقارنة والاستدلال وإعمال الفكر، يستطيع أن يُميّز القيّم الزائفة من الصالحة، ويمكنه هذا التمييز من تخطي سلبيات الحياة لمعانقة الآفاق الرحبة التي تقدمها له الأجناس الأدبية المختلفة التي تُمكّنه من محاورة نصوص لشعراء ونقاد ومبدعين صارعوا الحياة وصارعتهم، فاكتسبوا بذلك خبرة واسعة بالحياة، ضمّنوها إبداعاتهم. وإلى جانب ذلك، فإن التعامل مع هذه النصوص، المتباينة أجناسيا، يمكّن التلميذ من إنماء فكره النقدي في ما يتصل بالنقد الأدبي، حيث يستطيع، من خلال تفحص النصوص أن يحكم عليها من خلال مدى انصياعها لقواعد الجنس الأدبي الذي تنتمي إليه وتندرج تحته.
-الوظيفة المعرفية: تقوم النصوص التي يدْرُسها التلميذ، إلى جانب تمكينه من التمييز بينها أجناسيا، بتوفير ترسانة معرفية وثقافية ومفهومية هائلة، إذ بوساطة هذه النصوص يتعرف على نصوص أدبية جديدة، وهو ما يُمكّنه من رصد التغيرات التي تطرأ على هذه الأجناس بسبب التحولات الاجتماعية والحضارية، إذ تحظى بعض الأجناس بعناية النقاد والدارسين، ثم ما تلبث أن تتحول إلى هامش الدرس النقدي في عصور أخرى، مما يدل على أن سيادة الأجناس في عصرنا وتهميشها في عصر آخر يخضع لمعايير ثقافية محضة.
الأدب أداة وغاية، أداة لتنمية اللغة والأسلوب واكتساب مهارات الفهم والتحليل والتفكيك، وغاية، لأن من غايات المنهاج إعداد تلميذ يُقبل، بنَهَم وعشق، على قراءة الأدب أثناء الدراسة وبعدها. ولأجل ذلك، فإن إقراء النص الأدبي لا ينبغي أن يُقصيَّ أبعاده الجمالية ولا أن يضحي بجوانبه، المعرفية والدلالية، ولكنْ ينبغي أن يزاوج بين المتعة والفائدة، مما يمكن من إعداد تلميذ قادر على التفاعل جماليا مع النص الأدبي ومن الاستفادة من إحالاته، المعرفية والثقافية.
تتمثل الغاية من تدريس الأدب في تقريب القيّم الجمالية والمعرفية، التي تنطوي عليها النصوص، من ذهن التلميذ وحفزه على الكشف عنها وتعلم اللغة من خلالها، وهو ما يقتضي من القائمين على وضع البرامج الدراسية مراعاة خصوصية المُستهدَف (التلميذ) ما دامت الغاية من درس الأدب نقْلُ الثقافة إلى الجيل الصاعد بما هي قيّم وذوق وإحساس بالجمال.
باحث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.