طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش في بداية هذا الأسبوع الحكومة المغربية بوقف محاكمة المتهمين بالشذوذ الجنسي، ودعت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهذه المنظمة، إلى وقف مقاضاة الشواذ وحبسهم بناء على ميولاتهم الجنسية معتبرة أن الفصل 489 من القانون الجنائي يتضمن نوعا من التمييز على أساس الميول الجنسية. والواقع أن هذا المطلب يحتاج إلى مناقشة حقوقية، ذلك أن الحقوق نفسها ليست كلها قطعية ومحل اتفاق بين دول العالم، فهناك العديد من الحقوق في التجارب الغربية الديمقراطية يتلبسها الجدل المجتمعي، إذ يصل النقاش ببعض الحقوق إلى درجة التشكيك في طابعها الحقوقي، فقضية الإجهاض مثلا لا زالت إلى اليوم محل جدل مجتمعي بين من يرتكز إلى "الحق في الحياة" ومن يرتكز إلى الحق في عدم الإنجاب، ولا أحد يمكن له اليوم أن يزعم أن الذين يطالبون بمنع توسيع موجبات الإجهاض القانوني هم خارج الدائرة الحقوقية، وكذلك الأمر في قضية المثلية، وما يستتبعها مما يسمى ب"حقوق" المثليين، والأمر يزيد جدلا حينما يتعلق الأمر بالمتحولين جنسيا والجدل الذي لا يزال يثار حول "حقوقهم" في فرنسا مثلا. نعم هناك حديث داخل المنظومة الحقوقية على الحقوق الجنسية، لكن في نهاية المطاف، لا أحد يمكن أن يفرض على المجتمعات تأويلات خاصة لهذه الميول لإدراج الحقوق المثلية أو حقوق المتحولين جنسيا ضمن الحقوق الكونية، فالأمر في البدء والنهاية يرتبط بالسيادة المجتمعية والطريقة التي يكيف بها المجتمع مثل هذه القضايا. لحد الآن، التكييف المجتمعي والقانوني في المغرب لا يمنح للميول الجنسية المثلية صفة "الحق"، بل يعتبر ذلك جريمة مجتمعية ليس فقط بالاعتبار الأخلاقي والديني، ولكن بحكم الأضرار الصحية التي تنتج عنها، وهي بالمناسبة محسومة طبيا، والإحصاءات بشأن نسبة المصابين بالأمراض المنقولة جنسيا من هذه الفئة ليست موضع تشكيك من قبل المختصين، بل حتى الدراسات النفسية والعقلية الغربية نفسها أثبتت أن الميولات الجنسية المثلية هي حالات مرضية أكثر منها ميولات حميمية طبيعية كما تزعم هذه المنظمة. بمعنى، أنه بغض النظر عن التكييف الديني الذي في الغالب ما يساق من قبل بعض الناشطين الحقوقيين مساقا قدحيا، فإن هناك أكثر من حجة تشكك في "حقوقية" المثلية الجنسية، فمن جهة هناك الحسم المجتمعي الذي يكيف المثلية الجنسية على أساس أنها جريمة ومرض وخروج عن قاعدة الاستواء النفسي والسلوكي، وهناك من جهة أخرى الحيثيات العلمية والنفسية والطبية التي تدعم هذا التكييف وتعززه. ولذلك، وقبل أن تطالب هذه المنظمة الحقوقية أو غيرها المغرب بمطلب يتعلق بما يسمى عندها ب"حقوق المثليين" في المغرب، كان المفروض عليها أن تستمزج رأي المغاربة ببعض المسوح الاجتماعية لترى أي تكييف يمنحه المجتمع المغربي لهذه الظاهرة، وهل يعدها جريمة في حق المجتمع أم يعتبرها حقا من الحقوق الشرعية، وذلك قبل أن يتم الاستقواء بمفهوم الحقوق الكونية لفرض أجندات قيمية لا تتحملها الشعوب العربية المسلمة. في أمريكا وأوربا لا يمكن لأي ضغط مهما كان مصدره أن يؤثر في القرار السيادي المجتمعي إذا كان المجتمع لم يحسم أمره في هذا الاتجاه أو ذاك، وفي الوقت الذي لا يغلب فيه رأي على رأي أو لا ينضج النقاش المجتمعي لدرجة الحسم، فإن القضية تبقى معلقة، ولا يتم أبدا الاحتكام إلى منطق "كونية الحقوق" لفرض شيء ما على شعوب هذه الدول. في عالمنا العربي، نتمتع بكل الحجج التي تجعلنا ندفع بقضية الحسم المجتمعي للتخفف من الضغط الدولي الذي يوجه إلى القرار السياسي من أجل تمرير أجندات مشبوهة تساهم في تمزيق النسيج المجتمعي، بل تملك النخب أن تحمل تأويلا خاصا لمفهوم الميول الجنسية يبعد المثلية أبدا من دائرة الحقوق بحكم أنها تهدد الأسرة والنوع البشري وتهدد الصحة العمومية، بل تملك أن تخوض نقاشا دوليا من أجل إعادة النظر في بعض العبارات التي فرضتها لوبيات الشذوذ الجنسي في معركة التدافع الحقوقي الأممي. بكلمة، المقتضيات القانونية هي في نهاية المطاف تعكس اختيارات الشعوب، ولا يمكن بأي حال أن نطعن في حق الشعب في تقرير مصيره في القضايا المجتمعية، لمجرد أن ضغطا دوليا لا يستند على أي قاعدة مجتمعية يريد أن يصادر حق هذا الشعب في أن يجرم الشذوذ الجنسي ويرتب عليه العقوبات القانونية. بلال التليدي