"فين غادي بيا خويا..فين غادي" أغنية ناس الغيوان الشهيرة.. وجدتني في لحظة سهو أردد كلماتها وأنا أتمعن حديثا لتلاميذ من أعمار مختلفة، يرافقونني في رحلتي على الطرامواي. لم أكن وحدي من شدني حديثهم عن "برنامج مسار"، حيث تحول الطرامواي إلى ما يشبه الجلسة في حضور مواطنين من مستويات تعليمية واجتماعية مختلفة، وأخذ كل واحد يدلي برأيه وأيضا انتقاداته وخوفه من مغبة تطبيق البرنامج المذكور في المنظومة التعليمية المغربية. ربما لم تكن الموازين متساوية ليكون الحوار والنقاش مثمرا، حيث اختلط النقاش بين ما هو جدي واستهزائي واستنكاري، وهذا، ربما، ما جعلني أحاول الهروب بعيدا وترديد كلمات الأغنية، التي ما هي إلا خلاصة لما كان يدور في الحوار، الذي عبر فيه التلاميذ عن سخطهم ورفضهم للبرنامج الذي قال عنه أحدهم: "هاداك راه احمد الفرشة"، لأنه سيمنح الآباء إمكانية الإطلاع على نتائج الأبناء بنقرة واحدة، بينما اعترض آخر بكون البرنامج يستهدف تلاميذ القطاع الخاص "اصحاب النقاط المنفوخة". فيما تنبأ آخربفشل البرنامج لكون الوزارة المعنية عليها إغلاق "مدرسة درب غلف لتكوين قراصنة الإنترنيت"، في إشارة منه إلى أن برنامج "مسار" سيخترق وستشوب نقاطه التزوير لا محال. أما إحدى السيدات فاستنكرت قائلة: "مالقاو حتى ماياكلو مساكن كا يموتو بالبرد والثلج....بقى ليهم غير لانتريت" تعالت القهقهات والضحكات الساخرة، لأن السيدة تلفظت ب "لانتريت" بدلا من "الإنترنيت". ابتسمت بدوري قبل أن أغادر الطرام، وفي ذهني بقايا من تلك الأسئلة التي كانت تتردد في تلك الجلسة الغريبة حول "مسار" والتدريس والإنترنيت. لا أعرف بالتحديد إن كان تلاميذ القرى النائية والجبال، الذين يعانون ظروف العيش القاسية، ويضطر أغلبهم إلى مغادرة كراسي المدرسة لغياب التدفئة والمواصلات وانقطاع الطريق، يعلمون شيئا عن هذا ال"مسار". هل سمع آباء هؤلاء الأطفال في القرى البعيدة بجهاز اسمه "الحاسوب" وبالنقاشات الدائرة حاليا حول البرنامج الجديد؟ ربما.وإن كنت لا أظن ذلك، وحتى إن كان ذلك فربما صداع الرأس، وضيق التنفس الذي يعانيه أطفالهم جراء تدفئتهم في المدارس ب"الفاخر" يجعلهم يفكرون في تطبيبهم بدلا من مراقبة نقاطهم الدراسية. في نظري، قبل أن نتبنى أي برنامج و"نقزو" لابد أن نعي احتياجاتنا و"نمدو رجلينا على قد اللحاف". فالأولى ليس اعتماد برنامج معلوماتي دقيق، وإنما توفير التدفئة الصحية وليس ب"الفاخر" في فصل الشتاء للأطفال الساكنين في الفيافي والقرى حيث البرد القارس والثلوج، لأنه في النهاية من واجبنا توفير سبل حياة كريمة وبشكل متساو، حتى لا يبقى فرق بين طفل في "كازا" وآخر في إنفكو أو ميدلت أو غيرهما. ولا أجد نفسي مرة أخرى لنعي تعليمنا سوى كلمات الغيوان: "فين غادي بيا خويا..فين غادي بيا".