1. الرئيسية 2. المغرب الكبير من تونس ما بعد الثورة إلى تونس ما بعد الحريات.. تقرير لهيومن رايتس ووتش يؤكد أن "الحريات تذبح باسم الأمن والدولة" الصحيفة - خولة اجعيفري الأربعاء 16 أبريل 2025 - 17:40 في الوقت الذي كانت فيه تونس تُضرب بها الأمثال كنموذج استثنائي للديمقراطية الوليدة في عالم عربي تعثّرت فيه الانتفاضات، تتجه البلاد اليوم بخطى متسارعة نحو منعطف استبدادي صارخ، عنوانه العريض "القبضة الحديدية في مواجهة الكلمة الحرة"; وفق ما كشفه التقرير الأخير لمنظمة هيومن رايتس ووتش التي جددت إدانة واقع الصورة القاتمة لما آلت إليه الحريات والحقوق تحت حكم الرئيس قيس سعيّد، الذي احتكر السلطة منذ 25 يوليوز 2021، تحت غطاء "تصحيح المسار" وإعادة بناء الجمهورية. وكشفت المنظمة الدولية، في تقرير صدر الأربعاء، عن اعتماد متزايد من السلطات التونسية على الاحتجاز التعسفي والملاحقات القضائية ذات الدوافع السياسية، بوصفه منهجًا لترهيب وإسكات الأصوات الناقدة، إذ وثقت المنظمة ما لا يقل عن 22 حالة اعتقال اعتبرتها تعسفية، وشملت محامين ومعارضين سياسيين وصحافيين ونشطاء وحتى مستخدمين عاديين لمواقع التواصل الاجتماعي. الأخطر في هذا السياق، أن الاتهامات الموجهة لهؤلاء غالبًا ما تستند إلى تهم "فضفاضة" كالإرهاب أو التآمر على أمن الدولة، وهي تهم تمنح السلطات الأمنية والقضائية هامشًا واسعًا للمناورة، خاصة بموجب المجلة الجزائية وقانون مكافحة الإرهاب لسنة 2015. وتزامن صدور التقرير مع محاكمة حوالي 40 شخصية عامة، من بينهم سياسيون ومحامون معروفون بانتقادهم للرئيس سعيّد، بتهم "التآمر ضد أمن الدولة"، فيما يعود تاريخ توقيف عدد منهم إلى فبراير 2023، حين أطلق الرئيس خطابًا وصفهم فيه بأنهم "إرهابيون ومتآمرون"، في حملة تخويف ممنهجة استهدفت خنق أي صوت معارض. وإن كانت القوانين قد وُضعت أساسًا لمحاربة الجريمة والإرهاب، فإن استخدامها لتصفية الحسابات السياسية يعيد إلى الأذهان صورًا من دول فقدت مسارها الديمقراطي، وأعادت تكريس منطق الدولة البوليسية حيث الرأي يُقابل بالقيد. ويقول بسام خواجا، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش"، بلهجة تجمع بين التحذير والأسف: "لم يحدث منذ ثورة 2011 أن شنت السلطات التونسية مثل حملات القمع هذه"، وهو تصريح يضع تونس في حالة انحدار دراماتيكي عن مسارها الذي جعل منها ذات يوم شرارة أمل لشعوب أرادت الحرية والديمقراطية. وفي تصريح ل"الصحيفة"، يقول الخبير والمحلل السياسي التونسي كمال الهمامي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تونس، إن"ما تعيشه اليوم تونس; ليس فقط أزمة سياسية، بل أزمة هوية دستورية ومؤسساتية". وأوضح الأكاديمي، في حديثه ل "الصحيفة"، أن الرئيس سعيّد جرّد كل المؤسسات من معناها، حلّ البرلمان، عدّل الدستور منفردًا، واستولى على السلطات التنفيذية والقضائية، والآن يتجه صوب خنق الفضاء العام وإرهاب الفكر الحر". وأكد الخبير في الشؤون السياسية أن "الاحتجازات الأخيرة والملاحقات القضائية بحق المعارضين هي رسالة واضحة مفادها أنه لا صوت فوق صوت الحاكم. لكنها أيضًا تعكس هشاشة النظام وفقدانه للثقة في الشارع والنخب معًا." وتابع المتحدث بالقول: "تونس اليوم تتراجع إلى مربع ما قبل الثورة، بل أخطر منه، لأن الدولة صارت تدار بفكر الرجل الواحد، دون مؤسسات، دون برلمان مستقل، ودون قضاء نزيه كل ذلك يجري تحت عباءة "الشعب يريد" التي يرددها الرئيس، ولكن أي شعب هذا الذي يريد العودة إلى حكم الفرد؟". "ويرى المتحدث، أن ما يحدث الآن ليس انحرافًا بسيطًا في المسار، "بل هو انقلاب تدريجي على كل مكتسبات ما بعد 2011، والمسؤولية لا تقع فقط على سعيّد بل أيضًا على النخب التي سمحت له بالتمدد، وعلى جزء من المجتمع الذي خُدع بشعارات محاربة الفساد دون أن يلاحظ كيف يُجهز على الدولة الديمقراطية." وفي ظل هذا المشهد القاتم، تبدو الآفاق مغلقة، لا وجود لحوار وطني حقيقي، ولا لمعارضة موحدة قادرة على خلق توازن سياسي، كما أن النخبة السياسية مشتتة، والشارع منهك من أزمات اجتماعية واقتصادية حادة، ليبقى النظام الحالي في موقع مريح نسبيًا رغم هشاشته. وفي الداخل التونسي، تعيش مؤسسات الدولة في حالة صمت مريب، حيث أصبحت رئاسة الجمهورية تصيغ وتنفذ دون مساءلة، بينما أُفرغ البرلمان من محتواه الفعلي وتحول القضاء إلى أداة طيّعة في يد السلطة التنفيذية. لكن في المقابل، لا يزال جزء من المجتمع المدني يقاوم هذا التراجع، إذ عبّرت منظمات مثل "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" عن قلقها المتزايد من "التحول الأمني في إدارة الدولة"، ووصفت الاعتقالات الأخيرة بأنها "موجة ارتدادية تقود تونس إلى ما قبل 2011". من جانبها، أبدت هيئات دولية عدة تخوفها من انزلاق تونس نحو السلطوية، ففي مناسبات مختلفة، أعرب الاتحاد الأوروبي عن "قلقه البالغ من حالة الحريات في تونس"، مشيرًا إلى أن "التحولات السياسية الأخيرة لا تسير في اتجاه تعزيز الديمقراطية". كما دعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة السلطات التونسية إلى "ضمان احترام المعايير الدولية في المحاكمات، وحماية الحقوق الأساسية للتونسيين دون تمييز على أساس الرأي أو الانتماء السياسي". لكنّ هذه المواقف، رغم رمزيتها لم تُترجم إلى ضغوط حقيقية، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى التزام الشركاء الدوليين لتونس بالدفاع عن مكتسبات الديمقراطية، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المنهك الذي يعزز هامش المناورة لدى السلطة القائمة.