فيديوهات خلقت جوًّا من الهلع وسط المواطنين.. أمن طنجة يوقف سيدة نشرت ادعاءات كاذبة عن اختطاف الأطفال    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    ريال مدريد ينجو من ريمونتادا سيلتا فيغو    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    احتفاء فريد من نوعه: مهرجان التوائم الدولي يجمع أكثر من ألف مشارك في جنوب غربي الصين    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    شبكة نصب لتأشيرات الحج والعمرة    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    اتهامات بالمحاباة والإقصاء تُفجّر جدل مباراة داخلية بمكتب الاستثمار الفلاحي للوكوس    تطوان تحتضن النسخة 16 من الأيام التجارية الجهوية لتعزيز الانفتاح والدينامية الاقتصادية بشمال المملكة    الدوري الألماني.. بايرن ميونخ يضمن اللقب ال34 في تاريخه بعد تعادل منافسه ليفركوزن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    جريمة بيئية مزعومة تثير جدلاً بمرتيل... ومستشار يراسل وزير الداخلية    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    ملتقى بالقدس يشيد بجهود الملك    تحالف مغربي-صيني يفوز بعقد إنشاء نفق السكك الفائقة السرعة في قلب العاصمة الرباط    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    وزيرة تكشف عن مستجدات بشأن الانقطاع الكهربائي الذي عرفته إسبانيا    شركة بريطانية تطالب المغرب بتعويض ضخم بقيمة 2.2 مليار دولار    المغرب يتصدر قائمة مورّدي الأسمدة إلى الأرجنتين متفوقًا على قوى اقتصادية كبرى    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الفن التشكلي يجمع طلاب بجامعة مولاي إسماعيل في رحلة إبداعية بمكناس    الخيط الناظم في لعبة بنكيران في البحث عن التفاوض مع الدولة: الهجوم على «تازة قبل غزة».. وإيمانويل ماكرون ودونالد ترامب!    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    "البيجيدي" يؤكد انخراطه إلى جانب المعارضة في ملتمس "الرقابة" ضد حكومة أخنوش    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    الناخب الوطني يعلن عن تشكيلة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة لمواجهة نيجيريا    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    إسبانيا: تحديد أسباب انقطاع الكهرباء يتطلب "عدة أيام"    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    مصادر جزائرية: النيجر تتراجع عن استكمال دراسات أنبوب الغاز العابر للصحراء    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    الحارس الأسبق للملك محمد السادس يقاضي هشام جيراندو    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    توقيف 17 شخصا على خلفية أعمال شغب بمحيط مباراة الوداد والجيش الملكي    حريق بمسجد "حمزة" يستنفر سلطات بركان    "الأونروا": الحصار الإسرائيلي الشامل يدفع غزة نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الداخلة.. أخنوش: حزب التجمع الوطني للأحرار ملتزم بتسريع تنزيل الأوراش الملكية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    وهبي: مهمة "أشبال الأطلس" معقدة    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور ميمون باريش أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض ل«التجديد: الدعوة إلى الله تعالى أمانة عظيمة محفوفة بالمخاطر
نشر في التجديد يوم 05 - 08 - 2013

الداعية إذا لم يتمكن من تحديد موقع المخاطَب ونوع الخطاب الذي يصلح له فقد يفوته المعظم في تجربته الدعوية مع الشباب خاصة، وقد تضيع أمامه فرص الإصلاح
يحدثنا الدكتور ميمون باريش استاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش في الحوار عن أولويات وتحديات الخطاب الدعوي في المرحلة الراهنة، ويرى أن أن الجهل هو مصدر الشرور الاجتماعية، ومنبع المشاكل الفردية والأسرية، سواء تعلق الأمر بمشكلات الشباب أم بمشاكل الشيوخ، أم بمعاناة النساء، كما يؤكد أن الطرق المعتمدة اليوم في تنظيم البعثات الدينية من لدن بعض الدول الإسلامية أصبحت متجاوزة إلى حد بعيد، مع ما فيها من هدر للوقت وتضييع للمال العام، ولا سيما حين يكون المستهدف من الجيلين الثالث والرابع، وإليكم نص الحوار:
حاوره في مراكش عبد الغني بلوط
في البداية كيف يمكن أن تعرفوا للقراء تجربتكم الدعوية؟
ü بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد نبينا الصادق الأمين.
في البداية الشكر والعرفان لجريدة التجديد على هذه الالتفاتة المباركة، وأقول وبالله التوفيق إنه رغم اشتغالي بالعلوم الشرعية منذ سن مبكر، فإنني لم أتشوف قط إلى تصدير المجالس، ولم أجرؤ يوما على ركوب مركبة الدعوة، إلاّ ما كنت أجده في نفسي منذ صغري من ميل إلى نصرة الحق ولو لصالح خصمي، ولما تفتق ذهني كان أقصى ما أمارسه في هذا الصدد إفراغ الوسع لثني نفسي عن التقصير في حق الخالق وحقوق الخلق... فاستمر الأمر على تلكم الحال إلى أن تحركت همتي إلى إشراك المقربين إلي في كل خير تذوقت طعمه ووجدت حلاوته؛ وبعد اعتكافي – في سنة من سنوات التحصيل - على قراءة كتاب "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي وجدتني مضطرا للانخراط في سلك الدعاة، مع الاحتفاظ باستقلاليتي في الفكر والرأي والاختيار.
ü في نظركم ما هي مواصفات الداعية الناجح اليوم؟
أرى أن أنجح الدعاة وأكثرهم تأثيرا في الناس من كان ملازما لصفة الإخلاص من حيث هي خصيصة فاضلة، وصفة لازمة مؤكدة للداعية، وسر كمين من أسرار السعادة الأبدية، وأعني بذلك إخلاص الداعية لله تعالى فيما يفعل وما يقول وما يكتب، وإخلاصه لنفسه من حيث إنه هو من اختار لنفسه هذا العمل التطوعي والسير على درب الأنبياء والمرسلين، مع ما يكتنف هذا الدرب من الصعوبات والمشاق والابتلاءات، ثم إخلاصه لمن يخاطب من الناس بالزهد فيما في أيديهم، وانتقاء أحسن الموضوعات لإفادتهم، وابتكار أجمل الأساليب وأجودها لإقناعهم، هذا فضلا عن تمسكه باستقلاليته واحتفاظه بنفس المسافة مع كل الأطياف والتوجهات؛ فمتى ما تمكن الداعية من استجماع هذه المواصفات استقام مقاله مع حاله، فيكون بذلك في أعين الناس إسوة حسنة وأنموذجا صادقا يحتذى في امتثال المأمورات وترك المنهيات... وتزداد مصداقيته إذا كان لأنعم الله من الشاكرين، وعلى الابتلاءات من الصابرين، وفي ظاهره وباطنه من الورعين، وأمام الخلق من المتواضعين، وعند الكلام من الصادقين...
تعلمون أن التربية هي رديفة للدعوة، كيف تعمل هذه التربية على إعداد الإنسان لتلقي الخطاب الدعوي؟
التربية والدعوة وجهان لعملة واحدة، فالتربية في الأصل مرحلة من مراحل الدعوة، وهي مرحلة التذكير بالقيم الفطرية والتلقين لمحاسن الأخلاق ومكارمها وتعويد الناشئة على التدين وما في معناه، وفي هذه المعاني أنشد بعضهم:
وينشأ ناشئ الفتيان منا ** على ما كان عوّده أبوه
مادان فتى بحجا ولكن ** يعلمه التدين أقربوه
فكأن التربية تمهيد للدعوة وإعداد للمخاطب، فمن هنا جاء الثناء على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو الذي جمع بين التربية والتعليم والتزكية والدعوة، ففي حقه عليه الصلاة والسلام قال تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)؛
وأما عن سؤالكم كيف تعمل هذه التربية على إعداد الإنسان لتلقي الخطاب الدعوي؟ فأقول: إنه لابد من ترويض المخاطب نفسيا وتهيئته معرفيا إعدادا له لتلقي الخطاب الدعوي واستيعابه، فتأمل معي وصايا لقمان الحكيم المذكورة في القرآن الكريم، فقد بدأ لقمان مع ابنه بدرس عقدي ثم انتقل به إلى درس فقهي ثم دعاه بعد ذلك إلى التحلي بمكارم الأخلاق والتخلي عن مساوئها، معززا كل ما سبق باستحثاث ابنه على ركوب مركب الدعوة إلى الحق مع ما فيه من المشقة والأذى وما يتطلبه من العزم والصبر.
في نظركم ما هي أوليات الخطاب الدعوي في المرحلة الراهنة؟
رحم الله الإمام مالك بن أنس وهو القائل: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، وعليه نقول إن أولويات الأمة الإسلامية في الماضي هي نفسها أولويات الخطاب الدعوي في العصر الراهن، وقد كان من أولى أولويات الخطاب الدعوي في الماضي تضخيم القول في استحثاث الناس على التعليم والتعلم وذلك نظرا لما لمؤسسة العلم من دور بليغ في بناء الأجيال وحفظ الهوية وعلاج النفوس وصقل الأذهان وشحذ الهمم وحفظ كرامة الأمة وعزتها وسمو قدرها، وارتفاع منزلتها بين الأمم؛ ولقد أكد علماء الاجتماع المحققون أن الجهل هو مصدر الشرور الاجتماعية، ومنبع المشاكل الفردية والأسرية، سواء تعلق الأمر بمشكلات الشباب أم بمشاكل الشيوخ، أم بمعاناة النساء: زوجات وأمهات ومربيات وعاملات، إذ الجهل يسهم وبقسط كبير في توسيع مظاهر الانحلال الخلقي بما في ذلك تناول المخدرات، والتعاطي للدعارة والبغاء، والجرأة على الاغتصاب، والسرقة، واضطهاد المرأة، والخيانة الزوجية، وانتهاك حقوق الآخرين، والتعسف في استعمال الحق، والتعالي على الخلق، والمبالغة في مبارزة الخالق، وما إلى ذلك من مظاهر المسّ بإنسانية الإنسان، والتي من شأنها أن تحكم على القلوب بالموت المحقق، فإن مات القلب، فأقم على صاحبه جنازة، وكبِّر عليه أربعا، وإن كان حيا، وما ذاك إلا لأنه قد تعطلت حواسه إن بعضاً أو كلاً، ومن كان هذا حاله فإن الخطاب الدعوي قد لا ينفع معه إلا في الأقل، وقد أجاد وأفاد من قال:
وفِي الجَهْلِ قَبْلَ المَوْتِ مَوتٌ لأَهْلِهِ ** فَأَجْسَامُهُم قَبْلَ القُبُورِ قُبُورُ
وإنْ امْرُؤ لمْ يَحْيَ بالعِلْمِ مَيِّت ** فلَيْسَ لَهُ حَتّى النُّشورِ نُشُورُ
لكن كيف تنظرون إلى تحديات الخطاب الدعوي في العصر الحالي؟
تحديات الخطاب الدعوي المعاصر كثيرة ومتنوعة والخيط الناظم لها جميعا اعتمادها لوسائل الاتصال المعاصرة التي تعرف تطورا مذهلا يؤهلها للتأثير السريع على شباب الأمة بالخصوص، وذلك باستلابهم فكريا وخلقيا، والزج بهم في قيم كونية يصطدم بعضها أحيانا مع هوية المسلم الدينية وانتمائه الحضاري، لكن رغم خطورة هذه التحديات فإن ذلك لا يبرر للدعاة أبدا الركون إلى الاستسلام والتقاعس، بل الواجب على عموم المسلمين – كلٌّ في حدود طاقته ومبلغ علمه – الانخراط في التدافع المحمود الذي هو سر كمين من أسرار الأفول أو التمكين تحقيقا لقوله تعالى (وَلَوْلَا دِفاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْاَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، بل إن التدافع المحمود من شأنه أن يفعِّل مبدأ الإيمان بالتنوع والتعدد، المفضي إلى استثمار قيم التساكن والتعايش في إطار رؤية إسلامية تحترم حق الآخر في الرأي والعقيدة والفكر، من غير إخلال بمقومات التساكن، أو تجاهل لقيم الإسلام الثابتة، مع الإيمان بسنة الله في الكون القاضية بضمان البقاء للأصلح والأنفع في العاجل أو الآجل، وهذا ما دلّ عليه بوضوح قول الله تعالى: (وَلَوْلَا دِفاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
كيف يمكن تقوية الخطاب الدعوي اليوم في ظل ظهور ظواهر شاذة في المجتمع؟
لا أظن أن نبيا من الأنبياء عاش تجربة النبوة في غياب الظواهر الشاذة، فقد وجدت عبر تاريخ البشرية ظواهر مصادمة للفطرة من قبيل الظلم والطغيان والتفسخ والانحلال والمثلية والتعري والجهر بالمعصية والتطفيف في الميزان وخيانة الأمانة، وقد تسلح لها الأنبياء وأتباعهم بالإيمان الصادق والصبر على الابتلاء والعزم على المضي قدما في اجتثاث جذور الرذيلة وتمكين الفضيلة، يستهدون في ذلك بهدي الوحي ويستنيرون بنور العلم، ويحكمون منطق التدرج والمرونة والتيسير حتى بلغوا بالناس شأوا عظيما في التمدن والتحضر والقيم الفاضلة، ويكفينا مثالا على ذلك ما حققه رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده من الصلاح والإصلاح الذي قامت عليه دولة النبوة لما كان الناس يعيشون على وقع الحياء ومكارم الأخلاق والأمن المستمر والطمأنينة الكاملة، ولما كان العاصي يقرّ - اختيارا - بجريرته.
كلمة أخيرة:
الدعوة إلى الله تعالى أمانة عظيمة محفوفة بالمخاطر، وهي من المسؤوليات الجسام التي يمتزج فيها ما هو ديني بما هو حضاري، وما هو أخروي بما هو دنيوي، وتتداخل فيها حقوق العباد مع حقوق رب العباد، ومن ثمة، فإن النجاح فيها لا يتأتى إلاّ أن يأخذ الداعية بحقها، ويؤدي الذي عليه فيها، ويخلص لله تعالى في أقواله وأفعاله لتحقيق بعض مقاصده دون التفات إلى ما يعترض سبيله من المضايقات، وإنه لمن نافلة القول التنبيه إلى أن الداعية المخلص كلما ضاقت عليه المسالك واشتدت عليه الابتلاءات كلما تجددت دماؤه وازداد تعلقا برسالته وتفانيا في مهمته. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
كيف يمكن تنويع الخطاب الدعوي خاصة للشباب؟
شباب اليوم أصناف متعددة بتعدد قنوات التلقي عندهم، ومتعددة بتعدد اهتماماتهم وتنوع همومهم: فمنهم المستقل في رأيه فهو يقارع الحجة بالحجة والدليل بالدليل فمثل هذا لا يقنعه إلا الخطاب العقلاني القائم على الحجج والبراهين؛ ومن شباب اليوم من تكفيه الموعظة الحسنة والخطاب العاطفي المؤثر في الوجدان، فمثل هذا يحتاج إلى خطاب الوعد والوعيد والأمثال والقصص؛ ومنهم من يكثر الجدال ليس توقا إلى المعرفة بل حبا في الجدال؛ ومن شبابنا من صار أسيرا للفضائيات والمواقع الإلكترونية بل أسيرا لضِرسه وفرجه، وأمام هذا التنوع وجب تنويع الخطاب الدعوي مع الشباب مع مراعاة تفاوت قدراتهم العقلية، وتجاربهم الحياتية، وتطلعاتهم المستقبلية، ومراتبهم في التمييز والفهم والإدراك والاستعداد للاقتناع والبدار إلى الامتثال، وهذا هو عين العقل والحكمة، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). فالداعية إذا لم يتمكن من تحديد موقع المخاطَب ونوع الخطاب الذي يصلح له فقد يفوته المعظم في تجربته الدعوية مع الشباب خاصة، وقد تضيع أمامه فرص الإصلاح والإسهام في بناء الأمة، وتخريج أجيال نافعة لدينهم وأوطانهم.
ما خصائص الخطاب الدعوي في المهجر؟
خمس عشرة سنة من الممارسة الدعوية في بلاد المهجر كانت كافية لمعرفة أسرار جاليتنا المسلمة وهمومها ومعاناتها مما يجهله حتى المنشغلين بشؤونها، فبحكم أواصر الدم والقرابة وبحكم الاحتكاك المباشر، وبحكم إتقان اللسان الأمازيغي تمكنت من التغلغل في حياة أبناء جاليتنا، فتبين لي بعد طول تأمل ونظر أن الطرق المعتمدة اليوم في تنظيم البعثات الدينية من لدن بعض الدول الإسلامية أصبحت متجاوزة إلى حد بعيد، مع ما فيها من هدر للوقت وتضييع للمال العام، ولا سيما حين يكون المستهدف من الجيلين الثالث والرابع ممن امتلكوا ناصية وسائل الاتصال المعاصرة، وناصية اللغات الأجنبية، ولا حظ لهم في اللغة العربية إلا في الأقلِ الأقل. فكيف لمن لا يتقن الكلام إلاّ باللغة الألمانية واللغة الأمازيغية أن يخاطَب باللغة العربية الفصحى وبالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وبالقواعد الفقهية والأصولية؟ وكيف لمن يعاشر الهواتف الذكية وغيرها من الوسائل الحديثة أن يُحدَّث عن موضوع لا يمت إلى عالمه بصلة، وفي هذا الصدد أذكر - أخي الكريم - أنني دخلت في سنة خلت مسجدا من مساجد الجالية المسلمة بأوروبا فوجدت واعظا من أعضاء البعثة المغربية يخاطب الناس في موضوع "حكم الإسلام في زيارة الأضرحة"، ويجهد نفسه ويستفرغ وسعه لإقناع المخاطَبين بمراده، وقد أدرك أو لم يدرك أنه يتكلم في موضوع لا وجود لأصله في تلك الديار، ونقطة ثالثة أخرى جديرة بالتنبيه وهي أن بعض أفراد البعثة الدينية يتصنعون الحديث عن الثوابت مع شباب تشرئب أنفسهم ويتطلعون بكلياتهم إلى إيجاد حلول شرعية لمشاكلات عويصة من قبيل مشكلات التعامل مع المخالفين لهم في الملة في قضايا المطعومات والمناكحات وسائر التصرفات... فلا ينفكون عنها حتى يجدوا ضالتهم في الفتاوى التي تأتيهم على الهوى، فقد تكون بعض هذه الفتاوى اسم على مسمى "فتاوى على الهوى" أي فتاوى مبنية على الأهواء لا على الدليل القاطع والنظر الدامغ... ولاسيما تلك الفتاوى التي يأخذ فيها أصحابها بالأشد والأضيق من الأقوال، ويختزلون الإسلام في العزائم، أو التي يتسيب فيها أصحابها حتى يصير كل شيء عندهم مباحا، فهذه الفتاوى وتلك تستدعي تجديد الخطاب الدعوي بما يناسب خصوصيات الجالية المسلمة في المهجر.
كلمة أخيرة
الدعوة إلى الله تعالى أمانة عظيمة محفوفة بالمخاطر، وهي من المسؤوليات الجسام التي يمتزج فيها ما هو ديني بما هو حضاري، وما هو أخروي بما هو دنيوي، وتتداخل فيها حقوق العباد مع حقوق رب العباد، ومن ثمة، فإن النجاح فيها لا يتأتى إلاّ أن يأخذ الداعية بحقها، ويؤدي الذي عليه فيها، ويخلص لله تعالى في أقواله وأفعاله لتحقيق بعض مقاصده دون التفات إلى ما يعترض سبيله من المضايقات، وإنه لمن نافلة القول التنبيه إلى أن الداعية المخلص كلما ضاقت عليه المسالك واشتدت عليه الابتلاءات كلما تجددت دماؤه وازداد تعلقا برسالته وتفانيا في مهمته. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.