فاطمة تباعمرانت اسم لمع في سماء الأغنية الأمازيغية، مثلما لمع مؤخرا في الساحة السياسية. في هذا الحوار تتحدث الفنانة عن واقع الأغنية الأمازيغية والهوية الأمازيغية التي تعتبرها القضية الوحيدة التي جعلتها تلج عالم السياسة { كيف ترين مكانة الأغنية الأمازيغية في التلفزيون المغربي وفي المهرجانات؟ الأغنية المغربية تناقش جميع المواضيع سواء كانت ثقافية واجتماعية وتربوية؛ مضامينها لها وزنها وجمالها الخاص. ولكن هناك مشكل تعاني منه هذه الأغنية مدة طويلة ، وهو مشكل قديم في حد ذاته، ، وهو أن كل ما هو فن أمازيغي يوضع في خانة الفلكلور، ويحتفظ به للمناسبات فقط. الأغنية الأمازيغية بشكل عام، باستثناء المجموعات العصرية تصنف فلكلورا، مع أن كل ما هو أحواش والأغنية التقليدية «الروايس» وألوان أخرى حين نبحث فيها، نجد أنها متجددة والمشتغلون فيها يجتهدون. وهناك أسماء بارزة، مثل: المرحوم الحاج آيت علي، الذي توفي في سنة 1945، وخلف رصيدا كبيرا، وأقيمت حول فنه بحوث. ما أريد أن أقوله هنا، أن هذا الفن يوضع في غير الموضع الذي يستحقه.
{ هل تقصدين أن تصنيف الألوان التي ذكرت في نطاق الفلكلور يحط من قيمتها؟ نعم، هي بذلك لا تنال حظها، ولا نعطيها قيمتها الحقيقية. هذه الأغاني مثلا في المهرجانات لا تعطى لها أية قيمة، ويكتفى بوضعها في الاستقبالات، ولا تصل إلى الخشبة.
{ تعنين بذلك أنها تسخر في إطار الموسمية ولا تنال حقها في التلفزيون العمومي؟ وفي التلفزيون لا تبث كثيرا، وحتى إن كان يتم تقديمها تترك إلى آخر السهرة «وكتجي في الآخر مع كتابة كنتم مع السهرة الأسبوعية». هذا ما قدمه التلفزيون قبلا للأغنية الأمازيغية. خذ مثلا بعض السهرات في رأس السنة، في القنوات الأمازيغية فالأغنية الأمازيغية غير حاضرة وقليلة جدا. مثلا: القناة الثانية التي استمرت سهرتها ليلة رأس السنة لم تقدم سوى فرقة أمازيغية واحدة، في الوقت الذي تتعدد فيه الأمازيغية والفرق التي تغني بها، فهناك الأطلسية والسوسية... وعلى القناة أن تهتم بهذا، لأنه من حق كل منطقة أن تشاهد نصيبها على التلفزيون العمومي، هذا بالإضافة إلى أنه يدخل في واجبات التلفزيون ويفيد في استقطاب نسبة أخرى من الجمهور. ولكن مع ذلك، دعيني أقول إن الوضع حاليا بدأ في التغير على الأقل في المهرجانات. في السابق كانت الأغنية المغربية منفية في مكان مظلم. والفضل في هذا التطور وإن كان لم يصل إلى المستوى الذي ننتظره يعود إلى الأشخاص الذين ظلوا متشبثين بالأغنية الأمازيغية.
{ من هؤلاء، الذين كان لهم الفضل في إخراجها من هذا الوضع المظلم؟ بفضل الله تعالى، يعود إلى عدد من الفنانين الأمازيغيين، أمثال: الحاج محمد الدمسيري ورقية الدمسيرية، وغيرهم الذين بذلوا مجهودا كبيرا لإيصال الأغنية الأمازيغية إلى هذا المستوى، وصرنا نراها في المهرجانات.
{ الأغنية الأمازيغية التي تحدثت عنها غير الأغنية العصرية،هل يتجاوب معها الجمهور في المهرجانات التي ذكرت؟ أكيد، إن لهذه الأغنية جمهورها الذي يتعاطى إليها ويشجعها ويقبل عليها، ومثال ذلك في أحد دورات موازين التي شاركت فيها، والتي شهد حضوري أثناءها عطبا تقنيا، حيث تضامن معنا الجمهور وبقي بانتظارنا ليستمتع بها، كما أن هذا الجمهور يحب هذه الأغنية ويقبل عليها. والأغنية التي أقدمها هي أغنية ملتزمة، من خلال هذه الأغنية أنا أدافع عن الثقافة والهوية الأمازيغية في شمال إفريقيا، حتى في قصائدي. فلدي جمهور واسع في المغرب والجزائر وتونس وليبيا. الأغنية الأمازيغية اليوم قطعت أشواطا كبيرة.
{ تحدثت عن أدائك للأغنية الملتزمة، ما المواضيع التي تتطرقين لها في هذه الأغنية؟ أدافع من خلالها عن حقوق المرأة وتوعيتها وتمدرس الفتيات في البوادي،لأن المرأة باعتقادي هي أساس تنمية المجتمع لأنها من تربي أجياله، وتلقن شبابه وأطفاله المبادئ الأولى، وعليه يجب أن تكون امرأة واعية ومثقفة.
{ هناك من يقول إنك استغليت صورتك كفنانة لتكوني برلمانية؟ ميدان السياسة، والله ما عيني فيه.. ليس لدي ميولات سياسية، ولو كانت السياسة تهمني لنخرطت فيها منذ سنة 1997 حين اقترحت علي أحد الأحزاب السياسة المعروفة الانضمام وأكون برلمانية، لكني رفضت ذلك، لأنه لم يكن لدي أي سبب لدخول السياسة.
{ لكنك قبلت بعدها والآن أنت برلمانية؟ دسترة الأمازيغية في 2011، هو السبب الوحيد الذي جرني لدخول عالم السياسة، لأني عرفت أن هذه الدسترة ستليها عراقيل ومشاكل في تنزيلها. ومثال ذلك حين طرحت سؤالي بالأمازيغية الذي لم يؤخذ بعين الإعتبار لأنه بالأمازيغية. ولو تعلق الأمر بأجنبي تحدث بلغة أجنبية لتوفرت وسائل الترجمة في حينها. وهذا دليل الإهمال، مضت أكثر من سنتين ولا جديد.
{ ألا تخشين أن يتم استغلالك سياسيا وأنت الفنانة؟ طبعا، أنا خائفة من أفقد جمهوري ومكانتي الفنية، التي بنيتها على مدى 31 سنة وأكثر، دافعت خلالها على الثقافة واللغة الأمازيغية. وجدت أنه من واجبي أن أنخرط في السياسة لاستكمال الدفاع عما أدافع عنه بالأغنية.
{ هل يمكن أن نقول أنك غامرت بمسارك الفني الكبير في سبيل الدفاع عن الأمازيغية كقضية؟ صحيح، لقد غامرت، لكن الحمد لله فقد توفقت، وأشكر على ذلك جمهوري الذي ساندني. أريد هنا أن أقول أننا ربحنا كبلد؛ الفوز بلقب أول بلد يدستر الأمازيغية، لكن يبقى أمامنا تفعيل كل هذا، لأن بلدانا أخرى إفريقية في طريقها إلى ذلك أيضا، وما لم يكن التطبيق والتفعيل لدينا سنخسر هذا اللقب. وعلى الجميع أن يساهم في هذا، وأن يكون عمليا، خصوصا ونحن نستفيد من الاستقرار الذي نحظى به ويشرفنا والحمد لله !
{ ترتدين دائما لباسا يحيل على الهوية الأمازيغية، وطرحت سؤالا بالأمازيغية في البرلمان، ألا ترين أن ذلك مغرق في الشكلية؟ ولم لا تنتظرين إلى أن تكون جاهزية لكل هذا، بعد تنزيل القانون التنظيمي للأمازيغية؟ الأمازيغية تم دسترتها. وسؤالي شفوي لا يحتاج إلى انتظار القانون التنظيمي لطرحه، فأكثر من 80 في المائة من المغاربة أمازيغ، أليس لهم الحق سماع لغتهم في البرلمان المغربي. وقد تكلمت بلغة رسمية لا أجنبية. وبخصوص اللباس الذي أرتديه فأخصصه للقاءات الكبرى التي أمثل فيها بلدي خارج المغرب، وفي الندوات داخل المغرب، وفي المهرجانات، وداخل البرلمان لأني أمثل فيه هويتي الأمازيغية.
{ لكن ذلك سيقيدك ويحرمك من أن تغيري وتجددي مظهرك، ألا يعنيك هذا؟ هذا شأن لا يشغلني، كما لا يشغلني تناسق الألوان أو غيرها، لأن ذلك الحرف «تيفيناغ» يهمني أكثر، وأجعله حاضرا في البرلمان ما دمت لا أطرح فيه أسئلة بالأمازيغية.
{ كيف كانت ردة فعل المحيطين بك بعدما سحب رئيس فريق الأحرار سؤالك الأمازيغي الشهير؟ غضبوا جدا لاعتبارهم أن هذا حق، وأنه يجب تجاوز هذا الأمر. في حملاتي الانتخابية وعدت الجماهير بأن أدخل الأمازيغية إلى قبة البرلمان وطرح معاناتهم بها ومساندتهم، فإذا كان تطبيق هذه الوعود مستحيلا فعلى المعنيين أن يخبروني بذلك، وآنذاك «نمشي فحالي»، لأنه السبب الوحيد الذي يجعلني أستمر في المجال السياسي.
{ بعد صراعات طويلة مع حزب البيجيدي، دخل حزبك إلى الحكومة، كيف ترين ذلك؟ حزب التجمع الوطني للأحرار هو حزب التوازن، وهذا أمر معروف، وما يعجبني شخصيا، أن حزب الأحرار دخل الحكومة «بالعز».
{ كيف دخل «بالعز»؟ معنى ذلك، أنه وجد مكانه المناسب، ولم يأت فقط لسد الفراغ. كما أن الظرفية السياسية التي عاشها المغرب بعد خروج حزب الاستقلال كانت تستوجب إنقاذ الموقف وسد الفراغ السياسي الذي لا يجب أن تقع فيه دولتنا. والحمد لله ! منذ دخول الحزب تغيرت أشياء كثيرة في أسلوب العمل.
{ هل وجدت راحتك في الأغلبية أكثر منها في المعارضة؟ ما يهمني في الأصل هي مصلحة البلد، والمهم أن تكون هناك جدية وموضوعية في العمل، سواء كنت في المعارضة أو الأغلبية. بالنسبة إليا لا تغيير، الأسلوب الذي أعمل به في المعارضة هو نفسه الذي أشتغل عليه اليوم ضمن الأغلبية. أحمل رسالة أنا مقتنعة بها، وأعمل على تحقيقها.
{ ألم يفكر حزبكم في الحصول على حقيبة وزارة الثقافة، ألا ترونها جديرة بالاهتمام؟ وزارة الثقافة هي وزارة مهمة جدا، لكن بالنسبة لي لا أتدخل في ذلك.
{ وإن افترضنا أن صرت وزيرة أي حقيبة تودين حملها؟ لا أريد أن أكون وزيرة، لأن الوزيرة ستفرقني عن الفن، سأصير وزيرة لخمس سنوات وأنتهي، أما في ميدان الفن فأنا دائما وزيرة. إذا خرجت من الفن أو خرجت من المغرب «بحال إلا خرجت الحوتة من الما». وهناك العديد من الفنانين الذين حصلوا على إقامات في بلدان أجنبية ويعيشون هناك. بالنسبة لي، لا أستطيع العيش في بلد آخر غير المغرب، لكني حين أسافر إلى تلك البلدان وأرى الحرص على تطبيق القوانين، يحز في نفسي عدم توفر هذا في بلدي، «كتجيني الغيرة علا بلادي». وفي هذا السياق، أريد أن أسأل أولئك السياسيين المغاربة الذين يقضون عطلهم في بلدان أجنبية ويشاهدون ما تحدثت عنه: «علاش ما تغيروش على بلادكم؟»، هؤلاء الأجانب يعيشون فى الأرض لخدمتها، وأسأل مسؤولينا: لم لا يعتبرون ذلك، وإن عادوا عليهم خدمة وطنهم. ماذا ينقص هذا البلد ليوفر لمواطنيه كل شيء؟.
{ كيف ترين علاقة الفن بالسياسة؟ وكيف للفنان أن يجمع في الوقت نفسه ما بين كونه فنانا وسياسيا، مثلا: ثريا جبران وجدت حرجا كبيرا في العودة إلى المسرح بعد استوزارها؟ بالنسبة لي، لا فرق بين السياسة والفن؛ ولدي صفة واحدة أشتغل بها وهي الإلتزام. ما أدافع عنه في الأغنية هو نفسه ما أدافع عنه في السياسة، العمل نفسه أقوم به. ما نحتاجه فقط، هو الفن السياسي. الفن السياسي هو السياسة الحقيقية، لأن الفن الذي يربي ويدافع عن مبادئ معينة هو في حد ذاته سياسة. بعد أن ولجت المجال السياسي، الكل كان ينتظر أن أغادر المجال الفني. بالنسبة لثريا جبران، فهي فنانة قوية الشخصية وقد أعطت الكثير للفن الملتزم، والجمهور لا يمكنه أن ينسى أعمالها، وقد اجتهدت وأعطت أثناء استوزارها، لكن ما لا أفهمه لم لا تعود إلى فنها من جديد.
{ هل يمكنك أن تتخلي عن الفن وتكتفي بالسياسة؟ أبدا، لا يمكنني التخلي عن الفن، وليس لأنه مهنة؛ وإنما لأنه يجري في عروقي، أنا فنانة حبي في هذا الفن، وأحلى لحظات حياتي تلك التي أكتب فيها شعرا. من جهة أخرى، هناك العدد من بين جمهوري يتخوفون من مغادرتي المجال الفني، لكني أطمئنهم دائما، أنني لن أفعل ذلك. وهذا الوعد كان أيضا من بين الوعود التي قطعتها على نفسي أمام الجمهور الذي ساندني في حملاتي الانتخابية، لذلك لا يمكنني إلا أن أفي بها، مثلما أفي بباقي وعودي. «والمؤمنون عند أقوالهم»، وأؤكد أني برلمانية وفنانة أخدم الهدفين؛ السياسي والفني معا، وسأستمر في ذلك ما استطعت.