تنشر «المساء» في واحتها الصيفية، صفحات من تاريخ الكرة المغربية، خاصة في الجانب المتعلق بوفيات رياضيين في ظروف لفها الغموض، وظلت جثامينهم ملفوفة بأسئلة بلا جواب، رغم أن الموت لا يقبل التأجيل. العديد من الرياضيين ماتوا في ظروف غامضة، وظلت حكايا الموت أشبه بألغاز زادتها الاجتهادات تعقيدا. ونظرا للتكتم الذي أحيط بالعديد من الحالات، فإن الزمن عجز عن كشف تفاصيل جديدة، لقضايا ماتت بدورها بالتقادم. في شهر يناير من سنة 1980، تناقلت قصاصات الأنباء خبر وفاة اللاعب الدولي المغربي مصطفى شكري الشهير بلقب بيتشو، مات فتى الرجاء والوداد عن سن يناهز 32 سنة، وكان حينها محترفا بنادي الوحدة السعودي. قدر لهذا اللاعب الأسطوري أن يموت في مكةالمكرمة، في أحد المستشفيات، بعد أن انتقل إلى الديار السعودية من أجل طي صفحة الهواية وإنهاء مشواره في عالم الاحتراف، إلى جانب لاعب الرجاء عبد اللطيف بكار الذي خاض التجربة إلى جانب بيتشو في نفس الموسم الرياضي، وبإشراف من المدرب المغربي أحمد صبري. يقول شقيق بيتشو كمال شكري، إن مصطفى قرر الانتقال إلى السعودية بعد أن ضاق ذرعا بملاحظات أفراد الأسرة، الذين طالما عاتبوه لعدم تمكنه من توفير المال الكافي لشراء شقة وسيارة والعيش في الرفاه على غرار لاعبين أقل منه مستوى، «حين توصل بالدفعة الأولى من منحة التوقيع سلمها لجدته التي كان يعيش معها وسافر بلا رجعة». لكن ما هي أسباب ودواعي الوفاة المفاجئة للاعب كان الجميع يشهد له بالقوة وبالحضور البدني، بل إن لقب «العود» الذي كان يطارده اعتبر كناية على لياقته البدنية. حين انضم بيتشو إلى نادي الوحدة، خاض أول مباراة ودية ضد نادي الهلال السعودي وأبان عن مستوى جيد، بل إنه سرق الأنظار والشهرة من اللاعب البرازيلي الشهير ريفيلينو الذي كان يخوض أولى مبارياته بقميص الهلال، وبعد مبارتين غاب فجأة عن الوحدة. لقد توجهت على نفقة أسرتي إلى جدة حيث كان يقيم شقيقي بيتشو في إحدى المصحات، وأكد لي المسؤولون عن نادي الوحدة أن الوفاة ناتجة عن مرض السرطان، وأطلعوني على وثيقة تؤكد ذلك، كما طلبوا مني التوقيع على وثيقة أخرى كتب عليها أن الوفاة تمت بدون عنف، لم أفهم مغزى هذه العبارة، أزحت غطاء أبيض كان يغطي جسده ولم يتبين لي أي أثر للجروح أو عملية جراحية فوقعت، رغم أنهم قالوا إن العملية أجريت، ثم إنهم منعوني من دخول المصحة وبقيت في الانتظار وأجري التشريح الطبي دون أن أوقع على وثيقة الموافقة. لم يتمكن شقيق مصطفى من معرفة ما يحدث حوله، أمامه جثة هامدة وصمت غريب، حاول طرح مجموعة من الأسئلة لكنه منع من ولوج المصحة وظل خارج أسوار المستشفى. يتداول الكثير من المهتمين بالشأن الرياضي أخبارا عن وفاة غير طبيعية، لكن الأسرة تفضل عدم الغوص في بحر الأسئلة والرضا بالقدر خيره وشره، قال المقربون من بيتشو أنه كان ينعم في صحة جيدة وأن الموت فاجأهم، بل إن عبد العليم بينيني الصديق الحميم لبيتشو والذي قرر اعتزال الكرة فور انتقال شكري إلى صفوف الوداد، «كان مرض اللوزتين هو الذي ينتاب بيتشو، وآخر بطاقة بريدية توصلت بها منه جاءت من تونس حين رافق فريقه إلى هذا البلد من أجل إجراء معسكر تدريبي، وأكد أنه في صحة جيدة، قبل أن تحمل الأخبار وفاة قيل إنها نتيجة لسرطان الأمعاء». دفنت العديد من الأسرار مع شكري في قبره بمقبرة الشهداء، وظل الكثير من رفاقه يفضلون الصمت بدل نسج روايات تحاول أن تخرج الوفاة عن سكتها الطبيعية.