الصحراء المغربية.. هلال يرد "دون جدال أو عدائية" على تصريح وزير الخارجية الجزائري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة    القوات العمومية تتدخل لمنع تجمهرات مجهولة المصدر دون تسجيل أي إصابات أو خسائر    جيل زد المغربي.. احتجاجات تعيد رسم المخيلة السياسية    الدبلوماسية ‬المغربية ‬تطوي ‬المرحلة ‬الأخيرة ‬بدينامية ‬فائقة ‬السرعة    تصعيد ‬عسكري ‬جزائري ‬ضد ‬المغرب    حين يسأل الملك... وتصمت الدولة    بوريطة يترأس في نيويورك مشاورات مع دول الساحل لتفعيل المبادرة الملكية نحو الأطلسي    احتجاجات "جيل زد": دينامية اجتماعية بلا سياق سياسي واضح!    الاقتصاد المغربي في منحى تصاعدي    اتفاق جديد بين المغرب والاتحاد الأوروبي لتعزيز تسويق منتجات الأقاليم الجنوبية    وكالة "فيتش" تؤكد تصنيف المغرب عند "بي بي+" مع نظرة مستقبلية مستقرة    أسعار الذهب تسجل ذروة قياسية جديدة    رشاوى ‬واختلاسات ‬لمسؤولين ‬جزائريين ‬كبار ‬أمام ‬القضاء ‬الإسباني ‬    "جيل Z" الجزائري يهدد بإعادة الشارع إلى الواجهة... والنظام العسكري في حالة استنفار    المغرب والولايات المتحدة يختتمان مناورات "ماروك مانتليت 2025" لمواجهة الكوارث    ترامب يعلن خطة لإنهاء حرب غزة وسط تشكيك محللين في جدواها    "أسطول الصمود" يقترب من منطقة خطر الاعتراض الإسرائيلي    مباراة المغرب والبحرين.. بيع أزيد من 42 ألف تذكرة إلى غاية السادسة مساء    شباب المحمدية يفصح عن نواياه مبكرا بثلاثية في مرمى أمل تزنيت    بلدية ميلانو تمنح الضوء الأخضر لبيع سان سيرو لميلان وإنتر    "كولومبيا U20" تفوز على السعودية    إيقاف شخص يحرض على الخروج للشارع من أجل الاحتجاج    طقس الثلاثاء ممطر في بعض مناطق المملكة    كيوسك الثلاثاء | المغرب الأول بشمال إفريقيا في الحد الأدنى للأجور    ممثلة مطورة بالذكاء الاصطناعي تغضب هوليوود    المجلس الجماعي للجديدة يعقد دورة أكتوبر في جلستين    فريال الزياري: العيون.. مدينة الكرم والجمال الصحراوي الأصيل    "النقود السليمة" تُضعف ترتيب المغرب في تقرير الحرية الاقتصادية    طنجة.. السلطة تُنهي جدل تسعيرة "الطاكسي الصغير" وتُحدد الحد الأدنى في 7 دراهم    المغرب يحذر "الإيكاو" من خطورة المناطيد الهوائية على سلامة الطائرات                            الدار البيضاء: إيقاف شخص ينشر صور وفيديوهات للاحتجاجات ببعض الدول الأجنبية ويدمجها مع مظاهر للإحتجاج داخل التراب الوطني    مباراة المغرب والبحرين.. بيع أزيد من 42 ألف تذكرة إلى غاية السادسة مساء    الركراكي يلتقي بالصحافيين في سلا    أمطار رعدية قوية مرتقبة في المغرب    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين الجدد التابعين لقطاع التربية والتعليم    القانون 272 يدفع المصابين بألأمراض المزمنة إلى الهشاشة الاجتماعية    علماء روس يبتكرون أدوية "ذكية" يتحول شكلها داخل الجسم    نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بتساقط للبرد مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من مناطق المملكة    وجدة تحتفي بالسينما المغاربية والدولية في الدورة 14 للمهرجان الدولي المغاربي للفيلم    المعهد المتخصص في الفندقة و السياحة بالحوزية ضمن المتوجين في الدورة 11 للمعرض الدولي ''كريماي'' للضيافة وفنون الطبخ    بنسعيد: الراحل سعيد الجديدي أغنى المكتبة الوطنية بإنتاجات أدبية وصحفية قيمة        "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين    محمدي يجمع الرواية والسيرة والمخطوط في "رحلة الحج على خطى الجد"    عرض "نشرب إذن" ينافس في بغداد    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم            بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وا أسفاه على رحيل أرئيل شارون
بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي

كم كنا نتمنى أن يطول عمر أرئيل شارون على فراشه، مسجىً على ظهره، معزولاً في المستشفى، ومخفياً عن العيون، وممنوعاً على الناس، كمجرمٍ تحت الرقابة والحراسة، أو كمريضٍ بمرضٍ معدي، لئلا يصل إليه أحد، أو يراه مواطنٌ، وهو الذي لا يعي ولا يعقل، ولا يتكلم ولا يسمع، ولا يرى ولا يبصر، ولا يميز ولا يفكر، ولا يتحرك ولا يتقلب، ولا هو بميتٍ ولا هو بحي، ليكون عبرةً لغيره، ودرساً لمن بعده، إذ عافته النفوس، واشمأزت منه العيون، وشاحت عنه الوجوه، وكره الناس النظر إليه، أو مشاهدة صوره.
فقد تمنى العرب والفلسطينيون أن يبقى أرئيل شارون طريح الفراش سنواتٍ أطول، وعمراً آخر، على الرغم من أنه كان لا يشعر بألم، ولا يشكو من وجع، ولا يبدو منه أنين، ولا يحس بمن حوله، ولا يعي من الدنيا شيئاً، ومع ذلك فقد كنا نتمنى بقاءه، وأن يطيل الله في عمره، وأن يجعله للعالمين آيةً، بجسمه الذي بات بقايا عظام، وهيكل جسدٍ، تتقزز منه النفوس، وتكاد لبشاعته تتقيأ عليه.
لا أجد حاجةً لأن نظهر الفرح لموته، والشماتة لرحيله، ولا أن نتبادل التهاني لموت السفاح، أو أن نوزع الحلويات والسكاكر على بعضنا ابتهاجاً بخاتمته، وفرحاً بآخرته، فقد كان يتمنى محبوه له الوفاة، ودعا له مواطنوه بعاجل الرحيل، ورحيم الموت، وفكر خلفاؤه من بعده في مختلف السبل لراحته، واستشاروا أطباءه، وحاروا في سؤال حاخاماتهم ورجال دينهم، ولكن الأمر استعصى عليهم، وتعقد بين أيديهم، إذ لم يكن بالإمكان إنقاذه ومعالجته، وتخليصه من حالته ووضعه، وقد أعلن الأطباء وفاته سريرياً، وأنه سيبقى في غيبوبته حتى الموت، ولن يغير من حاله أحد، كما تعذر عليهم سحب الأجهزة عنه، لتعجيل وفاته وتحقيق الموت الرحيم له، إذ اعترض على ذلك علماؤهم، ورفضه حاخاماتهم، معتبرين ذلك مخالفةً لتعاليم الدين اليهودي.
لا ينبغي أن نتوقف طويلاً أمام مجازر شارون، وإن كانت كثيرة ودموية، ولا يصح أن نطيل الوقوف أمام جرائمه تعداداً ووصفاً، فهو السفاح بطبيعته، والقاتل بسجيته، والمجرم بطبعه، والإرهابي بفكره، والدموي بكيانه، والمعتدي بجشيه، ولكنه لا يختلف عن غيره، ولا يفوق سلفه أو خلفه في إجرامه، فكلهم في الجريمة سواء، وفي الاعتداء واحد، فقد أوغلوا كثيراً في الدماء العربية، وبشعوا في قتل العرب، رجالاً ونساءاً وشيوخاً وأطفالاً، ولم يتأخروا عن قتل الأسرى، وتعذيب المعتقلين، وتشويه جثث الشهداء والتمثيل بهم، فكلهم كان يتبارى ويتنافس مع غيره، أيهم يقتل أكثر، وأيهم يبطش في العرب أكثر من غيره، فكانت صفة السفاح لديهم رفعة، وصاحبها ذو قدرٍ ومكانة، يحترم ويقدر، ويقدم ويبجل، والدموي فيهم وبينهم هو الذي يرأس ويقود، وهو الذي ينجح ويفوز.
أما إن كان لا بد من فرحٍ وابتهاج، فهو بكل ما يغيض الإسرائيليين ويحزنهم، وبكل ما ينغص عيشهم، ويكدر حياتهم، ويزرع الحسرة في نفوسهم، والندامة في قلوبهم، إذ أن الموت نهاية كل حي مهما طال به العمر، وامتدت به الأيام، وما كان لشارون أن يكون له الخلود في الأرض، أو البقاء بلا موت، فقد كان يدرك أنه لا محالة يوماً سيفارق، وسيودع الدنيا كغيره من الخلائق، ولكنه سخر حياته لشعبه، وكرس عمره لقضيته، وعمل ما استطاع لترسيخ كيانه، ورفع راياته، وإعلاء كلمته، وتحصين بنيته، وتوحيد صفه، فكان جندياً مخلصاً لقضيته، وقائداً صادقاً مع شعبه، ووفياً لعهده، ومضى وهو على ذات المنهج، لم يغير ولم يبدل، ولم يفرط ولم يساوم، ولم يتنازل ولم يستسلم، بل غادر مكتبه إلى المستشفى، وهو على ذات الموقف ونفس الكلمة.
نحن اليوم حزينين جداً لأن شارون قد غادر الحياة ورحل عن الدنيا ونجم كيانه في صعود، وعلم بلاده يرفرف، وتحيته تصدح، وعلاقات كيانه قوية، وحلفاؤه كثر، واقتصاده قوي، وحكومته مستعليه، وشعبه آمنٌ مطمئن، غير خائفٍ ولا وجل، فلا عملياتٍ عسكرية تهدده، ولا مقاومة تخيفه، ولا تهديداتٍ حقيقيه تجبره على الرحيل أو الاختباء، وقد كنا نأمل أن يعيش ليرى جيش كيانه وهو يهزم، وقادته وهي تهرب، وعلم بلاده وهو يمرغ في التراب، وشعبه وهو يهاجر هرباً، ويغادر فزعاً، وكيانه يتهدده السقوط، ويحيق به الشطب والزوال.
كم كنا نتمنى أن يرى شارون شعبنا الفلسطيني وهو يعود من شتاته إلى وطنه، وهو يحرر أوطانه، ويستعيد بلاده، ويرفع علمه، ويطرد من الأرض المقدسة عدوه، مطهراً إياها من رجسهم، ومحرراً لها من احتلالهم، ويقتله الغيظ وهو يسمع صوت الآذان يصدح فوق قباب مساجدنا، ويرى الفلسطينين يصلون بعزةٍ وإباء في محراب الأقصى، ومسرى رسول الله الأكرم، وقد توحدت صفوف شعبنا، واتحدت كلمتهم، وقويت شوكتهم، وانتقموا ممن ظلمهم، وعاث في أرضهم فساداً وخراباً.
لا فرح على رحيل الطاغية، ولا ابتهاج لموت السفاح، ولا سعادة نبديها للعامة والخاصة، وللعدو الصديق، حتى نستعيد حقوقنا، ونحرر أوطاننا، ونستعيد بلادنا، ولنعلم أن شارون وسلفه، يغيظهم إنهيار قوتهم، وذهاب شوكتهم، وزوال مملكتهم، وتبدد حلمهم، وضياع مجدهم، وشتات شعبهم، وخراب هيكلهم، فلنعمل على حزنهم، ولنجتهد لنفجعهم، ولنخلص لندمي قلوبهم، ونبكي عيونهم، ونمزق جمعهم، ونشتت صفهم، عندها نفرح ويحزنون، ونبتهج ويبكون، ونغني ويصرخون، وندخل الأرض المقدسة ومنها يخرجون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.