الخطاب الأخير والثاني منذ 2014 لأبي بكر البغدادي، زعيم التنظيم الإرهابي داعش، قد تكون لديه تداعيات على المغرب، نظرا إلى ارتباطه التاريخي والاستراتيجي بمنطقة الساحل والصحراء، إذ إن محتوى الخطاب الممتد على 18 دقيقة يشير بما لا يدع مجالا للشك، إلى أن”داعش” يبحث عن أي فرصة لزعزعة استقرار منطقة الساحل، ما قد ينقل العدوى إلى المغرب. لكن يقظة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية ومطاردتها لداعش وأخواتها على مدار الساعة تجعل المغرب محصنا من تهديدات أبوبكر البغدادي، رغم أن “صفر خطر” لا يوجد. هذا ما كشفته الشركة الإسبانية “الاستشارية الاستخبارتية والأمنية (AICS)”، والعديد من الخبراء الأوروبيين والمغاربة. في هذا الصدد، كشف تحقيق لصحيفة “بوثبوبولي” الإسبانية قائلا: “إن الخبراء الذين استقينا آراءهم لا يشكون في أن تنظيم الدولة الإسلامية يبحث عن أي فرصة لزعزعة استقرار منطقة الساحل، وهذا يمكن أن يصيب المغرب”. ويعتقدون، كذلك، أن البغدادي الذي ظهر بعدما كانت بعض المصادر الأمنية تعتقد أنه قُتل أو أُصيب، يحاول توحيد فروعه في مختلف مناطق العالم بعد الضربة الموجعة التي تلقاها في سوريا، لا سيما في معركة “الباغوز”. علاوة على أن تهديداته موجهة للغرب، لا سيما أوروبا، مع أخذ بعين الاعتبار الوضع المضطرب في مناطق استراتيجية مثل شمال إفريقيا. وتحدث البغدادي خلال مدة الفيديو (حوالي 18 دقيقة)، عن العديد من الملفات المرتبطة بالأراضي التي يحضر فيها داعش، محاولا التأكيد على أن الأخير أكبر من أن يتم حصره في سورياوالعراق. وأضاف المصدر أن “التنظيم لديه اليوم، حضور يمتد من تونس إلى الفلبين”، بحيث خلال زمنية الفيديو كان يتحدث أبو بكر البغدادي عن إفريقيا الوسطى، مركزا على العمليات التي تقوم بها الجماعات التابعة له في بوركيا فاسو ومالي. كما عرج، كذلك، على سقوط الرئيس السوداني المخلوع البشير، وسقوط بوتفليقة في الجزائر؛ إلى جانب تهنئته الجماعة الإرهابية التابعة له في ليبيا. من جانبه، أوضح محمد بنعيسى، رئيس المركز المغربي للدراسات الأمنية، ل”أخبار اليوم” أن الظهور الأخير لأبي بكر البغدادي منذ سنة 2014، هو “إعلان عن نهاية معركة وبداية أخرى، بعدما فقد تنظيمه الإرهابي جل الأراضي التي كان يسيطر عليها بين سورياوالعراق”، مبرز أن “الفيديو الأخير يحمل رسائل علنية، أهمها أن التنظيم رغم اندحاره في الشام إلا أنه لازال قويا بفرعه في منطقة الساحل والصحراء، كما تضمن رسائل مشفرة تتمحور، أساسا، حول تعيين عدنان أبو الوليد الصحراوي أميرا لداعش في هذه المنطقة، وهي دعوة مبطنة للالتفاف حوله. كما أنها رسالة صريحة لأتباع تنظيم داعش في العالم، إلى اعتبار منطقة الساحل والصحراء بؤرة “الجهاد العسكري”، وهو ما سيشكل تحديا جديدا للمغرب، خصوصا أن المنطقة تعيش على صراعات قوية وتطاحنات كبيرة وهشاشة أمنية أبرزها في ليبيا ومالي والسودان والنيجر، وعلى الحدود الجزائريةالتونسية”. وتابع أن “المخاطر تزيد أكثر في ظل هشاشة الأوضاع السياسية في كل من الجزائر والسودان. هذه الأوضاع ستزيد من المخاطر الأمنية على المغرب ومن تعقيدات وضعه بالمنطقة، خصوصا أنه البلد الوحيد الذي يعيش على استقرار أمني نوعي، مقارنة بباقي دول شمال إفريقيا، لكن يقابله وضع سياسي، اقتصادي واجتماعي مقلق سيشكل لا محالة دافعا للعديد من الشباب المتبني للفكر المتطرف بالتنظيمات الإرهابية، إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه. بدوره، أكد عبدالمجيد بلغزال، الباحث المغربي المهتم بقضايا الساحل والصحراء، أنه “من الطبيعي أن يركز داعش على منطقة الساحل والصحراء، وهذا ليس بجديد، لأن الحديث في هذا الموضوع كان قائما عندما كانت الحرب في أوجها على التنظيم في العراقوسوريا”. وأضاف أن “منطقة الساحل والصحراء لازالت ملاذا للجماعات الجهادية وشبكات تهريب المخدرات”. وعلى عكس باقي الخبراء يرى بلغزال أن الوضع في الساحل والصحراء لديه تداعيات صعبة على المغرب، كما فيه “ربح كبير”. وبخصوص النقطة الأولى يرى بلغزال أن “وضع الساحل والصحراء على مدى قرون، لم يكن معزولا عن المغرب”، أي إن ما يعتمل في الساحل يؤثر، بطريقة أو بأخرى على المغرب. أما النقطة الثانية، فتتمثل في كون هذه التحديات تفرض “إعادة النظر في النزاعات بالمنطقة، لا سيما نزاع الصحراء من أجل إيجاد مداخل جديدة لإيجاد حل لها”، وقطع الطريق على الجماعات المتطرفة التي تستغل الاضطرابات والقلاقل السياسية للانتشار وتنفيذ مخططاتها. أما الباحث الإسباني في قضايا الإرهاب، خافيير ليساكا، فشدد في حديث لصحيفة “بوثبوبولي” على أن خطاب البغدادي يُستشف منه أن التنظيم لم يعد “الدولة-الأمة”، بل تحول إلى تحديد أجندة للقيام باعتداءات إرهابية في أي منطقة من العالم، كما حدث في سريلانكا، موضحا أن “داعش تُقعد”، في إشارة إلى اقترابه من نهج تنظيم القاعدة الإرهابي. فيما يرى خوسي ماريا جيل غاري، مدير المرصد الدولي للأمن بإسبانيا ، أن البغدادي أراد “بعث العديد من الرسائل؛ أولاها أنه حي يرزق”. كما نبه إلى تعمد نشر الفديو مع اقتراب شهر رمضان الكريم. وأردف أن داعش لم يعد يركز على “الجهاد” في أرض معينة، بل يدعو إلى “الجهاد الكوني”، حيث طالب من أنصاره القيام بالاعتداءات، حيثما كانوا. في السياق نفسه، يعتقد عبدالرحمان المكاوي، الخبير المغربي في الشؤون الأمنية والعسكرية، أن تحليل ما توصلت إليه الشركة الاستشارية الأمنية (AICS) والخبراء الإسبان يفيد أن “المغرب دولة مستهدفة من قبل الدواعش لأسباب متعددة”. وتابع قائلا: “إن رسالة البغدادي تركز كثيرا على المغرب، وأعتقد أن الدوائر الأمنية الخارجية والداخلية في حرب يومية مع داعش ليس في سورياوالعراق، بل في أماكن أخرى في إفريقيا وأسيا وأوروبا”. وأضاف أن “داعش يعتقد أن المغرب يشكل عدوا كبيرا يجب تحييده وإزاحته ومحاولة إضعافه، عن طريق إحداث مشاكل ثانوية وهامشية له، بغية إلهائه؛ لكن الاستخبارات المغربية على علم بمخططات داعش، ولها عيون وأذان في العالم تمدها بنوايا واستراتيجية داعش. فيما عاد محمد بنعيسي للتأكيد على أنه أمام التحديد الجديد يجب “على المجتمع الدولي، ولا سيما الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا التي يرتبط أمنها بشكل عام بدول جنوب المتوسط وأبرزها المغرب برفع مستوى الدعم على كافة المستويات للحفاظ على استقراره الداخلي، وفي الوقت نفسه يمكن أن يشكل عاملا مهما في دعم استقرار دول المنطقة والحفاظ على وحدة شعوبها”.
قنابل موقوتة يكشف عبدالمجيد بلغزال أن هناك 9 مشاكل كبرى في منطقة الساحل والصحراء وإفريقيا تساهم في اختراق وانتشار داعش في هذه المناطق، مما يطرح تحديات كبيرة لدول الجوار منها المغرب: أولا، فشل مسارات تثبيت السلم والأمن في مالي؛ ثانيا، فشل الرهان العسكري على المجموعة العسكرية (G5) في الساحل؛ ثالثا، عجز المنتظم الدولي عن التزامه بتعهداته المتمثلة في التمويل العسكري للجيوش الخمسة المكونة ل (G5)؛ رابعا، ضعف تمويل ما سمي بالمشاريع الأولية في هذه المنطقة من قبل المنتظم الدولي؛ خامسا؛ الوضع الحربي في ليبيا ودعم فرنسا للعسكري حفتر، على حساب حكومة طرابلس المعترف بها دوليا؛ سادسا، الوضع في الجزائر، إذ إن كل شيء مفتوح على المجهول؛ سابعا، الوضع الهش في تشاد وبوركينا فاسو، والوضع الصعب في مالي؛ ثامنا، ظهور جماعة تابعة لداعش في إفريقيا الوسطى؛ تاسعا، خطر بوكو حرام في نيجيريا. .