مشروع سكني بالغرب يجلب انتقادات    كأس العالم للأندية .. قمة إنجليزية مغربية وصدام إسباني سعودي    المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران .. إشكالات وسياقات ومآلات    حجيرة: تعاونيات المغرب تلج التصدير    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    شاحنة تدهس شاباً وترديه قتيلاً بجماعة إنشادن    عائلة بودراجة تتوعد بالمتابعة القضائية    "فرانس بريس": الملك سيزور فرنسا في نهاية العام الحالي أو في بداية 2026    إجهاض محاولة تهريب سبعة أطنان و50 كيلوغراما من من من در الشيرا بميناء طنجة المتوسط    ولد الرشيد يستقبل وزير خارجية بنما وهذا الأخير يجدد دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي    عصام الشرعي مدربا لنادي فيسترلو البلجيكي    قطر تجدد دعمها للمخطط المغربي للحكم الذاتي    من قلب باريس.. وزير الصناعة يكشف عن اتفاقيات واعدة تعزز مكانة المغرب في صناعة الطيران    إثيوبيا على خُطى كينيا نحو دعم مغربية الصحراء.. تحولات عميقة تعيد رسم موازين القوى في إفريقيا    أكادير تحتضن الاجتماع الرابع رفيع المستوى لرؤساء وكالات مكافحة الإرهاب في إفريقيا ضمن "منصة مراكش"    العصبة الوطنية تعلن عن موعد انطلاق موسم البطولة الاحترافية 2025-2026    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزان تهتز على وقع جريمة قتل راح ضحيتها جندي متقاعد    فاطمة الحمامصي… مسار نسائي رائد يُكرَّم في طنجة    فرع الحزب الاشتراكي الموحد –هولندا يدين العدوان الإسرائيلي على إيران ويؤكد موقفه الثابت ضد الحروب والإمبريالية    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    تهديد مباشر لخامنئي.. ترامب نعرف تحديداً أين يختبئ المرشد الأعلى    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    4.2 مليار درهم عائدات الضريبة على المركبات في 2024    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأحمر    الصحة والنزاهة على طاولة واحدة .. ورشة تسائل التوريد والممارسات الطبية    تأجيل الجمع العام للرجاء الرياضي إلى غاية السابع من شهر يوليوز    في المغرب .. الفاشلون يطاردون المتفوقين عبر ساحات التنمر الإلكتروني    رونالدو يهدي قميصه لترامب برسالة غير متوقعة    الوداد الرياضي يختتم تحضيراته قبل مواجهة السيتي        رئيس الحكومة يؤكد على مكانة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في النموذج التنموي    الذهب يصعد وسط القتال بين إسرائيل وإيران ودعوة ترامب لإخلاء طهران    هلال: المغرب يلتزم بالتصدي للكراهية    مجزرة جديدة تحصد أرواح المجوعين.. مقتل 47 فلسطينيا بنيران إسرائيلية قرب مركز مساعدات في غزة    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    طنجة الدولية.. اختبار فرضيتي التحول والتفاعل    أمطار رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة اليوم الثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    استئنافية الرباط تحجز ملف الصحافي حميد المهدوي للمداولة والنطق بالحكم في 30 يونيو    "سي إن إن": تقديرات استخباراتية تفيد بتأخير البرنامج النووي الإيراني لأشهر بسبب الضربات الإسرائيلية    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    ترامب يقول إنه يريد "نهاية فعلية" للنزاع بين إسرائيل وإيران "وليس وقف إطلاق نار"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    موازين 2025… أزمة توزيع المنصات تثير استياء الجمهور    22 دولة إسلامية تدين العدوان الإسرائيلي على إيران وتطالب بوقف فوري للتصعيد في الشرق الأوسط    الأمير مولاي رشيد يترأس الجمع العام الاستثنائي للجامعة الملكية المغربية للغولف    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    د محمد صبري : الصيدلة دعامة أساسية في الرعاية الصحية القريبة من المواطن..    مجموعة السبع تؤكد على"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وتعارض امتلاك إيران لسلاح نووي    ثنائية فلامنغو تهزم الترجي التونسي    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    "أرواح غيوانية" يُكرّم رموز المجموعات الغيوانية ويُعيد أمجاد الأغنية الملتزمة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتطاعات في الأجور وجبت على النواب الغائبين وليست على الموظفين المضربين
نشر في أسيف يوم 27 - 03 - 2012


د.حبيب عنون
باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية
[email protected]
خلفت تصريحات الوزير الخلفي بخصوص التلميح بالاقتطاعات في أجور الموظفين الممارسين لحقهم الدستوري في الإضراب استياء بين أوساط الموظفين والطبقة الشغيلة عامة خصوصا في مناخ سياسي واقتصادي باتت تتأكد فيه أن الوعود سواء القبلية أو البعدية (الانتخابية) لا جدية فيها وبالتالي لن يكون لها فجر. ويعتبر هذا التصريح في خلفيته محاولة لتغطية الشمس بالغربال، إذ لا جدوى من التستر عن غياب الحنكة في تدبير الشأن العام ومواجهته بالتلميح أو بصحيح العبارة بالتهديد كما لو أننا أمام خطاب "ستاليني" اللهجة.
مما لا شك فيه أن تهديد الوزير الخلفي بالاقتطاعات في الأجور لم يكن واردا ولا مقبولا عندما كان حزبه في المعارضة وكانت النقابة الموالية لحزبه تدع للإضرابات. هل كان آنذاك حزبه أم نقابة حزبه سيوافقان على الاقتطاع في الأجور؟ هل ما كان محرما بالأمس، أصبح مجازا اليوم؟. الجواب جلي وبين، وما هو أكثر تبيانا ووضوحا هو سهولة التحول في المبادئ والمواقف عندما تتغير المصالح والوضعيات. وحتى نكون موضوعيين ومحايدين، فهذه ليست بخاصية تميز فقط حزب العدالة والتنمية يا سيد الخلفي ولكنها ظاهرة ألفها المواطن المغربي إذ ميزت، خلال مراحل حسبناها في عداد الماضي، عدة فعاليات المشهد السياسي المغربي والتي اعتبرت من بين معللات العزوف السياسي في المغرب. وها أنتم بالتلميح لاتخاذ حكومتكم لمثل هذا القرار تعززون عدم انضمام الموظف للمؤسسات النقابية والاستجابة لنضالاتها المؤطرة. وهذه خطوة ذات انعكاسات خطيرة إذ أن العمل المؤسساتي النقابي سيفتقد وزنه وشرعيته وسيتجه الموظف كباقي المواطنين نحو الشارع للمطالبة بحقوقه.
لا أعتقد أن الوزير الخلفي ولا الحكومة الناطق باسمها يجهلان أن للموظف والأجير حقوقا وواجبات تقرها المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية والمندرجة ضمن حقوق الإنسان. وبالتالي فتهديد الموظف باقتطاع أجره إذا أضرب عن العمل مطالبا بإحدى حقوقه، قد يصنف من طرف رجال القانون تعسفا وشططا في استعمال السلطة لكونه يصد الموظف المغربي عن ممارسة حق من حقوقه الدستورية. هذا من الناحية الفردية؛ أما من الناحية الجماعية، فهذا التهديد هو مرادف لصد النشاط النقابي وهذا أسلوب قد يؤثر سلبا على الاستثناء المغربي. ربما قد يكون في اعتقاد الوزير الخلفي أن الفعل النقابي في المغرب لا وزن له لعدة خصائص مشابهة بتلك التي تميز الفاعل الحزبي في المغرب وبالتالي قد يكون من الهين، في غياب "التغطية" النقابية والحزبية، من استهداف شريحتي الموظفين والشغيلة. لا أعتقد أن الوزير الخلفي أو حكومة السيد بنكيران ستسلك هذا السبيل لكونه يعلم أن المواطن المغربي بصفة عامة ، في ظل تقاعس بعض الفعاليات النقابية والحزبية وسعيها وراء البحث عن المصالح الخاصة لأعضاء مكاتبها السياسية والتنفيذية، قد وجد في الشارع إطارا منفتحا وقابلا لضم كل التيارات الفكرية، ومجالا للتعبير ولتبليغ مطالبه. وقد يكون هذا القول جوابا لما لم يستوعبه السيد رئيس الحكومة من حراك مجتمعي في بعض المدن المغربية.
وما هي مطالب هذه الشريحة من المجتمع المهددة بالاقتطاعات في أجرها إن كانت إلا ما تضمنه خطابكم الانتخابي، أي العمل على تحسين وضعيتهم المعيشية من خلال الزيادة في الأجور وشفافية معايير الترقية وإسناد المسؤوليات وفقا للمؤهلات...، علاوة على تفعيل توصيات "مسلسل" الحوار الاجتماعي الذي بدأت جولاته منذ حكومة السيد عبد الرحمان اليوسفي. لا أعتقد أنه سيكون من الموضوعي أن يطلب من الموظف بضرورة احترامه لواجباته المهنية دون أن يحض باحترام لحقوقه. تلك هي المعادلة العادلة. فقبل التفكير في تفعيل هذا التهديد بالاقتطاع في الأجور، وجب التفكير في كون أنه لكل موظف أبناء معطلون وما يعنيه هذا الوزر الذي يتحمله الأب الموظف والأم الموظفة، فلا هم قادرون على تحمل عبء غلاء المعيشة ولا هم قادرون على تحمل عبء أبناءهم المعطلين.
قد تساءل السيد رئيس الحكومة عن ما السبب وراء الاحتجاجات الاجتماعية التي تشهدها بعض المدن والتي، حسب تصريحه، زامنها وتنصيب أول حكومة في عهد دستور 2011. نخشى أن يكون هذا التصريح من قبيل التصريحات السياسية التي صرح بها السيد رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية حينما أشار إلى وجود بعض الجهات تستهدف عمل وزراء حزبه. فكيفما كانت طبيعة التصريحات، فالواقع يشهد أن موجة الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات كانت قائمة قبل تنصيب الحكومة الحالية. حينها قد وعدت الحكومة السابقة بإصلاح منظومة الأجور قصد التقليص من الفوارق الاجتماعية وتمكين طبقة متوسطة من البروز لتشكل المحرك الفعلي لاقتصاد البلد.
والغريب أن يتم إلصاق تهمة تعطيل اشتغال المرفق العام ومصالح الشعب من طرف الموظفين المضربين المطالبين بتفعيل ما وعدوا به كأنهم ليسوا جزءا وليسوا بإحدى مكونات الشعب المغربي؟ من وجب إلقاء اللوم عليه ومساءلته هما الجهاز التشريعي والجهاز التنفيذي لكونهما الفاعلين المتماطلين في إصدار القوانين والتشريعات التي ما زالت عالقة في "خزانة" الحوار الاجتماعي، كتحيين قوانين الوظيفة العمومية وإصلاح منظومة الأجور والقوانين المتعلقة بالشغل وبالاضراب وتأطيرها وغيرها من القوانين التي يبقى تفعيلها رهينا بديناميكية الجهاز التشريعي أي البرلمان أي نواب الشعب خصوصا وأن الحكومة الحالية تحض بأغلبية برلمانية مريحة تمكنها من التسريع في سن مثل هذه القوانين العالقة. ومن الأكيد أنه، بالنظر للظروف الحالية، ستكون مسألة الاقتطاعات في أجور الموظفين بسبب ممارسة حق دستوري ووفق ترخيص من وزارة الداخلية، مسألة حاسمة في إمكانية أو عدم إمكانية استمرارية صمود الحكومة الحالية والتي باتت ملامح غياب انسجام مكوناتها تترسخ من خلال عدم القدرة على إتمام معالجة أية ملف تقوم بفتحه. إذ بتنا نألف أن ملفات الشأن العام يتم فتحها قصد الضجة وليست قصد المعالجة الشمولية، ليتم طيه إلى حين إعادة فتحه قبيل الانتخابات وربما إيهام الناخبين حينها بكون الحكومة قد كانت لها الجرأة في فتح بعض الملفات ولكنها لم تتمكن بسبب ما يصطلح عليه بأيدي خفية أو بجيوب مقاومة التغيير. لم يعد المجال قابلا لمثل هذه الخطابات لكون السيد بنكيران رئيس الحكومة قد صرح في العديد من المناسبات أن ضامن وحدة البلاد قد أعطاه الضوء الأخضر، حسب تعبيره، للتعامل العادل والحق ووفقا لمقتضيات الدستور مع أية ملف يهم شأن المواطن المغربي. حقيقة ما يجري حاليا من تماطل في معالجة العديد من الملفات والشروع في إنجاز المشاريع التنموية يعكس عمليا عدم الانسجام في وجهات النظر والمنهجيات لدى كل فاعل من التحالف الحكومي في تعامله مع تدبير ملفات الشأن العام.
فبالنظر للتعثرات التي عرفها افتتاح الحوار الاجتماعي في ظل الحكومة الحالية أولا باقتصارها على التشاور مع النقابات الأكثر تمثيلية، وهذا فيه تناقض مع التصريحات السابقة الداعية إلى إشراك الكل دون إقصاء؛ وثانيا، غياب أي تلميح لإخراج ما صرحت به الحكومة السابقة عقب انتهاءها من إعداد مشروع إصلاح منظومة الأجور والتي من شأنها توضيح وتحديد ما للموظف وما عليه وفق معايير علمية وموضوعية في وقت أكد فيه رئيس الحكومة بكون عمل حكومته هو استمرارية لعمل الحكومة السابقة وبالتالي فحكومته مطالبة بتفعيل ما تم التوافق بشأنه في ظل الحكومة السابقة.
وإذا كان البرلمان المغربي يتميز بكثرة غياب أعضاءه وعجز رئيسي الغرفتين على تفعيل قانون يلزم نواب الشعب على حضور أشغال الجهاز التشريعي بالرغم من التلميح (خلال السنة الفارطة) كذلك بالاقتطاعات في أجور البرلمانيين ليسوا "المضربين" بل الغائبين غيابا شبه تام، فأعتقد أن الاقتطاعات في الأجور يجب أن تهم هؤلاء البرلمانيين الغائبين طوال مدة انتخابهم ولا يحضرون إلا في الجلسات الافتتاحية للدورات التشريعية. بل الاقتطاع العادل والحق وجب أن يكون اقتطاعا نهائيا لأجر كل برلماني ليس لغيابه عن جلسات البرلمان بل لغيابه عن تفقد منتخبيه والتواصل الدائم معهم. وبعبارة أخرى، وفي ظل الدستور الجديد الذي يمتع البرلماني بالحصانة، فقط داخل قبة البرلمان، فبإمكان إصدار قانون بموجبه تتمكن ساكنة منطقة معينة بطلب عزل البرلماني "الشبح" من منصبه مع توقيف لأجره. فليس هناك موظفون أشباح فقط، بل هناك أيضا برلمانيون أشباح. وإذا كانت الحكومة تبحث عن الموظفين الأشباح، فالشعب يبحث عن البرلمانيين الأشباح.
وعليه، فالتهديد أو التلميح بالاقتطاعات لا يجب أن يكون موجها صوب الموظف لكونه متواجد في مقر عمله وإذا دعت الضرورة للغياب بدعوة من نقابة معترف بها قانونيا وبإذن مسبق من وزارة الداخلية، فغيابه لا يكون إلا لليومين أو ثلاث مع العلم أن تكرار مثل هذه الاضرابات لا يكون في غالب الأحيان إلا لعدم الوفاء أو تماطل فرقاء الحوار الاجتماعي في تفعيل ما تم إقراره؛ بل التهديد يجب أن يهم أولئك الخائنين لثقة الشعب من جهة والمتقاضين لأجور ليسوا بأهل لها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.