مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    حريق مهول يلتهم سوق المتلاشيات بإنزكان    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب وإفريقيا..هل يبحث المغرب عن دور سياسي في القارة السمراء؟
نشر في المساء يوم 25 - 05 - 2015

من جديد يعود الملك إلى إفريقيا بأجندة اقتصادية واضحة وأكثر قوة. لا أحد ينكر أن الملك كان ذكيا جدا حينما اختار منذ اعتلائه العرش أن ينهج سياسة دبلوماسية جديدة تجاه البلدان الإفريقية، إذ استطاع طوال هذه المدة أن يحقق اختراقا اقتصاديا وسياسيا في الكثير من البلدان الإفريقية. محور الزيارة الحالية يركز على السنغال والكوت ديفوار والغابون، وهي ثلاث دول تجمعها بالمغرب علاقات متينة من الناحية السياسية والدبلوماسية أيضا.
في العقد الأخير أدرك المغرب أن نهج سياسة المقعد الشاغر داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، رغم وجاهة الأسباب التي جعلته ينسحب منها في الثمانينيات من القرن الماضي، يقتضي البحث عن بدائل دبلوماسية أخرى، لاسيما أن التوجه الاقتصادي، الذي بدا واضحا في سياسة المغرب تجاه إفريقيا، يحمل في ثناياه الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب وعدالة قضيته.
للمغرب أعداء كثر على الجبهة الإفريقية، في مقدمتهم الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا. ومبعث القلق يتمثل في أن هذه الدول تتوفر على مقومات اقتصادية ولها وزنها على المستوى الإفريقي، بل أكثر من ذلك تقود جهودا حثيثة من أجل لي ذراع المغرب في المنظمات الدولية. وقد جسد الموقف، الذي عبرت عنه منظمة الاتحاد الإفريقي بشأن ملف الصحراء المغربية قبيل صدور التقرير الأممي في شهر أبريل الماضي، هذه القوة، وأعطى صورة حقيقية عن الكلفة الكبيرة التي دفعها المغرب إثر انسحابه من داخل أعلى هيئة سياسية في إفريقيا.
مع ذلك، تشكل الزيارة التي يقوم بها الملك إلى إفريقيا تحديا جديدا أمام المغرب، فالأرقام تشير إلى أن الاستثمارات المغربية في البلدان الإفريقية وصلت إلى أرقام قياسية في أسواق لا تزال بكرا، وقد بينت الحصيلة التي قدمتها البنوك المغربية أنها حققت أرباحا غير مسبوقة. بطبيعة الحال، بدأ المغرب يقطف ثمار دبلوماسيته الجديدة، ولاشك أن الملك يبعث بالكثير من الإشارات القوية، وهو يبدأ زيارته من السنغال، أحد أقوى حلفائه الإفريقيين.
التوجه الإفريقي الذي اختاره الملك محمد السادس يمكن أن يقرأ على منحيين اثنين:
المنحى الأول هو البحث عن مزيد من الدعم لقضية الصحراء المغربية. إذ هناك 11 دولة إفريقية فقط هي التي لا تزال تدعم جبهة البوليساريو، لكنها تتوفر على قوة داخل المنظمة الإفريقية من جهة، وتحظى بدعم مادي كبير من طرف الجزائر. بيد أن البحث عن الدعم اكتسب صبغة جديدة قوامها تمتين العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع بلدان إفريقية، وهي السياسة التي أبانت عن نجاعتها في السنوات الأخيرة، بل إن المغرب أصبح منافسا حقيقيا لبلدان لها امتدادات قديمة في إفريقيا مثل فرنسا.
وإلى جانب العلاقات الاقتصادية يستثمر المغرب بذكاء العلاقات الروحية والدينية التي تربطه ببعض البلدان الإفريقية، فلا غرابة أن يطلب الرئيس النيجيري السابق، المعروف بمواقفه المعادية للمغرب، رسميا الحديث مع الملك محمد السادس في حمأة الصراع حول الانتخابات الرئيسية النيجيرية.
على المستوى الاقتصادي، قد تكون الزيارة التي يقوم بها الملك إلى الدول الإفريقية إيذانا بفسح المجال أمام استثمارات جديدة تهم قطاعات أخرى غير قطاعات الاتصالات والبنوك. وفي حال نجح المغرب في أن يثبت أقدامه في مجالات أخرى، سيشكل قوة سياسية حقيقية داخل القارة السمراء.
المنحى الثاني يكمن بالتحديد في الاهتمام المتزايد للمغرب في البحث عن «عمقه الإفريقي»، فقد توالت الزيارات التي قام بها محمد السادس إلى إفريقيا في السنوات الأخيرة، الشيء الذي يمنح الانطباع بأن المغرب يبحث عن دور إفريقي رائد، بالرغم من انسحابه من منظمة الاتحاد الإفريقي سنة 1984. ملامح هذا الدور بدأت تظهر خاصة في الأزمة المالية، وفي الدور الأمني الذي بات يحظى به في محاربة الإرهاب.
علاقة المغرب بالدول الإفريقية قطعت أشواطا كبيرة، وأصبحت أكثر قوة مما كانت عليه من قبل، في إطار تعاون ثنائي يمكن تصنيفه فيما يصطلح عليه بتعاون جنوب جنوب. وتنبني صيغة هذا التعاون على البحث عن فرص اقتصادية جديدة مع التركيز على مقاربة التنمية والدعم الاجتماعي. على هذا الأساس يمكن أن نفهم مضامين الخطاب الذي ألقاه الملك أمام هيئة الأمم المتحدة: «اليوم، بعد كل هذه الآثار السلبية، ليس من حق هذه الدول أن تطالب بلدان الجنوب بتغيير جذري وسريع، وفق منظومة غريبة عن ثقافتها ومبادئها ومقوماتها. وكأنه لا يمكن تحقيق التنمية إلا حسب نموذج وحيد، هو النموذج الغربي. ومن هذا المنطلق، يأتي النداء الثاني، الذي أوجهه للمجتمع الدولي: لا بد من التعامل بالمزيد من الواقعية والحكمة مع هذه الدول، وتفهم ظروفها، في مساراتها الديمقراطية والتنموية».
على كل حال، ينبغي على المغرب، وهو يمتن علاقاته ببلدان إفريقية صديقة أن يبحث عن اختراق داخل البلدان التي تساند جبهة البوليساريو، وفي مقدمتها جنوب إفريقيا ونيجيريا لأنهما قوتان اقتصاديتان كبيرتان وبعدها فليتنافس المتنافسون.

«الدبلوماسية الدينية»..قدم المغرب في إفريقيا وسط مد التشيع والحركات الإرهابية
علاقة المغرب الدينية مع إفريقيا جنوب الصحراء تمتد إلى عدة قرون
خديجة عليموسى
ظل البعد الديني حاضرا بقوة في العلاقات التي تجمع بين المغرب وإفريقيا، وهو ما يمكن أن نسميه ب»الدبلوماسية الدينية»، التي تلعب دورا أساسيا في استمرار الروابط الروحية الموغلة في القدم بسبب الزوايا المنتشرة في القارة السمراء.
وتبرز الجولات التي يقوم بها الملك محمد السادس بإفريقيا مدى قوة هذه الروابط القائمة منذ قرون، والتي تتجلى مظاهرها في عدد من القضايا، أبرزها استجابة المغرب لطلبات تكوين عدد من الأئمة الأفارقة، وكذا ترميم وإصلاح عدد من المساجد والمدارس القرآنية وتوزيع آلاف النسخ من المصاحف على بعض الهيئات الرسمية المكلفة بالشأن الديني.
وقد أصبح الرهان، اليوم، على الدبلوماسية الدينية عالمياً، وهو ما أشارت إليه مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية السابقة للولايات المتحدة الأمريكية، في كتابها «الجبروت والجبار»، حيث نبهت إلى الدور المتزايد الذي يلعبه الدين في السياسة الخارجية. ويرى أحمد نور الدين، الباحث في شؤون الصحراء والمحلل السياسي، أن «التحرك في إفريقيا بالنسبة للمغرب دينياً يستجيب لثلاثة تحديات كبرى: أولها مواجهة الحركات التكفيرية أمثال القاعدة في الغرب الإسلامي وكافة فروع السلفية الجهادية التي وجدت في هذه المنطقة الممتدة من موريتانيا إلى الصومال مكانا آمناً ومحضناً متميزاً لأفكارها نظراً لضعف الدولة المركزية بهذه الأقطار ونظراً للهشاشة الاقتصادية ولا اجتماعية لساكنتها.
وثانيها مواجهة المد الشيعي، الذي لم تعرفه إفريقيا قطّ في الماضي، بفعل تركيز النظام الإيراني على نيجيريا، بالخصوص، من خلال تقديم حوالي 10 آلاف منحة للطلبة الأفارقة لدراسة العلوم الدينية في الحوزات الشيعية منذ أزيد من عقدين، بالإضافة إلى جمعيات خيرية لتقديم المساعدات الإنسانية كغطاء لنشر التشيع. وثالث هذه التحديات مواجهة القرصنة التي تحاول الجارة الشرقية القيام بها للزاوية التيجانية من خلال ادعاءات زائفة ترتبط بمسقط رأس شيخ الزاوية المولود في عين ماضي قرب الأغواط، في بداية القرن الثامن عشر، علماً أن مقر الزاوية ومركز إشعاعها وإقامة شيخها ومؤسسها هو مدينة فاس».
ويضيف المحلل السياسي أنه يتعين على المنظومة الدينية المغربية، من رابطة العلماء والمجلس الأعلى للعلماء ووزارة الأوقاف، أن تساير دينامية الدولة، وتمر إلى السرعة القصوى من خلال مضاعفة المنح الموجهة إلى الطلبة الأفارقة للالتحاق بكليات الشريعة والعلوم الشرعية ودار الحديث الحسنية، وتطوير مؤسسة تكوين الأئمة من إطارها الحالي الذي أحدث على عجل، والذي تتم الدراسة فيه لسنتين فقط، إلى إطار أكاديمي حقيقي تتم فيه الدراسة لعدة سنوات وفقاً للمناهج الجامعية، إضافة إلى إحياء رابطة علماء المغرب والسنغال، التي أحدثت على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وتوسيعها إلى «رابطة علماء إفريقيا» لتشمل كل الدول الإفريقية، التي تتبع في معظمها المذهب المالكي والتصوف المغربي السني، وهذا ينسحب على الدول غرب إفريقيا وشرقها.
ومن بين الإجراءات التي يمكن اتخاذها، وفق المتحدث ذاته «إحداث مجلس علمي أعلى لإفريقيا، كهيئة عليا للإفتاء والفقه المالكي، حتى لا يترك المجال للتطرف الديني، وكذا إحداث مؤسسة إفريقية للأوقاف تشرف على بناء المساجد وترميم الزوايا والمكتبات التابعة لها، وإقامة دور الأيتام ورعايتها ودور تحفيظ القرآن وغيرها من أعمال الخير الوقفية.
وتمتد علاقة المغرب الدينية مع إفريقيا جنوب الصحراء إلى عدة قرون، ولعل أبرز المحطات التاريخية في هذه العلاقة، وفق أحمد نور الدين، هي «وصول عبد الله بن ياسين إلى ما يعرف اليوم بغينيا، ثم الدولة الموحدية التي امتد سلطانها ليشمل نيجيريا الحالية وكل إفريقيا الغربية، وجاء بعد ذلك في القرن السادس عشر الميلادي السلطان المنصور الذهبي، الذي توجه بنفسه في حملة عسكرية نحو إفريقيا في عهد الدولة السعدية كما هو معروف. ولم يشدّ عن هذا التقليد سلاطين الدولة العلوية، وأبرز مثال على ذلك جيش البخاري، الذي استقدمه السلطان مولاي إسماعيل من هذه المناطق، التي كانت تعرف حينذاك بالسودان الغربي». وأكد أن «الخطب الدينية في الغالبية العظمى من مساجد إفريقيا الغربية تدعو للسلطان في المغرب بصفته أميراً للمؤمنين، ولم يتوقف ذلك إلا بعد استقلال الدول الإفريقية عن المستعمر الأوربي. ومعروف كذلك أن أتباع الطريقة التيجانية يعتبرون أن الحج الأكبر يكون إلى مكة والحج الأصغر إلى ضريح مؤسس الطريقة بفاس».
وأول ما دخل الإسلام إلى إفريقيا جنوب الصحراء كان على يد التجار المغاربة والزوايا الصوفية المغربية، وعلى رأسها الزاوية التيجانية. لذلك ظلت هذه العلاقة علاقة أخوية وروحية أولاً، ثم علاقة سياسية بحكم البيعة لأمير المؤمنين، بالإضافة إلى العلاقة التجارية، التي كانت تربط حواضر مراكش وفاس وسجلماسة بإفريقيا الغربية حيث تأسست مدن لأول مرة على يد المسلمين، نذكر منها على الخصوص حاضرة تومبوكتو الشهيرة.

المرزكيوي: هناك دول إفريقية مؤثرة في السياسة الدولية تقف ضد مصالح المغرب
قال إن الجزائر تمارس سياسة الترغيب والترهيب لإبقاء دول رهينة سياستها الخارجية المتسمة بالعداء للمغرب
حاورته حليمة بوتمارت
يرى رشيد المرزكيوي، أستاذ التعليم العالي ومدير مركز الدراسات السياسية والعلاقات الدولية المعاصرة بفاس، أن الدبلوماسية المغربية تتعرض في إفريقيا لضغوط كبيرة جدا لعدة أسباب، على رأسها عدم وجود المغرب في آليات الاتحاد الإفريقي، وهي المنظمة الأم لكل المنظمات الدولية في القارة.
هذا الغياب فوّت على المغرب لعقود من الزمن مهمة الدفاع عن قضاياه الأساسية من داخل آليات الاتحاد، مشيرا إلى أن عددا من الدول الإفريقية المؤثرة في السياسة الدولية تقف ضد مصالح المغرب وتحاربه دبلوماسيا، وهي دول تتزعمها الجزائر وتمارس عليها سياسة الترغيب أو الترهيب للإبقاء عليها رهينة سياستها الخارجية المتسمة بالعداء للمغرب.
– ما قراءتك للجولة الملكية الجديدة نحو إفريقيا وأبعادها؟
تعد إفريقيا، اليوم، مستقبل العالم من حيث الموارد الطبيعية المتنوعة ومصادر الطاقة، ومن حيث الغنى البشري. وهي بذلك تشكل مخزونا هائلا من الخيرات المتنوعة، خاصة أن الكثير من الخيرات لم تستغل بعد أو لم تكتشف بعد. وهناك، اليوم، توجه دولي عام نحو إفريقيا، ومنافسة شديدة بين الدول الغنية الكبرى والدول الصاعدة حول المصادر والموارد الطبيعية في القارة الإفريقية. وبحكم أن المغرب دولة إفريقية، جغرافيا وتاريخيا وحضاريا وروحيا، فهو مدعو، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى تنمية وتطوير وتكثيف علاقاته ببلدان القارة. فلا يمكن للمغرب أن ينسلخ عن انتمائه وهويته التاريخية الإفريقية، ولا يمكن له أن يستغني عن روابطه الحضارية مع بلدان وشعوب إفريقيا. وهنا نتذكر قول الملك الراحل الحسن الثاني بأن المغرب عبارة عن شجرة، جذورها في إفريقيا وأغصانها في أوربا. إذ يمكن أن نستغني عن بعض الأغصان، ولكن لا يمكنننا أن نفرط في أي جذر. وفي نفس الإطار، قال الملك محمد السادس في خطاب له عام 2014 إن «إفريقيا لم تعد قارة مستعمرة، بل قارة حرة، إنها ليست بحاجة إلى مساعدات إنسانية بقدر ما هي بحاجة إلى شراكات ذات نفع متبادل، وبحاجة إلى مشاريع التنمية البشرية والاجتماعية». وهذا كله يدل على أن تاريخ المغرب دون شك ارتبط بتاريخ إفريقيا، ومصير شعب المغرب ومستقبله مرتبط بشعوب القارة الإفريقية لا محالة. ومما لا شك فيه أن الزيارة الملكية الحالية لأربعة بلدان إفريقية تأتي من وعي عاهل البلاد بهذه الروابط والأواصر التي لا يمكن أن تنفصم.
– وكيف تقيّم الآليات التي يعتمدها المغرب في التوجه نحو إفريقيا بالاعتماد على الاقتصاد والجوانب الدينية؟
العمق الاقتصادي للمغرب ومستقبله التجاري يوجدان في إفريقيا، فمنذ أن أعلن محمد السادس في قمة القاهرة عام 2000 عن إلغاء ديون المغرب على البلدان الإفريقية الأقل نموا، وإلغاء الرسوم الجمركية على كل المنتجات القادمة من هذه الدول، منذ هذا التاريخ بدأ المغرب يحظى بمكانة متميزة في العلاقات الاقتصادية الإفريقية، فقد أبرم المغرب أكثر من 500 اتفاقية تعاون مع أكثر من 40 بلدا إفريقيا، في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية، بدءا بمجال الطاقة والموارد الأولية والمناجم، مرورا بقطاع النسيج والصناعة الغذائية والعقار، وصولا إلى قطاع البتروكيماويات والكهرباء وقطاع النقل والقطاع المصرفي. ومن المؤكد أن الزيارة الحالية، التي يقوم بها العاهل المغربي لبلدان إفريقيا، الذي سيرافقه عدد من رجال المال والأعمال، ستشكل لا محالة طفرة في عقد المزيد من اتفاقيات التعاون والاستثمار والتبادل التجاري والاقتصادي. ولا يجب أن ننسى بأن المغرب دخل من الباب الواسع إلى المنظمات الدولية الاقتصادية الإفريقية، كالمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا منذ 2005، ومنظمة تجمع دول الساحل والصحراء منذ 2001. أما في المجال الديني فيكفي القول بأن الشعوب الإفريقية تعرفت على الدين الإسلامي بفضل المغرب منذ حوالي 11 قرنا. وما زال المغرب، اليوم، يعتبر مرجعا دينيا للأفارقة، ويلعب دورا رائعا في محاربة العنف والتطرف الديني، من خلال تبنيه للمذهب السني المالكي الوسطي. ولا يخفى على أحد ما يقوم به المغرب من ريادة في مجال محاربة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء من خلال المحافظة على علاقات متينة مع الزوايا والطرق الصوفية، التي تنشط في بلدان غرب إفريقيا، ومن خلال تكوين المغرب مئات الأئمة والمرشدين الدينيين ليعملوا في عدة بلدان إفريقية بناء على طلبهم. وهذا يؤكد تفرد النموذج الديني المغربي المتسم على الدوام بالوسطية والتسامح والانفتاح ونبذ العنف والتطرف.
– إلى أي حد يمكن القول بنجاح الدبلوماسية المغربية في تحقيق اختراق في إفريقيا؟
في الواقع، تتعرض الدبلوماسية المغربية في إفريقيا لضغوط كبيرة جدا، لعدة أسباب، نذكر منها عدم وجود المغرب في آليات الاتحاد الإفريقي، وهي المنظمة الأم لكل المنظمات الدولية في القارة. هذا الغياب فوّت على المغرب لعقود من الزمن مهمة الدفاع عن قضاياه الأساسية من داخل آليات الاتحاد. ثم إن عددا من الدول الإفريقية المؤثرة في السياسة الدولية تقف ضد مصالح المغرب وتحاربه دبلوماسيا، وهي دول تتزعمها الجزائر وتمارس عليها سياسة الترغيب أو الترهيب للإبقاء عليها رهينة سياستها الخارجية المتسمة بالعداء للمغرب.
ورغم كل العراقيل والعقبات التي تسعى الجزائر وحلفاؤها إلى وضعها في طريق الدبلوماسية المغربية، فإن المغرب يسير، اليوم، بخطى حثيثة وثابتة نحو بناء دبلوماسية قوية ومتينة في إفريقيا. فمنذ العقدين الأخيرين حققت الدبلوماسية المغربية تقدما حقيقيا على حساب أعدائها، وذلك يتجلى بشكل واضح في عدد الدول التي سحبت اعترافها بالبوليساريو وجمدت علاقاتها مع الجمهورية الوهمية. نذكر منها على سبيل المثال: بورندي التي اعترفت بالجمهورية الوهمية سنة 1976 وسحبت اعترافها بها في عام 2010، وبنين التي اعترفت بها عام 1976 وسحبت اعترافها ذاك عام 1997، وغينيا بيساو، التي يزورها ملك المغرب الآن، والتي كانت هي الأخرى قد اعترفت بالبوليساريو عام 1976 وسحبت اعترافها عام 2010. إضافة إلى زامبيا التي اعترفت بالبوليساريو عام 1979 وسحبت اعترافها بها سنة 2011، وكذا تشاد التي اعترفت بها سنة 1980 وسحبت اعترافها عام 2006، وأيضا مالي التي اعترفت بالبوليساريو عام 1980 وسحبت اعترافها عام 2013… هناك دول كثيرة سارت على نفس المنوال، وهذا يؤكد، دون شك، على الانتصار الكبير للدبلوماسية المغربية في إفريقيا.
– يرى البعض أن المغرب لا يزال غير قادر على الانتقال من الحضور إلى الفاعلية، عن طريق الدبلوماسية المؤثرة في إفريقيا.
لا يخفى على أي دارس للعلاقات الخارجية للمغرب أن المملكة منذ استقلالها دافعت باستماتة عن القضايا الإفريقية العادلة في كل المنتديات والمحافل الدولية الإقليمية والعالمية. ولا أحد في إفريقيا ينكر دور المغرب في دعم قضايا تحرر الشعوب الإفريقية، ونضال المغرب من أجل تحقيق التنمية والسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان في إفريقيا. فمن المعلوم أن المغرب كان من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي) عام 1963، وتدخل منذ استقلاله كوسيط محايد في العديد من الأزمات والنزاعات الإفريقية، كما لعب دورا رائدا من الناحية الإنسانية في مختلف الكوارث والأزمات الطبيعية والإنسانية والسياسية والعسكرية في كثير من بلدان القارة. غير أنه يجب القول بأن المغرب منذ انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية عام 1984، وترك مقعده شاغرا، تأثرت علاقاته بالبلدان الإفريقية وتراجع دوره بشكل ملحوظ في العلاقات الدولية الإفريقية. وبذلك أعطى فرصة ثمينة لأعدائه في الدفاع عن طروحاتهم وقضاياهم. لكن لا يجب أن ننسى أن المغرب في عهد محمد السادس عاد بقوة إلى حضن إفريقيا، وبدأ يستعيد مكانته المتميزة يوما عن يوم، من خلال الزيارات السابقة والحالية التي قام بها العاهل المغربي لكثير من البلدان الشقيقة. ونتمنى أن تتوج هذه العودة المغربية إلى إفريقيا باستعادة المغرب لمقعده كاملا في الاتحاد الإفريقي في أقرب وقت ممكن، حتى يتمكن من لعب دوره الفعال في القضايا المصيرية لقارتنا، وهو الدور الذي طالما لعبه بجدارة وحنكة في الماضي القريب.
– رغم النجاح المحقق دبلوماسيا، فإن هناك قصورا من ناحية البحث عن التحالفات الجديدة عبر الانفتاح على المجالات الأنجلوفونية بإفريقيا.
لقد بدأت فعلا علاقات المغرب بإفريقيا تتعافى بسرعة، وبدأت تنمو وتتطور بشكل لا رجعة فيه. وعلى المغرب، اليوم، أن ينوع علاقاته وشراكاته مع مختلف البلدان الإفريقية، خاصة منها تلك المؤثرة في السياسة الدولية لإفريقيا. إذ لوحظ أن المغرب يركز على علاقاته بالدول الفرنكوفونية، فحتى الجولة الحالية للملك محمد السادس تشمل زيارة ثلاثة بلدان فرنكوفونية (السنغال، كوت ديفوار والغابون) من أصل أربعة. أما غينيا بيساو فكانت مستعمرة برتغالية. ومن المعروف أن عددا من الدول الأنجلوفونية الإفريقية لديها مكانة متميزة في السياسة الدولية، رغم قلتها، مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا وكينيا. وبصفة عامة فعلاقات المغرب مع هذه البلدان ليست بمثل أهمية علاقاته بالدول الفرنكوفونية. بل إن علاقاته مع بعض تلك الدول، خاصة نيجيريا وجنوب إفريقيا، يسودها كثير من التردد والغموض وعدم الاستقرار، بسبب دعم الدولتين لانفصاليي البوليساريو. ومن وجهة نظري، يجب على المغرب أن يسعى إلى محاولة التقرب من هذه الدول وتحسين علاقاته بها على أساس الاحترام المتبادل، فحتى إذا لم يتمكن المغرب من كسب صداقتها وضمان دعمها ومساندتها له في قضية الصحراء، فعلى الأقل سيكسب حيادها وسيضمن عدم دعمها للبوليساريو.
– رغم الجهود، التي يبذلها الملك محمد السادس على المستوى الإفريقي، يلاحظ وجود قصور على مستوى الدبلوماسية المغربية التي تمارسها المؤسسات الأخرى، كوزارة الخارجية والبرلمان والأحزاب والنقابات والجمعيات، التي تبقى غير قادرة على التحرك لخلق جسر بين ما هو اقتصادي ومالي وسياسي وما هو ثقافي واجتماعي وإنساني.
الدبلوماسية الرسمية، التي هي مجال محفوظ للملك، رغم فعاليتها ورغم الجهود المبذولة في إطارها، تبقى قاصرة نوعا ما في الوقت المعاصر، حيث تطورت تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات بشكل لم يخطر على بال أحد. وهذا التطور وفر فرصا رائعة لتواصل الأفراد والشعوب والأمم وتلاقح الحضارات، وأصبحت بذلك الدبلوماسية غير الرسمية أو الدبلوماسية الموازية تلعب دورا رائدا في توثيق أواصر الصداقة والتعاون والتضامن بين مختلف شعوب الأرض. ومن المؤكد أن الدبلوماسية الموازية في المغرب، التي تباشرها عدة جهات، كالأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني، تبقى غير فعالة ولا ترقى إلى المستوى المطلوب. وعلى الجميع أن يعي ويعرف بأن العلاقات الدولية المعاصرة هي بالدرجة الأولى علاقات شعوب وأمم وأفراد، وليست فقط علاقات بين دول ذات سيادة. كما على الجميع أن ينخرط في صناعة دبلوماسية وسياسة خارجية مغربية هادفة ومثمرة وبناءة، خدمة لقضايانا المصيرية كمواطنين في دولنا وكمواطنين في العالم.

احرزير: «حالة «البلوكاج» الفكري والإديولوجي تحول دون الانفتاح على المجالات الأنجلوفونية بإفريقيا
مصطفى الحجري
رغم النجاح الدبلوماسي الذي حققه المغرب في علاقته مع عدد من الدول الإفريقية، إلا أن هذا الواقع لا يمكن أن يحجب حقيقة وجود قصور واضح من ناحية البحث عن تحالفات جديدة، تكسر المحيط الجغرافي الذي اقتصر عليه التواجد الدبلوماسي المغربي، بالانفتاح على المجالات الأنجلوفونية بإفريقيا، حيث يتحاشى المغرب الرسمي التعامل أو تطوير العلاقات التجارية والجامعية والحزبية مع عدد من الدول، مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا وغانا وأنغولا.
هذا القصور أرجعه عبد الملك احرزير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، إلى الاختلافات الحاصلة في القناعات الإيديولوجية والسياسية بين المغرب وهذه الدول، والتي تطورت أحيانا إلى عداء وصراع، خاصة على مستوى ملف الصحراء المغربية.
إحرزير قال إن المغرب نجح بالفعل في نسج علاقات تقليدية، وجد متينة مع عدد من الدول الإفريقية، على رأسها السنغال وكوت ديفوار وغينيا، منذ الاستقلال وإلى الآن، وهو ما يترجمه عدد اتفاقيات التعاون والشراكة المبرمة، بعد أن كان تقاسم عدد من العوامل المشتركة محفزا أساسيا لتنمية هده العلاقات، مثل القناعات الليبرالية والقناعات الدولية والمرجعيات، لكن مع دول أخرى تحول هذا المعطى إلى عامل قطيعة، زكتها تأثيرات الحرب الباردة التي لازلت تلقي بظلالها على العلاقات بين عدد من الدول.
وفي هذا السياق، أشار إحرزير إلى جنوب إفريقيا، وقال إن لها قناعات معروفة تدافع عنها على المستوى الدولي، جعلت الصراع يحتدم داخل منظمة الوحدة الإفريقية، قبل أن يزيد مشكل الصحراء من حجم الهوة في العلاقات بين المغرب وعدد من الدول.
وارتباطا بالتحركات المكثفة التي يقوم بها المغرب حاليا بعدد من الدول الإفريقية على المستوى الاقتصادي، قال إحرزير إن الأمر يتعلق بمقاربة جديدة، وإن الإقلاع الاقتصادي بالقارة الإفريقية سيكون بداية أساسية للمغرب من أجل خلق دينامية تمكن من كسر حالة الجمود والقطيعة، وتحقق اختراقا على مستوى هذه الدول، خاصة في ظل ارتفاع الأصوات المنادية بالتخلي عن الصراع المذهبي والإيديولوجي، والتقارب من أجل التعاون بشكل يمكن من تحقيق نمو اقتصادي، كما هو حاصل بين المغرب والجزائر التي لازالت مصرة على إغلاق الحدود ودعم البوليساريو.
وأشار إحرزير إلى أن حالة الانغلاق التي ميزت علاقة المغرب بعدد من الدول الإفريقية ترجع بشكل أساسي لوجود تقصير في الأداء الدبلوماسي، الذي قال إنه ليس حكرا على الدولة، الأمر الذي لم يساعد في كسر حالة «البلوكاج» الفكري والإيديولوجي التي لازلت قائمة، مضيفا أن نجاح المغرب في ربط علاقات قوية مع عدد من الدول أمر مهم يتعين استثماره، خاصة بعد أن اقتنعت دول أخرى بأهمية نسج وتطوير علاقات مع المغرب، والمضي قدما في استثمار المؤهلات الطبيعية التي تزخر بها في إطار تعاون جنوب جنوب.
ورغم أن عددا من الأطراف المناوئة لمصالح المغرب تنبهت بشكل مبكر لأهمية هذا التعاون ووظفته بشكل سياسي من أجل إرباك المغرب، فإن احرزير قال إن الأطروحة الاقتصادية التي تبناها المغرب حاليا على مستوى القارة ستجعل عددا من الأطراف تقتنع بأنه يمكن للاقتصاد أن يحل المشاكل ذات الطابع السياسي، وأن يزيح الغيوم التي لازلت تلبد سماء العلاقات منذ الحرب الباردة بفعل العداء الإيديولوجي الذي خلقه التجاذب بين المعسكرين الشرقي والغربي، وهو أمر تجاوزه الزمن.
ونبه إحرزير إلى أن مسؤولية التقصير الحاصل في عدم انفتاح المغرب على عدد من الدول الإفريقية يعود أيضا للخطأ الذي وقع فيه عدد من المقررين، خاصة على مستوى الحكومات المتعاقبة من كون السياسة الخارجية مجال محفوظ للملك، وقال إن الواقع السياسي الدولي تغير، وعلى الجميع أن يدلو بدلوه لحل عدد من المشاكل لتجاوز الخطأ الحاصل بأن هذا المجال لا يجب الاقتراب منه، وهو ما خلق تعثرا كبيرا بحكم أن السياسة الخارجية تحولت الآن إلى مجال للتشارك بين أطراف متعددة من المقاول ورجل الأعمال، ورجل السياسة والبرلماني، وعدد من مكونات الدولة والمجتمع المدني ممن يتعين أن يدخلوا على الخط من أجل الانفتاح على عدد من الدول، سواء في إفريقيا أو في قارات أخرى.
وأضاف أن الحرب الباردة انتهت ويتعين تجاوز الثقافة القديمة من خلال جريان النخب، واستيعاب أن العالم تحول إلى قرية صغيرة، وحينها يمكن أن يكون للسياسة الخارجية للمغرب باع طويل، وامتداد ايجابي ليس فقط على مستوى ملف الصحراء بل أيضا لحل عدد من المشكلات الاجتماعية، مثل الهجرة السرية ومعضلات أخرى، وهو ما يقتضي وعيا من الأحزاب ونخبا جديدة، مشيرا إلى أن الرهانات والمقاربات الجديدة التي تتعامل بها الدول قطعت مع الطرق القديمة، التي كانت معتمدة قبل ثلاثين وأربعين سنة.

الشيات: الاقتصاد هو عقيدة أي تحرك مغربي في إفريقيا
المهدي السجاري
بحزمة من الاتفاقيات والمشاريع التنموية والاستثمارية، يعود العاهل المغربي إلى دول القارة السمراء في زيارة تعزز الدور المتنامي للمغرب في علاقات التعاون جنوب جنوب، من خلال استثمارات ضخمة للمقاولات العمومية والخاصة.
خروج المغرب من الاتحاد الإفريقي ومناورات خصوم الوحدة الوطنية لم تمنعاه من نسج علاقات قوية مع عدد كبير من الدول الإفريقية، حيث أضحى حضوره متميزا في قطاعات استراتيجية، منها القطاع الفلاحي والنقل الجوي والبنوك والاتصالات، إلى جانب الحضور الديني واستقطاب المؤسسات التعليمية أكثر من 7 آلاف طالب إفريقي سنويا.
ويزداد الحضور المغربي قوة بالنظر إلى إمكانية تحوله إلى نقطة عبور باقي أوربا ودول الخليج نحو إفريقيا. توجه سبق لوزير الخارجية الأمريكي أن أكد عليه عندما وصف المغرب ب«المحرك للازدهار والأمن بالمنطقة المغاربية والقارة الإفريقية»، بالنظر إلى كون المملكة في صدارة البلدان الإفريقية، التي تستثمر في هذه القارة، وبأنها تتموقع كبوابة عبور نحو هذا الجزء من العالم.
خلال الفترة ما بين 2003 و2013 ارتفع المبلغ الإجمالي لمبادلات المغرب التجارية مع القارة الإفريقية إلى 36 مليار درهم سنة 2013، بمعدل سنوي بلغ 13 في المائة، مشكلا ما يقارب 6.4 في المائة من القيمة الإجمالية لمبادلات المغرب الخارجية مقابل 4.6 في المائة سنة 2003.
وخلال نفس الفترة حققت صادرات المغرب نحو إفريقيا ارتفاعا بلغ 16.3 مليار درهم، بمعدل سنوي بلغ 16 في المائة، وهو ما يشكل 8.8 في المائة من مجموع صادرات المغرب مقابل 4.2 في المائة سنة 2003. وتتشكل هذه الصادرات أساسا من الأغذية والمشروبات والتبغ بحوالي 28 في المائة، والمنتجات نصف المصنعة ب23 في المائة، والتجهيزات الصناعية ب17 في المائة، ومنتجات الاستهلاك المكتملة ب16 في المائة، إلى جانب الطاقة ومواد التشحيم ب12 في المائة.
تحليل نوعية البلدان الأكثر استيرادا للمنتجات المغربية يشير إلى أن المبادلات التجارية مع إفريقيا جنوب الصحراء تتم أساسا مع الغرب الإفريقي. وهنا تأتي السينغال على رأس الزبناء الأساسيين لصادرات المغرب بحصة 17 في المائة خلال سنة 2013، وموريتانيا ب10 في المائة، وغينيا ب8 في المائة، وغانا ب7.7 في المائة، وأنغولا ب4.8 في المائة، إلى جانب غينيا الاستوائية ب3.9 في المائة.
خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة وجدة، اعتبر في تصريح ل«المساء» أن الأدوار السياسية التقليدية لم يعد لها نفس التأثير الذي كان يحكم العلاقات الدولية بأسسها الأيديولوجية، أما في حالة العلاقات المغربية الأفريقية فيعتبر الإرث السياسي مؤثرا جوهريا في طبيعة العلاقات بين الطرفين، في ارتباطه بأولوية الموقف من القضية الوطنية على مسار العلاقات الثنائية.
ويرى الخبير الدولي أن الاقتصاد هو عقيدة ومحور أي تحرك مغربي في إفريقيا، لكنه مرهون إلى حد كبير بالأبعاد السياسية، وبالتالي فأهم الدول الشريكة هي أيضا دول لها مواقف سياسية متناغمة مع التصور المغربي.
وأكد في هذا السياق أن المدخل الاقتصادي يجب أن يكون متجددا، مشيرا إلى أن هذا التجدد مرتبط بعدة أبعاد، منها أنه يقوم على التفاضل مع أسلوب ريعي يتماشى مع اعتبار القارة مرتعا للتسلط والديكتاتورية، وثانيها اعتماده على الرأسمال الخاص الوطني والشراكة مع الرؤى الحكومية أو الرسمية، علاوة على مأسسة التعاون على المستوى الوطني بتشكيل هيئة قابلة للتتبع والمساءلة والتخطيط الاستراتيجي، وأيضا مأسسة إقليمية بتشبيك التصور المغربي للتنمية مع مؤسسات وطنية إفريقية.
وبشأن إمكانية وصول المغرب للعب دور الوسيط التنموي، يرى الشيات أن ذلك مرهون بالتوافق مع رؤى استراتيجية لقوة عظمى، على اعتبار أن المجال ليس مفتوحا لأي سياسة إقليمية مستقلة، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة عبرت عن استعدادها للقيام بذلك انطلاقا من أسس مشتركة، لكن الأمر ليس اختيارا بسيطا للأدوار المتعددة لقوى أخرى، لاسيما الأوربية منها وكذا الصين.
بيد أن استفادة رجال الأعمال المغاربة من الفرص الاقتصادية مع عدد من البلدان الإفريقية، التي تربطها بالمغرب اتفاقات للتجارة والتبادل، تصل إلى أكثر من 500 اتفاقية تعاون، تبقى ضعيفة مقارنة بالموقع الذي يجب أن يحتله التعاون الاقتصادي مع هذه الدول.
واستنادا إلى دراسة أعدتها وزارة الاقتصاد والمالية، فإن من بين العوامل المعيقة للمبادلات الاقتصادية تلك المتعلقة بالأنظمة التجارية في إفريقيا، التي تعد الأكثر تقييدا مقارنة بنظيراتها في باقي المناطق، إلى جانب الرسوم الجمركية التي تعد أكثر ارتفاعا بحوالي 20 في المائة مقارنة بمناطق أخرى.
كما أن هناك إشكالات مرتبطة بغياب شبه تام لخطوط مباشرة للنقل البري أو البحري، وهو ما يولد تكاليف إضافية ويحد المنافسة على مستوى أسعار المنتوجات المتبادلة. وتزيد من صعوبة هذا العائق مقتضيات الاتفاقات الثنائية التفضيلية، التي ترهن منح الامتيازات الضريبية بشرط احترام قاعدة النقل المباشر، وهو ما يجعل مرور المنتوج على تراب الغير ينتج عنه خرق للقاعدة ويشكل سببا في حرمان المنتوج من الاستفادة من النظام التفضيلي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.