عبر فضاءات زجاجية دافقة الخلابة وخليط من أسلاك ماكرة، طمرت العلاقات الإنسانية الدافئة كما أرادها سبحانه مودة ورحمة، وغدت مجرد أرقام ينقرها المرء ليقول في كلمات أنه آسف وسيتصل في وقت لاحق، وقد يتفضل بإشهار طلعته بعدسة «الكام» ليقول لك إنه سعيد ولا يخصه إلا النظر في وجهك العزيز، وسير يا الجن حتا يطيب اللحم. «زحمة يا دنيا زحمة ولا عادش رحمة وتاهو الحبايب» هكذا تنبجس الدندنة المصرية الأليمة ل»شعبولة « بدماغك وأنت تعاين حواليك انفراط عقد العلاقات الاجتماعية ومن ورائها العقد الأسري بأجواء الشارع والعمل ومواقع التنفيس الإلكتروني بين حرق وذبح ونبذ .. وأذكر الآن صديقتي تلك الشابة الحسناء الدافقة رقة وهي تستنفذ آخر وصفات المودة والإغراء بالتي هي أسحر وتبكي بحرقة وتردد « لا أطيقه تصوري وأنا أصرخ من آلام فظيعة برأسي لهول ما رأيته منه من قسوة وأسأله تطليقي يطلب مني أن لا أصرح للمحكمة بتفاصيل عنفه ضدي حتى يستطيع أن يتزوج بالأخرى التي كان يريد مني أن أتقبلها ضرتي .. ولا شيء يدعوه للتعدد: شبابي ووظيفتي وسيارتي وحسابي المالي رهن إشارته، ويقايضني ليطلقني ..هل هناك جشع أكبر من هذا ؟ وعلى الضفة الأخرى من سيرة قصة توم وجيري الأسرية يصطلي رجل من معارفنا بنيران الوحدة وقد احتالت زوجة ماكرة على ملكه الوحيد حيث يسكن وأحالته إلى الحمق وضرب الناس بالحجر. «زحمة ولا عادشي رحمة» وأمهات وآباء متصابون يعودون كما شيخ النفزاوي إلى صباهم وينصبون فخاخ الفكاك لبعضهم البعض، وفي سياقهم تقول النكتة إن «امرأة قالت لزوجها إن أخاك حاول قتلي مرتين فأجابها: دعينا نمنحه فرصة ثالثة». وغير بعيد يوجد أطفال على خط النار يتلفون أدمغتهم بسعرات جنسية قاتلة عبر الحاسوب. وقد أثبتت دراسة حديثة أن التعاطي لوصلات الجنس الافتراضي يتلف الدماغ. أطفال من عينة ذلك الطفل الذي تقول الطرفة إنه اصطدم بأمه وهو يركض فصاحت به: ألم ترني فأجابها: رأيتك لكن لا أعرف أين. في قصة للكاتب المغربي أحمد المديني بعنوان «وقت امرأة وحيدة» يصف حياة الوحدة التي يعيشها الغربيون وهم يحضنون ليلا كلابا يعتبرونها فلذات أكبادهم، ترانا بصدد عبور النهر نفسه الذي عبروه؟ فوزية حجبي