هل يدخل قيس سعيّد في "معركة كسر العظم" مع الاتحاد العام التونسي للشغل؟!    يونس الكعبي: مباراة الكونغو الديمقراطية مواجهة يتعين الفوز بها    السباح المغربي حسن بركة يحقق إنجاز السباحة حول محيط جزيرة مانهاتن في نيويورك    هل يقود لفتيت حكومة 2026؟‬    الأوروبيون يواصلون الضغط على روسيا    معركة غزة تدخل مرحلة جديدة .. "القسّام" تواجه أشرس هجوم إسرائيلي    الجزائر تعلن سحب الحافلات القديمة    أطباء القطاع الحر يطالبون الصيادلة بإثبات مزاعم التواطؤ مع شركات الأدوية    السكتيوي: مواجهة الكونغو تحد كبير .. الالتزام والذكاء مفتاحا التأهل    بركة .. أول مغربي يسبح حول مانهاتن    مدغشقر تتأهل إلى ربع نهائي "الشان"    استقرار أسعار المحروقات في المغرب    وكالة الغابات تصدر خرائط للمناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق    أغلب الأمريكيين يعتبرون الكحول مضرا بالصحة    دراسة: عشاق القهوة في مزاج أفضل بعد الفنجان الأول بالصباح    فتح الله ولعلو: المغرب والصين تقاسما شرف المساهمة في انتصار الحلفاء        بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع                مريدو "البودشيشية" يؤكدون استمرار منير القادري على رأس الزاوية    استمرار الوقفات الاحتجاجية بتطوان ضد "التقتيل والتجويع وقتل الصحفيين في غزة"    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    شركة غوغل تطرح أداة جديدة لحجز رحلات منخفضة التكلفة بالذكاء الاصطناعي    تقرير: تورط مقاتلي البوليساريو في الحرب السورية بدعم إيراني–جزائري يفاقم أزمة العدالة الانتقالية    تغيرات متوقعة في طقس السبت بعدد من مناطق المملكة    صفقتان لتأهيل مطاري تطوان والحسيمة استعدادًا لكأس العالم 2030    بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    حموني: سنة 2026 ستكون "بيضاء" على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    غاب عن جل الأحزاب    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    فوز مثير لليفربول على بورنموث برباعية في مستهل المشوار بالدوري الإنجليزي    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    الدفاع الحسني الجديدي لكرة القدم يختم موسمه الرياضي بعقد الجمع العام العادي    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    كيوسك السبت | البطاطس المغربية تعود بقوة إلى الأسواق الدولية في 2025    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    موسم مولاي عبد الله... تكدّس، غياب تنمية، وأزمة كرامة بشرية    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحضارة الإسلامية والحضارة المعاصرة أية علاقة؟
نشر في ميثاق الرابطة يوم 14 - 01 - 2011

إن مصطلح "الحضارة الإسلامية" لا يكاد يسمع إلا في الأوساط الفكرية الضيقة، وحتى إذا ذكر على لسان البعض ذكر بشكل عام، لا تصل حقيقته واضحة إلى السامع، فتظل هذه الحقيقة في غياهب المجهول، لهذا السبب (التعميم) ولسبب آخر هو شيوع تداول مصطلح "الحضارة" بالمفهوم الغربي، التي ألقت بظلالها الفكرية والمادية في كل المحافل، وحتى سيطر ذلك المفهوم على تصوراتنا وعقول ناشئتنا بحيث لم يعد لحضارتنا الإسلامية في ظل هذه الأجواء المشحونة بالتعتيم موقع قدم، رغم ما تملكه هذه الحضارة من نقاط القوة في ذاتها، يشهد لذلك تاريخ طويل على ما قدمته للبشرية من قيم ومبادئ رفعت من شأنها، ومكنتها من إحراز التقدم في جميع المجالات الإنسانية والمادية والفكرية والروحية، فتحققت لها الحياة الهادئة المستقرة ولفترة طويلة، بعيدة عن الصراعات والحروب بدوافع وأطماع مادية خسيسة، لكن اليوم، أصبح نموذج الحضارة الغربية مسيطرا على الحياة العامة وحتى على الأذواق، فنمط هذه الحضارة مثلا، في تطوير المدن وهندسة البناء وشروط السكن لا يراعي ما أبدعته الحضارات الأخرى في مجال العمران؛ بل أصبحت تحشد كل الوسائل ومنها الإعلام لتقديم هذا النموذج، وتحيطه بهالة من الدعاية النافذة لتقنع به كبديل حضاري مطلق، حتى أضحى مفروضا على كثير من الشعوب بغض النظر عن المناخ والجغرافيا والثقافة والخصوصيات والمواد التي توفرها البيئة المحلية.
وإذا أردنا أن يتعمق الوعي بالذات وإعادة الاعتبار للحضارات وكل الحضارات، فلا بد من بعث الحياة في المفاهيم المحنطة، وتجديد حقائقها، ونفض الغبار المهال عليها قصدا، لرفع الحجب التي حجبت عنا الرؤية الصحيحة، فأساس الحضارة الإسلامية ليس هو تمجيد العقل كما هو الشأن عند الإغريق، ولا تمجيد القوة وبسط النفوذ كما كان عند الرومان، ولا الاهتمام باللذات الجسدية كما هو الأمر عند الفرس، ولا الاعتداد بالقوة الروحانية كما عند الهنود، ولا الافتتان بالعلوم المادية كما هو منهج الحضارة الحديثة، وإنما أساس حضارتنا هو فكري، علمي، نفسي، يشمل جميع شعب الحياة الإنسانية (حضارة متوازنة) ولرفع هذا اللبس، لا بد من تسليط الضوء على مكامن الخلل ونقاط الضعف في الحضارة المعاصرة التي تريد الاستفراد بقيادة البشرية وسوقها -طوعا أو كرها- إلى مهاوي الشقاء المادي، وليس معنى هذا إنكار فضل هذه الحضارة على البشرية جمعاء في جانبها المادي، لكن عيبها الأكبر يكمن في أمور أهمها: يكمن في منهجها غير المتوازن والذي ينظر بعين واحدة، ويطير بجناح واحد، ولا يراعي حاجات الإنسان وفطرته، وأيضا في هدفها المعلن ألا وهو السيطرة على العالم وإخضاعه لسلطانها، وهذا نتج عنه ما يلي:
1. سعيها الجنوني لتطوير العلوم والتقنيات في مجال التسلح، والتراجع الشديد في العلوم والتقنيات التي تخدم المجالات الحيوية للإنسان وأكبر دليل على هذا التوجه المسند بجنون السيطرة، الميزانيات الضخمة المخصصة لهذا المجال مقارنة بميزانية البحث العلمي في المجال الزراعي باعتبارها مجالا حيويا للإنسان؛
2. اتجاه هذه الحضارة بنفس الدافع إلى تطوير الصناعات الاستهلاكية، وإغراق الأسواق بها لا لتوفير حاجات الناس؛ بل ذلك كله يحكمه السعي وراء الربح الفاحش دون النظر إلى قدرة المستهلك، بينما يجد المتأمل البسيط لقيم الحضارة الإسلامية أنها وضعت جملة من الضوابط لتحقيق التوازن بين المصلحة الفردية والاجتماعية، ومقت الأنانية والجشع حماية لأمن المجتمع الغذائي والنفسي، وضمانا لسلامته وطمأنينته واستقراره الذي يعد غاية قصوى في النظام الاجتماعي الإسلامي؛
3. اتجهت تلك الحضارة -أيضا- نحو الصراع مع الطبيعة والبيئة، فبدلا من أن تتكامل معها ومع الإنسان، بدلا من ذلك جفت البيئة، وعمدت إلى تطوير العلوم وإعلان الحرب عليها، بينما تعد عناصر البيئة مصدرا للحاجات الفطرية للإنسان، فدمرت مواردها الطبيعية والحيوانية تحت ضغط دافع الأنانية وكسب الرهان (الربح)، لدرجة أنها أصبحت مهددة بالنفاد، في حين أن الحضارة الإسلامية وقيمها تنظر إلى البيئة نظرة اعتبار لا تقل وزنا عن النظرة إلى غيرها من الكائنات الحية، ويتضح هذا من خلال قوله تعالى: "ولا تفسدوا في الاَرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا اِن رحمة الله قريب من المحسنين" [سورة الاَعراف، الآية: 56] وقوله: "كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الاَرض مفسدين" [سورة البقرة، الآية: 60]، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: "ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ قال نعم، وإن كنت على نهر جار"[1]، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من إنسان قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها..."[2]. كل هذا وغيره كثير يدل دلالة واضحة على مدى عناية الإسلام بالبيئة وبمكوناتها؛
4. ما يؤخذ عليها -أيضا– أنها حين نقلت العلوم والتقنيات عن العرب والمسلمين إبان نهضتها في مجالات الطب والرياضيات والفلسفة، وقد نقلتها بالفعل، تعاملوا معها بانتقاء ينسجم مع نسقهم الحضاري، فهم لم يأخذوا من طب ابن سينا والرازي على سبيل المثال إلا بعض القوانين العلمية والتقنية، ولم يأخذوا عنهما الطب الذي كان ينطلق من الوحدة بين الفرد والمجتمع، والروح والعقل، والجسد والطبيعة... وذلك لا يرجع إلى خلل في منهج الرازي أو ابن سينا، وإنما يرجع إلى اختلاف في الثقافة والأهداف والاتجاهات الفلسفية؛ لأن مسار العلوم –كما هو معلوم- ليس مستقلا عن الأمم والثقافات والحضارات، وهذا ما لا نجده في الأمم المعاصرة، فالأجيال المعاصرة نسيت أو تناست هذا المنهج الانتقائي في التعامل مع إنتاجات الحضارة المهيمنة، لحضورها القوي بمنتوجاتها الاستهلاكية، فأصبحت تتلقف كل ما تنتجه تلك الحضارة حتى من الثقافات والعلوم خاصة في مجال العلوم الإنسانية كعلم النفس وتطبيقاته، وعلوم التربية ومناهجها، وعلم الاجتماع ولو كانت تلك العلوم لا تنسجم مع الثقافة المحلية ونظرتها الفلسفية إلى الإنسان والكون والحياة.
خلاصات واستنتاجات:
1. إن التدافع بين الحضارات وتداول المشعل والريادة، أمر مشروع وسنة إلهية لا تتخلف، يمكن منها الآخذون بالأسباب، ويفقدها التاركون لتلك الأسباب ولو كانوا من أهل الحضارة التي تحمل في ذاتها نقاط القوة والبقاء، أي (ولو كانوا مسلمين)؛
2. لا مَنْدُوحَة عن عودة رجال الفكر من هذه الأمة إلى البحث في المفاهيم الناظمة لمقومات حضارتنا، وتجديد دمائها، وتصحيح تصورات الناس حولها، وتأصيلها بما ينتج رؤى واضحة تضيء الطريق للسالكين؛
3. إن الحضارة المعاصرة على الرغم مما تمتلكه من الإمكانات المادية الهائلة، وما توفره من الرخاء الاستهلاكي لم تحقق السعادة والاستقرار الذين تنشدهما البشرية؛ لأنها تعمل بشكل غير متوازن ومجانب للفطرة الإنسانية.
-------------------------------
1. أخرجه الإمام أحمد في مسنده، رقم الحديث (6768).
2. أخرجه النسائي في سننه، رقم الحديث (4274).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.