في خطوة تعيد إلى الواجهة كاتبين كبيرين حفرا بعمق وباختلاف أيضا في حقول الأدب العالمي أقدمت شركة «بيترو بيرو» والجامعة الوطنية للهندسة البيروفية على إصدار طبعة جديدة ومنقحة سنة 2013 لمؤلف «الرواية في أمريكا اللاتينية.. حوار بين فارغاس يوسا وغارسيا ماركيز». يجمع هذا الكتاب كل النقاش الذي دار في جامعة الهندسة المعمارية ما بين 5 و7 شتنبر 1967 بين الكاتبين البيروفي والكولومبي حول العديد من القضايا المتعلقة بالأدب. ومن بين القضايا التي تطرقا إليها «ما معنى أن تكون كاتبا» وكيف يؤلفان أعمالهما٬ فضلا عن مناقشة أعمال مبدعين آخرين من قبيل كورتزار وبورخيس وفولكنر وروبلايس. وكان الكثير من المتتبعين والمهتمين بالأدب والكتابة قد عدوا ذلك اللقاء- الذي نظمته الجامعة البيروفية بين فارغاس يوسا، الذي أصدر آنذاك روايته الشهيرة «البيت الأخضر»، وغارسيا ماركيز، الذي أصدر هو الآخر روايته الرائعة «مائة عام من العزلة»- ممتعا ومثيرا للاهتمام. تشمل الطبعة الرابعة لهذا المؤلف الذي صدر سنة 1967 مقدمة تمهيدية للكاتب والناقد خوسي ميغيل أوفييدو ودراسة تقديمية جديدة للباحث أمريكو مودارا. وإذا كان الكتاب يعيد إحياء نقاش بين عملاقين في الأدب العالمي فهو في الآن ذاته يعيد طرح سؤال لم يشأ فارغاس ولا ماركيز الإجابة عنه، وهو: لماذا اختلفا وقطعا الصلة بينهما؟ إعادة تركيب القصة بالرغم من تقدمهما في السن وجريان مياه كثيرة تحت الجسر، وبالرغم من تدخل أصدقاء مشتركين من أجل رأب الصدع بينهما لم تعد العلاقة بين فارغاس وماركيز إلى سابق عهدها، فتعددت التأويلات والتفسيرات. وحين أعيد طرح نفس السؤال على فارغاس بعد حصوله على نوبل حول سبب الخلاف مع صديقه ماركيز رفض تفسير سبب الشجار وقال:«ستكون قصة يرويها المؤرخون»، مضيفا «لقد قلت دائما إن هذه القصة إذا دخلنا في المستقبل سيتم تفسيرها والكشف عنها بواسطة المؤرخين الذين يتعاملون معنا». في المكسيك وفي العرض السينمائي الأول لفيلم «البقاء» عام 1976 اندلعت أشهر وأطول معركة أدبية بين قطبي الرواية في أمريكا اللاتينية. في تلك الليلة نهض ماركيز من مقعده في صالة السينما ليعانق صديقه الحميم ماريو. لكن الثاني بادره بلكمة قوية أسالت الدم من عينه اليسرى.وقال شهود إنه قال لصديقه الكولومبي: «هذه بسبب ما فعلته بباتريشيا». وأشار البعض إلى أن غارسيا ماركيز حاول إغواء باتريشيا يوسا، زوجة صديقه. فيما قال آخرون إن الكاتب الكولومبي أبلغ باتريشيا يوسا عن تورط زوجها في علاقة غرامية مزعومة خارج نطاق الزواج، وهو ما عرض زواجهما للخطر. ولا يزال آخرون يشكون في أن المشاجرة كانت بسبب إيديولوجي. ففي ذلك الوقت، كان فارغاس يوسا (40 عاما آنذاك) قد تخلى بالفعل عن آرائه الاشتراكية التي كان يؤمن بها في شبابه، بينما ظل غارسيا ماركيز (49 سنة آنذاك) على إيمانه بالقيم الاشتراكية.وعلى الرغم من القطيعة بينهما، اعترف كل منهما دائما بالإنجازات الأدبية للآخر. قلق بارغاس ورعب ماركيز يتحدث ماريو فارغاس يوسا عن بدايات مراحل الكتابة لديه قائلاً : «الأمر بدأ مع القراءة. أنا تعلمت القراءة في الخامسة من عمري، ودائماً أقول إن هذا هو الشيء الأهم الذي حصل معي. أتذكر كيف أن القراءة أغنت حياتي وعالمي من خلال الكتب والمغامرات التي كنت أقرؤها، وأعتقد أن هذه كانت العلامات الأولى لقلق ما، لحساسية ما إزاء الأدب». أعطى يوسا بعضاً من وقته للسياسة ورشح نفسه لرئاسة الجمهورية في بلاده. ويتحدث عن تجربته تلك قائلا: «لم أكرس ذاتي يوماً للسياسة. ما فعلته هو أني اعتقدت أنه يتوجب علينا دائماً أن نشارك في الحياة السياسية، خصوصاً إذا رأينا أن الأمور حولنا ليست على ما يرام. إذا رأينا أن المجتمع انحرف ووقع في الفساد وفي الاحتكار وإذا طغى الظلم، ورأينا ناساً يرضخون قهراً للتمييز العنصري. في هكذا حالات علينا أن نقوم بشيء مفيد! هذا ما أسميه السياسة ... أما هدفي الوحيد في الحياة فهو الأدب، وليس عندي اهتمام غيره» . ماركيز هو الآخر أغرم بالحكي والكتابة وحينما وردت الواردة كان ذلك بداية للنجاح:«كانت تعصف بي منذ زمن بعيد فكرة إنجاز رواية خارقة تكون مختلفة ليس عما كتبته حتى ذلك الحين، بل تكون مختلفة عما قرأته، واتخذ الأمر شكل رعب لا أصل له. وفجأة، في مستهل 1965 بينما كنت ذاهبا مع مرثيدس وابْنينا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في أَكَبُولْكُو إذا بي أحس أني مصعوق برجة نفسية جد حادة وجارفة، لِدَرجة أني نجحت في تفادي بقرة كانت تعبر الطريق» كان ذلك الرعب بداية لمائة عام العزلة». الآن وبعد النجاح والتقدم في السن يكون لقراءة حوار في زمن الود مذاق مختلف ولاشك.