غنيمة حزبية في هيئة دعم عمومي    قطاع الخدمات أول مشغل بالمغرب والفلاحة تفقد 72 ألف منصب شغل في عام واحد    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    مباحثات مصرية مغربية لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري    المغرب يطلق أول محطة شمسية عائمة لخفض التبخر    آلاف يتظاهرون في مكناس والدار البيضاء دعما لغزة ورفضا لتهجير الفلسطينيين    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    وزارة التربية الوطنية تشرع في تكوين أكثر من 500 مفتش للتعليم الابتدائي لإنجاح وتوسيع تجربة مدارس الريادة    باريس.. الوجه الآخر    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    الرباط.. افتتاح أشغال ندوة حول موضوع "البرلمان المغربي وقضية الصحراء المغربية: من أجل دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال"    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    الرابطة المغربية لمهنيي تعليم السياقة تطالب بإحداث رخصة خاصة للسيارات الأوتوماتيكية    محمد وهبي: نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية    عودة تير شتيغن إلى برشلونة تسعد الألمان    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    المتصرفون التربويون يلوحون بالإضراب والجامعة الوطنية تتهم الوزارة ب"اللامبالاة"    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رحلة كروية تنتهي بمأساة في ميراللفت: مصرع شخص وإصابة آخرين في انقلاب سيارة قرب شاطئ الشيخ    التقنيون يواصلون الإضراب الشهري احتجاجا على تجاهل حكومة أخنوش    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    العثور على جثث 13 عاملا بعد اختطافهم من منجم ذهب في بيرو    إسرائيل توافق على توزيع المساعدات    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد بأذربيجان    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    ولاية أمن طنجة توضح حقيقة "اختطاف الأطفال" وتوقف ناشرة الفيديو الزائف    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرد الذي...
نشر في المساء يوم 17 - 12 - 2012

قبل مدة، سمعت حوارا جميلا في إذاعة طنجة أجراه الزميل عبد اللطيف بنيحيى مع رجل بدوي يتكلم من دون عقد. كان ذلك الرجل البدوي مغرما بالحيوانات، وكان يربي كائنات كثيرة، بدءا بالقطط حتى القردة.
سأله بنيحيى إن كان لا يزال يربي في منزله ذلك القرد الذي أمضى معه سنوات، فأجابه الرجل بطلاقة لسان وفلسفة عميقة: لا، لقد أطلقته وذهب لحال سبيله لأن العيش مع القرد يختلف مع العيش مع باقي الحيوانات، يعني أن الإنسان يكون أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يُقنع القرد لكي يتحول إلى بشر، أو أن القرد يجب أن يُقنع الإنسان بالتحول إلى حيوان، لذلك أحسست أن القرد بدأ يتغلب علي، وأنه في طريقه لكي يجعلني قردا مثله، لذلك تخليت عنه لأني خفت على نفسي.
هذا كلام عميق جدا قاله رجل من الممكن أنه لم يدخل المدرسة، وعلى كل واحد منا أن يتأمله ويفسره بالطريقة التي يراها مناسبة.
القرد مكانه الطبيعي في الغابة، مثله مثل باقي الحيوانات، وإذا اقترب من البشر فإنه لا يتخلى أبدا عن حيوانيته، وعلى البشر أن يقرروا، إما أن يروضوه تماما.. أو يبتعدوا عنه.
نحن، ومنذ حوالي ستة عقود، نعيش مع قرد اسمه الفساد، هذا القرد كان صغيرا جدا ثم أعطيناه الكثير من الحليب وال«بنان» وكبر شيئا فشيئا فصار عبارة عن شامبانزي، فواصلنا إطعامه والسكوت على حماقاته فكبر أكثر وتحول إلى غوريلا وبات يهددنا في صميم حياتنا.
مرت السنوات تلو السنوات وواصلنا تدليل قرد الغوريلا وإطعامه فكبر حجمه كثيرا حتى صار قردا عملاقا يشبه تماما ذلك القرد الهائل الذي ظهر في فيلم «كينغ كونغ». هكذا صارت الأشياء خارج السيطرة، والقرد الذي ربيناه صغيرا وصمتنا عن حماقاته صرنا عبيدا له.
الفساد الذي نواجهه اليوم هو ذلك القرد العملاق الذي يدمر أي شيء يقف في طريقه، ولكي يتحدانا أكثر ينظر جيدا في عيوننا ويصرخ وهو يضرب على صدره ويتوعد أي أحد يتحداه، وحتى في حال حصول مواجهة مباشرة معه فإن الخسائر تكون جسيمة، لأن الشعب الذي يجمع الكثير من أزباله تحت الحصير لا بد أن يأتي يوم سيواجه فيه رائحة قاتلة.
الفساد يشبه شيئا آخر، إنه يشبه موجة، موجة صغيرة ووديعة تتكسر على الشاطئ بصمت ولا نكاد ننتبه إليها. بعد ذلك تكبر الموجة وتزرع في نفوسنا بعض الخوف، لكننا نستمر في التعايش معها، وأحيانا نستمتع بها ونعتقد أن الموجة لن تكبر أكثر. لكن تلك الموجة الصغيرة تكبر بعيدا عن أعيننا حتى تصيرا «تسونامي» عملاقا وتدمر في طريقها كل شيء وتحصد الناس وهم نيام في منازلهم وتطوح بهم بعيدا.
اليوم، إذا أردنا أن نحارب الفساد فعلا، فيجب أن نؤدي ضريبة صمتنا وتخاذلنا لكل السنوات والعقود التي مرت. لقد صمتنا عن فاسدين بدؤوا فسادهم بقبض 20 درهما خارج القانون فصاروا اليوم يقبضون 20 مليارا ثم «يخرّجون» عيونهم فينا وكأننا نحن المذنبون.
كثير من المغاربة يعتقدون أنهم غير معنيين بالفساد، تماما مثل الذين يعتقدون أنهم غير معنيين بأمواج تسونامي، لكن الموجة حين تأتي فإنها تحصد الجميع، الذين يعتبرون أنفسهم معنيين بها والذين لا يعتبرون أنفسهم كذلك. الفساد، إذن، مثل كارثة طبيعية لا تفرق بين عجوز ورضيع، بين امرأة حامل وأخرى عاقر، بين الصالح والطالح.
خلال هذه المدة التي عشناها في كنف غوريلا الفساد، توقفنا عن إرضاعه لأنه لم يعد بحاجة لحليبنا وأضحى مفترسا، وعوض ذلك تكلف هو بإرضاعنا من حليبه لكي نُطبّع معه ونتحول جميعا إلى نسخة شبيهة بفيلم «كوكب القردة».
خلال كل هذه السنوات التي عشنا وتعايشنا فيها مع الفساد، لم تكن المشكلة فقط في كل هذه الثروات التي تم نهبها والميزانيات التي ذابت والمشاريع التي تبخرت والرشاوى التي ازدهرت، بل هناك مشكلة أخرى عويصة، مشكلة نفسية خطيرة جدا، فقد بدأ الكثير من الناس الشرفاء يتساءلون مع أنفسهم: ما جدوى أن أبقى نزيها وحدي، وما فائدة أن أكون وحدي شريفا بينما الفاسدون لا يدخلون السجون، بل هم محط تقدير واحترام الناس؟
ذلك الرجل البدوي قال إنه عاش مع القرد بضع سنوات فقط ثم قرر التخلص منه لأنه أحس بالهزيمة مبكرا. أما نحن فنعيش مع «القرد» منذ حوالي 60 عاما ولا نزال نعتقد أننا آدميون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.