للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    تواصل الحركة الاحتجاجية بالجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف الحرب في غزة    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    حادث سير خطير بالقرب من المحكمة الابتدائية يتسبب في إصابة خمسة أشخاص    مافيات الشينوا دخلات للبلاد. طاحت وحدة كتپيراطي المكالمات    حكيمي يتوج بطلا للدوري الفرنسي رفقة باريس سان جيرمان    مراكش: المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    النائب المرابط إلى وزير التربية الوطنية: إحداث ثانوية بجماعة بليونش ستكون له انعكاسات جد إيجابية تربويا واجتماعيا    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    أول تعليق من مدرب نهضة بركان على مواجهة الزمالك في نهائي كأس "الكاف"    يوسفية برشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني بعد التعادل مع تطوان    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    الحكومة والنقابات توقعات على زيادات عامة في الأجور وتخفيضات في الضريبة على الدخل    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    استطلاع.. غالبية المريكانيين كيبان ليهوم أن إدارة ترامب أنجح من ديال بايدن    بالفيديو.. الجيش الإسباني ينفذ تمارين عسكرية على الحدود مع الناظور    هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور    رواد مركبة الفضاء الصينية "شنتشو-17" يعودون إلى الأرض في 30 أبريل    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    مدرب بركان يعلق على مواجهة الزمالك    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    البطولة: المغرب التطواني يضمن البقاء ضمن فرق قسم الصفوة وبرشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني    مكناس.. اختتام فعاليات الدورة ال16 للمعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    كلمة هامة للأمين العام لحزب الاستقلال في الجلسة الختامية للمؤتمر    مرصد يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الأمين بن الطالب، الأستاذ بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بموريتانيا، ل"التجديد": الدين واللغة العربية أهم عوامل الوحدة بين المغرب وموريتانيا
نشر في التجديد يوم 29 - 12 - 2005

خلال الأيام القليلة الماضية، زار المغرب وفد علمي من أساتذة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بموريتانيا في إطار التواصل والتعاون الثقافي والأكاديمي بين هذه المؤسسة وجامعة محمد الخامس بالرباط في مجال التكوين في طرق التدريس. وحول دواعي الزيارة إلى المغرب وعمل المؤسسات الدينية بالجارة موريتانيا، أجرت التجديد هذا الحوار مع الأستاذ محمد الأمين بن الطالب وهو أستاذ الفقه وأصوله بالمعهد نيابة عن زملائه:
مرحبا بكم في بلدكم الثاني المغرب، حبذا لو تعرفونا أولا عن دوافع زيارتكم إلى المغرب؟
تدخل هذه الزيارة التي نقوم بها إلى بلدنا الثاني، أو الشق الثاني من بلدنا الأكبر المغرب هو الاطلاع على المناهج التربوية وطرق التدريس المنتهجة في هذا البلد الحبيب، الذي له حضارة عريقة ضالعة في التاريخ، والاطلاع على كيفية دمج التعليم الشرعي بشقيه، كما هو معروف بالمغرب: التعليم العتيق والتعليم الأصيل في بلد يتميز بخبرة طويلة في مجال البحث، في التعليم العام، أو ما يسمى بالتعليم العصري، وإن كانت هذه مصطلحات لنا عليها بعض التحفظ، لأنها مصطلحات استعمارية توحي بأن التعليم الإسلامي ليس عاما وليس عصريا، بل هو عام وعصري، ما دمنا نأخذ بمفهوم المخالفة ونحن سنيون.
والهدف من الزيارة، كوننا ننتمي إلى مؤسسة علمية عريقة في التعليم الشرعي بموريتانيا (المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية)، أن نطلع على كيف يمكن للمواد الشرعية أن تدخل إطار التدريس المعاصر، وكيف يستطيع مدرس هذه المواد أن يستفيد من القدرات الهائلة التي أنتجها العلم الحديث في واقعنا اليوم، وما قابلية التعليم الشرعي لتطبيق المعايير التربوية الحديثة التي أصبحت من المتعارف عليها اليوم.
وفي هذا الصدد، وربطا لماضي العلاقة الثقافية ما بين البلدين، قمنا بزيارة إلى جامعة محمد الخامس، واستقبلنا، فيها حقيقة وبدون مواربة، بشكل من العفوية والإخاء والاستعداد، فالمسؤولون ضحوا بأوقاتهم لتيسير اللقاء بالمسؤولين التربويين المكلفين بتكويننا في مجال طرق البحث.
وقد زرنا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية واطلعنا على مناهجها بخصوص دمج التعليم العتيق وما هي الخطوات المتبعة في هذا المجال، ورأينا في المغرب كيف تحولت المحظرة إلى جامعة. والنموذج هو جامع القرويين، والذي إن تأنث في اسمه، لم يتأنث في مضمونه، لأنه تحول إلى جامعة وأصبح متطورا، وأصبحت له كليات بتطوان ومراكش وأيضا بفاس.ونحن في موريتانيا، نرجو من الله تعالى أن يعيننا وأن تتهيأ لنا الظروف لتحويل المحاظر الموريتانية المتجذرة تاريخيا والموجودة في وضع بيئي صعب جدا إلى جامعات أسوة بما فعله إخواننا المغاربة.
تحدثتم عن المحاظر، هل لكم أن تشرحوا للقارئ الكريم أسلوب اشتغال هذه المؤسسة الشرعية في موريتانيا؟
لعلي لم أطلع كثيرا على ما يسمى بمؤسسات التعليم العتيق بالمغرب، الذي هو المحضرة عندنا، وإذا عدتَ إلى الأصل الاشتقاقي لهذه الكلمة نجده يعني: محضرة أو محظرة، فالأولى يُحاضَر فيها وتشكل في حد ذاتها حاضرة، لأنها تحب الاستقرار، وهي مَعْلمة الاستقلال بموريتانيا، وإن شئت سميتها محظرة، من الحظر على فعل شيء والالتزام بشيء آخر.
وعلى كل حال، فهي أول مؤسسة عرف بها التعليم بموريتانيا، والبدايات الأولى لها كان الرباط الذي أقامه عبد الله بن ياسين القادم من المغرب (فترة المرابطين)، وهو تعليم متميز، لأنه لا يكلف الدولة أعباء مادية، رغم أنه يخرج علماء ومفكرين ومثقفين وشعراء وحتى رجال السياسة، لأن الساسة عندنا تخرجوا من المحظرة، وتعلموا فيها كيف يعاملون الناس معاملة حسنة، وكيف يقومون بحقوق الناس.
ورغم هذا الإنتاج العلمي الكبير، فإن المجهود والدعم الذي تقدمه الدولة لها يبقى طفيفا جدا، فهي تعطي ولا تأخذ، تمد بالمثقفين والكوادر والدعاة والساسة دون أن تنال شيئا، بخلاف التعليم النظامي في عصرنا، فرغم ما يُنفَق عليه من أموال، وما يخصص له من طاقات، فهو يثقل كاهل البلاد، والنتيجة تكون إذا ما قورنت بقدر ما يبذل له متواضعة، وصدق شاعرنا حين قال:
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة
بها نبين دين الله تبيانا
وقد يستغرب اتخاذ ظهر الناقة مدرسة، والأمر في موريتانيا صحيح، إذ حولنا بالإرادة ظهر العيس مدرسة وحولنا ظل الشجرة إلى جامعة، وحولنا الحطب إلى كهرباء يقرأ الناس عليه 24 ساعة على 24 ساعة، لا يملون ولا يفترون، وغرضهم هو التعليم. والمحظرة تحتاج إلى من يعينها ومن يؤطرها ويصقل مناهجها، وإلى من يدمج طلبتها في الحياة العامة، رغم أنها تحظى بعناية كبيرة لدى مجتمعنا.
ونرجو الله تعالى أن يهيء ظروف ذلك، ومما استفدناه خلال هذه الزيارة أو هذا التكوين أننا رأينا أن الآفاق غير مسدودة أمام تطوير المحظرة، ولا شك أن هناك إشكالين في الأفق عندما نتحدث عن تطوير المحظرة: كيف يمكن تطويرها؟ وهل ستحافظ على منهجها الأصيل المعروف، ويكون التطوير في الشكل فقط، بأن تجعل لها أقسام الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي؟ أو يكون التطوير في المنهج؟
وإذا كان التحديث في المنهج، ما هي السنة التي يمكن أن ندخلها من المواد العصرية؟، فإذا أدخلنا نسبة كبيرة من المواد العصرية، سنفقد أصالتنا ونصير في وضعية التعليم العصري، وإذا حافظنا على التعليم الديني بكل تخصصاته، وألغينا التعليم العصري، نكون قد قدمنا للناس طريقة كيف يموتون بها، ولم نستطع أن نقدم لهم طريقة كيف يعيشون بها، وهما احتمالان أو طرفان في المعادلة يحتاجان إلى تأمل، وأعتقد أن الأنسب في هذا أن تكون المحظرة محافظة على مناهجها التربوية القديمة، ومع ذلك نضيف بقدرالحاجة مواد متخصصة مثل الرياضيات وعلم الاجتماع كمبادئ عامة حتى يكون للطالب مفاتيح هذه العلوم.
والمحظرة الآن تصارع من أجل البقاء، فهي تتعرض لغزو من وسائل الإعلام والمناهج الحديثة والفضائيات، وأيضا بسبب انصراف الشباب عنها، فما دامت المحظرة لم تتحول إلى محيط العالم العربي والإسلامي، ويدمج خريجوها في الحياة النشيطة، لا يمكن أن نتحدث عن آفاق واعدة لهذا التعليم، لأنه إذا شعر الطالب بأن تعلمه في المحظرة لمدة عشرين سنة لا يشفع له أن يجد طريقا لدخول سوق العمل، فإنه سيتأثر بذلك، رغم وجود علماء أكفاء بها، ووجود طلاب يتوقون إلى الموسوعية، والموسوعية عندنا في موريتانيا هي الميزة الأساسية للمحظرة.
ولكن ما هي حدود هذه الحاجة؟
الحاجة تتحدد من خلال الواقع الذي نعيش فيه، ففي عصرنا اليوم هناك بعض الأشياء التي لا تعتبر حاجة بمعيار أهل الأصول، وإنما أقول ضرورة مثل اللغة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال لطالب معين أن يكون قاضيا أو أستاذا كاملا مفيدا، إذا لم يكن يعرف لغات أخرى، لأن الأستاذ الذي لا يتقن الفرنسية لا يستطيع أن يبيع ويشتري، وكذلك أيضا المعلوميات أو المعلوماتية، (وأفضل ما عرفته هنا بالمغرب هو تسميتها بالمعلوميات، فهي تمكن الطالب أو الباحث من الاطلاع على ما كتبه البخاري أو مسلم من خلال قرص يتم إدخاله في الجهاز)، وكذلك أيضا أن تكون له خلفية عن الطب وعلم الاجتماع، ولكن في حدود حتى لا نشتغل بما اشتغل به الآخرون، ويكون الاسلام مجرد شعار خداع للجماهير، أي أن تصبحمحظرة إسلامية ولكنها لا تُعَلم إلا علم الاجتماع، وهذا ليس بصحيح.
وبالمقابل، لا ينبغي أن تبقى مرتكزة على ذاتها لا تعلم إلا القرآن وكتب الحديث، والأفضل أن تعلمهما بنسبة 70 بالمائة، وتنفتح على المواد الأخرى في الثلاثين الباقية.
بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر، تعالت صيحات هنا وهناك لتجديد التعليم الديني، ماأثر ذلك على المؤسسات التعليمية الموريتانية؟
بتحفظ، فإن التضييق يولد الاتساع كما يقال، فتطوير الخطاب الديني ومناهج التعليم الديني هذه كلها أمور براقة وجذابة، وصدق علي رضي الله عنه عندما قال: كلمة حق يراد بها باطل، ولا يمكن لأي إنسان أن يبلغ من السفاسف حتى يقول لمسلم:نريدكم أن تتخلوا عن دينكم، لكن سيقولون:نريدكم أن تطوروا أنتم مناهجكم.والسؤال هو: بأي مقياس وعلى أية طريقة يتم التطوير؟
فقضية تطوير الخطاب الديني والمناهج التربوية إذا قام عليها أناس أكفاء خيرون ومحصنون دينا وثقافة، فالمسألة لا حرج فيها، لأن الله تعالى، كما جاء في الحديث الشريف، يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، والتجديد لا يعني إزالة البناية كلها.
وقضية تطوير التعليم أو المناهج التعليمية مسألة تحتاج إلى تأمل قبل الدخول فيها، لأنه يمكن أن يدخل منها العدو ويفسد كل شيء، وتصبح المحاظر تدرس كل أمر مخالف للدين بحجة تطوير التعليم الديني.
فالسياسة تطورت وألغي الدين منها، وتطورت الثقافة وأبعدت الثقافة الاسلامية منها، وطور علم الاجتماع فأصبحنا رغم كوننا قادة للعالم في هذا العلم نستورد نظريات الآخرين فيه.
وكل هذا حصل بسبب هذا التطوير، ولا ننتظر بحال من الأحوال أن يأتي أحد ويطلب منا التنازل عن ديننا، ولكن سيطلب منا الذهاب إلى عالمه وثقافته، وسيقولونها بهذه الطريقة باسم الحداثة، والمسلمون واعون بذلك، ولديهم ما يكفي من العقل والدين، وديننا لا يخاطب إلا العقلاء، ولا يكون الفرد عنده مكلفا حتى يكون عاقلا، فهو بذلك دين عقلاني يقبل التطور.
وفي القرآن الكريم، هناك حوالي 500 آية تشير إلى العقل بطريقة أو أخرى، والقرآن علمنا أن الانسان إذا أهمل عقله أصبح مثل البهيمة: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}، وأبعد من هذا، ربط الله تعالى دخول النار بعدم إعمال العقل: {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}، والدين عندنا يمجد العقل، وفي التاريخ البشري لم توجد حضارة حسب علمي والله أعلم ارتبط نهوضها ورقيها العمراني بالعقل إلا الحضارة الإسلامية. فكلما ازداد تمسك الناس بالدين كلما ازداد رقيهم، وكلما ابتعد الناس عن الدين كلما انهارت حضارتهم.
وأعتقد أن هذه المناهج التي عندنا فيها الكفاية، ولله الحمد، ويجب فقط أن نهذبها، ونعصرنها لتخاطب الآخر، ونحصنها أيضا، ولدينا مكتبة خاصة شعارها: التحصيل من أجل التحصين، فالتحصيل العلمي من أجل التحصين أولا، فإنك لا تستطيع أن تناقش الآخر بجسم مهترئ ضعيف يمكن أن تغزوه الطفيليات، إذ لا بد من ثقافة تحصن ثم بعد ذلك تحاور الآخر.
لا شك أن بين المغرب وموريتانيا تعاونا علميا وثقافيا وطيدا، فما هي آفاق هذا التعاون؟
هي والحمد لله آفاق واعدة، وللمغرب أكثر من علاقة بينه وبين موريتانيا؛ فالدين واحد، والمحيط الجغرافي واحد، والعادات في أكثرها عادات واحدة، والمذهب المالكي (مالك بن أنس، وليس مالك كما يصورونه) واحد، فنحن مالكيون مذهبا وعقيدة أيضا، لأن مالك عنده عقيدة وليس مذهبا، وهذا ما يفوت على كثير من الناس، فالبعض يدعو إلى مالك، ولا يدعو إلى عقيدة مالك رحمه الله، كما أن الطرق الصوفية في بلدينا معا متشابهة أيضا.
لكن، ومن أجل أن يظل هذا التعاون معطاء ومنتجا، ينبغي أن يكون هدفنا جميعا المحافظة على أكبر عامل من وحدتنا وهو عامل الدين واللغة العربية، لأن البعض لديهم حساسية من اللغة العربية، فهي وسيلة للتعارف، ولا بد أن تبقى محترمة، ولنحترم هذه اللغة جميعنا مغاربة وموريتانيين ..
حديثنا عن اللغة العربية يجرنا إلى سؤالكم عن أثر التدخل الفرنكفوني في موريتانيا؟
ظاهرة الفرنكفونية ظاهرة عالمية، والمستعمر رغم رحيله عنا، فهو في بعض البلدان رحل قهرا وفي بعضها رحل طواعية، إلا أنه لم يرحل من مناهجنا، وكل ما قمنا به أننا حررنا الوطن، لكننا فشلنا في تحرير المواطن، إذ لم يتحرر إلى الآن، وغدا كل ما جاء من الحضارة الأوروبية هو علامة على الرقي والازدهار في طريقة اللباس والكلام والكتابة أيضا.
عرفت منطقة شنقيط كمنارة للعلم والعلماء، هل ما يزال هذا التوهج العلمي حاضرا؟
شنقيط ما زالت قريبة من سابق عهدها، وهناك بعض العوامل، التي أثرت في هذا التوهج كما تسميه. ففي التسعينيات كان لكارثة الجفاف آثار اجتماعية وثقافية على السكان، أدت إلى هجرة كبيرة للناس إلى التقري، فضعف التزام الناس، ورغم ذلك بقيت المحاظر تؤدي دورها الثقافي في موريتانيا، فلا يتصور وجود مثقف مرموق لم يتخرج من المحظرة، ولدينا في البلاد البيوت محاظر ، فالأم محظرة تدرس الأبناء، والأب محظرة، والمحيط الاجتماعي أيضا، وعندنا بعض الأعراف والتقاليد ترسخ فكرة أنه من لم يتعلم في المحظرة، لا يمكن أن يكون محل ثقة من الناس خصوصا لدى بعض الطبقات الاجتماعية.
كلمة أخيرة توجهونها إلى إخوانكم في المغرب؟
إن كان لي من كلمة أخيرة، فما لي إلا أن أشكر جريدة التجديد، وأتمنى لها التوفيق، وتوسيع توزيعها حتى تكون متوفرة في يد الطالب الموريتاني، والمهتم بالشأن المغاربي والمغربي بصفة خاصة.ونشكر بعض الأساتذة الكرماء، الذين تلقونا في المغرب بكل حفاوة، وبذلوا كامل وقتهم، ومنهم الدكتور العربي بوسلهام، رئيس وحدة الدراسات الإسلامية بالجامعة، لأنه أفادنا كثيرا خلال هذه الزيارة، كما أشكر جميع العاملين في جامعة محمد الخامس بالرباط، خاصة رئيس الجامعة ونائبه.
وأشكركم على جهودكم في تجديد الرأي، فعنوان الجريدة براق وجديد، غير أن المهمة صعبة تحتاج إلى جيل يحمل الراية والمسؤولية، وأنتم بحول الله تعالى أهل لذلك.
المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية في سطور
المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية هو مؤسسة جامعية ذات طابع عمومي وإداري تضطلع بدور محظري في تحديد الدراسة الجامعية والبحث العلمي في مجال العلوم الإسلامية وذلك من خلال استيعاب ودمج الشيوخ وطلبة المحاظر (الجامعات التقليدية) ومدهم بالرؤى العصرية الصحيحة لمستجدات الفكر الإسلامي مع مزيد تعميق الدراسة والبحث لديهم في قضايا الشريعة والأدب والتاريخ واللغة والقانون.
الأسرة التربوية
تضم الأسرة التربوية والإدارية للمعهد بالإضافة إلى الإدارة والطلاب هيئة تدريس ذات كفاءة مشهودة تحدد طبيعة الرغبة الصارمة في المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة إذ تتألف هيئة التدريس هذه من قسمين :
-الشيوخ: وهم الشخصيات العلمية ذات التكوين المحظري البحت وتتميز هذه الشخصيات بكونها موسوعات في العلوم المحظرية والتقليدية في الفقه وأصوله واللغة والأدب والتفسير والحديث والبلاغة.
-الدكاترة: وهم الأساتذة الذين تكونوا في النموذج الجامعي النظامي وحصلوا على شهادات عليا في العلوم الإسلامية والعربية ولهم كفاءات علمية كثيرة لا تقل شأنا عن سابقيهم وهم يشكلون الأغلبية في طاقم تدريس المعهد.
ويتم توجيه الطلاب إلى المعهد رغبة في تكوينهم تكوينا إسلاميا من أجل أن يعدوا لدخول الحياة المهنية حسب الحاجيات الوطنية في المجالات الإسلامية، إذ يشتغل خريجو المعهد من الطلبة في مجالات التدريس بالثانويات العامة أو في مجال القضاء أو مجالات الإعلام والإمامة والإرشاد الديني والإفتاء.
مدة الدراسة والشعب
مدة الدراسة في المعهد أربع سنوات يتم بعدها منح الطالب الإجازة العامة في علوم الشريعة ولابد في السنة الرابعة من أن يعد الطالب بحث تخرج وأن لا يقل معدله العام عن 12 من 20 .
لمزيد من المعلومات يراجع موقع المعهد على الأنترنيتwww.iseri.mr


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.