«المنتخب» كتاب حياتي «المنتخب « قبل أن تكون كتاب حياتي، هي أصدق مرآة أرى فيها نفسي، صفائي، ولعي، ولهي وجنوني. أغضب منها فأغفر لها في التو، أعشقها فلا أحتمل أن يوضع هذا العشق في ميزان، أعيش فيها ومعها، نطوي السنين كما تطوينا ومهما ترهل فينا الشعور وتثاقل الخطو وتجعدت التقاسيم فالمرآة تظل صافية كزرقة السماء وماء البحر، لا تقبل غير إنعكاس ضوء الأمل وأشعة الحلم وبوارق الإصرار على أن نمضي سويا في حياتنا إلى ما شاء الله لهذه الحياة أن تمتد في خارطة الزمان وفي تفاصيل العمر. وأعترف أنني كلما أردت أن أكتب عن ً المنتخب ً الجريدة وكتاب العشق الأزلي إلا ووجدتني أكتب عن نفسي، فسنواتها من سنواتي وعمرها من عمري، يثور في وجهي صديق العمر وشريك الحلم الزميل مصطفى بدري كلما أحس بنزولي إلى أعماق نفسي، متعبا، مرهقا ومجزوعا لأطلع بنيزك جميل، فيقول لي معاتبا «حرام هذا الذي تفعله بنفسك، الجريدة ونحن نحتاجك، فلما تدمر نفسك..». وترفع زوجتي ألوية الإحتجاج في وجهي كلما رجعت إليها أشكو مغصا في الأمعاء أو صداعا في الرأس أو منهك القوى، وكل زملائي الذين أسعد بصحبتهم في كل يوم عند توضيب كل عدد من أعداد «المنتخب» يدهشهم صخبي، صراخي وعويلي ثم يشفقون علي كلما شعروا بأن الصخب كلما تمخض في عسر إلا وسحبني إلى دوائر الجنون.. مع صدور هذا العدد تكون «المنتخب» قد أكملت 25 سنة وعرجت على سنتها السادسة والعشرين، وهي ذكرى فضية، ذهبية وماسية ولو قدر لي أن أنبث هذه الذكرى بما شئت لأنبثتها مرجانا وألماسا، فما كنا نسخره من جهد خرافي لنغوص في الأعماق، وما كنا نحتاجه من صبر لنبحث في الأصداف، بداخل الأغوار والمحارات، لنحقق هذا النجاح الإعلامي الكبير وطنيا، عربيا ثم إفريقيا يعطينا الحق في أن نقرن الذكرى بكل الأحجار الكريمة. عندما أطلت «المنتخب» على المشهد الإعلامي الوطني تحديدا على الصحافة المكتوبة في بدايات مخاض الصحافة المتخصصة والمستقلة، أطلت مختلفة في الإسم والمسمى تنفرد بالخاصية والمضمون، أبدا لم نكن ننقص من قيمة ما كان موجودا وما توارى من صحف رياضية متخصصة، ولكننا كنا نطمع في أن تكون «المنتخب» متفردة بشكلها، بمضمونها وبفلسفتها التحريرية حتى لا أقول خطها التحريري، وأذكر أننا إخترنا للميلاد شكلا متفردا لم نجنح لأية دعاية ولم نحبذ أية بهرجة، بل إخترنا أن يفتح المغاربة يوم 29 أكتوبر 1986 عيونهم على جريدة توكلت على الله في رسم مجرى الحياة، كنا نريدها جريدة يجتمع فيها ما تفرق في غيرها، جريدة تأتي للقراء بما كان مفقودا، جريدة يشعر المغاربة وهم على درجة عالية من الحذاقة ومن الذكاء في الإستنباط على أنها جريدتهم، منهم تطلع وإليهم تعود. ومثلما أننا جميعا حمينا «المنتخب» منذ أول يوم بأن أعطيناها شكلا مميزا وعمقا مهنيا ولغة لا تخرج من رحم الخشب، فإننا أعطيناها أروع وأجمل وأقوى ما يضمن لها الحياة والإستمرار، أعطيناها قارئا أحبها، عشقها، ما تخلى عنها، به عاشت خمسا وعشرين سنة وبه ستعيش لألف سنة بمشيئة الله. ولأن «المنتخب» باتت تمثل اليوم للصحافة الوطنية مرجعية في الإستقلالية وفي التخصص، بل وتنفرد بأرقام قياسية في الإستمرارية والثبات على معدلات بعينها، فإنه يجدر بنا كمؤسسين وكأسرة تحرير وكفريق عمل أن نفخر بأننا راهنا في الأول والأخير على القارئ وذكائه.. راهنا على ذكائه ليميز بين الغث والسمين، وراهنا على ذكائه في تحري درجة الصدق عندنا، وراهنا على القارئ لنستمر ونعيش، فما وجدنا غيره يعطينا قبسا وومضة ضوء كلما تعتمت الأماكن، وما وجدنا غيره يقوي عزيمتنا لندفع قوى القهر النفسي ولندفع عنا كل معطلات الحلم. كان نجاح «المنتخب» في أنها وثقت بقارئها كما وثق هو بها.. لقد عقدنا بيننا رباطا وثيقا يقوم على الوفاء.. و»المنتخب» هي كتاب مفصل للرياضة الوطنية يحكي عن خمس وعشرين سنة من حياتها، يحكي عن أحلامها وهواجسها، عن صباحاتها الجميلة ومساءاتها الحزينة، عن أفراحها وعن أتراحها، عن صعودها للقمم العالمية وعن نزولها لدرك الإخفاقات، والحكي لا يكون بالإخبار الجاف أو البارد، ولا يكون بالمتاجرة في الأفراح أو في الأحزان، بل يكون بتأريخ الأحداث بصدقية ومهنية، بتحليلها بموضوعية وبخلفية علمية بإستشراف كل الآفاق القريبة والبعيدة، لذلك كانت «المنتخب» أكثر من راوي للأحداث، كانت فاعلا أساسيا، قوة إقتراحية وأداة نقدية تستحضر قيم الوطنية والمواطنة وعمق النزاهة في التحليل وفي الإستقراء. بدأت «المنتخب» صحيفة أسبوعية تصدر كل أربعاء، ثم تحولت للصدور كل يوم إثنين، ثم إنتقلت إلى صحيفة نصف أسبوعية بعد أن أشعرنا القارئ بطول الإنتظار فقد كان عليه أن يبقى أسبوعا كاملا متلهفا لميلاد عدد جديد، وجربنا الإصدار اليومي عندما إستضاف المغرب نهائيات كأس إفريقيا للأمم سنة 1988، ومنذ ذاك الوقت ونحن في غرفة التأمل، نتفحص، نستقرئ وننتظر أن يكتمل المخاض ليكون الميلاد بشكل يتطابق مع مرجعية «المنتخب» وقد أصبحت جريدة كل المغاربة. وقد يكون كل هذا الذي يطبع الرياضة الوطنية من دينامية لتخصيب التحول ولإنجاح الرهان الإحترافي مؤشرا على أن «المنتخب» تهيئ نفسها كجناح لا مناص منه ليحلق طائر الرياضة الوطنية حالما فى سماء العالمية، ما يجعلني مبشرا بأفق جديد سنرتاده مع قارئنا خلال الفترة القادمة بحول الله، فلربما أن من حسنات «المنتخب» ومن حكمتها أيضا أنها لا تستعجل الميلادات ولا ترفع سرعة ولا علو التحليق إلا عندما تستشعر القدرة على حفظ التوازن الذي من دونه يكون السقوط المدمر. وإن أنا شكرت القارئ بصيغة الجمع على وفائه وأثنيت على وده الموصول ودعمه الذي نخبره جيدا في معدلات السحب والبيع، فإنني أشكر بذات القدر أشخاصا بعينهم كانوا ل «المنتخب» نعم الصديق في الطريق، آمنوا برسالة ومنهج وفلسفة عمل وصدقية «المنتخب» فظهروا لها عند الشدائد وعند المدلهمات بدورا مضيئة بالأمل والقوة على الإستمرار في رحلة التحدي، وأشكر كل رفقاء الدرب، من بدأوا معنا الرحلة وغادرونا في إحدى محطاتها، ومن كانوا معنا وما زالوا إلى اليوم يتعبدون في محراب الوفاء ومن إلتحقوا بنا حالمين وعاشقين فأضافوا لجزيرة العشق والحلم رونقا جديدا. أشكركم باسمي الخاص وبإسم رفيق الدرب والكفاح زميلي مصطفى بدري وبإسم كل الزملاء في فريق العمل الذين أعزهم وأكبر فيهم عظيم تضحياتهم، على أنكم أسكنتم «المنتخب» في قلوبكم، على أنكم حميتموها بعطفكم وعلى أنكم كنتم وما زلتم رأسمالها الكبير.. ليس سهلا أن يكتب الإنسان نفسه أو أن يكتب عن نفسه، فخمس وعشرون سنة هي بطول وعرض الجبال والمحيطات وبعمق البحار والأغوار، هي أيام وشهور وسنين من عمر أنفقناه طلبا للنجاح، فكيف أختصرها لكم في سطور.. منتهى الجنون.. منتهى الإبداع ومنتهى الإصرار على إدمان النجاح وكل عام وأنتم ونحن و«المنتخب» بألف خير وعلى الوفاء متعاهدون.