صفعة دبلوماسية من روسيا اتجاه الجزائر..فماذا حدث؟ وفي التفاصيل، في خطوة فاجأت المتابعين للشأن الدولي، قررت روسيا استبعاد الجزائر من قائمة الدول المدعوة للمشاركة في احتفالات "يوم النصر" التي أقيمت الجمعة الماضية في العاصمة موسكو، وهي المناسبة التي تحمل رمزية خاصة في الذاكرة الروسية وتُخصّص عادةً لاستقبال الحلفاء الاستراتيجيين للكرملين. غياب الجزائر عن هذا الحدث لم يكن محض مصادفة، بل حمل رسائل سياسية واضحة اعتبرها مراقبون مؤشراً على تراجع موقع الجزائر في قائمة شركاء موسكو الموثوق بهم. وجاء هذا في وقت منحت فيه روسيا مكانة بارزة لعدد من الدول الإفريقية، لا سيما من منطقة الساحل كمالي وبوركينا فاسو ونيجيريا، في دليل على تحول استراتيجي في أولوياتها الإقليمية، وبدء مرحلة جديدة من إعادة رسم تحالفاتها في إفريقيا. القرار أثار استياءً كبيرًا داخل الدوائر الرسمية الجزائرية، خاصة وأن الجزائر تُعد من كبار زبائن السلاح الروسي عالميًا، بصفقات عسكرية تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار. ورغم هذا الارتباط العسكري العميق، فإن روسيا وجهت الدعوة لجهات وشخصيات أخرى مثيرة للجدل، من بينها المشير خليفة حفتر، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه النظام الجزائري، وهو ما زاد من عمق الصدمة في الجزائر. في خضم هذا التوتر الدبلوماسي، هاجم الناشط السياسي والإعلامي الجزائري سعيد بنسديرة السلطة الجزائرية، متهماً الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس الأركان سعيد شنقريحة بأنهما يشكلان "خطرًا على بقاء الدولة الجزائرية"، بحسب تعبيره. وقال إن علاقات الجزائربروسيا، التي امتدت لأكثر من ستة عقود، باتت اليوم على المحك، محذرًا من أن الجزائر أصبحت تعيش عزلة دولية، وتواجه صعوبات حتى في تأمين الحاجيات الأساسية للمواطنين مثل الحليب والبطاطس والموز. واعتبر بنسديرة أن أحد الأسباب المحورية لهذا التوتر هو موقف الجزائر من أزمة الغاز، إذ قامت بزيادة صادراتها إلى أوروبا في الوقت الذي أوقفت فيه روسيا إمداداتها، ما فُهم في موسكو على أنه خيانة غير مباشرة لتحالفات الطاقة التقليدية بين البلدين. في سياق متصل، أطلق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تصريحًا لافتًا خلال الاحتفالات، قال فيه إن روسيا "تثمّن الشراكات التي تُترجم على أرض الواقع"، وهو تصريح فسّره مراقبون على نطاق واسع بأنه تلميح مباشر إلى الجزائر، وانتقاد مبطن لسياساتها الخارجية التي اتسمت مؤخراً بالتردد وعدم الانسجام مع الرؤية الروسية، خاصة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية والمتغيرات الجيوسياسية المتسارعة. ويرى محللون أن هذا الإقصاء من احتفال رمزي بهذا الحجم يمثل "عقابًا دبلوماسيًا" لبلد كان يُعد من أقرب حلفاء موسكو في المنطقة، وأن الرسالة التي أرادت روسيا إيصالها واضحة: الجزائر لم تعد تحظى بالثقة الكاملة، وأن زمن الشراكة التقليدية قد ولّى، في ظل تحوّلات كبرى تعيد تشكيل علاقات الكرملين في القارة الإفريقية.