موظفو الجماعات الترابية ينسحبون من الحوار مع وزارة الداخلية    الملك محمد السادس يوجه خطابا إلى القمة الثالثة والثلاثين لجامعة الدول العربية    ميناء طنجة.. تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 30% حتى متم أبريل    بمشاركة المغرب.. إنطلاق أعمال الدورة ال 33 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة    الملك محمد السادس: الأعمال الانتقامية في غزة أبانت عن انتهاكات جسيمة    مقترح "إلغاء الفار" ينتظر تصويت الأندية الانجليزية    طقس الجمعة.. أمطار ضعيفة و متفرقة وتشكّل سحب بالشمال وحرارة بالجنوب    التحقيق مع شرطي مرور بطنجة أشهر سلاحه أمام سائق    رئيس مجلس حقوق الإنسان يدعو إلى إدارة للحدود تحترم حقوق المهاجرين في وضعية عبور    المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    والي أمن طنجة: إيقاف أزيد من 58 ألف شخص.. وحجز أطنان من المخدرات خلال سنة واحدة    القمة العربية: الملك محمد السادس يعتبر محاولة إسرائيل فرض واقع جديد في غزة "أمرا مرفوضا"    على هامش تكريمه.. البكوري: مهرجان الريف يسعى لتقريب الإبداعات الناطقة بالأمازيغية إلى الجمهور التطواني    منح جائزة التميز لبرلمان البحر الأبيض المتوسط لوكالة بيت مال القدس الشريف    عائلات "مغاربة ميانمار" تحتج بالرباط .. وناجية تكشف تفاصيل "رحلة الجحيم"    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    "حماة المال العام" يستنكرون التضييق على نشاطهم الفاضح للفساد ويطالبون بمحاسبة المفسدين    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    باحثون يعددون دور الدبلوماسية الأكاديمية في إسناد مغربية الصحراء    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي سمير الكزاز يقود مباراة السنغال وموريتانيا    بعثة نهضة بركان تطير إلى مصر لمواجهة الزمالك    كأس العرش.. مولودية وجدة يضرب موعدًا لمواجهة الرجاء في النصف النهائي    انطلاق القافلة الثقافية والرياضية لفائدة نزلاء بعض المؤسسات السجنية بجهة طنجة تطوان الحسيمة من داخل السجن المحلي بواد لاو    إيقاف مسؤول بفريق نسوي لكرة القدم ثلاث سنوات بسبب ابتزازه لاعباته    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    مربو الماشية يؤكدون أن الزيادة في أثمنة الأضاحي حتمية ولا مفر منها    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    قافلة GO سياحة تحط رحالها بجهة العيون – الساقية الحمراء    صعود أسعار النفط بفضل قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    مطالب لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لإنقاذ حياة أستاذ مضرب عن الطعام منذ 10 أيام    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    "إف بي آي" يوقف المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه بالمطار ويحقق معه حول مواقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الريف والسلطة.. محاولات المصالحة فشلت مرارا فهل تُطوى الصفحة هذه المرة؟
نشر في اليوم 24 يوم 21 - 07 - 2019


يونس مسكين -سليمان الريسوني
أسبوعا واحدا قبل حلول الذكرى 20 لاعتلاء الملك محمد السادس العرش، قفز واحد من أكثر الملفات تعقيدا التي ورثها الملك الحالي عن والده الراحل الحسن الثاني إلى الواجهة، وهو ملف المصالحة العالقة مع منطقة الريف شمال المملكة. في الكواليس تحركات واتصالات ومبادرات مكثفة لطي ملف معتقلي حراك الحسيمة، عامان بعد اتخاذ قرار الحسم الأمني للاحتجاجات التي انطلقت في الحسيمة متم أكتوبر 2016، إثر الوفاة المأساوية للشاب محسن فكري، والذي لقي مصرعه تحت ضغط آلة الضغط الخاصة بشاحنة النفايات التي كانت تتلف كمية الأسماك التي حجزتها السلطات منه بدعوى عدم ترخيصها.
وقبل أسبوع واحد من الآن، كان اجتماع كبير ونوعي ينعقد في إحدى قاعات فندق رباطي، بدعوة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومشاركة عدد من المؤسسات الدستورية المكلفة بالوساطة والتقنين، إلى جانب عشرات الحقوقيين والفاعلين المدنيين، خاصة منهم المنحدرين من منطقة الريف. فهل يُكتب لهذا الملف الحقوقي-السياسي أن يُطوى بشكل نهائي بمناسبة الذكرى 20 لعيد العرش، أو عيد الأضحى المقبل على أبعد تقدير؟ أم إن رفاق ناصر الزفزافي سيقضون مزيدا من الشهور والسنوات داخل الزنازين الباردة، وهم الذين قادوا احتجاجات شعبية يجمع الكل على سلميتها وشرعيتها؟
منظمو اليوم الحواري، الذي دعا إليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اختاروا الاقتراب من العبوة بكثير من الحذر، حين سمّوا الموضوع ب”التعابير العمومية الجديدة”. هذه التعابير العمومية الجديدة تعددت من حيث أسبابها، لكنها استعملت، حسب رئيسة المجلس أمينة بوعياش، الأدوات ووسائل التعبئة نفسها، حيث “تنطلق بسبب حدث محدد، كما هو الحال بعد وفاة المرحوم محسن فكري بالحسيمة، أو موضوع مرتبط بالتنمية، كما هو الحال بجرادة، أو قضية لها علاقة بالبيئة، كما هي تعابير زاكورة أو مناهضة منتجات وطنية بحجة غلاء الأثمنة، كما هو الحال بالنسبة إلى حملة المقاطعة”.
شبح انزلاقات الماضي
“الانزياحات (الحقوقية) مازالت تقع مع أننا قررنا القطع مع مرحلة معينة كنا ندبر فيها الاختلاف عن طريق العنف، وأصبحنا اليوم نتحدث عن التآمر والمس بالوطن ورموزه، وجرى إحياء هذه التهمة بعد مسار الإنصاف والمصالحة وهذا يُسائلنا جميعا، علينا أن نقطع مع صك الاتهام الذي تم إحياؤه في ملف الحسيمة، بينما كنا قد تجاوزناه حتى في مجال مثل الصحراء وما يعرفه من نزاع”. هكذا علّقت الخبيرة الحقوقية والمتحدثة باسم المبادرة المدنية من أجل الريف، خديجة مروازي، أمام قاعة نقاش بات نادرا منذ سيطر منطق القمع والرأي الواحد وإسكات المخالفين. الملاحظة تؤكد استمرار سوء فهم قابع في عمق العلاقة بين منطقة جبلية تقع في شمال المملكة والسلطات المركزية.
في خلفية هذا اللقاء الحقوقي، كان يحضر تقرير المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، أحمد شوقي بنيوب، والذي تضمّن انتصارا صريحا للرواية الرسمية، وإن كان تجنّب لغة التخوين ضد شباب الريف المعتقلين. لكن اللحظة التي انتظرها كثيرون ضمن برنامج هذا اليوم الحواري، لم تحمل ما كان مأمولا منها. فالحقوقي والعضو السابق في هيئة الإنصاف والمصالحة، جاء حاملا مداخلة مقتطفة من توصيات تقريره المثير للجدل حول أحداث الريف، ثم انسحب من اللقاء مباشرة بعد استماعه إلى تعقيبين.
بنيوب حرص على تأكيد أنه يتحدث من موقع السلطة، وقال متحدثا بلسانها: “إن السلطة اليوم تطلب حوارا مسؤولا مع الغائبين عن هذا اللقاء. أنا مستعد وها هي الرئيسة موجودة (بوعياش) ونحن مستعدون للتحاور مع الإخوان في الحسيمة بالطريقة التي يريدون، ولو لم يكن لهذا التقرير طعم أو لون لما خلق من ردود حادة وقاسية، وأخطر ما يهدد حقوق الإنسان هو الركود والانحباس”.
معركة هوية أم اقتصاد؟
الفاعل المدني محمد المرابطي، الذي كان أحد المعقبين على مداخلة بنيوب، رفض ما ذهب إليه هذا الأخير، من كون احتجاجات الريف كانت بخلفية هوياتية وليس لأسباب اقتصادية واجتماعية. “لا يمكن حصر هذه الاحتجاجات في البعد الهوياتي لأنه متجاوز دوليا ووطنيا، فهي ليست لا احتجاجات عرقية ولا دينية، بل احتجاجات اجتماعية بالأساس”. من جانبه، الأستاذ الجامعي محمد سعدي، قدّم ملاحظات دقيقة حول تقرير بنيوب، وقال إن الوثيقة قفزت على السياق الذي جاءت فيه أحداث الريف، كما اعتبر استعمال كلمة “أحداث” تبخيسا لما وقع، مستدلا على ذلك بكون المنطقة عرفت رقما قياسيا من المظاهرات والمعتقلين، “كما تعرّضت لأكبر عملية تحريض سياسي، فقالوا عنهم شيعة، ثم سلفية، ثم داعش، ثم بوليساريو، ثم إن هناك مخططا صهيونيا إسرائيليا، ألا يكفي كل هذا حتى نتحدث عن حراك؟”.
وشدّد محمد سعدي على أن الشعور بالظلم لا علاقة له بالاقتصاد. “قد تُحوِّل الحسيمة إلى “مونتي كارلو”، لكنك لن تحل مشكلة الظلم التي تتطلب أمورا رمزية، لماذا لا يصبح علم الخطابي مثلا خاصا بالجهة عوض وصفه بعلم الجمهورية؟ ثم نحن في منطقة فيها حزن لأننا نفتقد لأماكن الذاكرة، لماذا لا نحول ذكرى أنوال إلى مناسبة للاحتفال؟”.
فما أصل هذا الشعور بالظلم؟ ولماذا استمر الحراك الشعبي في منطقة الريف مشتعلا رغم مسارعة الدولة إلى معالجة ملف محسن فكري بسرعة وفعالية؟ ألا يعني ذلك أن داء العطب قديم؟ ألا يعود أصل المشكل إلى عقود طويلة من الإقصاء والتهميش و”الحكرة” الجماعية لساكنة هذه المنطقة؟ ثم ماذا عن مشروع المصالحة التي جعلت من الريف إحدى أولى الأولويات الوطنية؟
روح محسن فكري
عودة ملف الريف الثقيل إلى الواجهة بدأت يوم 30 أكتوبر 2016، على إثر سحق محسن فكري في شاحنة أزبال. فالواقعة هزت الشعور الوطني، ودفعت الآلاف إلى الاحتجاج العفوي في الشارع على امتداد التراب الوطني، من الحسيمة إلى بني ملال ومن أكادير إلى وجدة. لكن هذا الحراك الشعبي سرعان ما أخمدته مبادرات السلطة، وانتقال وزير الداخلية شخصيا إلى بيت أسرة محسن فكري حاملا رسالة تعزية ملكية والتزاما رسميا للدولة بالذهاب في التحقيقات إلى أبعد مدى، لكن الغضب الشعبي لم يهدأ في الحسيمة ومحيطها.
لم تكد شعارات الحراك تخلو من عبارات “القمع” و”المخزن” و”الحكرة”، في مجال ترابي تردّد جباله أصداء مثل هذه الكلمات عشرات المرات قبل أن يخفت صوتها. في الذاكرة الجماعية لأبناء المنطقة كانت سلسلة من الثورات والانتفاضات تطل برأسها، منها الثورة ضد الاحتلال الإسباني، والثانية التي اندلعت بعد الاستقلال في مواجهة جيش الحسن الثاني. الأولى يخلّدها ولو جزئيا التاريخ الرسمي للمملكة، ويؤرّخ لأمجاد بطلها، مولاي محند بن عبدالكريم الخطابي، لكن الثورة الثانية بالكاد شرعت في شقّ طريقها نحو التاريخ الرسمي للمملكة.
في الوثائق الرسمية، نجد كتاب: “تاريخ المغرب تحيين وتركيب”، الذي أصدره المعهد الملكي للتاريخ، وقد وضع اندلاع ما يعرف ب”ثورة الريف” التي شهدها شمال المغرب نهاية الخمسينيات، في سياق التحركات المضادة لحزب الاستقلال ومساعيه للهيمنة على المغرب. واكتفى الكتاب بفقرة تقول إن: “المغرب عرف مجموعة من القلاقل التي انطلقت بإيعاز من القوى المناهضة لحزب الاستقلال عبر أرجاء البلاد، وخصوصا بالأطلس المتوسط ومنطقة الريف، حيث تم إخماد الحركة التمردية بقسوة بالغة في مطلع سنة 1959”.
جرح بدايات الاستقلال
ما إن شرعت أزمة الريف في الضمور نسبيا في نونبر 1958، حتى عاد التمرّد إلى الاشتعال بشدة أكبر في يناير 1959. فلقد خرج بني ورياغل (القبيلة التي ساندت بن عبدالكريم الخطابي)، ورئيسها أمزيان إلى السيبة. وعلى الرغم من أن ولي العهد مولاي الحسن، قائد القوات المسلحة الملكية، المتمركز في تطوان، والكولونيل محمد أوفقير، هما اللذان تولّيا قمع هذه الانتفاضة، فإن أهل الريف كانوا يرون هذا القمع يستهدفهم من حكومة الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
دخل مولاي الحسن وعبدالله إبراهيم معا مدينة الحسيمة “المحرّرة” في 16 يناير 1959، بعد ستة أيام من العمليات الضارية، التي قيل إنها أوقعت آلاف القتلى (ما بين 6000 و8000). فبقي الغموض سيد الكتابات المؤرخة لتلك الحرب الدامية، دون أن يُعرف من أشعل فتيلها، ولا من أخمدها، وما إن كانت ضد جيش ولي العهد أو ضد حزب علال الفاسي.
إرث تاريخي بادر حزب الاستقلال قبل عام إلى محاولة تجاوزه، من خلال طرحه فكرة المصالحة مع الريف. رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، نورالدين مضيان، قال في حوار سابق مع “أخبار اليوم”، إن الحزب سبق أن طلب في البرلمان من هيئة الإنصاف والمصالحة إدراج ملف أحداث 1958 ضمن ملف المصالحة، لكن لم يتم التجاوب مع هذا الطلب.
محاولة أخرى فاشلة
“تلك الأحداث كانت مذبحة رواها الآباء عن الأجداد، ومن حين لآخر كان يجري الحديث عن المسؤولين عن تلك الأحداث ويتم توجيه اتهامات لحزب الاستقلال، ولهذا حان الوقت لكشف هذا الملف ومعرفة من المسؤول عن تلك الأحداث، ولماذا وقعت؟ ومن ساهَمَ في تلك المذابح التي تم إلصاقها بالحزب؟”، يقول مضيان، مضيفا أن توجيه تلك الاتهامات لحزب الاستقلال تم لإضعافه تمهيدا للانشقاق داخله في تلك المرحلة. “في ذلك الوقت كان الحزب يضم توجهات مختلفة، على رأسها المهدي بنبركة وَعَبَدالرحيم بوعبيد من جهة، وعلال الفاسي من جهة أخرى. لذلك، فإن موضوع المصالحة مطروح مع الريف، ليس من أجل القصاص، بل من أجل معرفة الحقيقة والاعتذار إذا تبين أن للحزب مسؤولية وطي الملف والنظر إلى المستقبل، علما أن الحزب كان ضحية ويمكنني القول إن حزب الاستقلال بريء من التهم الموجهة له”.
من جانبه، المؤرخ علي الإدريسي، قال إنه وفي 1958 “انبرى حزب الاستقلال إلى اتهام الممتعضين من ظلم حكام ورثوا التسلط ولم يرثوا حكمة السلطة، بأنهم ضد الوحدة الوطنية، كما تم اتهام المطالبين الريفيين بأدنى حقوقهم في وطنهم بأنهم معادون للحركة الوطنية، وأنهم يتآمرون على النظام الملكي ويسعون إلى الانفصال عن المملكة. وذلك كله في نظرنا، لكي يحظى برضا السلطة”.
اتهامات تكاد تطابق تلك التي حاولت أحزاب الأغلبية الحكومية توجيهها إلى شباب الحراك في 2017. لهذا يصرّ الإدريسي على أن تأويل زمن اختيار توقيت إعلان حزب الاستقلال نية الاعتذار للريفيين كمناورة لاستغلال هذه الظرفية المتميزة بخصومة ساكنة الريف لأحزاب الأغلبية بسبب اتهامها الحراك بالتآمر على الدولة، وبنزعة الانفصال، وغضب هذه الساكنة على حزب الأصالة والمعاصرة. “والحال هذه، أمسى الريف، إذن، بدون وسيط يوصل مطالبهم بأمانة إلى ملك البلاد. وهذا أمر في بالغ الخطورة يترك الوضع مفتوحا على كل الاحتمالات. خاصة بعد الأحكام القضائية الأخيرة”.
أستاذ العلاقات الدولية، سعيد الصديقي، قال بدوره في حديث سابق ل”أخبار اليوم”، إن حزب الاستقلال الذي كانت له مليشيات وكان يدير سجونا، “لم يكن يستهدف الريف باعتباره منطقة جغرافية أو مكونا سكانيا، بل انخرط في هذه الأحداث في إطار مواجهته لحزب الشورى والاستقلال الذي كان يحظى بتأييد شعبي كبير في المنطقة”.
لكن، وفي إطار الصراعات السياسية في المركز، يضيف الصديقي، تم إظهار حزب الاستقلال وكأنه يريد الانتقام من الريف، ومحاولة تحميله مسؤولية كل تلك المرحلة. “لكن الحقيقة أكبر من هذا، ولا ننسى هنا أن نذكر بما قاله الملك الحسن الثاني للريفيين في خطابه في 1984: “لقد عرفتموني في 1958 أميرا ومن الأفضل أن لا تعرفوني ملكا”، وهذا اعتراف صريح بمسؤولية الدولة عن القمع الذي طال المنطقة”. ويشدد الصديقي على أن عمليات الاغتصاب، وحرق الممتلكات، وقصف الناس بالقنابل، والاعتقالات الجماعية، والتعذيب الذي صاحبها، قام بها الجيش، “ولم تكن هذه المؤسسة تحت إمرة حزب الاستقلال. وهناك روايات كثيرة تقول بأن القصر جعل من هذه الأحداث في البداية وسيلة لإضعاف حزب الاستقلال”.
هيئة بنزكري.. حبر على ورق
إلى جانب كتاب: “تاريخ المغرب تحيين وتركيب” الصادر عن جهة “رسمية”، هناك كتاب آخر فتح صفحات هذه المرحلة السوداء مؤخرا، هو الذي أصدره كل من أحمد شوقي بنيوب وامبارك بودرقة عن فترة اشتغالهما داخل هيئة الإنصاف والمصالحة، وقبل تعيين الأول مندوبا وزاريا.
“لقد أعطت الهيئة اهتماما خاصا لمنطقة الريف، منذ انطلاق عملها لأن حجم المعاناة والإهمال الذي لحق سكانها كان مهولا. وتعاطت الفرق الثلاثة (فريق التحريات، فريق جبر الضرر، وفريق الأبحاث والدراسات) كل في ميدان تخصصه مع منطقة الريف. وانكب فريق التحريات على استجلاء حقيقة ما وقع من انتهاكات خلال سنتي 1958 و1959″، يقول الحقوقيان في توضيحهما كيف انصرف فريق الأبحاث والدراسات لإعداد تقارير ودراسات تاريخية حول هذه المرحلة، “وأنجز فريق جبر الأضرار بتاريخ 14 مارس 2005 بمساهمة كل من النقيب مصطفى الريسوني والأستاذ مصطفى اليزناسني والدكتور محمد النشناش، دراسة تحليلية حول أحداث الريف جاء فيها: إن دراسة هذا الحدث، وفي مرحلة متقدمة من الصراع السياسي، عشية الحصول على الاستقلال، وقعد مفاوضات إيكس ليبان، وما نتج عن ذلك من انعكاسات سياسية سادت المرحلة الممتدة من 1956 إلى 1960، وتدخل ثورة الريف ضمن سلسلة الانتفاضات التي عرفتها البادية المغربية”. فيما كشف بنيوب في سياق النقاش الذي أثاره تقريره الأخير حول حراك الريف، عن قرب نشر دراسة أنجزت بطلب من المجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2005، وهو الإعلان الذي أثار تساؤلات جديدة حول سبب حجب هذه الدراسة كل هذه المدة.
زلزال التنمية
يحدد العارفون بأحوال منطقة الريف وما تعيشه حاليا من محاولات لتغيير شامل لواقعها الاقتصادي والاجتماعي وعلاقتها بالسلطة، لحظة انطلاق هذه الحركة في ليلة الاثنين إلى الثلاثاء، 23-24 فبراير من سنة 2004. ففي تلك الليلة المشهودة، تحرّكت الأرض بعنف، واهتزت جبال الريف المحيطة بمدينة الحسيمة، بفعل زلزال عنيف بلغت شدّته أكثر من ست درجات على سلمّ ريشتر، مما أوقع أكثر من 600 قتيل، وألف جريح وأزيد من 15 ألف مشرّد بدون مأوى.
سرعة وفداحة التدخّل الإسباني خلال المرحلة اللاحقة لذلك الزلزال الكارثي، أرعبت سلطات الرباط حينها نظرا إلى خطورة وقوة مثل هذا التدخّل الأجنبي. وتفاقمت خطورة الموقف سياسيا، حين بدأت إسبانيا تسوّق نفسها في صورة المنقذ الحقيقي لمنكوبي المنطقة، مُطلقة موجة مساعدات هائلة، لدرجة توزيع مبالغ مالية بالعملة الصعبة، وعلب من المصبّرات والأجبان تحمل عبارات السلطات المحلية لسبتة ومليلية المحتلّتين.
تحرّك إسباني أدى حينها إلى ردّ فعل مغربي متشنّج، تجسد في منع وصول كمّيات هائلة من المساعدات القادمة، بما فيها مساعدات المغاربة القاطنين بالخارج، وبدأت آلة الدعاية المغربية في الترويج لقافلات التضامن القادمة من مختلف المدن المغربية. ورغم أن بعضا من المتضرّرين من ذلك الزلزال المدمّر مازالوا يعانون إلى اليوم من مخلّفاته، فإن الجميع متفق على كون زلزال 2004، فتح صفحة جديدة في علاقة المنطقة بسلطات الرباط، وجعلها تدخل عهدا جديدا من المشاريع والأوراش.
في انتظار الملك
بعد تلك الفترة الصعبة، أصبح استقرار الملك المتكرر، خاصة خلال فصل الصيف، بمدينة الحسيمة، يجعلها محجّا لجميع مسؤولي الدولة بمختلف مؤسساتها وأجهزتها المدنية والعسكرية. ظل أبناء الحسيمة يحصون زيارات الملك لمدينتهم ويترصّدون تفاصيلها ومشاريعها ومخلّفاتها. نزول الملك خلال زياراته للمدينة في إقامة عامل المدينة، والتي تطلّ على الميناء، جعلها تصبح محجا لأبناء المدينة وزوارها، لتأمل البحر المتوسّطي منها، وممارسة بعض الرياضات الجماعية في ملعبين تم إنشاؤهما فيها.
تلك الدينامية الجديدة التي بثّها محمد السادس في المنطقة، أفرزت في شقها السياسي بروز نخب جديدة من المنطقة، تحوّل أغلبهم إلى تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة رفقة المستشار الملكي الحالي فؤاد عالي الهمة. الأمين العام السابق للحزب، إلياس العماري، إلى جانب الرئيس الحالي لمجلس المستشارين، حكيم بنشماش، وكوكبة من الحقوقيين واليساريين السابقين، تكتّلوا موازاة مع الحزب في جمعية تلقّب ب”لوبي الريف”. هذه النخبة التي صعدت مع موجة المصالحة السياسية والاقتصادية، هي أول من وضعها بعض من “قادة” الحراك الشعبي المتواصل في المنطقة في قفص الاتهام، باعتبارها نخبة “انتهازية” في رأي البعض.
فهل ينهي عيد العرش ال20 قرنا طويلا من سوء الفهم والثورات والانتفاضات؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.