لم يكن حسن جبارة، وهو عامل أمي بسيط يشتغل في قطاع البناء، يدري بأن عجلة الزمان تدور في الاتجاه المعاكس لتضعه يوما وراء القضبان بتهمة ثقيلة كلفته 5 شهور سجنا نافذا (من أصل ثمانية شهور حكمت عليه بها المحكمة الابتدائية بتيزنيت)، حيث وقع شيكات على بياض باسم شركة فلاحية مسجلة باسمه دون أن يكون على علم بأنه يشغل منصب المدير العام بها، بعد أن وقع ضحية عملية نصب واحتيال محكمة جعلته حارسا ليليا على شركته بأجر شهري لا يتجاوز 2500 درهم. وحسب تصريحات جبارة، الساكن بدوار المراح بجماعة مير اللفت التابعة لإقليم تيزنيت، فإن تفاصيل القضية تعود إلى اللحظة التي عرض عليه شخص من معارفه الاشتغال بالحراسة الليلية في إحدى الشركات ببلدية إنزكان، فتردد في البداية، لكنه وافق بعد الاتفاق على مبلغ الأجرة الشهرية لعمله الجديد. وقال جبارة في الشكاية الموجهة لوكيل الملك بابتدائية تيزنيت إن «المشتكى به نصب علي واستعمل شتى أنواع الاحتيال، واتفق معي في أكتوبر 2007 بأن أعمل لديه في شركته بعين القلعة بعمالة إنزكان كحارس لشركة فلاحية، والتقينا بساحة المشور بتيزنيت من أجل التصديق على عقدة العمل، لكنه – يضيف المتحدث- استبدل دون شعوري عقد العمل خفية بوكالة التفويض، فوقعت على الوكالة دون علمي بالمضمون الوارد بها»، مؤكدا أنه «أمي ولا يعرف الكتابة ولا القراءة، وقد استغل المشتكى به ظروفي، فتح حسابا بنكيا بمصرف المغرب بإنزكان، كما تم إجباري بالتوقيع على بعض الأوراق التي لا أعرف محتواها، فتبين لي في ما بعد (بعد فوات الأوان) أنها من الوثائق التي تخص الشركة المذكورة، كما رافقوني إلى المؤسسة البنكية وأجبروني على تغيير إمضائي بإمضاء آخر، فاستولى بعدها على الشيك البنكي، وقام بتعبئته وتسليمه للأغيار»، والتمس المتضرر في الأخير من وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية توقيف هذا الشخص والتحقيق معه في النازلة المعروضة عليه. ولم يكتشف الضحية، تفاصيل قضية النصب والاحتيال، إلا بعدما طرق أبواب منزله عدد من الأشخاص الراغبين في الحصول على مستحقاتهم المالية الواردة بالشيكات الموقعة باسمه، فلم يقو على دفع ملايين السنتيمات التي بذمته، إلى أن تم اعتقاله بتهمة إصدار شيك بدون رصيد، مخلفا وراءه أسرة مكونة من سبعة أبناء وزوجة تندب حظها السيئ، وأما عجوزا حاولت تسديد جزء من الديون من مدخراتها المتواضعة، وتكفلت إلى جانب عدد من المحسنين بمصاريف التغذية طيلة المدة التي قضاها، مشدوها، وراء القضبان. وخلال حديثه ل«المساء»، أوضح جبارة بأن قصته الأليمة أثارت عطف مالكي المنزل المكترى باسمه لإدارة الشركة، فبحثوا عنه إلى أن وجدوه بمقر سكنه الأصلي، وطلبوا منه فسخ عقدة الكراء دون أداء ما بذمته من مستحقات، وذلك على الرغم من أن عقدة الفسخ أشارت إلى أن مالك المنزل توصل بجميع واجباته الكرائية ومفاتيح المنزل من المكتري (جبارة)، وهو ما جعل وضعيته سليمة في هذا الاتجاه، لكن مشكلا آخر ظل يؤرق الضحية ويطرد النوم من أجفانه، ويتعلق الأمر بالوكالة المفوضة التي وقعها سابقا للمشتكى به، حيث أكد فيها بأنه فوض لموكله أن «يقوم مقامه ويتكلم باسمه ونيابة عنه في كافة شؤونه ومصالحه بما يعرض له في ذلك من قول وفعل ومخاصمة وإقرار وإنكار وسائر فصول الخصام»، مشيرا إلى أن الوكالة تخص «جميع ممتلكاتي، كما أفوض له كامل الصلاحيات للتصرف فيها من بيع وتفويت وإبرام العقود وقبض ما يمكن لي قبضه، ودفع ما يمكن لي دفعه وإبرام مختلف العقود بشأنها والدفاع عنها لدى أية جهة، كما يحق له أن يحل محلي في جميع النزاعات أمام المحاكم... وباختصار فإنني أوكله وكالة مفوضة شاملة للتصرف في ممتلكاتي». ولم يتنفس جبارة الصعداء إلا بعد أن قام بعزل وكيله عن الوكالة المفوضة التي وكله فيها، ليقوم مقامه في جميع شؤونه ومصالحه، وقال إن موكله السابق «لا يحق له أن يدلي بها (الوكالة) ولا أن يبيع بها أي شيء، وقد أصبحت ملغاة من تاريخ التوقيع على الفسخ والمصادقة عليه»، إلا أن عددا من الإجراءات المسطرية المعقدة لا زالت تؤرق بال جبارة، وتجعله خائفا من تكرار اعتقاله على خلفية شيكات أخرى عالقة، وهو ما يفرض عليه تعميق الاستشارة في الخطوات التي ستمكنه من التخلص من تبعات الغفلة التي سيطرت عليه في لحظة من لحظات الضعف الإنساني، وجعلته مهووسا بعقدة الخوف من التوقيع مستقبلا على أية وثيقة كيفما كان نوعها، لكن مطالب التحقيق مع الجاني ومتابعته بالتهم المنسوبة إليه لا تزال عالقة إلى حدود الساعة، يقول جبارة وهو يتأفف من القلق الذي أصابه وحول حياته إلى جحيم لا يطاق.