1. الرئيسية 2. المغرب مخاريق يقود هجوما نقابيا على الحكومة في عيد الشغل: البطالة والفقر في تصاعد، وقانون الإضراب إعلان صريح عن تجريم العمل النقابي الصحيفة - خولة اجعيفري الخميس 1 ماي 2025 - 18:34 في لحظة يتصاعد فيها منسوب الاحتقان الاجتماعي ويتراجع فيها الأمل في حوار اجتماعي منتج، اختار الاتحاد المغربي للشغل أن يجعل من فاتح ماي الجاري، مناسبة للقطع مع ما وصفه ب"التمويه الحكومي والوعود الجوفاء"، موجهاً رسالة شديدة اللهجة إلى الحكومة التي اتهمها ب"الانحياز لدوائر المال والإجهاز على الحقوق"، ومعتبراً أن ما يُسمى بالمقاربة الاجتماعية لم يعد أكثر من غطاء لقرارات ليبرالية متوحشة تستهدف القدرة الشرائية وتهدد الأمن الاجتماعي في العمق. موخاريق الأمين العام للاتحاد، وفي كلمته الحماسية التي ألقاها أمام الحشود العمالية المتجمعة بمناسبة عيد الشغل، اختار أن يبدأ من حيث تؤلم الحقيقة، مستعرضاً ملامح ما أسماه بالهجوم المنظم على الحقوق والمكتسبات، متهماً الحكومة بالتنصل من التزاماتها ومصادرة الحريات النقابية، وعلى رأسها الحق في الإضراب الذي اعتبر أن التشريع الجديد المتعلق به يمثل مهزلة تشريعية بكل المقاييس. ولم يتردد مخاريق في القول إن تمرير هذا النص داخل مجلس النواب يوم 5 فبراير الماضي تم في غياب غير مسبوق ل291 نائباً برلمانياً، أي 73.67% من الغرفة الأولى، ولم يحظ سوى بتأييد 21.23%، معتبراً أن أي قانون يُمرر بهذه الطريقة يفتقد للشرعية والمشروعية معاً، وهو ما يشكل سابقة دستورية ويطرح أسئلة خطيرة حول احترام الإرادة الشعبية. لكن ملف الإضراب، على أهميته، لم يكن سوى رأس جبل الجليد فالخطاب كان حافلاً بأرقام صادمة رسمت صورة مقلقة لوضع اجتماعي خانق، ووفق المعطيات التي قدمها الاتحاد، ارتفعت البطالة من 16.2% سنة 2014 إلى 21.3% سنة 2024، فيما يُعد نصف الشباب المغربي المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة خارج سوق الشغل، بمن فيهم حملة الشهادات العليا، والأخطر أن عدد الفقراء انتقل من 623 ألف شخص سنة 2019 إلى مليون و420 ألفاً سنة 2022، بمتوسط ارتفاع سنوي تجاوز 33.7%، في موازاة ذلك، يتواصل الغلاء في أسعار المواد الأساسية، وسط غياب أي رقابة جدية على سلاسل التوزيع، وارتفاع تكاليف العيش والخدمات وتدهور الوضع الصحي، وهو ما اعتبره مخاريق دليلاً على انهيار نموذج الدولة الاجتماعية الموعود. الاتحاد المغربي للشغل لم يكتف بالتشخيص، بل عرض ملفه المطلبي كاملاً، دون لبس أو مجاملة، وأولى المطالب تمثلت في مراجعة القانون التنظيمي للإضراب بما ينسجم مع الدستور والمعايير الدولية، وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يجرّم الحق في التنظيم النقابي، وتفعيل مبدأ المساواة بين الحد الأدنى للأجور في القطاعين الفلاحي والصناعي، مع اعتماد زيادة عامة في الأجور ومعاشات التقاعد والتعويضات العائلية، كما دعا الاتحاد إلى إقرار عدالة ضريبية من خلال مراجعة الضريبة على الأجر وإحداث ضريبة على الثروة، وتسقيف أسعار المحروقات والمواد الغذائية والخدمات الأساسية، والتصدي لكل أشكال المضاربة والاحتكار. وفي المجال الاجتماعي، طالب الاتحاد بمراجعة الاختلالات التي تعرفها منظومة الحماية الاجتماعية، على مستوى الحكامة والاستهداف واستدامة التمويل، وبإصلاح أنظمة التقاعد من منطلق تحمل الدولة لمسؤولياتها وعدم تحميل المنخرطين تبعات سوء التدبير. أما على مستوى الحوار الاجتماعي، فقد حمّل الاتحاد الحكومة مسؤولية سنة بيضاء، منتقداً بشدة تحويل الحوار إلى لحظة شكلية فارغة من أي مضمون تفاوضي حقيقي. اللقاء الأخير الذي جمع قيادة الاتحاد برئيس الحكومة في 22 أبريل الماضي لم يُفضِ إلى أي اتفاقات، مما دفع مخاريق إلى التأكيد أن الحوار لا يمكن أن يكون ديكوراً سياسياً، بل يجب أن يُفضي إلى تعاقدات واضحة ومُلزمة، قائمة على احترام التوازن بين الحقوق والواجبات، وضمان كرامة الأجراء، وتحصين الاستثمار، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي. وطالب الاتحاد بمأسسة فعلية للحوار الاجتماعي، عبر قانون يُنظم التفاوض الدوري ويضمن التمثيلية الثلاثية التركيبة، محذراً من استمرار تمييع الحوار وإفراغه من محتواه. الخطاب لم يغفل الإشارة إلى المطالب القطاعية والفئوية لمختلف الأجراء، في الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والقطاع الخاص، الصناعي والفلاحي والمنجمي والخدماتي، مطالباً بسياسات إرادية لإدماج العاطلين، ووضع حد للهشاشة والتشغيل عبر شركات الوساطة والمناولة، وضمان الحقوق الشغلية الكاملة لكافة العاملات والعمال، بما يليق بمغرب يُفترض أن يكون على مشارف دولة اجتماعية حقيقية. وفي الشق السياسي، جدد الاتحاد المغربي للشغل تشبثه القاطع بالوحدة الترابية للمملكة، داعياً إلى تعبئة وطنية شاملة، ومثمّناً أدوار ممثليه في المحافل النقابية الدولية لمواجهة خصوم المغرب، كما لم يفوّت مناسبة عيد الشغل دون إعلان تضامنه المطلق مع الشعب الفلسطيني، مديناً بشدة "حرب الإبادة التي يقترفها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة"، ومعبّراً عن رفضه القاطع لأي مشروع تهجيري، ومطالباً بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. ولم يكن خطاب فاتح ماي هذه السنة مجرد تأكيد للمواقف، بل بدا أقرب إلى إعلان تعبئة تنظيمية شاملة، إذ نوّه مخاريق بما حققته الأكاديمية النقابية للاتحاد من تأطير نوعي لأجيال جديدة من القيادات النقابية، وبالتحاق الآلاف من الأجراء بالمنظمة العمالية، مما عزز حضور الاتحاد في قطاعات استراتيجية، وأعاد له موقعه الريادي كقوة اجتماعية مستقلة ومؤثرة، ووعد بأن الاتحاد سيواصل النضال حتى تتحقق العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية والكرامة الإنسانية لكافة العاملات والعمال. ولقد جاء خطاب الميلودي مخاريق هذه السنة أكثر حدة، أكثر وضوحاً، وأكثر تحرراً من المجاملة السياسية، إذ وضع الحكومة أمام لحظة مساءلة حقيقية، لا فقط بشأن التزاماتها تجاه الطبقة العاملة، بل بشأن اختياراتها الكبرى التي تعيد إنتاج الهشاشة وتُفرغ الحوار الاجتماعي من مضمونه، وتجعل من التوافقات أداة لتدبير الوقت بدل أن تكون رافعة للعدالة الاجتماعية.