دعا التقرير العام للنموذج التنموي الجديد، الذي أعدته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، إلى إعادة تنظيم ترابي متجدد يضع المواطن في صلب السياسات العمومية ويمكّن من توزيع أنجع للخدمات العمومية لتصل إلى أصغر وحدة ترابية "الدوار". وأبرز التقرير أنه يتطلب ذلك الاعتراف بمكانة "الدوار" كوحدة ترابية أساسية ومكانا تم تحديده وتهيئته، مع الأخذ بعين الاعتبار ديناميات التنمية الخاصة بهذه المناطق. لهذا الغرض، سيمكن إنشاء مرصد مخصص لجمع المعلومات على مستوى كل دوار من التوفر على معطيات موثوقة من شأنها تنوير اختيارات السياسات العمومية على المستوى المحلي. ويتعلق الأمر أيضا ببلورة آليات الديمقراطية التشاركية حول "الدوار" وجعله المكان الأول لتفويض المرافق العمومية للساكنة. ويضيف المصدر ذاته، أنه سيكون من المناسب إحداث لجن على مستوى الجماعة تضم ممثلين عن مختلف الدواوير لأجل ضمان تمفصل حيوي بين أماكن العيش ومستويات اللامركزية الإدارية. ومن شأن عمل كهذا أن يتيح خلق إطار ملائم لتشجيع وتحديد مبادرات ومشاريع صاعدة من طرف المجتمع المدني المحلي، تستجيب للتحديات الترابية. بالإضافة إلى ذلك، تقترح اللجنة إعادة التفكير في توزيع الخدمات العمومية بالعالم القروي عبر استثمار "الدائرة" باعتبارها حلقة وسيطة بين الجماعة والإقليم. وذلك، بالارتقاء بمكانة الدائرة من مجرد وحدة إدارية، كما هو عليه الحال الآن، إلى بنية للتنسيق قائمة بذاتها. وهكذا ستصبح الدائرة وحدة إدارية للقرب ونقطة التقاء المجالين الحضري والقروي. فمراكز الدوائر هي في الغالب عبارة عن مدن صغيرة يمكن أن تشكل رأس شبكة فعالة لتقديم الخدمات العمومية الموجهة للعالم القروي؛ وسيمكن من تجديد مهام "الدوائر" كوحدات للتنسيق من تكريس التمفصل بين المدن الكبيرة والصغيرة والمراكز الناشئة والجماعات ذات الطابع القروي من أجل تحقيق تنمية مندمجة ودامجة ومستدامة. كما تقترح اللجنة تشجيع التعاون بين الجماعات داخل المجال الترابي للدائرة من خال إجراءات تحفيزية لإرساء مشاريع وخدمات عمومية. من أجل تشجيع تطور منسجم للعالم القروي ترى اللجنة ضرورة ملاءمة أدوات التهيئة لخصوصيات المجالات القروية من خلال السهر على المحافظة على الأراضي الفلاحية الخصبة والشروط الصحية للمساكن والأخذ بعين الاعتبار لوظيفة البنايات في الاستغلاليات الفلاحية وفي تربية المواشي. وفي هذا الصدد، دعت اللجنة إلى إصلاح التنظيمات المتعلقة بالتعمير في الميدان القروي، يكون عبر دمج النصوص في مدونة موحدة وواضحة، يمكن أن يكون مفيدا. وفي نفس السياق، سيكون من الضروري إرساء سياسة التعمير بالعالم القروي بشكل مندمج مع المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم، بهدف ربط أماكن العيش القروية بالمراكز الصاعدة؛ وبالتالي تشجيع خلق فرص اقتصادية جاذبة. علاوة على ذلك، أكدت اللجنة، على "تعميم التغطية الرقمية بالعالم القروي" وقالت: " التغطية الرقمية أمر لا مناص منه لأجل دعم نمو المجالات القروية عبر الإدماج الاقتصادي والمالي للساكنة قصد منحهم إمكانية الولوج إلى المعلومة وكذا إلى طرق ومنصات للتسويق تتيح توزيعا عادلا للقيمة المضافة التي تصب بشكل كبير في مصلحة الوسطاء". في أفق دعم مناعة صمود واستدامة العالم القروي، دعت اللجنة إلى مواكبة وتنمية الفلاحة التضامنية والعائلية بشكل كبير، مضيفة أنه مخطط المغرب الأخضر مكن من بلوغ نتائج مشجعة فيما يخص زيادة الإنتاج الفلاحي. ومن أجل تقوية قدرات العالم القروي واستدامة القطاع الفلاحي والتخفيف من الازدواجية التي يعرفها، بين فلاحة تسويقية وفلاحة معيشية، دعت توصيات اللجنة، إلى أن ترتكز الاستراتيجية المتبعة في هذا القطاع أكثر على الفلاحة التضامنية والعائلية. ويستدعي ذلك على الخصوص، تحسين نجاعة آلية الدعم والمساعدات التي يديرها صندوق التنمية الفلاحية لأجل توجيهها أساسا لفائدة هذه الشريحة من الفلاحين وقصد تجاوز الإكراهات ذات الطبيعة التقنية والمالية والتأمينية التي يواجهونها. ودعا التقرير، إلى الاستمرار في التشجيع القوي لأنماط الإنتاج والتسويق داخل التعاونيات، لما يتيحانه من اقتصادات الوفرة للفلاحين الصغار، وذلك عبر استخلاص الدروس من التجارب السابقة في هذا الميدان. وأوصت اللجنة بالتركيز أكثر على دعم البحث الزراعي وعلى ترابط الفلاحة بمنظومات البحث والتطوير الترابية. وفي نفس السياق، يجب إيلاء أهمية خاصة لتثمين الإنتاج بشكل أفضل من خلال منصات لوجستيكية غذائية (أسواق الجملة، المجازر، سلسلة التبريد والنقل، التخزين، التلفيف، ...) عالية الأداء وعبر تنمية وإدماج الصناعة الفلاحية في سلاسل القيمة نحو مزيد من تحويل المواد الفلاحية بالنسبة لكل سلاسل الإنتاج التي لها قابلية لذلك، داعية إلى معالجة إشكالية تجزؤ الأراضي الفلاحية باعتماد حلول مبتكرة تشجع على تجميع الأراضي بواسطة تحفيزات مخصصة لهذه الغاية. وأكد التقرير ذاته، على "العمل الدائم على تكوين الشباب القروي في المهن الفلاحية لأجل ضمان الحفاظ على الاستغلاليات العائلية ونقلها إلى الأجيال اللاحقة مع تحسين إنتاجيتها ومردوديتها".