عصبة الأبطال الافريقية (ذهاب الدور التمهيدي الثاني) .. نهضة بركان يتعادل مع مضيفه الأهلي طرابلس (1-1)    زعيم "التقدم والاشتراكية" يدعو إلى تسهيل تأسيس الشباب للأحزاب السياسية    اتفاق يهدىء التوتر بين أمريكا والصين    "تجمعيّو الصحة" يدعمون كفاءات الخارج    الريال يهزم برشلونة في "الكلاسيكو"    إجهاض محاولة تهريب أقراص مخدرة    العداء المغربي المحجوب الدازا يتوج بلقب النسخة ال16 من الماراطون الدولي للدار البيضاء    توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية بمطار محمد الخامس مبحوث عنه من السلطات الفرنسية    الأمين العام الأممي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف    أغنى رجل في إفريقيا سيجعل مصفاته في نيجيريا "الأكبر في العالم"    "البحر البعيد" لسعيد حميش يتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    المؤتمر الوطني ال12، في الشكل والمضمون معا    نقل مصابين بتسمم جماعي الى المستشفى الإقليمي بأيت يوسف وعلي    المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي – قراءة مؤسساتية ودستورية (2025)    أشرف حكيمي يتألق بثنائية جديدة ويحصد أعلى تنقيط في فوز باريس سان جيرمان على بريست    حزب العمال الكردستاني يعلن سحب جميع قواته من تركيا إلى شمال العراق    تقرير: طنجة تتحول إلى محور صناعي متوسطي بمشروع ضخم لإنتاج السيارات    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    بورقادي: الملك يدعم تطوير كرة القدم    بعد تداول صور لأشغال قرب موقع أثري ضواحي گلميم.. المجلس الوطني يؤكد أن الموقع سليم ويدعو لحمايته    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    سفينتان نرويجيتان ترسوان بميناء آسفي لدعم أبحاث المحيطات وحماية الأنظمة الإيكولوجية    انهيار الثقة داخل الجيش الجزائري... أزمة عتاد وفضائح قيادات تهزّ المؤسسة العسكرية من الداخل    بروكسيل تحتفي بالمغرب تحت شعار الحوار الثقافي والذاكرة المشتركة    الملك: تعاون المغرب والنمسا إيجابي    حفل الحراقية يختم مهرجان الصوفية    نسبة ملء السدود المغربية تتراجع إلى أقل من 32% وفق البيانات الرسمية    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أوناحي يواصل التألق في الليغا ويؤكد أحقيته بمكان أساسي في جيرونا    جيش فنزويلا يتعهد ب"مواجهة أمريكا"    المتمردون الحوثيون يفرجون عن عارضة أزياء    سلا الجديدة.. توقيف سائق طاكسي سري اعتدى على شرطي أثناء مزاولة مهامه    الشرطة الفرنسية توقف رجلين على خلفية سرقة مجوهرات تاريخية من متحف اللوفر    رياضة الكارتينغ.. المنتخب المغربي يفوز في الدوحة بلقب بطولة كأس الأمم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    "مايكروسوفت" تطلق إصدارا جديدا من المتصفح "إيدج" المدعوم بالذكاء الاصطناعي    ترامب يرفع الرسوم الجمركية على السلع الكندية    المغرب والجزائر تواصلان سباق التسلّح بميزانيتي دفاع تَبلغان 14.7 و22 مليار يورو على التوالي    مقررة أممية: وقف هجمات إسرائيل لا ينهي معاناة الجوع في غزة    المغرب يطلق "ثورة" في النقل الحضري: برنامج ضخم ب 11 مليار درهم لتحديث أسطول الحافلات    زلزال بقوة 5,5 درجة يضرب شمال شرق الصين    طقس الأحد: برودة بالأطلس والريف وحرارة مرتفعة بجنوب المملكة    ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناظور...سلسلة الحوارات مع المبدعين : ضيفُ حلقة هذا الأسبُوع الأديبُ الليبيُّ : خالد خميس السَّحاتي
نشر في أريفينو يوم 11 - 08 - 2022


أسماءٌ وأسئلةٌ: إعداد وتقديم: رضوان بن شيكار
تقفُ هذه السِّلسلة من الحوارات كُلَّ أُسبُوعٍ مع مُبْدعٍ أو فنَّانٍ أو فاعلٍ في إحدى المجالات الحيويَّة في أسئلةٍ سريعةٍ ومُقتضبةٍ حول انشغالاته وجديد إنتاجه، وبعض الجوانب المُتعلِّقة بشخصيَّته وعوالمه الخاصَّة.
ضيفُ حلقة هذا الأسبُوع الأديبُ الليبيُّ : خالد خميس السَّحاتي
1. كيف تُعرِّفُ نفسك في سطرين؟
خالد خميس السَّحاتي: كاتبٌ وباحثٌ وقاصٌّ ليبيٌّ، أكتُبُ القصَّة القصيرة والأُقصُوصة، والمقالات والدِّراسات الأدبيَّة والثقافيَّة، إلى جانب أعمالي المُتعلِّقة بمجال التَّخصُّص (العلُوم السِّياسيَّة)، ومنها مقالاتٌ ودراساتٌ وكُتُبٌ.. وغيرها..
2.ماذا تقرأُ الآن؟. وما هُو أجْملُ كتابٍ قرأتهُ؟
أعْكفُ حاليّاً على قراءة كتاب: "الثقافة العربية في القرن العشرين"، وهو كتاب موسوعي مهم، يكتب تاريخا للثقافة العربية خلال مائة سنة، (سنوات القرن العشرين)، في كافة فروعها: الفكر، العلوم الإنسانية والاجتماعية، اللغة، العلوم، الآداب، الفنون.. وقد قُسِّم إلى قسمين: الأوَّلُ منهُما: الحصيلة الفكرية، والثاني: الحصيلة الأدبية والفنية، وقد تضمَّن الكتابُ 198 مقالة، شارك في إعدادها ثلاثة وستُّون باحثاً، وهُو من تحرير: د.عبد الإله بلقزيز وأ/محمد جمال باروت، منشُورات مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، عام 2011م.. أما أجمل كتاب قرأته: فأتصور أن هذا الوصف لا ينطبق على كتاب واحد، بل ربما في كل مرحلة زمنية يجد القارئ أنه قرأ كتابا متميزا في مجاله، يمكن أن يصفه بأنه أجمل كتاب، ولذلك يحضرني الآن من قائمة الكتب المتميزة في الأدب: كتاب (فن الرواية) لكولن ولسون، ترجمة: محمد درويش، (الدار العربية للعلوم ناشرون ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم،2008)، وكتاب: القصة تطورا وتمردا، ليوسف الشاروني، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010)، وكتاب: أطلس القاهرة الأدبي: مائة عام في شوارع القاهرة، لسامية محرز، (دار الشروق2012م).
3.متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكْتُبُ؟
* شَرَعْتُ فِي كِتَابَةِ أوَّلِ مُحَاوَلَةٍ قَصَصِيٍّةٍ لي عِنْدَمَا كُنْتُ فِي نِهَايَةِ المَرْحَلَةِ الإعداديَّة تقريباً، كانت تلك عبارةٌ عن مُحاولاتٍ بسيطةٍ في هذا المجال، ووجدتُ أنَّ هذا الأمْرَ مُمْتِعٌ بِالنِّسْبَةِ لِي، فواصلتُ المسير، وكانت كثرةُ القراءة خير مُعينٍ لي على صياغة عوالم قصصي القصيرة.. وقد بدأتُ النَّشر مع مطلع الألفيَّة الجديدة، في بعض الصحف المحلية، ثم واصلت الكتابة القصصيَّة، ونشرتُ أعمالي في عددٍ من الصُّحُف والمجلاَّت والمواقع الإلكترُونيَّة المحلِّيَّة والعربيَّة.. وتمْتدُّ تجربتي في هذا المجال لأكثر منْ عقدين من الزَّمن.. وأنا أكتُبُ انْطلاقاً من إيماني بجدوى الكتابة ومسْؤُوليَّة القَلَمِ.
4.ما هي المدينة التي تسْكُنُك، ويجْتاحُك الحنينُ إلى التَّسكُّع في أزقتها وبين دُرُوبها؟
أحب مدينتي "بنغازي" الرائعة، التي وُلدتُ فيها، وترعْرعتُ، ولا أملُّ أبداً التَّسكُّعَ في شوارعها وأزقَّتها، وبين دُرُوبها، وقد كتبتُ ذات مرَّةٍ عنْها فقُلْتُ: "بنغازي في حنايا القلب"، "عشت في هذه المدينة الرائعة، ودرست في مدارسها، ولعبت في شوارعها، تفاصيل هذه الحياة تمر كلها الآن، كشريط سينمائي متتابع الأحداث دون توقف، مشاهد متلاحقة، مدرستي الابتدائية، أول يوم في الدراسة، حقيبتي الجلدية، الفصول، المعلمات، ولعبنا الطفولي في فناء المدرسة، يالله كيف مرت تلك السنون بسرعة؟.. كانت أحلامنا وردية، وأرواحنا عذبة نقية، هنا في بنغازي، ذكريات لا تنتهي، وأتذكر بيت أبي القاسم الشابي:
وتمر أيام الحياة بنا كأسراب الطيور وترفرف الأفراح فوق رؤوسنا أنى نسير.
5.هل أنت راضٍ على إنتاجاتك؟ وما هي أعمالك المُقبلة؟
الكاتب الجيد دائما يطمح إلى الأفضل، ويسعى جاهدا إلى تحقيق أهم أهدافه أو مشاريعه في مجال الكتابة، متوكلا على الله عز وجل، متخذا من القلم وسيلة لإحداث التغيير الإيجابي في المجتمع، وتحقيق التنمية والتطور المنشود.. أما عملي المقبل فهو مجموعة قصصية أعمل عليها الآن إن شاء الله.
6. متَّى ستُحْرِقُ أوْراقك الإبداعيَّة بشكْلٍ نِهَائيٍّ وتعتزل الكتابة؟
أتمنَّى ألاَّ يحْدثَ هذا يا صديقي، فكما أخبرْتُك بأنَّ صاحب القلم لابُدَّ أنْ يتَّخذ من قلمه وسيلة لإحداث التغيير الإيجابيِّ في مُجتمعه، أمَّا العُزلة والاعتزال فهُما ليسا حلاًّ أبداً لمُواجهة تحدِّيات العصر الرَّاهن الذي نعيشُهُ، فالإبداعُ لا ينتهي مادام هُناك قُدْرة عليه لدى المُبدع.. يقُولُ المُفكر الراحل محمُود أمين العالم: "إنَّ الإنسان يُحقِّقُ ذاته فعْلاً عندما يُضيفُ شيئاً إلى الموجُود، فالإنسانُ كائنٌ مُبْدعٌ لابُدَّ أنْ يبحث دوماً عن الجديد، وعن إضافةٍ فعْليَّةٍ".
7.ما هُو العملُ الذي تمنيت أنْ تكُون كاتبهُ؟ وهل لك طُقُوسٌ خاصَّة للكتابة؟
لا أتذكَّرُ الآن عملاً مُحدَّداً، فأنا أُحِبُّ كُلَّ عملٍ جميلٍ ورصينٍ، سواءٌ كان في المجال الأدبيِّ أو العلميِّ أو غيرهما، من المجالات التي أهتمُّ بها، وأفرح كثيرا لكل زميل يقدم –في مجالهءعملاً من هذا النَّوع.. أمَّا عن طُقُوس الكتابة بالنٍّسْبة لِي: فلا تُوجدُ لديَّ طُقُوسٌ مُعيَّنةٌ، أُفضِّلُ دائماً أن أكتُبَ في جوٍّ هادئٍ، يُساعدُ على الكتابة، وأُحِبُّ أنْ أرتِّبَ أفْكَارِي بشكْلٍ جيِّدٍ، بذهْنٍ صافٍ، وقلمٍ مُتعطِّشٍ إلى بياض الورقة، يطْمَحُ دائماً أنْ يقتنص اللحظات الهاربة من سَطْوَةِ الزَّمَنِ الشَّرس، وبقايا الذكريات الراسخة، وخُلاصة التَّجارب الإنسانيَّة.
8. هل للمُبدع والمُثقف دوْرٌ فعْليٌّ ومُؤثِّرٌ في المنظُومة الاجتماعيَّة التي يعيش فيها ويتفاعلُ معها أم هُو مُجرَّدُ مُغرِّدٍ خارج السِّرْب؟
نعم بالتأكيد، للمُبدع والمُثقف دورٌ مُهمٌّ ومُؤثِّرٌ في المُجتمع الذي يعيشُ فيه؛ لابد أنْ يكُون المُبدعُ قريباً من مُجتمعه، قريباً من الناس، يعرفُ واقعهُم، ويُعبِّرُ عن قضاياهُم، ولا يتحدَّثُ إليهم من بُرْجٍ عاجيٍّ، فالأديبُ لابُدَّ أنْ يحمل إبداعُهُ رسالةً ساميةً، ترتكزُ على نشر قيم المحبَّة والتَّسامُح والسَّلام..، وتُعبِّرُ عن هُمُوم المُجتمع وهواجس النَّاس.. وكما يرى جان سارتر فإنَّ: "الأديب المُلتزم هُو ضميرُ مُجتمعه وناصحهُ الأمين".
9. ماذا يعني لك العيشُ في عُزْلةٍ إجْباريَّةٍ ورُبَّما حُرِّيَّة أقل؟ وهل العُزلة قيدٌ أم حُرِّيَّة بالنِّسبة للكاتب؟
العُزلةُ في نظري تُشكِّلُ قيداً على الكاتب؛ لأنَّ هذا الأخير لا يستطيعُ أنْ يُبْدع بدُون تحرُّرٍ منْ قيُود العُزلة، الكتابةُ بوْحٌ، وتجلٍّ في فضاأت الإبداع الفسيحة، ولهذا فإنَّهُ من البديهيِّ ألاَّ يكُون هُناك إبداعٌ في ظلِّ أجواء العُزْلة والانزواء والقيُود..
10.شخصيَّةٌ في الماضي ترغبُ لقاءَهَا؟ ولماذا؟
العلاَّمةُ ابنُ خلدُون، وهُو العالمُ الموسُوعيُّ المُسلمُ، مُتعدِّدُ المعارف والعلُوم، رائدٌ مُجدِّدٌ في العديد من العلُوم..، سيرتُهُ ومسيرتُهُ مُلْهمةٌ لذوي الألباب والهمم العالية، حيثُ يرى المؤرخ البريطاني توينبي: "أنّ تفوّق ابن خلدون ظهر بشكل كبير في مقدمته المشهورة فيما يظهر لقارئها من عُمْقٍ في البحث، وقُوَّةٍ في التفكير، لا سيِّما أنَّهُ استطاع أنْ يكْتُب عن علم العُمْران البشريِّ..".
11. ماذا كُنْت ستُغيِّرُ في حياتك لوْ أُتيحت لك فُرْصةُ البدْء منْ جديدٍ؟ ولماذا؟
البدايات الجديدة يا صديقي دائما تفيدنا في أن نتعلم من أخطائنا، والتجارب فائدتها أنها تزيدنا نضجا، فنحسن التعامل مع الحياة، ونحافظ على الوقت، وهو أثمن ما يملك الإنسان، ولا نكرر نفس الأخطاء مرة أخرى..
12. ماذا يبقى حين نفقدُ الأشياء؟ الذكرياتُ أم الفراغ؟
يا الله ما أقسى "الفقد" يا صديقي، حين نفقدُ الأشخاص والأشياء العزيزة على قُلُوبنا تنفطرُ أرواحُنا، وتتقطَّعُ قُلُوبُنا، ما أقسى لوعة الفقد، ومرارة الحرمان ممَّا نُحبُّ، وعندما تتُوقُ قُلُوبُنا بألمها وحسرتها وحُرْقتها إلى إطلالةٍ نحو الأمل والغد، تقفُ في مُواجهة الذِّكريات وجهاً لوَجْهٍ.. دُون هوادةٍ.. كُل لحظةٍ مضت، بمثابة فتحٍ لجُرْحٍ غائرٍ.. كيف لهُ أنْ يلتئم؟.. مع وميض الذكريات المُتوهِّج دائماً.. ورغم ذلك تظلُّ الذكرياتُ خير مُؤنسٍ لنا عندما نتذكَّرُ منْ فقدناهُم، فنبحثُ عن الصَّبْر والتَّجلُّد.
13. صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثنا عن مجموعتك القصصية «شواطئ الغُربة». كيف كُتبتْ؟ وفي أيِّ ظرفٍ؟
فيما يتعلَّقُ بمصادر استلهام قصصي القصيرة، فَهِيَ مُتعدِّدةٌ، منها مثلاً: دُرُوسُ الحياة وتجاربها، والواقعُ المُعاش ذاته بكُلِّ تناقُضاته، وكذلك التَّجربة الإنسانيَّة للكاتب، كُلُّ ذلك يُمكنُ أنْ يُشكِّلُ مخزُوناً هَائِلاً وثريّاً، تَغْتَنِي بِهِ المادَّةُ القصصيَّة بشَكْلٍ كَبِيرٍ. أَيْ أَنَّ الكِتَابَةَ أَتَتْ مِنْ تَفَاعُلِ عِدَّةِ عَنَاصِرَ مُتَشَابِكَةٍ مَعَ بَعْضِهَا البعض، أَبْرَزُهَا: حُبُّ القِرَاءَةِ والاطِّلاَعِ، وَالإِقْبَالُ عَلَى الحَيَاةِ بِتَفَاؤُلٍ، وَالتَّعْوِيلِ عَلَى جَدْوَى فِعْلِ الكِتَابَةِ ومسؤُوليَّةِ القَلَمِ، فجمالُ الحياة وبهجتُها يُمْكِنُ أن نعكسهُ في الإبداع القصصيِّ، فتكُونُ تلك العوالم القصصيَّة باذخةٌ بروعة الحياة، ومُدهشة بملامح تفاصيلها.
مجمُوعة "شواطئ الغُربة" القصصيَّة تتضمَّنُ أعمالا تَحْتَفِي بالغُرْبَةِ، بل تتخذُ منها عُنواناً عريضاً لها، تتسللُ تلك الغُربة بين ثنايا هذه المجمُوعة، وأجدُني دُون أن أشعُر أكتُبُ بقلمٍ يتلمَّسُ ملامح الغُربة في كُلِّ شيءٍ، يُلاحقُها بنهمٍ بالغٍ، يتربَّصُ بها الدَّوائر، ثمَّ يسكُبُها بتُؤدةٍ أحيانا، ودُفعةً واحدةً على عجلٍ أحْيَاناً أخْرَى فِي قَوَالبَ سَرْدِيَّةٍ مُنوَّعةٍ. يجمعُ نُصُوص هذه المجمُوعة همٌّ واحدٌ، أو هُمُومٌ مُشتركةٌ، تدُورُ حول الغُربة والتشرذُم والتشظِّي.. تُعبِّرُ نُصُوصُ هذه المجْمُوعة عنْ خلجات نفسي ومكنُونات قلمي في أوقاتٍ مُتبايِّنةٍ، وأماكن مُختلفة، ومراحل مُتباعدة، لكُلٍّ منها ظُرُوفُها ومُعطياتُها، وانعكاساتُها المُتمايِّزةُ على قلمي، ومُحاولاتي في مجال السَّرد القَصَصِيِّ على وجه التحديد. بالتأكيد هي مُحاولاتٌ، بدأتُها مُنذُ عقدين من الزَّمن، وشاء اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يُنْشَرَ هَذَا العَمَلُ، ويَرَى النُّورَ بَعْدَ كُلِّ هذا الوقت في يناير 2019، عن المكتب العربي للمعارف بالقاهرة، وذلك لعوامل عديدة، منها: أنَّني مُقلٌّ في كتاباتي القصصيَّة، وكُنتُ أنتظرُ باستمرارٍ أنْ تنضج تلك المُحاولاتُ، وتسير على الطريق الصَّحيح في عالم الإبداع القصصيِّ... وما حدث أنَّني قرَّرْتُ أنْ أجمع شتات ما كتبتُ في هذا الفنِّ بين دفتي كتابٍ واحدٍ، لأن الوقت قد حان لذلك.
14. ما جدوى هذه الكتابات الإبداعيَّة؟، وما علاقتُها بالواقع الذي نعيشُهُ؟، وهل يحتاجُ الإنسانُ إلى الكتابات الإبداعيَّة ليسْكُن الأرض؟
"الواقعُ" هُو الرَّاهِنُ الذي نعيشُ فيه، ونشهدُ مُجرياته وأحداثه، والكاتبُ قد يستمدُّ أفكار أعماله الإبداعيَّة من هذا الواقع، وقد تكُونُ مُستخْرَجَةً مِنْ صميم النَّفس البشريَّة، أو من رحم المُعاناة والتَّجارب الإنسانيَّة المُخْتلفة، وقد تكُونُ مُعْتَمِدَةً على الخيال الحيِّ والخصب للكاتب. ولكنَّ الإبداعءبشكل عامء والأدبءبشكل خاصء يُفْترضُ ألاَّ يُقدِّمُ الواقع بشكْلٍ مُباشرٍ كما هُو عليه، وإنَّما يَعْملُ على تقديم رُؤْيةٍ عميقةٍ لهذا الواقع، (عبر قالبٍ إبداعيٍّ مُعيَّنٍ، قصة قصيرة، أقصُوصة، شعر، رواية..إلخ)، وإعادة قراءته بطُرُقٍ مُخْتلفةٍ، ومن زوايا مُتعدِّدة.. ومن هُنا نُدْرك جدوى الكتابات الإبداعيَّة في حياتنا، منْ كونها تُقدِّمُ رُؤية عميقة للواقع المُعاش، وربما تحاول تصوير ذلك الواقع من زوايا متعددة، أو تقترح حلولا لبعض الإشكاليات، أو توثيقا لبعض الأحداث، ورصدا دقيقا وجماليا لبعض القضايا المهمة، وهنا نذكر مثلا: أدباء "القضية الفلسطينية"، وكيف تناولوها في أعمالهم الإبداعية كمحمود درويش وسميح قاسم، وغسان كنفاني، وجبرا إبراهيم جبرا..، فكان الإبداع الأدبي بمثابة تعبير عن محطات مهمة في تاريخ تلك القضية، والوقوف على قضايا محورية في إطارها، كالتهجير والاحتلال، وتدمير البنية الاجتماعية، وغير ذلك.
15.هل يعيشُ الوطنُ داخل المُبدع المُغترب أمْ يعيشُ هُو بأحلامه داخل وطنه؟
رُبَّما الاثنين معاً، فالأوطانُ تسْكُنُنا قبْل أن نسْكُنَهَا، تقْبعُ في دواخلنا وأرواحنا بشدَّةٍ، ونأخُذها معنا أينما رحلنا عنها، وفي داخل الأوطان نعيشُ بأحلامنا فيها، نطمحُ إلى الأفضل، نتُوقُ إلى الأجْمل دائماً، إنَّها قصَّةُ عشْقٍ وتعلُّقٍ جُبِلَتْ عليها المُهجُ والأرْواحُ.
16. كيف ترى تجربة النشر في مواقع التَّواصُل الاجتماعيِّ؟
في الحقيقة وفَّرت هذه المواقعُ مساحاتٍ وفضاأتٍ هائلة للنَّشْر والتَّواصُل عبر العالم لكافَّة المُبْدعين، في كُلِّ صُنُوف الإبْداع الإنسانيِّ، وهذه منْ أبرز إيجابيَّاتها، النَّشْرُ السَّريعُ، والتَّواصُلُ السَّريعُ أيْضاً، والبثُّ التَّفاعُلِيُّ عبْر وسائل الإعلام المُختلفة..، ولكنَّ الجانب السَّلْبيًّ في تصوُّري هُو أنَّها منحت ذات الفُرْصة للجميع، وبالتَّالي، نجدُ في تلك المواقع الغثَّ والسَّمين، الجيِّدَ والسَّيِّءَ، غَيْرَ أنَّ العمل الجيِّد دائماً يفرضُ نفْسَهُ، ويظلُّ راسخاً وقويّاً، عند القُرَّاء والمُتابعين، وعند النُّقَّاد والمُتخصِّصين.. "فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ". صَدَقَ اللهُ العَظِيمُ.
17.أجملُ وأسْوءُ ذكرى في حياتك؟
إنَّ كُلَّ لحْظَةِ يُحَقِّقُ الإنسانُ فيها أهْدافَهُ وأمَانِيهِ، ويحصِدُ ثِمَارَ تَعَبِهِ تُمثلُ بالنِّسْبة لهُء ذكرى جميلةً في حياته بالتأكيد.. أما أسوأ ذكرى فإنها يوم وفاة والدي رحمة الله عليه، كان صباحا خريفيا حزينا لا أنساه أبدا، رحل والدي دون وداع، كان لديَّ الكثيرُ ممَّا كُنْتُ أُريدُ أنْ أُخْبرهُ به وحْدَهُ، لكنَّ إرادة الله تعالى نافذةٌ لا محالة، وسيظلُّ ذلك اليومُ بكُلِّ تفاصيله ذكرى حزينة محْفُورةٌ في الذاكرة، لا تُنْسَى أبداً.
18. كلمة أخيرة أو شيء ترغبُ الحديث عنهُ؟
شُكْراً جزيلاً لك صديقي الرَّائع على هذا الحِوَارِ المُمْتع، والرَّصِينِ، لقدْ سعدتُ بهذه المساحة الجميلة، أُكرِّرُ شُكْري وتقديري لك، مع خالص أُمنياتي بدوام التَّوفيق والسَّداد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.