كرة القدم المغربية .. من شغف الملاعب إلى قوة ناعمة واقتصاد مزدهر    طنجة.. توقيف أزيد من 20 مرشحًا للهجرة غير النظامية بمحطة القطار    أمن طنجة يوقف ثلاثة قاصرين بعد تداول فيديو يوثق تراشقًا بالحجارة قرب مدرسة    إصابة 11 شخصا جراء غارات إسرائيلية عنيفة على جنوب لبنان    المغرب يستعد لإطلاق رحلات جوية مباشرة بين الدار البيضاء وسانت بطرسبورغ    ادحلي تستقبل الوزير المستشار بالسفارة الصينية لبحث سبل تعزيز التعاون البرلماني بين المغرب والصين    بني كرفط.. الدرك الملكي يحجز طناً و400 كيلوغرام من "الكيف" الخام بإقليم العرائش    نادي نهضة بركان يحط الرحال بالقاهرة    السعدي يحفّز الحوار الاجتماعي القطاعي    بورصة البيضاء ترتفع بنسبة 1,31 بالمائة    الصحف الشيلية تحتفي بإنجاز المغرب    مونديال الشيلي لأقل من 20 سنة.. "الأشبال" يدخلون التاريخ كأول منتخب عربي يتأهل إلى النهائي منذ 44 سنة    كأس العالم 2026.. بيع أكثر من مليون تذكرة خلال مرحلة البيع المسبق لحاملي بطاقات "فيزا"    أمن طنجة يوقف مبحوثًا عنه في حالة تلبس بسرقة دراجة نارية باستعمال العنف والسلاح الأبيض    الدريوش تعطي انطلاقة أشغال الورشة الدولية حول: "الأسماك السطحية الصغيرة في ظل الإكراهات المناخية والصيد المفرط.."    مربّو الدجاج بالمغرب يتهمون لوبيات القطاع بالاحتكار ويحمّلون الحكومة مسؤولية فشل الإصلاح    "هيومن رايتس ووتش" تطالب السلطات بالاستجابة لمطالب شباب "جيل زد" والتحقيق في الوفيات والانتهاكات    المندوبية السامية للتخطيط: تحسن سنوي في ثقة الأسر المغربية    محمد وهبي: سنواجه الأرجنتين بنفس الحماس لانتزاع كأس العالم    المؤتمر الاستثنائي الاتحادي العام 1975 مؤتمر متوهج عبر امتداد الزمن    في صلب النقاش المفتوح بخصوص الورقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. شعار المؤتمر …. الاختيار الموفق    جيل زد في المغرب: بين الكرامة وخطر الهجرة    جيل 2022 فتح الباب .. جيل 2025 يعبر بثقة من مونديال قطر إلى كأس العالم U20... المغرب يصنع مدرسة جديدة للأمل    قطاع التعليم بين حركية الإصلاحات وثبات الأزمة    تهم اقليم الحسيمة ومناطق اخرى .. نشرة انذارية تحذر من امطار رعدية قوية    محمد سلطانة يتألق في إخراج مسرحية والو دي رخاوي    عاصمة البوغاز على موعد مع الدورة أل 25 من المهرجان الوطني للفيلم    أبناء الرماد    قطاع غزة يتسلم جثامين من إسرائيل    لوكورنو ينجو من تصويت بحجب الثقة    "جنان الجامع" يحترق في تارودانت    توقعات بإنتاج 310 آلاف طن من التفاح بجهة درعة-تافيلالت خلال 2025    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    مجموعة "سافران" الفرنسية تثمن بيئة الاستثمار في المغرب وتوسع أنشطتها بالنواصر    رفع التصنيف السيادي للمغرب محطة مفصلية للاقتصاد الوطني    نتانياهو: "المعركة لم تنته" في غزة والمنطقة    إجراءات ‬جديدة ‬لتسهيل ‬دخول ‬المغاربة ‬إلى ‬مصر ‬دون ‬تأشيرة    الرباط تحتفي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وتجدد المطالب بإسقاط التطبيع    فرحة عارمة بمدن المملكة بعد تأهل المنتخب الوطني لنهائي مونديال الشيلي    الأمم المتحدة.. المغرب يجدد تأكيد دعمه "الثابت والدائم" لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى    طقس حار نسبيا بأقاليم الجنوب مع سحب غير مستقرة وأمطار متفرقة اليوم الخميس    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    هلال: الصحراء المغربية قطب للتنمية .. وركيزة للأمن والاستقرار في إفريقيا    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



3- الجهوية المتقدمة : آليات تأهيل النخب المحلية
نشر في أريفينو يوم 01 - 06 - 2010

لا أحد يجادل في أن الإصلاح “المؤسساتي” يعد مدخلا أساسيا من مداخل الإصلاح، ولكننا يجب أن لا نغفل بأي حال من الأحوال أن إنجاح ورش الجهوية يتطلب نخبا مؤهلة وقوية. وقد نبه جلالة الملك في خطابه على هذه المسألة بقوة حينما قال بأن ” جهات مغرب الحكامة الترابية الجيدة، لا نريدها جهازا صوريا أو بيروقراطيا،وإنما مجالس تمثيلية للنخب المؤهلة، لحسن تدبير شؤون مناطقها.” وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول مفهوم النخبة وآليات تأهيل النخب الجهوية. فما المقصود بالنخبة؟ وكيف تطور هذا المفهوم في مجال علم الاجتماع ؟ وماهي الآليات التي تتيح إفراز النخب المحلية؟ وكيف يمكن صناعة النخب المحلية المؤهلة لتدبير الشأن العام في ظل مناخ سياسي واجتماعي واقتصادي مختل؟
عند البحث عن اشتقاقات كلمة “نخبة” في القواميس العربية نجد‏:‏ انتخب الشيء‏:‏ اختاره‏.‏ والنخبة‏:‏ ما اختاره منه‏.‏ ونخبة القوم ونخبتهم‏:‏ خيارهم‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ يقال هم نخبة القوم،‏ بضم النون وفتح الخاء‏.‏ قال أبو منصور وغيره‏:‏ يقال نخبة، إسكان الخاء‏، واللغة الجيدة ما اختاره الأصمعي‏.‏ ويقال‏:‏ جاء في نخب أصحابه‏،‏ أي في خيارهم‏.
والانتخاب‏:‏ الانتزاع‏.‏ والانتخاب‏:‏ الاختيار والانتقاء‏، ومنه النخبة‏،‏ وهم الجماعة تختار من الرجال‏،‏ فتنتزع منهم‏.‏ وفي حديث علي بن أبي طالب‏,‏ وقيل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما‏:‏ وخرجنا في النخبة،‏ النخبة‏،‏ بالضم‏:‏ المنتخبون من الناس، المنتقون‏.‏أما في معجم        Le petit robert الفرنسي فتشير كلمة Elite‏ إلى الفئة الاجتماعية التي يعتقد أنها الأفضل والأهم بين مجموعة ما أو في مجتمع ما.
ومن هنا تعرف النخبة بأنها جماعة‏‏ أو جماعات من الأفراد لهم خصائص مميزة تجعلهم يقومون بأدوار أكثر تميزا في حياة مجتمعاتهم‏,‏ ومؤشر هذا التمييز في الأدوار تأثيرهم البالغ علي مجريات الأمور وتوجيهها كما ينعكس في تأثيرهم علي عمليات صنع القرار المهمة في مختلف مجالات الحياة‏. وتعبر كلمة النخبة عن طبقة معينة أو شريحة منتقاة من أي نوع عام. وتعني أيضا الأقلية المنتخبة أو المنتقاة من مجموعة اجتماعية (مجتمع أو دولة أو طائفة دينية أو حزب سياسي ) تمارس نفوذا غالبا في تلك المجموعة عادة بفضل مواهبها الفعلية أو الخاصة المفترضة.
وتبعا لهذا التحديد لا يمكننا الحديث عن مفهوم النخبة إلا في إطار فرع من فروع نشاط معين.وهكذا نتحدث عن النخبة الاجتماعية والنخبة الدينية والنخبة العسكرية والنخبة الاقتصادية والنخبة السياسية إلخ… وبالنظر إلى طبيعة الموضوع الذي نتناوله فسوف نركز اهتمامنا على النخبة السياسية.
تعتبر نظرية النخبة السياسية من أهم موضوعات علم الاجتماع السياسي. وقد أسهم في بلورتها عدد من المفكرين والفلاسفة. ومنهم  باربتو الذي يرى أن النخبة تتشكل من المتفوقين في مجالات عملهم، ثم يقوم بربط مفهوم النخبة الاجتماعية بقدرة هؤلاء المتفوقين على ممارسة وظائف سياسية أو اجتماعية تخلق منهم طبقة حاكمة ليست بحاجة إلى دعم وتأييد جماهيري لأنها تقتصر في حكمها على مواصفات ذاتية تتمتع بها، وهذا ما يميزها ويؤهلها لاحتكار المناصب.
أما  موسكا فيضيف على تعريف باربتو قائلا: إن من أهم أسباب تميز الطبقة الحاكمة عن الطبقة المحكومة- وهو هنا لا يأخذ بالمدلول الماركسي لمعنى الطبقة- قوة تنظيمها ووجود دافع وهدف معين تسعى إليه في مواجهة أغلبية غير منظمة، إلا أنه يؤكد على أهمية اعتماد طبقة الحاكمين على موافقة ورضا الجماهير، وهذا الطرح يقرب ما بين نظرية النخبة السياسية والديمقراطية عكس ما انتهى إليه باربتو. وقد ربط رايت ميلز بين النخبة وقدرتها على التحكم بموقع اتخاذ القرار.
تكتسي النخبة السياسية المحلية أهمية بالغة في اتجاه الدفع بتطوير المشاركة السياسية على اعتبار أنها تعد صلة وصل رئيسية بين المجتمع المحلي والمجتمع ، فالنخبة المحلية تشكل إحدى الوسائط الرئيسية التي تلجأ إليها السلطات المحلية و المركزية و النخبة الوطنية للتأثير على المجتمع المحلي. كما يجد المجتمع المحلي نفسه في حاجة إلى وساطة النخبة المحلية لتصريف خطابه ومطالبه للنخبة الوطنية أو للتأثير على قرارات السلطتين المحلية و المركزية أو مواجهتهما حينما يقتضي الأمر ذلك. وبفضل احتلالها هذه المكانة الإستراتيجية داخل النسيج السياسي فهي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الحياة السياسية في البلاد من خلال التأثير على المواطنين، الشيء الذي ينعكس بالإيجاب أو بالسلب على درجة المشاركة السياسية.
اتخذ التنخيب في المغرب شكلين أساسيين هما التعيين والانتخاب، فقد كان التعيين هو الأداة الوحيدة لصناعة النخبة في مغرب ما قبل الاستعمار ثم خلال  مرحلة التي جاءت بعد رحيل المحتل الأجنبي. أما النخب التي جاءت عن طريق الانتخاب فغالبا ما كانت تعبر عن انتماء حزبي أو جمعوي، إلا أنها كانت ناتجة عن سيرورة سياسية  تفتقر  للمصداقية والنزاهة الشيء الذي أفرز نخبة غير قوية وجدت نفسها  في حاجة إلى قوى خفية تساندها و تدعمها، و لعل جماعات المصالح و كتل الضغط أكبر دليل على ذلك. ويعتبر طعن الهيئات السياسية في نزاهة العمليات الانتخابية من أهم المؤشرات الدالة على ذلك.
لقد كانت القوة المادية و الرمزية لبعض العائلات في الغالب بمثابة  أداة ضغط تدفع في اتجاه تنخيب أفرادها، و هذا ما نلاحظه في المغرب من خلال استحواذ الأسر الفاسية على مصدر القرار الإداري و السياسي متبوعة بالعائلات الرباطية و البيضاوية. وقد انضافت إليها في السنوات الأخيرة  قوى جديدة تكونت من الأثرياء الجدد الذين اغتنوا من المضاربات العقارية وتبييض الأموال القذرة…
وإذا كان المستوى التعليمي في ما مضى من المحددات الأساسية في انتقاء النخب السياسية المحلية، فإن هذا العامل قد أخذ يتوارى بشكل مخيف في السنوات الأخيرة بسبب هيمنة المال على العملية السياسية وعدم قدرة السلطات على محاصرة هذه الظاهرة الخطيرة.
تتشكل النخبة السياسية المحلية من كل الفعاليات المنخرطة في المنافسة السياسية المحلية، حول سلطة القرار المحلي. و ويشير بعض الباحثين في هذا الإطار إلى أربع فئات هي: فئة  الأعيان المحليين (التقليدين أو الجدد) وقد احتكرت هذه الفئة الساحة السياسية في المجتمعات المحلية ردحا طويلا من الزمن، قبل أن تدخل على خط المنافسة ، بسبب التحولات الاجتماعية والثقافية فعاليات سياسية جديدة مثل  فئة الوصوليين وفئة الأغنياء الجدد القادمين من عالم الاقتصاد القذر والأسود بالإضافة إلى فئة المناضلين المحليين.
إذا كانت الفئات الثلاث الأولى تبحث بالأساس على حماية مصالحها وتبييض صورتها،فإن المناضل المحلي،الذي يكون في الغالب مثقفا منحدرا من الطبقة المتوسطة وعلى مستوى أخلاقي عال، يدافع عن قضية ترتبط بمجموعة من القناعات و المبادئ.
وبالنظر إلى الانقلاب الخطير الذي حصل في السنوات الأخيرة على مستوى سلم القيم، والذي كان من نتائجه المباشرة ترجيح قيمة المال وجعله العنصر الأول المؤثر في السلوك السياسي، فقد تأثر الحقل السياسي بشكل كبير بهذه الوضعية. وهذا ما أدى إلى إضعاف الطبقة المتوسطة،ومن ثم إنتاج نخب محلية ضعيفة مجردة من مقومات القيادة والتدبير الناجع والفعال على المستوى المحلي. ولذلك لا نخطئ الصواب إذا قلنا: إن ورش الجهوية المفتوح – مهما كان الشكل أو الإطار الذي سوف يتخذه- لن يحقق النتائج المرجوة منه ما لم ترافقه إجراءات فعالة لخلق وتأهيل نخب محلية قادرة على إنجاحه والاستجابة لاستحقاقاته. ويستدعي تحقيق هذا المسعى في نظري الاشتغال انطلاقا من مداخل متوازية منها:
المدخل التشريعي:
لا جرم أن الديمقراطية تقوم في جوهرها على مبدأ الاختيار الحر للنخبة التي يراد منها أن تقوم بوظيفة تدبير الشأن العام. ولذلك يجب أن ينصب الاختيار على المختارين، أي الذين اختيرواً وفق منهج علمي وتقديري صارم للذكاء، للكفاءة، للأخلاق، للشخصية. أي للذين يشكلون في كل مرحلة النخبة الحقيقة…. وإذا كان المجتمع يعرف عوائق هيكلية تعيق اختيار تلك النخبة الحقيقية التي تمتلك المؤهلات والقدرات اللازمة للاضطلاع بالدور القيادي المنوط بها، فلا مناص من خلق الإطار التشريعي المناسب والمساعد في الوصول إلى هذا الهدف، وإن اقتضى الحال سن قوانين ذات صبغة انتقالية لفائدة الفئات المتعلمة على غرار مبدأ التمييز الإيجابي الذي تم العمل به لإدماج المرأة في الحياة السياسية.
وفي هذا النطاق يجب الإقرار بأن السماح بالتنافس الانتخابي بشكل مفتوح، ودون اشتراط أية حدود دنيا للكفاءة والنزاهة ليس من شأنه سوى تكريس الرداءة والاختلالات التي يعرفها تدبير الشأن العام. وهذا يعاكس الطموحات الواعدة التي يعبر عنها جلالة الملك من أجل محاربة أشكال الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية وتسريع وتيرة التنمية خاصة على مستوى الثروة البشرية. ثم إن استمرار مبدأ الولوج المفتوح لتدبير الشأن العام يضرب سياسة الدولة في الصميم في ما يخص تعميم التمدرس ومحاربة الأمية، على اعتبار أن شرائح واسعة من المجتمع لا تكترث بالخطابات التي تتوخى التحسيس بقيمة المعرفة والتعلم، مادامت النماذج “الناجحة” سياسيا والماثلة أمامها لا صلة لها سوى بالقيم المادية. وبعبارة أوضح فلكي يشعر الناس بقيمة المعرفة يجب تحسيسهم ” بالخسائر”التي يمكن أن تصيبهم وتصيب أبناءهم من جراء التهاون في تحصيلها.
وبناء على الرؤية السابقة فلا مناص من تعديل القوانين المنظمة للعمليات الانتخابية في أفق التنصيص على شروط الكفاءة والنزاهة في تحمل المسؤوليات، من قبيل  القوانين المنظمة لانتخابات المجالس المحلية والإقليمية والبرلمانية والميثاق الجماعي وغيرها. فإذا كانت الدولة المغربية عند اختيار الموظفين والمسؤولين تحرص على شروط الكفاءة والتكوين العالي فإننا نستغرب كيف يتساهل التشريع المغربي عندما يتعلق الأمر بتسيير الشأن العام ،إذ ليس من المقبول أن  يشترط في تسيير الجماعات المحلية مستوى الشهادة الابتدائية،  كما لا يعقل أن تسند مهام التشريع ومراقبة العمل الحكومي لنواب ومستشارين أميين أو لا يحسنون حتى تهجي الأوراق التي تعد لهم تحت الطلب.
وفي هذا النطاق أيضا لا يمكن أن ننتظر ميلاد نخب سياسية محلية قوية، في ظل حضور هاجس الوصاية القبلية على تدبير الشأن العام. ومن ثم على المشرع أن يفسح المجال للنخب المنتخبة كي تتعلم التصرف وتتعود على أخذ المبادرة. أما الاختلالات المحتملة فيجب ترك أمرها للمراقبة الشعبية ولسلطة القضاء.
المدخل السياسي الحزبي:
يجب الإقرار بأن الأحزاب السياسية قد استقالت من أداء وظائفها وتمثل دورها الطبيعي داخل المجتمع في اختيار الأفضل و الأكثر كفاءة للقيادة الاجتماعية والسياسية لكي تقدمه في ما بعد للشعب الناخب وتطلب منه تأييد اختياره، بل اكتفت هذه الأحزاب بالتكتلات الداخلية السطحية والعفوية والتجمعات الدعائية التي لا يقصد منها تعريف الرأي العام بالقادة الحقيقيين بل كانت هذه الأحزاب تتقدم بالمرشح لكسب الأصوات الانتخابية وضمان المقاعد، فانحدرت الأحزاب والشخصيات السياسية إلى مستوى حلقة المصالح الضيقة، فلم يعد المرشح أو القائد السياسي حراً في مبادئه وأفكاره، كما أدى ذلك إلى تنفير كثير من الفئات خاصة المتعلمة من المشاركة السياسية فصار”حزب الصامتين” في المغرب كما بينت نتائج الاستحقاقات الانتخابية السابقة أكبر من أي حزب سياسي في الساحة السياسية.
لقد فقدت شرائح واسعة من المجتمع الثقة في العمل السياسي، بحكم الانزلاقات الخطيرة التي عرفها في السنوات الأخيرة، وبالنظر إلى فقدان العمل السياسي لنبله وقيمه الأصيلة. فشيوع ظواهر جديدة من قبيل التسابق على استقطاب الأعيان و”موالين الشكارة”، وانتشار ظاهرة الترحال السياسي ، وتهميش الكفاءات من مناضلي الأحزاب الذين تدرجوا فيها، واستحداث ما يسمى ب” الوزراء المظليين”، وتنميط الأحزاب من خلال مسخ هويتها الفكرية والإيديولوجية وإلغاء الفوارق بينها على مستوى الممارسة والسلوك السياسي، فصار المواطن لا يستطيع التمييز بين اليميني واليساري ولا بين الليبرالي والاشتراكي..
ولذلك  يبقى إدخال إصلاحات جوهرية على التشريعات المتعلقة بالأحزاب السياسية شرطا مهما من شأنه الارتقاء بالنخب المحلية، ويمكن أن نذكر في هذا الباب على سبيل المثال فقط تعديل القانون المنظم للأحزاب السياسية، وآليات دعم الأحزاب التي يجب أن تتوجه نحو إقرار معايير جديدة  تقطع مع المبدأ  الكمي المرتبط بعدد المقاعد المحصلة، في اتجاه تعزيز النوعية .
المدخل الثقافي:
إن كل مقاربة تتوخى النجاح في تحقيق أهدافها يجب أن تشتغل على مستويات متعددة، ولذلك فإن المقاربتين التشريعية و السياسية بمفردهما ليستا كافيتين، ما لم تكونا مسنودتين بجهد تربوي تثقيفي يشارك فيه الجميع من أحزاب سياسية ومجتمع مدني وخاصة المدرسة العمومية.
لقد كان من نتائج الخوف من السياسة في العقود التي خلت أن انغلقت المدرسة العمومية عن كل ما هو سياسي ومنعت تداوله داخل دواليبها وفضاءاتها. وهذا ما أنتج أجيالا ذات ثقافة سياسية سطحية ليس لها من الزاد المعرفي في مجال السياسة سوى النزر اليسير. ولكي لا يفهم من هذا الكلام على خلاف مدلوله،  فالدعوة لفتح المؤسسة التربية  على الثقافة السياسية لا يقصد به الترويج لهذا التوجه الحزبي أو ذاك، وإنما تمكين الشباب من تعرف المؤسسات السياسية واختصاصاتها، وكيفية إفرازها،وما يترتب على المواطنة من واجبات وحقوق إلخ.. خاصة وأن الكثير منهم يكون مِؤهلا للمشاركة السياسية وهو ما يزال بعد لم يتجاوز أسوار المؤسسة التعليمية الثانوية.
إن  النظام الجهوي مهما كان متقدما لا يملك عصا سحرية  تتيح له تغيير الأوضاع رأسا على عقب. فقد بينت التجارب الإنسانية المختلفة أن الحجر الأساس في تحقيق التنمية هو العامل البشري. ولذلك فما لم يتم إيجاد الوصفة المناسبة التي تجعل الفئات المؤهلة قادرة على الولوج إلى دائرة القرار، فإن المعالجة “القانونية” لموضوع “الجهوية” تظل عاجزة لوحدها عن الجواب عن سؤال يفترض بطبيعته استحضار الأبعاد الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية، و هي الأبعاد التي تحول،ربما،دون التفعيل الأمثل للقوانين مهما كانت دقتها النظرية وراهنيتها العملية.
مراجع البحث:
1- ابن منظور الإفريقي،  لسان العرب المحيط  دار صادر بيروت  مادة “ن خ ب”.
2- الفيروزبادي (أبو طاهر مجد الدين)، القاموس المحيط على الرابط :   http://lexicons.sakhr.com/openme.asp?fileurl=/html/1092028.html 
3- الموسوعة الحرة  wikipedia على الرابط http://ar.wikipedia.org/wiki  مادة “نخبة” وélite”".
4- الدستور المغربي لسنة 1996 .
5- الخطاب الملكي ليوم 03.01.2010  وكالة المغرب العربي للأنباء  على الرابط :
www.map.ma/mapara/disc-royal/janv-2010.htm
6- الوزارة المكلفة بالتعليم الثانوي والتقني، مادة الشأن المحلي الكتيب المرجعي المشترك  ط1 1999 ص ص 3-17 .
7- عبد الإله واردي، الجهوية بالمغرب (مخاضها التاريخي، ودوافع إحداثها) الحوار المتمدن – العدد: 1995 – 2007 / 8 / 2، على الرابط الألكتروني: www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=104618
8- د عبد اللطيف بكور، اللامركزية في إطار الدولة الموحدة / هل تصلح الجهوية الإيطالية كمرجعية للجهوية الموسعة بالمغرب؟ على الرابط الإلكتروني:    www.maghress.com/alittihad/101084 .
9-  قطيفة القرقري، هل تصلح التجربة الإسبانية نموذجا للجهوية الموسعة بالمغرب؟ على الرابط الإلكتروني: www.alittihad.press.ma/def.asp?codelangue=29&id_info=104684&date_ar=2010-3-3.
10- سليم اللويزي النخبة المحلية و تطوير مفهوم المشاركة السياسية الحوار المتمدن – العدد: 2675 – 2009 / 6 / 12 على الرابط : /www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=174795
11- أحمد الخمسي،أوراق الجهوية في المغرب الحوار المتمدن – العدد: 2738- 2009 / 8 / 14على الرابط: www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=181223
12- أمينة بركي ، سؤال الجهوية على الرابط :
imprim.php3?id_article=13420.www.tanmia.ma/article-.
13-  لمياء العماري ، مفهوم وتجليات النخبة السياسية على الرابط : lamytta.maktoobblog.com/1496059
14  سعيد العمراني، التجربة الجهوية البلجيكية على ضوء النقاش الدائر حاليا بالمغرب على الرابط:
http://www.maghress.com/dalilrif/160
-15 – le petit robert , Dictionnaires le robert paris 1993.
16- Nathalie Heinich , « Retour sur la notion d'élite» sur le lien :www.cairn.info/revue-cahiers-internationaux-de-sociologie-2004-2-page-313.htm.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.