عاهرة ومنحرفة وخائنة وقاتلة.. لم تتعرض امرأة فرنسية إلى درجة من القذف مثل تلك التي تعرضت لها ماري أنطوانيت في العام 1793 بفرنسا. نشرت المناشير السياسية إشاعات لا أساس لها عن فساد أنطوانيت. بعض اللوحات صوّرتها مع عدة عشاق ذكورا وإناثا. لوحات أخرى قدمتها في صورة «هاربي»، ذاك الوحش القبيح الذي نصفه امرأة ونصفه طائر. كانت حملات الافتراء تخدم غرضا سياسيا: أراد الثوار، بعدما أسقطوا الملكية، أن يلطخوا سمعة الملكة السابقة قبل أن يقطعوا رأسها. لقد كانت ضحية ممارسة قديمة وحقيرة أصبحت اليوم شائعة بشكل متنامٍ: الأخبار الجنسية المختلقة للنيل من سمعة النساء في الحياة العامة. لطالما أتى الناس بالشائعات حول النساء المشتغلات في الحياة العامة. لكن ثلاثة أمور تغيرت. أولا، صارت التكنولوجيا الرقمية تسهل عمليات التشهير وبكل سرية (بالنسبة إلى المُشهِّر). ثانيا، صارت أساليب برنامج «ديبفايك» (Deepfake) التي تساعد في التلاعب بالصور والفيديوهات باستعمال الذكاء الاصطناعي تجعل من السهل والرخيص اختلاق دلائل مسجلة بالصوت والصورة على أن الناس فعلوا أو قالوا أمورا لم يقولوها أو يفعلوها أبدا. ثالثا، الاستغلال البشع للقوى النافذة، وضمنها حكومات وأحزاب حاكمة لهذه الأساليب. سجل تقرير أعده باحثون بجامعة أوكسفورد وجود حملات منظمة لنشر الأخبار المغلوطة في 70 دولة، بعدما لم يكن الرقم يتجاوز 48 دولة في 2018 و28 دولة في 2017. لنضرب مثلا بحالة رنى أيوب، الصحافية الهندية المختصة في التحقيق في الفساد، والتي كتبت كتابا عن مجزرة ارتكبت في حق المسلمين بولاية كوجارات حين كان ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الحالي بالهند، يمسك بزمام الولاية. لسنوات ظل النقاد يرددون أن رنى غير وطنية (لأنها مسلمة تنتقد الحزب الحاكم) وعاهرة (لأنها امرأة). في أبريل 2018 وصلت الحملات ضد هذه الصحافية حد نشر فيديو جنسي موضب بتقنية «Deepfake» الذي ألصق وجهها على وجه امرأة أخرى، ثم سرى كالنار في الهشيم. هددتها كتائب الأنترنت بالاغتصاب والقتل. كشف أحدهم «مخبأها»؛ أحدهم نشر صورة لعنوان سكناها ورقمها الهاتفي على الأنترنت. من الصعب تحديد من يقف وراء حملة التحرش هذه، لكن هدفها بديهي؛ إسكات رنى أيوب وأي امرأة تفكر في انتقاد أصحاب السلطة. وقد اسُتعملت أساليب مشابهة لحرمان النساء من تولي المناصب العامة. قبيل الانتخابات التي عرفها العراق العام الماضي، تعرضت مرشحتان للإذلال بنشر شريطيْ فيديو جنسيين قالت المرأتان إنهما مزيفان، وواحدة انسحبت من السباق الانتخابي. وهكذا تتعدد أشكال الصور المستعملة لتبخيس المرأة من نظام إلى آخر. مع ذلك، فالقذف باستعمال التكنولوجيا المتطورة لم يعوّض الأساليب القديمة التي لاتزال في صحة جيدة في الدول التي يستطيع فيها السياسيون ورجال دعايتهم الإفلات من العقاب. في روسيا، يصور الإعلام الموالي للنظام النساء المعارضات على أنهن منحرفات. في الفيليبين، سخِر الرئيس، رودريغو دوتيرتي، من فيديو بورنوغرافي لمنافسة سياسية (قالت إن الشريط مزيف)، بالقول إنه يجب أن يعرض شريطها على البابا. في الصين، يسخر الإعلام من رئيسة تايوانالجديدة، تساي إني وين، مرددا أنها متطرفة وعاطفية نتيجة كونها غير متزوجة وبلا أطفال. إيجاد حل نهائي لهذه الإشكالية مستحيل. يمكن أي شخص أن يختلق فيديو جنسيا أو يوظف شخصا ليقوم بذلك بمقابل مادي، ثم ينشره بشكل سري. وهذا سيجعل السياسيين مستهدفين دائما. القوانين المُجرّمة للقذف وانتهاك الخصوصية تستطيع أن تدفع بعض الأضرار وأشكال الشطط، لكنها تصير غير مجدية حين يكون الفاعل مجهولا. شركات التكنولوجيا التي تحظى بسمعة جيدة ستحاول حذف ومنع كل أشكال المحتوى المسيء، لكن ستظل هناك منصات أخرى تستضيفها أنظم تشتغل بقوة في نشر الالتباس في الغرب. لذلك، فإن اتخاذ موقف المتشكك يبقى أفضل وسيلة لمواجهة الافتراءات الجنسية. على الناس أن يعوا أن شرائط الفيديو التي تُظهر نساء سياسيات عاريات أو يمارسن الجنس هي في الغالب مختلقة. على الصحافيين أن يبذلوا جهودا أكبر لفضح من يقف وراء هذه الشرائط الملفقة، عوض إعادة نشرها دون تفكير. يوما ما ربما يقرر الناخبون أن ما يقع تحت ملابس السياسيين أو مع أي شركاء راشدين يمارسون الجنس أمور لا تعنيهم في شيء.