يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية، خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز، مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية، سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. كان علي حسن، المعروف بأبي حسن والذي كانت الموساد تسميه الأمير الأحمر، على قدر قسوته ذكيا وهو من دبر عملية ميونيخ وقرر الآن استخدام صواريخ ستريلا روسية الصنع، وذلك لنسف طائرة غولدا مائير لدى هبوطها في مطار فيوميسينو في روما. لم يكن أمر العثور على عدد من صواريخ ستريلا مشكلة، فقد كانت منظمة التحرير الفلسطينية تملكها في معسكراتها بيوغوسلافيا. قام سلامة بجولة في بعض الحانات الرخيصة في هامبورغ، وهو المرفأ الرئيسي في ألمانيا إلى أن وجد ألمانيا لديه بعض الإلمام بالملاحة وكان يرغب في عمل أي شيء مقابل المال، ثم استأجر امرأتين التقى بهما في حانة أخرى، وكانتا أيضا راغبتين في عرض المال والجنس والمخدرات ورحلة بحرية ممتعة في الأدرياتيك. تم نقل الألمان جوا إلى روما ثم إلى مدينة باري، حيث ركبوا مركب منظمة التحرير الفلسطينية الذي شحنوه بالأطعمة والمخدرات والمشروبات، وكانت الأوامر الوحيدة لديهم أن يذهبوا إلى جزيرة صغيرة مقابل دوبروفينك، وينتظروا حتى يقوم بعض الأشخاص بتحميل صناديق خشبية في منطقة التخزين ثم يعودوا إلى مكان على شاطئ شمال باري، حيث سيلتقون ببعض الرجال الآخرين ويتسلم كل منهم آلاف الدولارات، وقد طلب منهم أيضا أن يستمتعوا ويقضوا ثلاثة أو أربعة أيام ممتعة، فنفذوها بحذافرها، وكان سلامة قد اختار الألمان لأنهم لو ضبطوا فإن السلطات ستعتقد أنهم من الجيش الأحمر أو من أي منظمة أخرى وليس لهم علاقة بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن سوء حظهم أن سلامة لم يكن معتادا على اغتنام الفرص مع الغرباء في نهاية مهمة ما، فعندما وصل الألمان بالصواريخ خرجت منظمة التحرير في قارب صغير لتفريغ الشحنة ثم أخذت الألمان الثلاثة وأحدثت ثقوبا في اليخت وجعلته يغرق على بعد ربع ميل من الشاطئ. وضعت صواريخ ستريلا في شاحنة وساقها فريق منظمة التحرير من باري إلى أفلينيو ومنها إلى تيراشينا ثم إلى انزيو وإلى أوستيا فروما، وكان سائقها يبتعد عن الطرق الرئيسية ولا يتحرك بها إلا في ساعات النهار ليتجنب أي شكوك، وأخيرا وصل إلى شقة في روما حيث يمكن وضع الصناديق، التي تحتوي على الصواريخ إلى أن تجد الحاجة إليها. في بيروت كان قد تم إعلام قائد «أيلول الأسود» أبو يوسف بأن أكبر عميل مدسوس في المنظمة، لكن بدلا من قتله على الفور مما قد يعرض العملية كلها للخطر، فقد قرر أبو يوسف أن يستغل هذه المعلومات لإخراج الإسرائيليين عن الخط، وبينما كان يعرف بأنهم يدركون بأنهم مستهدفون فإنهم لم يكونوا على علم بالمستجد، لأن أكبر لم يكن لديه سوى معرفة ضئيلة بالعملية. لهذا السبب وقبل ثلاثة أسابع من زيارة مائير لروما قامت منظمة «أيلول الأسود» بشن ما اعتبر في ذلك الوقت غارة لا يمكن تفسيرها على السفارة الإسرائيلية في بانكوك، عاصمة تايلاند، وكان واضحا أن الحدث قد تم تخطيطه بكل سهولة لكن ذلك لم يكن إلا تحويلا للأنظار، فقد سيطر الغزاة على السفارة وعلقوا العلم الفلسطيني من النافذة، وسمحوا للحراس ولكل الموظفين التايلانديين بالانصراف بحرية، لكنهم احتجزوا ستة إسرائيليين كرهائن، بمن فيهم شمعون أفيمور السفير لدى كمبوديا. وبعد وقت قصير طوق 500 شرطي وجندي المبنى وتمت المطالبة بالإفراج عن 26 سجينا فلسطينيا وإلا سينسفون السفارة بكل من فيها خلال عشرين ساعة، وفي آخر المطاف سمح لنائب وزير خارجية تايلاند شار تيشاي شولاسلبيا والسفير المصري لدى تايلاند مصطفى العيسوي بدخول السفارة للبدء في المفاوضات، وظل السفير الإسرائيلي في الخارج، حيث وضع جهاز تلكس في مكتب قريب ليظل على اتصال مباشر مع غولدا مائير ووزارتها في القدس. بعد ساعة من المحادثات، وافق المقتحمون على الخروج سالمين من تايلاند إذا أفرجوا عن الرهائن ثم استمتعوا بوجبة من الدجاج المتبل بالبهارات الهندية والويسكي الاسكتلندي قدمتها الحكومة التايلاندية، وعند الفجر غادروا على متن طائرة تايلاندية خاصة بمرافقة السفير المصري واثنين من كبار المفاوضين التايلانديين. أسهبت مجلة التايم في الحديث عن تفاصيل هذه الحادثة وركزت على دور العيسوي: «كانت مناسبة نادرة للتعاون الإسرائيلي العربي، والأكثر ندرة أن الفدائيين أصغوا للمنطق والعقل وقد أظهرت الحادثة لأول مرة تراجع رجال أيلول الأسود». لم يستطع الصحفيون طبعا أن يعرفوا أن هذا الحادث يتماشى مع الخطة ولم يصدق الإسرائيليون، فيما عدا شاي كولي رئيس مركز الموساد في ميلانو، أن هذا العمل هو العملية التي تحدث لهم أكبر عنها، ومما لا شك فيه أن الموساد انساقت مع تحويل الأنظار فقد طلب من أكبر من قبل رفاقه في منظمة التحرير الفلسطينية قبل عملية تايلاند أن يظل في روما في الوقت الحاضر وأن العملية نفذت في بلد خارج ساحة المعركة في أوربا أو الشرق الأوسط، ومن الطبيعي أن أكبر مرر هذه المعلومة إلى الموساد لهذا عندما حدث هجوم بانكوك لم تكن رئاسة الموساد في تل أبيب مقتنعة أن هذه العملية هي نفسها العملية المقصودة، بل ابتهجت لأنه لم يمت أي إسرائيلي أو حتى لم يصب بأذى. بعد أن اعتقد أكبر أن العملية تمت فقد أراد نقودا ولأنه كان سيتوجه إلى لندن فقد طلب منه ضابط تجنيد العملاء في لندن أن يحضر معه أكبر قدر من الوثائق من منظمة التحرير الفلسطينية، وكان الاجتماع سيعقد في قرية صغيرة في جنوبي روما لكنه، بدأ بالطريقة المعهودة إرسال أكبر إلى مكان في روما واتباع الإجراءات الأمنية. عندما ركب أكبر في سيارة ضابط التجنيد ووضعت حقيبته اليدوية على المقعد الأمامي للسيارة بالطريقة المعتادة، فتحها رجل الأمن فانفجرت السيارة على الفور ومات أكبر وضابط التجنيد ورجلا الأمن بينما نجا سائق السيارة لكنه تضرر كثيرا. كان ثلاثة رجال موساد آخرين يتبعونهم بسيارة أخرى، وقد أقسم أحدهم فيما بعد أنه سمع عبر جهاز الاتصال أكبر وهو يقول بصوت محموم «لا تفتحها»، كما لو أنه كان يعرف أن الحقيبة تحتوي على جهاز تفجير، إلا أن الموساد لم تتأكد فيما إذا كان أكبر يعرف أن حقيبته مفخخة. على أي حال فإن الرجال في السيارة الثانية استدعوا فريقا آخر بما فيه سيارة إسعاف معدة للطوارئ ومعها طبيب وممرض فريق من اليهود المتطوعين في الخارج، وتم نقل باقي زملائهم القتلى الثلاثة مع السائق المصاب بجروح بالغة من الساحة، ثم شحنوا فيما بعد إلى إسرائيل بينما ترك جثمان أكبر المتفحم داخل أنقاض السيارة.