مقاهٍ بإدارة نسائية، في الغالب، «نبتتْ» في أرصفة الشوارع البيضاوية، نساء نصبن طاولاتهن على امتداد الرصيف، بهدف تلبية رغبة زبائن يجلبهم هاجس واحد هو سد الجوع بأقلّ تكلفة، بغضّ النظر عن مكونات الأطباق التي يتناولونها ومدى جودتها، ومكان تواجد تلك المقاهي، والتي لا يفصل بينها وبين الشارع الواقعة عليه، في غالب الأحيان، سوى أمتار قليلة، مما يجعل بضاعتها من المأكولات معرَّضة للتلوث بالدخان المنبعث من السيارات والحافلات والدراجات.. « الرّخا والبْنّة» 5 إلى 6 دراهم.. هو ثمن الوجبة الواحدة لملء البطن وإسكات جوعها دون السؤال عن جودة ما يتناوله زبون هذه المقاهي الشعبية من أطباق.. وبدورهم، يضع مالكو هذه المقاهي الشروط الصحّية والنظافة ضمن آخر اهتماماتهم، ما دام لوجباتهم زبناء قارّون يوفرون لهم دخلا يوميا، حيث يصطفون على العربة في انشغال تام و»تلذذ» بالوجبة التي تسدّ الجوع بأقل ثمن، بغضّ النظر عما يستنشقه الواحد منهم من الدخان المنبعث من عوادم السيارات، مع الغبار المتطاير، الذي لا يمكن رؤيته إلا وهو «مترسّب» في الأطباق.. زبناء يتحلقون على العربة، وآخرون من أصحاب السيارات، يطلبون الوجبات من داخل سياراتهم، غيرَ مبالين لما يتسببون فيه من خطر، لهم ولغيرهم.. فرصة عمل «سمية»، حاملة لشهادة الباكالوريا، قالت حين سؤالها عن سبب اختيارها مهنة بيع المأكولات «إنّ الرصيف هو مِلكٌ لكل الناس، ونحن لم نستثمره بصورة خاطئة، وإنما قمت بإنشاء مشروع، لا يضر أحدا، بل بالعكس لأنني أقدّم خدمة لمنعدمي الدخل أمثالي، بأن أوفر لهم وجبات بأقلّ الأثمنة.. إلى جانب توفيري دخلا يساعدني على العيش من دون مدّ اليد للغير.. أما «فاطمة» فردّت بحسرة، لكونها تعيل أربعة أبناء وليس لديها من حرفة أخرى تغنيها عن بيع المأكولات على الرّصيف بهدف توفير ما يساعدها على تلبية حاجات أطفالها.. «أنا لم أعتدِ على مِلك أحد، بل إن مطعمي المتنقل هذا هو عبارة عن عربة صغيرة أقدم فيها لزبنائي وجبات بسيطة، بأثمنة مناسبة جدا لدخلهم».. وحين سؤالها عن شروط النظافة والجودة، رفضت الإدلاء برأيها، لكونها تقتني جلّ بضاعتها من السوق، ولم يسبق لأحد أن اشتكى من مأكولاتها.. بينما تحدّثت «سعيدة» عن أنّ «الظروف» هي التي اضطرتها إلى امتهان هذا العمل، رغم المخاطر التي يمكن أن تلحق بها من جراء بعض الزبناء الذين قد يتناولون الوجبات ويرفضون الأداء.. بدورها، قالت «كريمة»، صاحبة عربة لبيع المأكولات السريعة: «مطاعمنا المتنقلة أنظف من الكثير من المطاعم المرخّص لها.. والتي لا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية، ومع ذلك لا تتم محاربتها، كما يحدث معنا نحن فقط، لأننا لا نمتلك رأسمالا كافيا يمكّننا من كراء محلّ وتخصيصه لبيع المأكولات».. رأي المواطنين وكان للمواطنين رأي أيضا في هذا الموضوع، إذ قال «محمد» إنّ هذه المطاعم تستغلّ معظم الأرصفة، مما يؤثر على المارة الذين يضطرون إلى السير في الطريق المخصص للسيارات، بمحاذاة الأدخنة والدّهون المتطايرة التي تنبعث من هذه العربات المجرورة.. أما «عباس» فقال «الذباب هو الرّفيق الدائم لهذه المطاعم، التي لا تراعي الشروط الصحية، وخاصة ما تعلق منها بالسّردين، الذي لا نعرف شيئا عن مصدره ومدى صلاحيته للاستهلاك، وكذا النقانق التي يقدّمونها للمواطنين، فما مدى ملاءمتها للشروط الصحية؟.. إذ إن الاوساخ والأزبال تحيط من كل جانب بالمواد التي يبيعها أصحاب أو صاحبات هذه «المطاعم»، إضافة إلى الحشرات والميكروبات.. والمتضرر الوحيد هو المواطن الذي يُقبل على مثل هذه المأكولات الرّخيصة».. بينما اعتبر «علي» أنّ هذه المطاعم قامت بتشغيل العديد من الشباب، الذين كانوا عاطلين عن العمل، رغم عدم استيفائها شروط الصّحة والنظافة..