الرابطة المغربية للشباب والطلبة تختتم مخيم "الحق في الماء" بمركب ليكسوس بالعرائش    ألمانيا تدعو إلى إجراء مفاوضات عملية وسريعة لحل النزاع التجاري مع الولايات المتحدة    جسم غامض خارجي يقترب من الشمس بسرعة خارقة يثير حيرة العلماء    جهة الشرق تتألق في استدراكية باكالوريا 2025..    توقعات أحوال طقس اليوم الأحد    شفشاون: يوم تواصلي حول تفعيل مضامين الميثاق المعماري والمشهدي لمركز جماعة تنقوب ودوار الزاوية    محكمة جرائم الأموال تؤيد الحكم الابتدائي الصادر في حق مسؤولي بنك اختلسوا أموالا كبيرة    محكوم ب 27 سنة..بلجيكا تطلب تسلم بارون مخدرات مغربي من دبي    فيلدا يثني على أداء المنتخب ورباح تبرز الروح القتالية للبؤات الأطلس    صدور كتاب عن قبيلة "إبقوين" الريفية يفكك الأساطير المؤسسة لقضية "القرصنة" عند الريفيين    تقرير: المغرب ضمن 3 دول أطلقت سياسات جديدة لدعم الزراعة الشمسية خلال 2024    يديعوت أحرونوت: موجة هجرة إسرائيلية غير رسمية نحو المغرب في خضم الحرب    صحافي أمريكي: الملياردير جيفري إبستين صاحب فضيحة شبكة الدعارة بالقاصرات كان يعمل لصالح إسرائيل    الدفاع المدني ينعى قتلى بقطاع غزة    غرق شاب بشاطئ تمرسات بالبركانيين وعملية البحث عن جثته متواصلة    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    طنجة.. إغلاق مقهى شيشة بمحيط مالاباطا بعد شكايات من نزلاء فندق فاخر    حادث خطير داخل "الفيريا" بمرتيل يُخلّف إصابات ويثير مخاوف الزوار    فيلدا: فخور بأداء "اللبؤات" أمام السنغال    من ضحية إلى مشتبه به .. قضية طعن والد لامين جمال تتخذ منحى جديدًا        كأس أمم إفريقيا لكرة القدم سيدات.. المنتخب المغربي يتأهل إلى دور الربع نهائي بعد فوزه على نظيره السنغالي (1-0)    الطالبي العلمي: المغرب يجعل من التضامن والتنمية المشتركة ركيزة لتعاونه جنوب-جنوب    أثنار: جاك شيراك طلب مني تسليم سبتة ومليلة إلى المغرب سنة 2002    الملك يهنئ رئيس ساو طومي وبرانسيبي    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    بنسعيد: "البام" آلية لحل الإشكاليات .. والتحدي الحقيقي في التفكير المستقبلي    المفوضية الأوروبية تنتقد رسوم ترامب    خطوة مفاجئة في إسبانيا .. ملقة ترفض استقبال مباريات "مونديال 2030"    لبؤات الأطلس يتأهلن إلى ربع نهائي "كان السيدات" بعد فوز صعب على السنغال    حرب الإبادة الإسرائيلية مستمرة.. مقتل 100 فلسطيني في قصف إسرائيلي على غزة منذ فجر السبت    المغرب يفتح باب الترخيص لإرساء شبكة 5G    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة    الصندوق المغربي للتقاعد يطلق نسخة جديدة من تطبيقه الهاتفي "CMR" لتقريب الخدمات من المرتفقين    فاس تحتضن لقاء لتعزيز الاستثمار في وحدات ذبح الدواجن العصرية    دراسة: التلقيح في حالات الطوارئ يقلل الوفيات بنسبة 60%    مهرجان "موغا" يعود إلى مدينته الأصلية الصويرة في دورته الخامسة    اجتماعات بالرباط للجنة التقنية ولجنة تسيير مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي    الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"                أخرباش تحذر من مخاطر التضليل الرقمي على الانتخابات في زمن الذكاء الاصطناعي    أغنية "إنسى" لهند زيادي تحصد نسب مشاهدة قوية في أقل من 24 ساعة    عبد العزيز المودن .. الآسَفِي عاشِق التُّحف والتراث    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    57 ألفا و823 شهيدا حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء الحرب    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    الدوري الماسي.. سفيان البقالي يفوز بسباق 3000م موانع في موناكو    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    "وول مارت" تستدعي 850 ألف عبوة مياه بسبب إصابات خطيرة في العين    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمودي: تعليم اللغات ومصير الأجيال
نشر في اليوم 24 يوم 28 - 03 - 2015

يطرح تعليم اللغات إشكالات حقيقية في المغرب منذ سنوات، ويزيد من تعقيد أزمة التعليم المزمنة ببلادنا. في هذه الدراسة يبسط الانثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي وجهة نظره في الموضوع ويبين وجوه القصور في تناول المنظومة التعليمية المغربية لتعليم اللغات
عبد الله حمودي *
أجمعت اليوم كل الأطياف الثقافية والسياسية في البلاد على أن منظومة التعليم بلغت حد الاختناق. وكما هو معلوم، فإن هذا القطاع يبتلع النصيب الأعظم من ميزانية الدولة، بينما لا يقوم بوظائفه الأساس. إنها أزمة ما فتئت تزداد تفاقما منذ سنوات رغم الدراسات والإصلاحات والتوجيهات. ولربما كانت بعض جوانب هذا التفاقم بسبب هذه الأخيرة. والحال أن ذلك يرجع إلى ضبابية الأسس والأهداف التي توجه الاختيارات.
اختيارات متناقضة
من تلك الاختيارات الأساس اختيار اللغات المعتمدة في تربية الأجيال. ففي هذا المجال، يظهر بجلاء أن حالة تعليم اللغات داخل منظومتنا التربوية نتجت عن اختيارات متناقضة، تلك الاختيارات التي خضعت للظروف السياسية وكانت أهدافها غامضة.
نلمس هذا الواقع المقلق في المناقشات الدائرة حاليا حول لغة التعليم وأسس الاختيارات في هذا الشأن. ولهذه الإشكالية جانبان: الأول هو ما هي اللغة أو اللغات التي نعلمها ونتعلم بها؟ والثاني هو ما هي المناهج التي تعتمد في تعليم اللغة حسب الأهداف المتوخاة من ذلك التعليم. الجانب الأول يحتاج قدرا من التفصيل، أما الثاني فسأقدمه صيغة خاتمة للأفكار المقترحة.
هناك عدة لغات تروج في الساحة الوطنية، وهناك اللغات التي تدخل في المنظومة التربوية. فالدوارج مثلا تروج في الساحة وكذلك الأمازيغيات. لكن تعليم اللغة يشتمل على اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية الممعيرتين، مع فرق بينهما، دون الدوارج والأمازيغيات. ثم هناك اللغات الأجنبية الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية التي تنال حصتها في برامج التدريس. ولا ندخل هنا في تفاصيل أخرى مثل اللغات الاختيارية في التعليم الثانوي أو اللغات المقترحة في التعليم العالي.
فما هي معايير الاختيار، وما هي الأهداف؟ ما هي المعايير التي تستنبط من الأهداف؟
هناك أول هدف يتلخص في العمل بمقتضى الدستور. فدستور 2011 ينص على لغتين رسميتين هما العربية والأمازيغية. وإذن، فالأساس هو تعليم اللغتين، وتوفير الإمكانيات لهما مع الأخذ بعين الاعتبار التوازنات والحاجيات.
هناك الهدف الثاني، وهو الذي يؤسس للأول، ويتمثل في التمفصل الهادف بين تعليم اللغات والهوية. من هذه الزاوية، فإن اختيار اللغة العربية والأمازيغية يمثل الاختيار الصحيح. وأما الدارجة، فهي راسخة في محلها، واقتراحها باعتبارها مادة مدرسية في برامج التعليم تشويش ربما له أغراض…
هناك الهدف الثالث، ويتلخص فيما نرومه من وراء تعليم اللغات. في الحقيقة ليس هناك هدف واحد في هذه النقطة، لكن أهدافا عديدة ومتشعبة لا فائدة في تعدادها في هذا المقام. فتعلم اللغات يكون بهدف ترسيخ الهوية في جو من الحرية، مع استنباع طاقاتها الإبداعية في مجالات العلوم والفنون والآداب. هذا الهدف لا بد وأن يكون حاضرا بقوة في برامج التعليم.
لهذا الهدف الأخير وجه آخر، هو التنمية المستدامة في مجال العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد، والفكر والثقافة، مع التوزيع العادل للثروة المادية والمعرفية. ولا يمكن فصل ذلك عن هدف تعميم الانتفاع بتلك الموارد من طرف جميع الشرائح الاجتماعية والطبقات بأكملها: أي التوزيع للإمكانات والاشتراك في مؤسسات القرار ومواقعه؛ والتوزيع العادل للثروة من محركات الإنتاج القوية، سواء إنتاج المواد الاقتصادية أو الروحية أو العلمية الثقافية.
الاختيار اللغوي الملائم؟
وعلى كل، فإن السؤال المطروح هو: ما هو الاختيار اللغوي الكفيل بتنمية الإنتاج كما عرَّفناه؟
الجواب عن هذا السؤال لابد أن يخضع لمعيار الهوية؛ لكن معيار الهوية- وهذا حيوي- يكون في جدلية مع تعلم اللغات الأجنبية. وهي جدلية خطيرة وملغومة لا مناص من مواجهتها.
وجوهر الموضوع هو أن هدف التنمية العلمية – التكنولوجية – الاقتصادية يرتبط عندنا بالوضعية الخاصة لتعليم اللغات الأجنبية. وذلك لأسباب عدة منها الإرث التاريخي منذ الاستعمار واستمرار هذا الإرث إلى يومنا هذا. ومنها أن رصيد اللغة العربية في العلوم الحديثة والتكنولوجيا وتقنيات الإدارة والتسيير العالية ضعيف، ولن ينمو إلا تدريجيا، وعلى المدى المتوسط والطويل. وهذا يعني أن تعليم اللغة الأجنبية يبقى حتميا من ناحية تعليم وتنمية تلك الميادين الحيوية التي تمثل العمود الفقري لاقتصادنا.
ومن أجل الوضوح، فإن اللغة العربية كلغة في حد ذاتها ليس فيها ضعف أو شيء يعرقل تحصيل العلوم أو إنتاجها. وماضيها خير دليل على ذلك. فهي لغة عجيبة القوة، ظهر بها دين اعتنقه الملايين، ومن رحمها خرجت حضارة غيرت وجه الأرض. وكذلك تظل اليوم من كبريات لغات العالم بفضل رصيدها التاريخي في العلوم والآداب، وكذلك بالنظر إلى أعداد الناطقين بها في الحاضر. فالضعف الموجود اليوم في العلوم بالأخص وفي الميادين الأدبية والفكرية الأخرى إنما راجع إلى أسباب تاريخية واجتماعية وسياسة معروفة.
يبقى أن الضعف الحالي للغة العربية في الميادين التي ذكرنا أمر قائم لا يمكن تجاهله. وأما ما يروج في الساحة، خاصة ذلك الرأي الذي يقول إن البلدان التي نجحت في التنمية هي التي عممت التعليم في جميع المجالات باللغة الوطنية، فهو كلام صحيح؛ لكنه يبقى في العموميات ولا ينفذ إلى واقع الحال في بلادنا والظرف التاريخي الراهن. إذ بقدر ما تجب تنمية اللغتين الرسميتين في المجالات الأدبية والفكرية، والتسليم بواجب النهوض بها في الميادين العلمية، بقدر ما يكون الإصرار على تعميمهما اليوم بالذات في الميادين العلمية والتقنية كارثيا بالنسبة للمستقبل. وليس هناك أي بلد عربي حقق طائلا يذكر في هذه الميادين من بين الدول التي اعتمدت اللغة العربية وعممتها في تعليم تلك المواد بعد القضاء على الاستعمار. وهذا رغم الأموال الخيالية التي تتمتع بها بعض هذه الدول من عائدات النفط والغاز منذ عقود طويلة. طبعا، هناك عوامل أخرى تفسر هذه الأحوال، وليس اختيار اللغة وحده. لكن يبقى واقع التراكم العلمي في اللغة العربية كما هو عليه: أكيد أن التراكم سوف يحصل، ولكن ببطء، كما أن وتيرته سوف لن تتوازن مع وتيرة النمو المطلوب إلا في الأمد المتوسط والطويل.
كيف الخروج من الحلقة المفرغة؟
وإن نحن أخذنا التنمية بالجد، فإن الحل الوحيد هو تعليم لغتينا الوطنيتين بحزم وإمكانيات قوية ومستدامة، لكن مع تعميم تعليم اللغة الأجنبية وليس التقليص من حصصها. وذلك على جميع مستويات المنظومة التربوية سواء في القطاع العمومي أو الخصوصي. وألح على أن تعريب القطاعين معا سوف يعمم الضعف بدل غرس القوة. وإن نحن علّمنا جميع اللغات بمناهج العقل الصارمة، فإننا سنحافظ على هوية لن تتزعزع، وسنربح في الآن نفسه مزاولة التراكم العلمي والتقني. وإن علمنا الناشئة بالمنهج والصرامة المعقولين، فإن تلك الناشئة سوف تعرّب بسهولة وبنفسها ما يكون قد تراكم بوسيلة اللغة الأجنبية. وبذلك نخرج من الحلقة المفرغة التي تتلخص اليوم في تزايد أعداد الشباب الذين لا يملكون إلا عربية هشة وليس لهم رصيد علمي مهم، مقابل أعداد لها رصيد علمي وتكنولوجي هائل يحصل باللغة الأجنبية مع ضعف مؤسف ومكبل في اللغتين الوطنيتين.
المعضلة الأخطر
لكن هناك معضلة ربما أخطر سوف تظهر مخلفاتها السلبية عن قريب إن نحن تمادينا في الخطابات السياسوية من قبيل: «الأمن الروحي»، والانشطار»، والاستلاب، أو الكلام في عموميات العلاقة بين التنمية واللغة الوطنية. هذه المعضلة ترتبط بالتوزيع العادل لموارد وعائدات النمو، أي بتقليص الفوارق الطبقية. ويمكن طرح هذه المعضلة كالآتي: إننا نعرف تمام المعرفة أن غالبية التلاميذ في القطاع العمومي لا يلجون الشعب العلمية والتكنولوجية، والمدارس العليا لتلك المواد لا في الداخل ولا في الخارج. ومقابل ذلك، فإن الطبقات المحظوظة تتوفر على إمكانية تسجيل أبنائها وبناتها في القطاع الخاص. وبفعل هذا الامتياز في القطاع الخاص الذي تعلم فيه اللغة الأجنبية، ويتم تدريس العلوم بها، تكونت نخبة متمكنة من العلوم والتكنولوجيا باللغة الأجنبية المسيرة للاقتصاد. هذا واقع لا يمكن التغافل عنه، وهو يكرس فروقات اجتماعية حادة. وإذا كان الهدف بالفعل هو التوزيع العادل لفرص الشغل، فإن تعليم اللغة الأجنبية يكون هو الوسيلة الناجعة في القطاعين العمومي والخصوص. وذلك لتمكين شباب الطبقات ذات الدخل المتواضع من دخول سوق الشغل في الميادين الاقتصادية الحيوية، وألا تبقى تلك الميادين حكرا على الطبقات المحظوظة.
من هذا المنظور، يظهر أن الإصلاح الحقيقي في مجال التعليم المرتبط عضويا بالإصلاح الاجتماعي هو التعليم الجدي والجيد للغة الأجنبية في القطاع العمومي لمنظومتنا التربوية في جميع المستويات.
إشكالية جديدة
(…) لا يسعني إلا أن أنبه إلى ظهور إشكالية جديدة، وهي إشكالية أظنها مفتعلة، تعتم على سبل الاختيار الواقعي: تلكم هي ظاهرة الترويج للإنجليزية على حساب الفرنسية.
لكن قبل التطرق لهذه الجوانب، يجب أن أوضح موقفي ككاتب لهذه السطور. لقد كان تكويني الأول في اللغة العربية بفضل حفظ القرآن، ثم في المدرسة «الأهلية» إبان الاستعمار حيث كان تعليم العربية معقلنا وجديا، رغم أن حصصها كانت متواضعة من حيث العدد مقارنة بحصص اللغة الفرنسية، وهي آنذاك لغة المستعمر. غير أن تعلم العربية كان عن طريق مناهج سليمة تحبب اللغة بوسيلة الآداب الرفيعة. واليوم أنا أحاضر بالعربية والفرنسية، وأدرس بالإنجليزية في جامعة أمريكية. وليس لي ارتباط لا باللوبيات الفرانكوفونية، ولا الأمريكية، ولا اللوبيات الخليجية، أو غيرها…إني أحاول أن أنظر إلى المشكل من زاوية مصلحة الوطن الذي أنتمي إليه.
إن الدفاع عن أولوية الإنجليزية راهنا يستند إلى معلومات معروفة؛ منها كون هذه اللغة أصبحت هي اللغة الأولى من بين لغات العالم؛ ومنها أنها غزت اللغة الفرنسية في عقر دارها؛ ومنها أن ولوج المجلات الدولية المفهرسة يتم عن طريق هذه اللغة، وأن الفرنسيين أنفسهم يستعملون اليوم الإنجليزية لتلك الأسباب. هذه المعلومات صحيحة. غير أن الاقتراح المبني عليها مغلوط في نظري. إذ لازال الفرنسيون يحتلون، بجانب شعوب أوروبية أخرى، الريادة في علوم وتكنولوجيات عديدة. ولازالوا يعملون بلغتهم، وزيادة على ذلك، يدونون تراكماتهم بلغتهم وبالإنجليزية بكل سهولة.
وقد تستورد الولايات المتحدة الأميركية علماء وخبراء فرنسيين للعمل في جامعاتها ومعاهدها الكبرى. لكنه يجب أن نلاحظ أن المنظومة التربوية الأمريكية في الابتدائي والثانوي هي منظومة ضعيفة المردودية بالمقارنة مع المنظومة الأوروبية الفرنسية منها على الخصوص. وهذا بشهادة الأخصائيين الأمريكان بأنفسهم. أما في التعليم العالي، فتتفوق أميركا على العموم.
لكن الأهم في نظري هو اعتبار ظروفنا الخاصة. وهنا أظن أن اقتراح اللغة الإنجليزية في الظرف الحالي ينم على استخفاف كبير بالتراكم العلمي والتكنولوجي الذي تأصل في بلادنا منذ ما يقارب قرنا من الزمان. والتراكم حاصل ولازال يحصل باللغة الفرنسية. وبها وظفت أجيال من المغاربة والمغربيات العلوم الحديثة والتكنولوجيات المعاصرة التي نحيا بها. وإذا افتقدناها، فلربما سنفتقد أشياء حيوية منها بكل بساطة وعلى سبيل المثال لا الحصر الكهرباء والحصول على مياه الري والشرب وهياكل السيارات، والمطارات، والموانئ وتسييرها… فالتخلي عنها سيكون تخريبا. أما الخطابات التي تروج ل»الاستلاب» و»الانشطار»، فلا أساس لها في هذا المجال. فالمغاربة الذين يسيرون هذه القطاعات لا تنقصهم «تمغربيت» ولا «تأسلاميت»، عكس ما تدعيه الأوساط الدعوية والأنكلوفونية التي تنصب نفسها للدفاع عن حقوق «الوطن» و»الأمة».
وليس في هذا أي رفض مبدئي للإنجليزية نفسها، أو عدم اعتراف بمكانتها الخطيرة، بل العكس هو الصحيح. وعلى كل حال، فهي في تقدم متزايد. ويجب أن نرتاح لتقدمها ولتعلمها، ما دمنا نتشبث باللغتين الوطنيتين، وبإصلاح جذري لمناهج تعليمهما قصد تعزيز مكانتهما واستمراريتهما. وإذا كانت أمريكا تستورد الأدمغة، وتلزمهم بالبحث والتدريس بلغتها، فهذا أمر طبيعي. لأن لغتها لغة قوية في جميع المجالات بما فيها العلمية والتكنولوجية. وهو ما يختلف تمام الاختلاف عن واقعنا اللغوي الراهن، إذ إن لغتينا الوطنيتين ليست لهما بعد القوة المطلوبة في تلك الميادين. وفي الحقيقة، فإن المطلوب هو إعداد لغتينا بغاية اكتساب تلك القوة. وإذا نحن وضعنا برنامجا محكما لتعليم اللغات كما أشرت إلى ذلك، فإننا سوف نصبح قادرين مستقبلا على استيعاب أية لغة في مجتمعنا. ولكن لن يتم ذلك إلا بتجنب المجازفات والقرارات المرتجلة التي طالما عطلت سبل التقدم.
كل ما قلناه سابقا يدخل في موضوع تعلم اللغات. وقد آن الأوان للانتقال إلى المسألة الثانية التي تطرح علينا مشكل منهاج تعليم اللغات لأبنائنا وبناتنا.
باختصار شديد، يجب أن نعي بمشكل المناهج وبمحتوى مادة تعلم اللغة، ثم التعلم بوسيلة اللغة.
هشاشة تعلم اللغة
إن هشاشة تعلم اللغة هي الظاهرة التي تطغى على الموقف، سواء بالنسبة للغتين الوطنيتين أو اللغة الأجنبية في قطاعنا العمومي. أما في القطاع الخصوصي، فإن تعليم اللغة الأجنبية لا يعرف على العموم نفس الصعوبات التي يعرفها القطاع العام، حيث يشكو تعليم الفرنسية يشكو من خصاص مهول في تكوين الأساتذة. أما مشكل العربية، فإنه يكمن، في القطاعين معا، في الخلط بين تعليم اللغة وتعليم المواد الدينية. فالمنهج اليوم هو منهج غامض يعلم الدين عن طريق اللغة، ولا يعلم اللغة كلغة، وكلغة تعلم في جميع الميادين دينية كانت أو علمية أو أدبية. فهذا المنهج يهمل الكنوز الأدبية الرفيعة، وكنوز الفكر التي تراكمت باللغة العربية عبر العصور بما فيها الفلسفة. وهو تصور منهجي يوجه كل الروافد البيداغوجية نحو التربية الإسلامية فقط، وهي في الحقيقة تربية على إهمال اللغة وآدابها، واختزالها في رصيدها الديني، وذلك باسم تحصين الهوية.
ولطالما طغت تلك الميول على تعلم اللغة كلغة، أولا وقبل كل شيء. ولا حرج طبعا في تخصيص حصص للتربية الإسلامية والوطنية إضافة إلى حصص العلوم والآداب. ولكن المشكل يكمن فيما يظهر وكأنه محاولة للتعتيم على مركزية هذه المواد. لكن مع هذا، يكون من المفيد هنا إدراج الملاحظة الآتية: فالمتتبع لشؤون التعليم في بلادنا قد يقف على مجهودات حميدة ومهمة في الاتجاه السليم، أي تعليم اللغة كلغة أولا وقبل كل شيء؛ ولكنه يشعر وبكل أسف بأن تلك المجهودات لا تنال نصيبها اللائق في التطبيق، وعلى العموم تبقى محاصرة.
إن الحسم في هذه المعضلة لا يقبل التأجيل، فلا مناص من الحسم إن نحن رمنا الخروج من أزمة التعليم.
* أنتروبولوجي مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.