لقد أعطى الإسلام المرأة حقها ورفع قدرها وأجل شأنها، وكرس تصدير الدستور المغربي مبدأ إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة؛ وأضافت المادة 19 منه سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة مع الرجال. ومن جانبها، لم تميز مدونة الشغل بين الحقوق المخولة للرجل ونظيرتها المخولة للمرأة، بل ساوت بينهما في كل المقتضيات، وخصت المرأة بحماية خاصة إما اعتبارا لفيزيولوجيتها وإما اعتبارا لدورها كزوجة وأم؛ فقد نصت المادة 9 من مدونة الشغل على منع كل تمييز بين الأجراء، من حيث السلالة أو اللون أو الجنس أو الإعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي، يكون من شأنه خرق أو تحريف مبدأ تكافؤ الفرص أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل أو تعاطي مهنة، ولاسيما في ما يتعلق بالاستخدام وإدارة الشغل وتوزيعه والتكوين المهني والأجر والترقية والاستفادة من الامتيازات الاجتماعية والتدابير التأديبية والفصل من الشغل، ورتبت عن ذلك حق المرأة في إبرام عقد شغلها، وحقها أيضا في الانضمام إلى نقابة مهنية والمشاركة في إدارتها، سواء كانت متزوجة أو لا. وهو نفس ما سارت عليه المادة 478 التي منعت وكالات التشغيل الخصوصية من كل أنواع التمييز السالف ذكرها. ومنع التمييز نصت على مقتضياته الاتفاقية الدولية رقم 111 الصادرة عن منظمة العمل الدولية سنة 1958 والمتعلقة بمنع التمييز في الاستخدام والمهنة والتي حددت مفهوم التمييز، وهو ما أخذت به المادة 9 سالفة الذكر بشكل حرفي. والإشكالية التي تطرحها هذه المقتضيات هي إشكالية الإثبات التي تبدو صعبة المنال، خاصة في الاستخدام، حيث قد يتمسك فيه طالب العمل بدعوى وقوعه عرضة للتمييز بشتى أنواعه، خصوصا بالنسبة إلى المرأة المتزوجة التي قد تدعي أن زواجها أو لونها أو حجابها -مثلا- هو العائق، في حين قد يتمسك المشغل بدعوى ضعف الكفاءة. ولعل هذا ما أشارت إليه نفس الاتفاقية، حيث نصت على عدم اعتبار التمييز أو الاستبعاد أو التفضيل على أساس مؤهلات يقتضيها شغل وظيفة معينة من قبيل التمييز. ولم يقف المشرع عند هذا الحد بل منع كل تمييز بين المرأة والرجل في الأجر إذا تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه، كما منع أيضا تكليف النساء بالأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهن أو تفوق طاقتهن أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة. ومنع المرسوم رقم 286. 04.2، الصادر في 29 دجنبر 2004، تشغيل النساء في المقالع وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم إلا إذا كان النزول إليها لمزاولة أشغال غير يدوية. وأضافت المادة 213 أنه يمكن لكل مؤسسة تتيح لأجرائها قضاء راحتهم الأسبوعية في وقت واحد، أن تخفض فترة الراحة الأسبوعية إلى نصف يوم للأشخاص المكلفين بجميع أشغال الصيانة التي يجب أن تنجز بالضرورة في يوم الراحة الجماعية للأجراء والتي تعتبر ضرورية لتفادي أي تأخير من شأنه أن يعرقل مواصلة الشغل بشكل عادي باستثناء الأحداث دون الثامنة عشرة والنساء دون العشرين والأجراء المعاقين. ولم تسمح مدونة الشغل المغربية باتخاذ إحدى العقوبات التأديبية في حق المرأة بسبب جنسها أو حالتها الزوجية، كما اعتبرت التحرش الجنسي والتحريض على الفساد من بين الأخطاء الجسيمة المرتكبة ضدها. غير أن صعوبة الإثبات بسبب نفوذ المشغل أو مساعديه وارتباط الأجراء بلقمة العيش، من جهة، ولجوء بعض الأجيرات، اللاتي يتخوفن من الفصل بعد ارتكابهن أخطاء جسيمة، إلى ادعاء تعرضهن للتحرش الجنسي أو تحريضهن على الفساد، يجعل المرأة/الضحية المفترضة بعيدة عن الإنصاف. وأوجبت المدونة توفر كل قاعة من القاعات داخل المؤسسات التي تتولى النساء فيها نقل البضائع والأشياء، أو عرضها على الجمهور، على عدد من المقاعد للاستراحة يساوي عدد النساء الأجيرات بها، مع ضرورة تميز هذه المقاعد عن تلك الموضوعة رهن إشارة الزبناء؛ وفرضت الأخذ بعين الاعتبار وضع النساء الصحي الاجتماعي، في أي شغل ليلي. وفي نفس السياق، ألزم المرسوم رقم 568. 04. 2، الصادر في 29 دجنبر 2004، بتحديد الشروط الواجب توفيرها لتشغيل النساء في أي شغل ليلي: توفير وسائل النقل من محل إقامتهن إلى مقرات الشغل ذهابا وإيابا في حالة عدم توفر النقل العمومي، وتمتيعهن براحة لا تقل مدتها عن نصف ساعة بعد كل أربع ساعات من العمل المتواصل، مع احتساب مدة هذه الاستراحة ضمن مدة الشغل الفعلي. وإذا كانت الدولة عاجزة عن حماية الأجيرات في وضح النهار فكيف لها أن تحقق ذلك تحت جنح الظلام، فالجهاز الموكولة إليه حماية المرأة الأجيرة، وإن رخصت له المادة 533 من مدونة الشغل الدخول بحرية ودون سابق إشعار إلى كل مؤسسة تخضع لمراقبة مفتشية الشغل، في أي وقت من ليل أو نهار، فإنه يظل مكتوف الأيدي في غياب أية نية حقيقية من الجهات المسؤولة لمنحه الصفة الضبطية، وتسخير القوة العمومية له كلما دعت الضرورة لتمكينه من أداء الواجبات الموكولة إليه على أحسن حال ليلا أو نهارا، وتشغيل النساء في أغوار المناجم أوكل إليهم مراقبتها خلافا لمقتضيات المادة 3 من المدونة التي نصت على أن فئات من الأجراء تظل خاضعة لأنظمتها الأساسية، ومنها فئة أجراء المقاولات المنجمية. أما في ظل الواقع الحالي، فرغم احترام بلادنا لأحكام الاتفاقيات الدولية وتضمينها في مواد مدونة الشغل فإنه لا أحد يراهن على استفادة المرأة منها أمام ضعف أجهزة المراقبة وفي ظل غياب نية المشغلين، رجالا كانوا أو نساء، للنهوض بحقوق المرأة التي تدخل عالم الشغل غالبا بسبب عاطفتها، فهي إما معيلة لأبويها وإما لأحدهما وإما لإخوانها العاطلين أو المعاقين، وإما لمساعدة الزوج كيفما كانت وضعيته المادية أو الصحية. وإذا كانت القاعدة العامة هي معاناة المرأة من التمييز، فإن الرجل هو الآخر يعاني منه ولو كاستثناء، سواء في التشغيل أو في الاستفادة من الحقوق والامتيازات التي قد تستفيد منها المرأة ويحرم منها الرجل، فالشغل الشاغل لرب العمل هو الإنتاج بأقل تكلفة والبحث عن الربح بشتى الوسائل، ولا يتأتى ذلك إلا عن طريق البحث عن تشغيل الأجراء الأكثر احتياجا والأقل احتجاجا. باحث في قانون الشغل والعلاقات المهنية