يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. تبين أن منظمة التحرير الفلسطينية أخطأت حين أقدمت على قتل أكبر قبل عملية مائير، فقد كان بإمكانها الانتظار إلى أن يعود إلى لندن ومع أن الموساد سوف تعرف من قتله إلا أنها لم تكن لتهتم عندئذ، في تلك الأثناء كانت مائير قد وصلت إلى فرنسا في المرحلة الأولى من رحلتها التي ستوصلها إلى روما، وقد تنذر مسؤولو الموساد فيما بينهم بألا تحضر مائير معها إسرائيل غليلي، وهو وزير بلا وزارة تربطها به علاقة غرامية منذ زمن طويل، فقد اعتاد الاثنان على الخلوة في أكاديمية الموساد جاعلين القصة الغرامية مادة يتحدث بها الجميع في المعهد. انخدع مارك هيسنر، رئيس مركز الموساد في روما بخدعة بانكوك، لكن شاي كولي في ميلانو ظل مقتنعا أن هنالك ما يثير الشبهة في ذلك السيناريو، كان كولي رجلا حازما ذا سمعة مشهورة بحبه للتفاصيل، لقد واصل تقليب كل التقارير المتعلقة بأكبر نشاطات منظمة التحرير الفلسطينية، فلم يستوعب أن الهجوم في بانكوك كان ذات الأمر الذي تحدث عنه أكبر. كانت أسعد حظوظ كولي قد جاءته من مصدر غير متوقع أبدا فقد كانت امرأة تتحدث عدة لغات وذات مواهب كثيرة تقيم في شقة في بروكسيل، تحت تصرف «مقاتلي» منظمة التحرير الفلسطينية الذين يطلبون ملاذا في الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، كانت تتعاطى أجرا عاليا، وكانت رفيقة لهو بارعة لرجال منظمة التحرير، ولأن الموساد كانت تتنصت على هاتفها وشقتها فقد أصبحت التسجيلات الغرامية لها ولأصدقائها في أوضاع مختلفة للنشوة الجنسية وسيلة تسلية مفضلة لمسؤولي الموساد في كل أنحاء العالم. قبل أيام من وصول مائير المقرر إلى روما قال شخص في شقة بروكسيل للمرأة بأنه يريد الاتصال مع روما، وقد اعتقد كولي أن الشخص هو سلامه مع أنه لم يكن متأكدا أبدا وطلب من الطرف الذي رد على المكالمة «أن يخلي الشقة ويخرج الأربع عشرة كعكة»، لم تكن المكالمة مع روما في الظروف العادية تثير أي شكوك، لكن مع وصول مائير المقرر وفي ضوء شكوك كولي فقد كانت المكالمة هي ما يحتاج إليه للتحرك. عندما سمع كولي شريط بروكسيل اتصل على الفور بصديق في الملحقة، فاتصل بدوره بصديقه في المخابرات الإيطالية فيتو ميشال، وقال إنه يحتاج إلى عنوان رقم هاتفي حالا، أوضح ميشال بأنه لا يستطيع أن يفعل ذلك دون إذن من رئيسه أمبورغو فيفاني، لذلك اتصل بفيفاني، لم يكن كولي يكترث بالقنوات التي تستخدمها المخابرات الإيطالية للحصول على المعلومات، فقد عرف أن الرجل في شقة روما تلقى أمرا بالمغادرة في اليوم التالي مما يفسح لهم وقتا قليلا لتعقب العنوان وليقرروا فيما إذا كان للأمر علاقة بعملية منظمة التحرير. حصل فيفاني على العنوان لكن ضابط الاتصال بدلا من أن يعطي المعلومات لكولي في ميلانو أرسلها إلى مركز روما الذي لم يكن يعرف شيئا عن أهميتها فظلت المعلومات حتى اليوم التالي، وأخيرا تعقب كولي العنوان بنفسه واتصل بمركز روما طالبا منهم أن يذهبوا فورا إلى الشقة، لأنه من الممكن أن تكون لها علاقة بزيارة مائير، وفي تلك اللحظة كان كولي لا يزال يخمن لأنه كان واثقا من أن شيئا خطيرا على وشك الحدوث، وفي الوقت الذي عرفت فيه الموساد أن الشقة كانت خالية كشف البحث عن شيء هام من الأدلة: قطعة ورق ممزقة تظهر الطرف الخلفي لصاروخ ستريلا وعدة كلمات باللغة الروسية توضح الآلية. كان كولي كالمجنون فقبل أقل من يومين على وصول رئيسة الوزراء عرف بأن هناك عملية ستقوم بها منظمة التحرير الفلسطينية في المنطقة، وأن هناك رجالا للمنظمة وأن غولدا مائير على وشك الوصول، ولكن هذه هي الحقيقة الوحيدة التي يعرفها بدقة، نتيجة لذلك تم إشعار مائير بوجود مجازفة أمنية لكنها ردت على رئيس الموساد قائلة سوف أجتمع مع البابا تأكد أنت ورجالك من تأمين هبوطي بسلام. كان هيسنر المسؤول عن أمن غولدا، غير أن كولي كان قلقا على سلامة رئيسة الوزراء أكثر من قلقه إزاء خلاف حول السلطات، فطلب من هيسنر أن يغلق الموضوع، غضب هيسنر واتصل برئاسة الموساد ليشكو من أن كولي يسبب الارتباك في القيادة، فأمرت تل أبيب كولي بالخروج من القضية والعودة إلى ميلانو. بدا أكثر احتمالا أن الفدائيين خارج دائرة المطار ضمن مدى وصول الصواريخ لطائرة مائير، حيث ثبت وجود نقاط اختباء جيدة ضئيلة جدا في أرض المطار، لكنهم بحثوا في كل مكان وانضم إليهم شخص آخر من المخابرات الإيطالية الذي لم يكن يعرف أن المكان مليء بضباط الموساد، وقد حضر لأنه تلقى معلومة من ضابط الارتباط في مركز روما بأن منظمة التحرير الفلسطينية وفقا لمعلومات موثوقة «تخطط لمضايقة الإيطاليين بإسقاط طائرة غولدا مائير بصواريخ روسية الصنع». في هذه الأثناء كان المكلفون قد انقسموا إلى مجموعتين، الأولى بحوزتها أربعة صواريخ اتجهت إلى جنوب المطار، والثانية معها ثمانية اتجهت إلى شماله، وقد ثبت فيما بعد أهمية حقيقة اثنتين من الأربع عشرة «كعكة» لم يرد لهما أي ذكر بعد العملية، لكن في ذلك الوقت ركبت المجموعة الشمالية صاروخين قرب عربتهما في أحد الحقول، وبينما كان أحد رجال الموساد يقوم بتمشيط المنطقة حتى اكتشفهما فصرخ وفتحوا النار ووصلت الشرطة الإيطالية فهرب رجل الموساد، وفي تلك الأثناء حاول أحد الفدائيين الهرب غير أن ضباط الموساد قبضوا عليه وربطوه وألقوا به في السيارة ونقلوه إلى غرفة تخزين في المطار، وتحت الضرب القاسي والمستمر اعترف الموقوف بأنهم خططوا لقتل مائير وأنهم لن يستطيعوا القيام بشيء وأن مائير ستموت. قاموا بضربه حتى أفقدوه وعيه ثم ألصقوا جهاز تفجير تحت كرسيه وجعلوا الخيط طويلاً ثم خرجوا من المبنى وشدوا الخيط فتفتت الرجل قطعاً صغيرة. واتصل كولي بالطائرة طالبا تأجيل الهبوط لدقائق، وفي هذه الأثناء كان أحد رجال الموساد يقوم بجولة حول المطار، فلاحظ عربة محملة بالأطعمة متوقفة على جانب الطريق، وبما أنه مر قربها مرتين فقد لاحظ 3 مداخن في سقفها واحدة يتصاعد منها الدخان والاثنتان لا يخرج منهما شيء، اقترب منها وصدمها فانقلبت وسقط الفدائيان تحتها، حينها رأى فيها صاروخين وسقط الفدائيون في الفخ، ولما رأى رجال الشرطة قفز وعاد إلى سيارته وتوجه إلى روما، وعندما أشعر زملاءه في الموساد تواروا وكأن شيئا لم يحصل. اعتقلت الشرطة الإيطالية خمسة أعضاء من «أيلول الأسود» لكن الغريب أنه تم الافراج عنهم بعد بضعة شهور وتسفيرهم إلى ليبيا مع أنهم ضبطوا بالصواريخ وهم يحاولون اغتيال غولدا مائير.