ظهر جليا في الأسابيع الأخيرة أن الاتحاد الأوروبي يولي المغرب أهمية خاصة، ليس فقط باعتباره شريكا رئيسا له خارج القارة العجوز، بل لأنه يجسد العمق الاستراتيجي لأمن واستقرار جنوب غرب أوروبا، كما أن المغرب أصبح، أكثر من أي وقت مضى، أحد أبرز مصادر الأمن الغذائي للأوروبيين، رغم التحركات المتواصلة للوبيات الزراعية الأوروبية لتشديد الخناق على الصادرات الزراعية المغربية في السنوات الخمس الأخيرة. لكن الأرقام والمعطيات الرسمية الأوروبية نفسها تؤكد أن بروكسيل تراهن على الرباط للحفاظ على استقرارها الأمني والغذائي. وإذا كان الاتحاد الأوروبي قرر في الأسابيع الماضية تخصيص دعم مالي كبير وقروض أوكسجين للدول الأوروبية الأكثر تضررا من فيروس كورونا المستجد، مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال، فإن المغرب استفاد ويستفيد، أيضا، من المساعدات المالية والقروض الأوروبية لمواجهة التداعيات السلبية للجائحة على القطاع الفلاحي، والقطاع المقاولاتي، والقطاع الخدماتي، إلى جانب دعم بعض المؤسسات الوطنية الكبيرة. إذ إن بروكسيل خصصت دعما ماليا بقيمة 457 مليون أورو للرباط، فضلا عن قروض مختلفة تصل قيمتها الإجمالية إلى 740 مليار سنتيم. في هذا الإطار، منح البنك الأوروبي للاستثمارات 200 مليون أورو للمغرب من أجل دعم القطاع الفلاحي الذي يساهم بشكل كبير في الناتج الإجمالي المحلي للمملكة، كما أنه يساهم بشكل واضح في الحفاظ على الأمن الغذائي الوطني والأوروبي. ويركز الاتفاق الموقع بين البنك الأوروبي والقرض الفلاحي المغربي، يوم الجمعة الماضي، على دعم المشاريع الفلاحية والمقاولات التي تنشط في هذا المجال، ومن أجل مواكبة مخطط الاستراتيجية الجديدة للقطاع الفلاحي «الجيل الأخضر 2020-2030» الذي دشن في فبراير الفائت، والذي يهدف إلى مضاعفة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج الداخلي المحلي، ومضاعفة الصادرات الزراعية المغربية إلى الخارج، إضافة إلى خلق 350 ألف منصب شغل. وحظي هذا الاتفاق باهتمام الصحافة الأوروبية، خاصة الإسبانية. وقال موقع «أغرو دياريو»، المتخصص في الشأن الفلاحي، إن القرض يسعى إلى مساعدة الاقتصاد المغربي والمقاولات التي تشتغل في القطاع، مبرزا أن «الفلاحة تعتبر المحرك الرئيس للاقتصاد المغربي، حيث تساهم على الأقل ب14 في المائة في الناتج الداخلي الإجمالي الوطني، كما أنها الموفر الرئيس لفرص الشغل». وقبل ذلك، كان الاتحاد الأوروبي منح، يوم 2 شتنبر الجاري، قرضا للمغرب بلغت قيمته 300 مليون أورو لدعم تمويل الشركات العمومية. هذا القرض، في الحقيقة، عبارة عن ثلاثة قروض منحها البنك الأوروبي للحكومة المغربية لإعادة الإعمار والتنمية، لمساعدتها على تمويل ثلاث شركات بارزة تابعة للدولة، وهي المكتب الوطني للمطارات، والشركة الوطنية للطرق السيارة، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. وأكد البنك الأوروبي المعني أن هذا القرض يهدف إلى دعم الشركات الثلاث لمواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد الذي أضر بالاقتصاد والشركات المغربية منذ منتصف مارس الماضي. وبالإضافة إلى ذلك، كان البنك الأوروبي للاستثمار قد منح، يوم فاتح شتنبر الجاري، أيضا، قرضا آخرا للمغرب بقيمة 200 مليون أورو (تسلم 100 مليون أورو في انتظار البقية) من أجل تمويل الحاجيات الطبية والصحية المستعجلة في ظل تزايد عدد الإصابات، والذي تجاوز إلى حدود يوم أمس عتبة المائة ألف إصابة. وفي منتصف غشت الماضي، قال البنك الإسباني «كايكسا بنك» والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية إنهما يعملان على تمويل المقاولات المتوسطة والصغرى في المغرب عبر قرض تبلغ قيمته 430 مليون درهم (40 مليون أورو). هذا التمويل تستفيد منه الشركات المغربية والإسبانية على حد سواء عبر فرع بنك «كايكسا بنك» في المغرب، والذي يتوفر على ثلاثة مقرات في مدن الدارالبيضاء وطنجة وأكادير منذ سنة 2009. ويشير البنك الإسباني في بيان له إلى أن الهدف من هذا القرض هو الرفع من قدرته التمويلية بالمغرب من أجل الاستجابة بشكل أفضل لحاجيات المقاولات التي تضررت بشكل كبير من التداعيات السلبية للجائحة. وعلى غرار القروض، خصص الاتحاد الأوروبي في ماي الماضي دعما ماليا للمغرب بلغت قيمته 457 مليون أورو. إذ حصلت الدولة على الدفعة الأولية منه، والتي بلغت قيمتها 157 مليون أورو، لمساعدة خزينة الدولة على مواجهة التحديات والتداعيات القاسية للفيروس على الاقتصاد والصحة والتعليم، فيما من المنتظر أن يحصل المغرب على الدعم الباقي قبل نهاية السنة الجارية. ويعتبر المغرب أول بلد في المنطقة يحصل على دعم مالي أوروبي بهذه القيمة، نظرا إلى الوضعية المتقدمة التي يحظى بها لدى الأوروبيين منذ سنة 2008، علما أن مبلغ 139 مليون أورو من هذا الدعم المالي وجهه الأوروبيون لدعم قطاع التعليم في المملكة، خاصة في ظل مستجد التعليم عن بعد. الأمن الغذائي يهزم اللوبيات يأتي القرض الأوروبي لدعم القطاع الزراعي المغربي في الوقت الذي تعلن فيه اللوبيات الزراعية الأوروبية الحرب على الصادرات الزراعية المغربية، لكن الأرقام الرسمية الأوروبية ذاتها تؤكد أن الأوروبيين في حاجة إلى المغرب لضمان أمنهم الغذائي. إذ إن الصادرات الزراعية المغربية إلى أوروبا ارتفعت بنسبة 40 في المائة في السنوات الخمس الأخيرة، وبنسبة 4 في المائة ما بين 2018 و2019، حيث بلغ مجموعها 1.4 مليون طن. كما أن قيمة الصادرات الزراعية المغربية إلى أوروبا ارتفعت بنسبة 42 في المائة في السنوات الخمس الأخيرة، وب3 في المائة ما بين 2018 و2019، لتصل إلى 1805 ملايين أورو، وفق الفدرالية الإسبانية لجمعيات منتجي ومصدري الفواكه والخضر. فضلا عن ذلك، يعتبر المغرب المزود الرئيس للسوق الإسبانية بالفواكه والخضر، إذ تمثل 47 في المائة من الواردات الإسبانية من خارج المجال الأوروبي، و33 في المائة من مجموع الواردات الإسبانية عامة. وبلغت الصادرات الزراعية المغربية إلى إسبانيا في الأسدس الأول من السنة الجارية، مثلا، 358 ألفا و329 طنا، بارتفاع قدره 25 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية. كما أن صادرات المغرب في السنوات الخمس الأخيرة إلى إسبانيا انتقلت من 236 ألفا و775 طنا سنة 2015 إلى 430 ألفا و299 طنا سنة 2019، بارتفاع قدره 82 في المائة. أما من حيث القيمة، فانتقلت من 352 مليون أورو سنة 2015 إلى 682 مليون أورو سنة 2019، بارتفاع قدره 94 في المائة.