ممثل الصبليون فالأمم المتحدة تلاقى دي ميستورا وأكد ليه موقف مدريد الداعم لمبادرة الحكم الذاتي    تحداو ظروف الحرب وخرجو يبدلو الجو.. مئات الفلسطنيين قصدو البحر فغزة باش يستمتعو بالما والشمش (فيديو)    من قلب الأمم المتحدة .. عمر هلال يُخرس وزير خارجية الجزائر    نفاد تذاكر نصف نهائي "كان الفوتسال"    لماذا أصدرت شركة أبل تحديثاً لهواتفها يعالج الرمز التعبيري للعلم الفلسطيني؟                حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية    نشرة الأخبار: رقم قياسي في الملل    طقس الخميس.. استمرار الأجواء حارة بهذه المناطق    ملف "انفصال القبايل" عن الجزائر يصل الأمم المتحدة!    تفكيك شبكة دولية للتهريب الدولي للمخدرات وغسل الأموال بمراكش    حجز كميات كبيرة ديال القرقوبي فطنجة    الرياضية: الكاف ما غيعاودش يدير السوبر ليگ الأفريقي    دوري أبطال أوروبا.. ريال مدريد يثأر من السيتي ويتأهل لنصف النهائي    "أسود الفوتسال" يستعدون لمواجهة ليبيا    فرنسا ترمي بورقتها الاقتصادية الثقيلة للمناورة بالمغرب    رغم الاستيراد.. توقعات بارتفاع صاروخي لأسعار أضاحي العيد    الخدمة عسكرية .. بلاغ هام من وزارة الداخلية    نتنياهو يتعهد بالرد على هجوم إيران ويؤكد أن "إسرائيل ستتخذ قراراتها بنفسها"    لقاء مهني إسباني مغربي بطنجة لتدارس استدامة مصايد الأسماك ببحر البوران    دياز وريال مدريد ربحو مان سيتي بالبيلانتيات وتأهلو لدومي فينال شومبيونزليگ    اتفاق بين المغرب وجزر القمر على تكوين طلبة ضباط قمريين في الوقاية المدنية    امطار رعدية مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    زاكورة.. جمعية للرفق بالحيوان تنقل الدابة التي تم بتر أطرافها إلى مراكش (صور)    الجيش ينقذ عشرات المهاجرين الأفارقة من الغرق بسواحل العيون    "سانت كيتس ونيفيس" تجدد دعمها لسيادة المغرب على صحرائه وتؤيد الحكم الذاتي    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    أوزين ل"كود": كنتأسفو على هدر الزمن التشريعي بسبب الصراع على رئاسة لجنة العدل والتشريع وكنتمناو من الاتحاد الاشتراكي يستحضر التوافق كيف تافقنا من اللول    الأمثال العامية بتطوان... (575)    زلزالان قويان يضربان غرب اليابان    الملك محمد السادس يعزي سلطان عمان إثر الفيضانات التي شهدتها بلاده    انتشار سريع لفيديوهات ترصد ثلاثية رائعة لرحيمي أمام الهلال    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    القطاع البنكي المغربي معر ض لمخاطر مناخية مادية    تبادل الضرب والجرح بالسلاح الأبيض يُوقف ثلاثة أشخاص في صفرو    سوء الأحوال الجوية يعرقل مطار دبي    ميناء العرائش : ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 8 % خلال الربع الأول من العام    المغرب يتأخر في مؤشر عالمي لجودة الحياة    حيار تؤكد اقتراب الحكومة من المصادقة على مشروع منح بطاقة شخص في وضعية إعاقة    "اكتظاظ مطار مراكش"..مصدر: حالة شبه دائمة بسبب إقبال فاق التوقعات    كوثر براني تصدم متابعيها: 99 في المائة من الرجال "خونة"!    ندوة أكاديمية بالمضيق بعنوان " النقد والتحقيق بحاضرة الثقافة تطوان"    أرقام رسمية.. 3000 مغربي مصاب بمرض "الهيموفيليا" الوراثي وها شنو موجدة وزارة الصحة لهاد النزيف الدموي    المغرب يحتضن فعاليات "ليالي الفيلم السعودي" في نسختها الثانية    الجمال الفني والثقافي المغربي يلتقي بالأدب الإنجليزي في "حكمة الجنوب"    مجلس الأمن يصوت على طلب فلسطيني    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    "محطات من تاريخ السينما بالمغرب".. موضوع محاضرة بكلية الآداب بالجديدة    شقيق رشيد الوالي يدخل على خط إدانة "مومو" بالحبس النافذ    لأول مرة خارج المغرب.. عرض 200 قطعة من الحُلي الأمازيغية التابعة للقصر الملكي    الأمثال العامية بتطوان... (574)    علماء أمريكيون يحذرون من تأثير مادة "الباراسيتامول" على صحة القلب    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كينونَةٌ تَحْيا حَياتها بقلقٍ وأخْرى تحْياها بِشُمُوخ ورُوح مُرتعشة
رواية «فَارةُ المِسْك» لميلودي شغموم
نشر في المساء يوم 02 - 09 - 2009

بعد «الضلع والجزيرة» (1980)، و»الأبله والمنسية وياسمين» (1982)، «عين الفرس» (1988)، «مسالك الزيتون» (1990)، «شجر الخلاطة» (1995)، «خميل المضاجع» (1995)، «نساء آل الرندي» (2000)، «الأناقة» (2001)، «أريانة» (2003)، «المرأة والصبي» (2006)، صدرت للميلودي شغموم رواية جديدة «فارة المسك» (2008). تنشد الحكاية في هذه الرواية، على غرار روايات سابقة للكاتب، عالما حكائيا مليئا بانفعالات شخصيات روائية تحوّل حالاتها الوجودية إلى لعب سردي يلاحق الرّغبة، ويجعلها تتأسّى على قدَرٍ لمْ يمنحها إلاّ التّوتّر، ولم يحملْ لها إلا هموم الوقت.
هَمُّ سارد الرواية، كمال عبد العالي، أستاذ السلك الأول بإعدادية علال الفاسي الذي أحبّ ابنة عمّته سميرة، ورغب في الزواج بها، ليس لأن ذات القدر ضمن له ولها أيضا النجاة من الرصاص الطائش الذي غلّف سماء الدار البيضاء، عقب الأحداث الشهيرة لعام 1965، وحوّل أمه إلى صورة ممزقة، واستعارة مشوّهة: صورة الرصاص وهو يشتت أمعاءها التي تطايرت في الهواء نحو الشمس الصفراء، وحوّل أمها إلى مجرّد يدٍ مبتورة تدحرجت من مرتفع الزقاق إلى أسفله حتى سقطت في مجرى الوادي الحارّ (الرواية، ص. 62)، بل لأنه يحتاج فقط إلى وجهها الفرح. كانا يكبُران، ولم يكن هو يجد ما يعوّض به حبّه لسميرة إلا الحبّ نفسه؛ وقد أضيفَ إليه تعب الليالي العارمة منذ علمه أنها تزوجت بأستاذ الفيزياء وهي في الثانية ثانوي. سألها يوم زواجها: كيف حالكِ؟ أجابت: سعيدة. ثمّ طلبت الطلاق وهي في معركة الاستعداد للباكالوريا سنة 1972. بعد حصولها على الشهادة سألها مرة أخرى: هل نتزوج الآن؟ ردّت بابتسامة غامضة: لستُ جاهزة الآن.
بين كينونة تحيا حياتها بقلق، وأخرى تحياها بشموخ وروح مرتعشة يتقاطع مصير كمال وسميرة على امتداد أحداث الرواية؛ كان هو يتصوّر أنها ستلتحق بمدرسة المعلمين أو بالمركز التربوي لتتخرج معلمة أو أستاذة للسلك الأول، لكنها اختارت كلية الطبّ ورحلت إلى الرباط. بعد ثلاثة أشهر طلبت منه لقاء من أجل أمر هامّ. أثناء ذلك قدمته لرجل في الخامسة والثلاثين: «بنجلون عز العرب، طبيب جراح. زوجي».
من زواج إلى آخر، ومنه إلى العيش مع عشيقها محمد الذئب، تبدو سميرة، في الرواية، شخصية يحلو لها الإقامة على «مشارف التيه» ؛ لا تقصدُ التخفيّ رغم أن كلامها يأتي أحيانا مباشرا لا مشفراً أمام البلاهة اليومية أو الغفوة الطارئة؛ وفي كلّ مرة تجد من يصدّقها: كمال. تسترجع الثقة لأنها تؤمن، في قرارتها، أن لكلّ عُمرٍ شوقَهُ وحُرقتَهُ ؛«فنحن لا نتحمّل مسؤولية أنفسنا كاملة، دائما، وكل ما يحدث لنا يقعُ لأننا نريده، فعلا، أو لا نرغب في تجنّبه... (أو) لأننا نعبر العالم كما نعبر الحلم، وليس العكس (الرواية، ص. 42).
بينما يبدو كمال عبد العالي في الرواية متقلّبا بين التشبث بأمل، والترنح على حافة الصّبوة. ولكي يستمرّ واقفا في مواجهة الحياة، خلق لنفسه ظلا يتعذب، يبكي، وآخر يتلذّذ، ويضحك (الرواية، ص. 47). يترك مصيره للصدفة وهواهُ لأملٍ ضاع منه وتباعد. في كلامه كما في صمته ندمٌ وخجلٌ:
«– يا سميرة، إني نادم على كل ما فعلت معك ولكم أخجل من نفسي على كلّ هذا.
- وماذا فعلت بالضبط، يا كمال؟
- حين رأيت الآخرين يشتهون جسدكِ أخذت أشتهيه معهم، كأني واحد منهم، وزدت على ذلك بأن حوّلتكِ إلى مجرّد جسد فتحالفت معهم، ضدّكِ، ومع الوقت». (الرواية، ص. 115).
وصار التحالف عند كمال عبد العالي رديف الاكتئاب وافتعال المأساة. بقي عالمه مشمولا باللوعة والحرقة، مشدودا إلى زمن طفولي كانت فيه سميرة زوجته بالفعل وبالحلم؛ كان لهما بيت، ولدٌ وبنت: أحمد وأمينة (الرواية، ص. 115). وعلى امتداد أحداث الرواية، يودّ كمال أن يعرف قلبه، أن يعرف نفسه. صوْتهُ في الرواية تنهيدة ومجرّد ذكرى. ولمّا يسكُبُ الْتياعهُ أمام سميرة، يفاجأ ويُصدمُ حين تسأله ذات يوم: «لماذا تؤمن إلى هذه الدرجة بالحُبّ كأنه موجودٌ بالفعل؟» (الرواية، ص. 49). فهل يحتاج كمال لكي يجيب على سؤالها إلى نبوءة تبدّد حيرته وتصقل ما في نفسه من صدأ؟ ربّما. لكن أقصى وأقسى ما فكّر فيه ساعتها كان أعمق وأعْقد: «قد يبدو الحبّ هو ما ينقصني، منذ الطفولة، واستمرّ هذا النقص معي إلى الآن» (الرواية، ص. 49). ورغم ذلك، ظلّ كمال يرفض المجازفة بأحلامه، ويأبى، في الآن ذاته، السكوت عما يهجس في داخله متحسّرا، كأنه لا يطلبُ إلا الشجن، لا يريد أن يثأر إلا لحبه لسميرة.
في كلّ علاقة حُرقة. في كلّ علاقة فجْوة من المجهول. تصنعُ العلاقةُ مصيرها، وتأكلهُ كما تأكل النارُ الحطب. ولذلك، تبدو كل فصول رواية «فارة المسك» للميلودي شغموم وكأنها فهم لعلاقة كمال بسميرة؛ وتفسير لغز «اللاّعلاقة» أو التجرّد من العاطفة. وعليه، تبدأ الرواية بما يمكن أن يكون نهايتها. تبدأ بتقنية معروفة في الروايات البوليسية: تقديم الجريمة. أيةُ جريمة؟
«مع نهاية الألفية الثالثة تناقلت الصحف الوطنية، وعلى مختلف صفحاتها، الخبر التالي:
طبيبة تقتل عشيقها ثمّ تنتحر.
وكالعادة تكاثرت التعليقات والتأويلات وتباينت خاصة منذ أن عرف أن القاتلة طبيبة أخصائية، اسمها سميرة القط، اشتهرت وهي لا تزال طالبة في كلية الطب، بلقب «زوجة كبار الأساتذة» وأن القتيل فنان تشكيلي مغمور، اسمه محمد الذئب، كان يعيش في باريز، على حساب النساء، قبل أن يصبح عشيقها ويعود معها إلى المغرب»... (الرواية، ص. 5).
سميرة تقتلُ عشيقها وتنتحر. مهوى حتمي لعلاقات ملتبسة. ويبقى قلْبُ كمال مفتوحا وبدون أسرار، يبقى مُصِرّا على مقاومة الإحباط والإخفاق حتى وهو يفيق من البنْج بعدما أجريت له عملية جراحية على القُولُون؛ كأنه يعود من الموت، أو يحتضر. يهذي، يحلم، يتذكر ... لعلّه يجدُ شيئا يُبقيه حيّا، وإلى حين...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.