خلّف الخروج الإعلامي المؤثر لعبد الرحيم بن رضوان، العداء المغربي السابق، الذي تدهورت حالته الاجتماعية بعد الاعتزال، وأصبح يكسب قوت يومه من مهن بسيطة كالصيد والبناء، تعاطف عدد كبير من المغاربة. غير أن بن رضوان ليس أول رياضي مغربي ينهي مساره بوضع مالي واجتماعي مؤلم، بل هناك عدد من القصص المشابهة التي تسائل وضع الرياضة والرياضيين في المملكة، وتجعل العديد من هؤلاء يفكرون بقلق كبير في مستقبلهم بعد مغادرة الميادين. «أخبار اليوم» تعود إلى قصص عدد من الرياضيين الذين مسهم الإهمال، بعدما كانوا نجوما في فترة من الفترات، وتعطي الكلمة لأبطال بصموا تاريخ المغرب لإبداء رأيهم في الموضوع. خلال حوار صحفي أجرته العداءة المغربية السابقة سعاد بنعلال، قبل حوالي عقدين، مع صحيفة “الملاعب الرياضية”، تمنت البطلة المغربية في ألعاب القوى حينها أن تنهي مسيرتها بسلام، وهي الجملة التي اختارتها هيئة تحرير الصحيفة لعنونة حوارها. تمنت بنعلال نهاية مشرفة لمسارها الرياضي، وكأنها تعلم مسبقا أن الزمن يخفي لها مفاجآت غير سارة، لكنها لم تكن تعلم أن النهاية ستكون حزينة جدا. رأت بنعلال النور في مدينة سلا سنة 1971، والتحقت بقسم البراعم بفريق الاتحاد الزموري للخميسات سنة 1982 إلى غاية الاحتراف، قبل أن تنهي مسارها الرياضي سنة 2000، بسبب إصابتها في الركبة، دون أن تجد أي جهة تساعدها على استرجاع لياقتها، لتأخذ حياتها منذ ذلك الحين منعرجا جديدا، عنوانه الأبرز هو المعاناة. “عندما تمر الآن مشاهد من ألعاب القوى بالصدفة على شاشة التلفاز، أحس بحالة نفسية غريبة، وأسارع مباشرة لإغلاق الجهاز”، تقول بنعلال، في حديثها مع “أخبار اليوم”، ملخصة حجم الألم الذي تحس به، بعدما أفنت سنوات طفولتها وشبابها في الملاعب الرياضية، لتجد نفسها اليوم عالة على شقيقتها التي منحتها منزلها منذ سنوات. ذاقت هذه السيدة طعم اليتم منذ سن مبكرة، وعاشت بدون والدين، لتجد في ألعاب القوى ذلك المتنفس الذي يعوضها عن واقع أسري حزين. وهكذا، حققت بنعلال بعض الأرقام الجيدة على الصعيدين الوطني والدولي، كاحتلالها المرتبة الثالثة في البطولة المغاربية صنف 6 آلاف متر، سنة 1991 بالجزائر، والمرتبة الثالثة بالملتقى الدولي للدار البيضاء صنف 3 آلاف متر سنة 1993، والمرتبة الرابعة في بطولة العالم صنف 6 آلاف متر بكندا سنة 1990، ثم المرتبة الأولى في ألعاب السلام، في صنفي 800 و1500 متر خلال نفس السنة، إلى جانب حصولها على المرتبة الأولى خلال عدد من نسخ البطولة الوطنية. حاليا هي وجه مألوف بسويقة حي السعادة بمدينة الخميسات، لكن ليست كزبونة تزور المكان بشكل دوري، بل كبائعة ملابس؛ المهنة غير القارة التي تمكنها من الحصول على الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم. تعيش في منزل في ملكية شقيقتها التي تقطن أوروبا، وتعيل طفلة لا تتمنى، كما تقول، أن تعيش نفس معاناتها. راسلت بنعلال الديوان الملكي بخصوص حالتها الاجتماعية المزرية، راغبة في الحصول على مساعدة، وتم التجاوب مع رسالتها سريعا، لكن بدون جدوى. “قام الدرك بإجراء بحث معي، في إطار إجراءات الحصول على مأذونية للنقل، ثم قمت بملء بعض الاستمارات، لكن دون أن أحصل في نهاية المطاف على أي شيء”، توضح بنعلال. وبعد سنوات راسلت الديوان الملكي من جديد، ووزيرة الشباب والرياضة حينها، نوال المتوكل، البطلة الرياضية السابقة، كما راسلت مسؤولين إقليميين، دون أن تتوصل، كما تقول، بأي جواب لحد الساعة. أبطال عانوا الفقر والجحود بنعلال والكثير من أمثالها، الذين يبقى مسارهم الرياضي متوسطا، واجهوا أو يواجهون مصيرا مخيبا للآمال كهذا، فهل الأمر مرتبط بالأبطال متوسطي المستوى فقط؟ الإجابة هي قطعا لا. فقصة عبد السلام الراضي، الذي أهدى للمغرب أول ميدالية أولمبية في تاريخه، خلال أولمبياد روما سنة 1960، تبقى واحدة من أكثر القصص المثيرة للحسرة. فمن بطل أولمبي يحتفي به الجميع، إلى “شاوش” ينقل الملفات بين مكاتب ولاية فاس. “عاش الراضي حياة تعز على أي مغربي، حياة فقيرة، متقلبة، اضطرته في النهاية إلى عرض ميداليته للبيع”، يقول منصف اليازغي، الباحث في الشأن الرياضي ل”أخبار اليوم”. فبعد نهاية مساره الرياضي، لم يكن للراضي أي مدخول يمكنه من إعالة أسرته سوى 900 درهم، راتبه الشهري من الإنعاش الوطني الذي تم توظيفه به، إلى جانب 1300 درهم كل ثلاثة أشهر كانت تصله من فرنسا بعد تركه الخدمة في صفوف الجيش. وهكذا، تحول بطل العالم في العدو الريفي إلى “شاوش” يقضي يومه متجولا بين جدران الإدارة، بعدما كان حرا داخل الميادين. تدهورت أوضاع الراضي بشكل كبير، ولم يخف أمام أقربائه إحساسه بالغبن جراء هذا الجحود الذي عانى منه. ظل الراضي يعاني طيلة حياته، فقرر أخيرا أن يبيع ميداليته الأولمبية بسبب الحاجة، واحتجاجا، ربما، على رياضة أعطاها سنوات من حياته، فخذلته. انطفأ البطل المغربي سنة 2000 بفعل سكتة قلبية، لينتهي مسار عداء ذاق إحساس النجومية والنكران. وفي كرة القدم، هناك العديد من القصص المماثلة، كما اللاعب الراحل محمد بابا، الذي عانى من الجحود، وهدد بالطرد من مسكنه. يقول في حوار سابق مع يومية المساء : “لا أخفيك أنه بعد خيبة أملي في هذا الميدان الذي لم يقدم لي أي شيء رغم أنني لم أكن أنتظر منه ذلك، لم أعد أتابع أي جديد في الساحة الكروية”. وهكذا فقد عاش لاعب فريق نجم الشباب البيضاوي وفي حلقه غصة جراء الجحود والنكران الذي تعرض لهما بعد نهاية مسيرته الكروية، إلى أن رحل عن عالمنا هذا العام الماضي. أما الحارس السابق لمرمى المنتخب المغربي، عبد اللطيف العراقي، فقد اضطره الفقر السنة الماضية لنشر إعلان على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك لبيع قفازاته، قال فيه : “للبيع مع خالص احتراماتي وتقديري خوكم بدون عمل”. بعد هذا الإعلان الذي خلف موجة استياء واسعة داخل المجال الرياضي، هل تحسنت ظروف العراقي؟ الجواب كما جاء على لسانه، في حديث مع “أخبار اليوم” هو لا. “منذ ذلك الحين لم يتواصل معي أي مسؤول، ولم تتحسن وضعيتي. ما يحدث هو أنه يتم تكريمي من فينة لأخرى من طرف جمعيات رياضية، لا أستفيد ماديا في أغلب الأحيان، لكن يكون لهذه التكريمات وقع إيجابي على نفسيتي”، يسجّل العراقي. يعيش حاليا حياة بسيطة، يكسب قوت يومه من تدريب الحراس الهواة. “بشكل دوري، يعطيني بعضهم مبالغ بسيطة جدا لا تتعدى 100 درهم، وأشتري بعض القفازات وأعيد بيعها بعد ذلك، هذا كل ما في الأمر”، يواصل العراقي بأسف باد. لاعب مغربي آخر كان له نصيبه من النكران، بالرغم من أن اسمه في العالم كان يقترن باللاعبين الكبار، حتى تم تلقيبه بالجوهرة السوداء، لقب أسطورة كرة القدم، البرازيلي بيليه. يتعلق الأمر بالعربي بنمبارك، الذي تعرض للنسيان بعد سنوات من المجد الرياضي لعب خلالها بفرنسا وإسبانيا التي حصل بها على لقبي “ليغا”. “ولو أنه عاش في كرامة، إلا أنه لم يأخذ حقه من الاعتراف، ففي الوقت الذي ظل يقف له فريق أتليتيكو مدريد الإسباني، حيث لعب، دقيقة صمت في ذكرى وفاته، وفي الوقت الذي كان يستضيفه برنامج فرنسي في الثمانينيات، وينهض ميشيل بلاتيني من مكانه ليحييه، لم يتم الاعتراف بقيمته في بلده”، يقول منصف اليازغي. ويضيف : “وبعدما مات في ظروف سيئة، إذ بقيت جثته لثلاثة أيام داخل منزله قبل أن يتم اكتشافها بفعل رائحتها فقط، حاولنا تكريمه عبر بناء مركب العربي بنمبارك بالدار البيضاء، لكن المحزن هو أنه تم بناء ملعب كارثي، مشوه، لا يصلح للممارسة، ليتم إغلاقه بعد ذلك، وبالتالي فلم يتم تكريم العربي بنمبارك حيا أو ميتا”. يقول أحد قيدومي الصحافيين الرياضيين، محمد بنشريف، إن وضعية الرياضيين تحسنت حاليا مقارنة مع أجيال الستينيات والسبعينيات. “نتحدث اليوم عن بيع لاعب عقد عادي في البطولة الوطنية مثلا بمليار أو اثنين، بينما لم يحصل لاعبو المنتخب بعد مشاركتهم في مونديال 1970 على أزيد من 1500 درهم”. ويوضح بنشريف أن عددا من الرياضيين يعانون فعلا بعد اعتزالهم، لكن ليس دائما بسبب الحماية، بل أحيانا تكون ظروف عائلية قاهرة، كما أن بعضهم لم يعرف كيف يسير أموره المالية بعد الاعتزال، وانتهى به المطاف مفلسا. مسؤولية من؟ بعد الخروج الإعلامي للعداء السابق بن رضوان، تدخلت العديد من الجهات لتبني ملفه، بينهم البطل السابق، هشام الكروج، ومؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين. ينتظر بن رضوان حاليا مساعدته، لكنه يحس بالغبن، كما يقول في حديثه مع “أخبار اليوم”، من هذه المنظومة الرياضية التي لا تحمي أبناءها من مستقبل غامض بعد الاعتزال. من جهته، أكد سعيد بلخياط، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، التي تضم حوالي 900 عضو، أن مؤسسته تنتظر حاليا شهادة الإنجاز من الجامعة الملكية لألعاب القوى لكي يصبح عضوا بالمؤسسة. غير أن هذه المؤسسة التي تم إنشاؤها سنة 2011، بميزانية سنوية تتراوح بين 5 و6 ملايين درهم في السنة، لا تقدم الدعم المالي المباشر للأبطال، كما يؤكد مديرها، بل توفر التغطية الصحية ومساعدة في الكراء وفي تعليم الأطفال. غير أن المشكل الحقيقي هو أن شروط العضوية بها، التي تتطلب إنجازات محترمة، لا تنطبق على جميع الرياضيين من أمثال العداءة بنعلال. يقول بلخياط بهذا الخصوص، إن هذه الشروط وضعت قبل إنشاء المؤسسة، وأن هذه الأخيرة لا دخل لها فيها؛ الشيء الذي يجعل الرياضيين أصحاب المستوى المتوسط معرضين للإهمال والتهميش. لكن بعض الأبطال الآخرين، غير متفقون مع هذا الرأي. فبالنسبة إلى بطل كبير، بصم تاريخ المغرب في مجال ألعاب القوى، لا يمكن معرفة سبب تدهور الحالة الاجتماعية للرياضيين بشكل دقيق، ولا يمكن إطلاق حكم دقيق. ويقول ل”أخبار اليوم”، مفضلا عدم الكشف عن هويته : “في الوقت الذي يوجد فيه أبطال فشلوا في مسارهم، وأصبحوا محتاجين للمساعدة، هناك أبطال آخرون نجحوا في مسارهم”، متسائلا باستنكار : “هل يعني هذا أن الناجحين في مسارهم تم التواطؤ لإنجاحهم والفاشلين في مسارهم تم إفشالهم عنوة. هذا كلام غير معقول!”.