"التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على مختلف المستويات وغيَّبت مكافحة الفساد لأنها واقعة في تضارب مصالح    حرب الإبادة على غزة.. مقتل 54 فلسطينيا بغارات إسرائيلية على منازل ومدرسة وخيام نازحين    جمال موسيالا يغيب لفترة طويلة بسبب كسر في الشظية    «وليتي ديالي»… إبداع جديد في مسيرة نصر مكري    باسو يشعل الدار البيضاء ب»أتوووووت» بعد نجاح جولته بين باريس ومراكش    لماذا النبش في علاقة الجدلية بين المسرح والديبوماسية، في الدورة 37 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء    الكاف تعتذر عن خطأ خريطة المغرب في بث افتتاح "كان" السيدات    كأس إفريقيا للسيدات.. فيلدا: قتالية اللاعبات كانت حاسمة لانتزاع التعادل أمام زامبيا    اللاعب المغربي محمد أوناجم ينضم إلى نادي كهرباء الإسماعيلية    فوضى عاشوراء .. انفجارات ومواجهات تثير الرعب    السلطات تُغلق مخيمي "بن صميم" و"خرزوزة" بإفران بسبب افتقارهما لشروط السلامة    مصرع خمسيني في بني ملال بعد سقوطه من الطابق الخامس خلال معاينة شقة    حادثة اختفاء مركب الصيد "إيكلانتين" تثير جدلاً واسعاً بعد ظهوره في إسبانيا ومنح طاقمه حق اللجوء    السغروشني تكشف ل"ديكريبطاج": المغرب يطوّر نموذجًا ذكائيًا توليديًا خاصًا ويستعد لإصدار أول قانون وطني للذكاء الاصطناعي    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية القمر الاتحادية بمناسبة العيد الوطني لبلاده    مفاوضات جديدة مرتقبة في الدوحة حول وقف لإطلاق النار في غزة    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم للسيدات 'المغرب 2024': المنتخب الوطني المغربي يتعادل مع نظيره الزامبي '2-2'    توقعات طقس الأحد بالمغرب    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تكساس إلى 50 قتيلا بينهم 15 طفلا    إغلاق مقاهي شهيرة في طنجة إثر عمليات مراقبة مباغتة    ريان إير تعلن عن تعديل جديد يخص أمتعة المسافرين            الحوثيون يقصفون مطار "بن غوريون" في إسرائيل    مشروع طرقي ضخم لتحسين الوصول إلى ملعب الحسن الثاني ببنسليمان    حكيمي يواصل التألق بمونديال الأندية        منتج الكبّار .. تعاونيات تبدع طرقا جديدة للتثمين وأقاليم تتلمّس الطريق    ميسي يقود إنتر ميامي إلى فوز كبير في عودته إلى الدوري الأميركي    "حزب الله" يرفض التخلي عن السلاح    "حزب سانشيز" يمنع أعضاءه من الاستعانة بخدمات بائعات الهوى    "الطعريجة".. رمز متجذر في احتفالات المغاربة بعاشوراء    المغرب يراهن على مليون سائح صيني بحلول 2030    في حوار مع الدار.. الخبير الدولي الصيني برنارد سوك: الصحراء أرض مغربية    إشهار ترويجي لشركة المراهنات "1xBet" يُظهر خريطة المغرب مبتورة على القناة الرياضية يثير الجدل (صورة)    تخريب شبكة المياه يتسبب في احتمال إغلاق المسبح البلدي بمكناس    المؤسسات والمقاولات العمومية.. زغنون يدعو إلى حوار إستراتيجي بين القطاعين العام والخاص    القهوة تكشف سرا جديدا.. "إكسير الشباب" يعزز صحة الأمعاء ببكتيريا نافعة    بومداسة يوقع "إثنوغرافيا الدرازة الوزانية"    الهيمنة المسمومة .. كيف دفعت الصين ثمناً باهضاً للسيطرة على المعادن النادرة    كارثة رقمية محتملة .. ثغرة خطيرة تهدد آلاف المواقع المغربية    مدينة الحاجب تحتفي بعيد العرش في سهرة فنية بمشاركة Mos Kadiri    نداء من أجل تأسيس مجلس مغاربي للثقافة موجه إلى وزراء الثقافة المغاربيين        رفع اللواء الأزرق بميناء مارينا سمير وأربعة شواطئ تابعة لعمالة المضيق-الفنيدق    إخلاء طائرة رايان إير في مايوركا بسبب إنذار كاذب وإصابات طفيفة بين الركاب    الوعي الزائف:رسالة إلى امرأة تسكنها الأوهام!    بيان تضامني مع المعتقلة سعيدة العلمي صادر عن هيئات ومنظمات حقوقية وسياسية في أوروبا الغربية    غويركات يرثي محمد بهضوض.. "الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم"    جامعة محمد السادس تشارك في ابتكار جهاز ينتج المياه العذبة من الهواء دون مصدر طاقة خارجي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الأمين بن الطالب، الأستاذ بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بموريتانيا، ل"التجديد": الدين واللغة العربية أهم عوامل الوحدة بين المغرب وموريتانيا
نشر في التجديد يوم 29 - 12 - 2005

خلال الأيام القليلة الماضية، زار المغرب وفد علمي من أساتذة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بموريتانيا في إطار التواصل والتعاون الثقافي والأكاديمي بين هذه المؤسسة وجامعة محمد الخامس بالرباط في مجال التكوين في طرق التدريس. وحول دواعي الزيارة إلى المغرب وعمل المؤسسات الدينية بالجارة موريتانيا، أجرت التجديد هذا الحوار مع الأستاذ محمد الأمين بن الطالب وهو أستاذ الفقه وأصوله بالمعهد نيابة عن زملائه:
مرحبا بكم في بلدكم الثاني المغرب، حبذا لو تعرفونا أولا عن دوافع زيارتكم إلى المغرب؟
تدخل هذه الزيارة التي نقوم بها إلى بلدنا الثاني، أو الشق الثاني من بلدنا الأكبر المغرب هو الاطلاع على المناهج التربوية وطرق التدريس المنتهجة في هذا البلد الحبيب، الذي له حضارة عريقة ضالعة في التاريخ، والاطلاع على كيفية دمج التعليم الشرعي بشقيه، كما هو معروف بالمغرب: التعليم العتيق والتعليم الأصيل في بلد يتميز بخبرة طويلة في مجال البحث، في التعليم العام، أو ما يسمى بالتعليم العصري، وإن كانت هذه مصطلحات لنا عليها بعض التحفظ، لأنها مصطلحات استعمارية توحي بأن التعليم الإسلامي ليس عاما وليس عصريا، بل هو عام وعصري، ما دمنا نأخذ بمفهوم المخالفة ونحن سنيون.
والهدف من الزيارة، كوننا ننتمي إلى مؤسسة علمية عريقة في التعليم الشرعي بموريتانيا (المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية)، أن نطلع على كيف يمكن للمواد الشرعية أن تدخل إطار التدريس المعاصر، وكيف يستطيع مدرس هذه المواد أن يستفيد من القدرات الهائلة التي أنتجها العلم الحديث في واقعنا اليوم، وما قابلية التعليم الشرعي لتطبيق المعايير التربوية الحديثة التي أصبحت من المتعارف عليها اليوم.
وفي هذا الصدد، وربطا لماضي العلاقة الثقافية ما بين البلدين، قمنا بزيارة إلى جامعة محمد الخامس، واستقبلنا، فيها حقيقة وبدون مواربة، بشكل من العفوية والإخاء والاستعداد، فالمسؤولون ضحوا بأوقاتهم لتيسير اللقاء بالمسؤولين التربويين المكلفين بتكويننا في مجال طرق البحث.
وقد زرنا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية واطلعنا على مناهجها بخصوص دمج التعليم العتيق وما هي الخطوات المتبعة في هذا المجال، ورأينا في المغرب كيف تحولت المحظرة إلى جامعة. والنموذج هو جامع القرويين، والذي إن تأنث في اسمه، لم يتأنث في مضمونه، لأنه تحول إلى جامعة وأصبح متطورا، وأصبحت له كليات بتطوان ومراكش وأيضا بفاس.ونحن في موريتانيا، نرجو من الله تعالى أن يعيننا وأن تتهيأ لنا الظروف لتحويل المحاظر الموريتانية المتجذرة تاريخيا والموجودة في وضع بيئي صعب جدا إلى جامعات أسوة بما فعله إخواننا المغاربة.
تحدثتم عن المحاظر، هل لكم أن تشرحوا للقارئ الكريم أسلوب اشتغال هذه المؤسسة الشرعية في موريتانيا؟
لعلي لم أطلع كثيرا على ما يسمى بمؤسسات التعليم العتيق بالمغرب، الذي هو المحضرة عندنا، وإذا عدتَ إلى الأصل الاشتقاقي لهذه الكلمة نجده يعني: محضرة أو محظرة، فالأولى يُحاضَر فيها وتشكل في حد ذاتها حاضرة، لأنها تحب الاستقرار، وهي مَعْلمة الاستقلال بموريتانيا، وإن شئت سميتها محظرة، من الحظر على فعل شيء والالتزام بشيء آخر.
وعلى كل حال، فهي أول مؤسسة عرف بها التعليم بموريتانيا، والبدايات الأولى لها كان الرباط الذي أقامه عبد الله بن ياسين القادم من المغرب (فترة المرابطين)، وهو تعليم متميز، لأنه لا يكلف الدولة أعباء مادية، رغم أنه يخرج علماء ومفكرين ومثقفين وشعراء وحتى رجال السياسة، لأن الساسة عندنا تخرجوا من المحظرة، وتعلموا فيها كيف يعاملون الناس معاملة حسنة، وكيف يقومون بحقوق الناس.
ورغم هذا الإنتاج العلمي الكبير، فإن المجهود والدعم الذي تقدمه الدولة لها يبقى طفيفا جدا، فهي تعطي ولا تأخذ، تمد بالمثقفين والكوادر والدعاة والساسة دون أن تنال شيئا، بخلاف التعليم النظامي في عصرنا، فرغم ما يُنفَق عليه من أموال، وما يخصص له من طاقات، فهو يثقل كاهل البلاد، والنتيجة تكون إذا ما قورنت بقدر ما يبذل له متواضعة، وصدق شاعرنا حين قال:
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة
بها نبين دين الله تبيانا
وقد يستغرب اتخاذ ظهر الناقة مدرسة، والأمر في موريتانيا صحيح، إذ حولنا بالإرادة ظهر العيس مدرسة وحولنا ظل الشجرة إلى جامعة، وحولنا الحطب إلى كهرباء يقرأ الناس عليه 24 ساعة على 24 ساعة، لا يملون ولا يفترون، وغرضهم هو التعليم. والمحظرة تحتاج إلى من يعينها ومن يؤطرها ويصقل مناهجها، وإلى من يدمج طلبتها في الحياة العامة، رغم أنها تحظى بعناية كبيرة لدى مجتمعنا.
ونرجو الله تعالى أن يهيء ظروف ذلك، ومما استفدناه خلال هذه الزيارة أو هذا التكوين أننا رأينا أن الآفاق غير مسدودة أمام تطوير المحظرة، ولا شك أن هناك إشكالين في الأفق عندما نتحدث عن تطوير المحظرة: كيف يمكن تطويرها؟ وهل ستحافظ على منهجها الأصيل المعروف، ويكون التطوير في الشكل فقط، بأن تجعل لها أقسام الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي؟ أو يكون التطوير في المنهج؟
وإذا كان التحديث في المنهج، ما هي السنة التي يمكن أن ندخلها من المواد العصرية؟، فإذا أدخلنا نسبة كبيرة من المواد العصرية، سنفقد أصالتنا ونصير في وضعية التعليم العصري، وإذا حافظنا على التعليم الديني بكل تخصصاته، وألغينا التعليم العصري، نكون قد قدمنا للناس طريقة كيف يموتون بها، ولم نستطع أن نقدم لهم طريقة كيف يعيشون بها، وهما احتمالان أو طرفان في المعادلة يحتاجان إلى تأمل، وأعتقد أن الأنسب في هذا أن تكون المحظرة محافظة على مناهجها التربوية القديمة، ومع ذلك نضيف بقدرالحاجة مواد متخصصة مثل الرياضيات وعلم الاجتماع كمبادئ عامة حتى يكون للطالب مفاتيح هذه العلوم.
والمحظرة الآن تصارع من أجل البقاء، فهي تتعرض لغزو من وسائل الإعلام والمناهج الحديثة والفضائيات، وأيضا بسبب انصراف الشباب عنها، فما دامت المحظرة لم تتحول إلى محيط العالم العربي والإسلامي، ويدمج خريجوها في الحياة النشيطة، لا يمكن أن نتحدث عن آفاق واعدة لهذا التعليم، لأنه إذا شعر الطالب بأن تعلمه في المحظرة لمدة عشرين سنة لا يشفع له أن يجد طريقا لدخول سوق العمل، فإنه سيتأثر بذلك، رغم وجود علماء أكفاء بها، ووجود طلاب يتوقون إلى الموسوعية، والموسوعية عندنا في موريتانيا هي الميزة الأساسية للمحظرة.
ولكن ما هي حدود هذه الحاجة؟
الحاجة تتحدد من خلال الواقع الذي نعيش فيه، ففي عصرنا اليوم هناك بعض الأشياء التي لا تعتبر حاجة بمعيار أهل الأصول، وإنما أقول ضرورة مثل اللغة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال لطالب معين أن يكون قاضيا أو أستاذا كاملا مفيدا، إذا لم يكن يعرف لغات أخرى، لأن الأستاذ الذي لا يتقن الفرنسية لا يستطيع أن يبيع ويشتري، وكذلك أيضا المعلوميات أو المعلوماتية، (وأفضل ما عرفته هنا بالمغرب هو تسميتها بالمعلوميات، فهي تمكن الطالب أو الباحث من الاطلاع على ما كتبه البخاري أو مسلم من خلال قرص يتم إدخاله في الجهاز)، وكذلك أيضا أن تكون له خلفية عن الطب وعلم الاجتماع، ولكن في حدود حتى لا نشتغل بما اشتغل به الآخرون، ويكون الاسلام مجرد شعار خداع للجماهير، أي أن تصبحمحظرة إسلامية ولكنها لا تُعَلم إلا علم الاجتماع، وهذا ليس بصحيح.
وبالمقابل، لا ينبغي أن تبقى مرتكزة على ذاتها لا تعلم إلا القرآن وكتب الحديث، والأفضل أن تعلمهما بنسبة 70 بالمائة، وتنفتح على المواد الأخرى في الثلاثين الباقية.
بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر، تعالت صيحات هنا وهناك لتجديد التعليم الديني، ماأثر ذلك على المؤسسات التعليمية الموريتانية؟
بتحفظ، فإن التضييق يولد الاتساع كما يقال، فتطوير الخطاب الديني ومناهج التعليم الديني هذه كلها أمور براقة وجذابة، وصدق علي رضي الله عنه عندما قال: كلمة حق يراد بها باطل، ولا يمكن لأي إنسان أن يبلغ من السفاسف حتى يقول لمسلم:نريدكم أن تتخلوا عن دينكم، لكن سيقولون:نريدكم أن تطوروا أنتم مناهجكم.والسؤال هو: بأي مقياس وعلى أية طريقة يتم التطوير؟
فقضية تطوير الخطاب الديني والمناهج التربوية إذا قام عليها أناس أكفاء خيرون ومحصنون دينا وثقافة، فالمسألة لا حرج فيها، لأن الله تعالى، كما جاء في الحديث الشريف، يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، والتجديد لا يعني إزالة البناية كلها.
وقضية تطوير التعليم أو المناهج التعليمية مسألة تحتاج إلى تأمل قبل الدخول فيها، لأنه يمكن أن يدخل منها العدو ويفسد كل شيء، وتصبح المحاظر تدرس كل أمر مخالف للدين بحجة تطوير التعليم الديني.
فالسياسة تطورت وألغي الدين منها، وتطورت الثقافة وأبعدت الثقافة الاسلامية منها، وطور علم الاجتماع فأصبحنا رغم كوننا قادة للعالم في هذا العلم نستورد نظريات الآخرين فيه.
وكل هذا حصل بسبب هذا التطوير، ولا ننتظر بحال من الأحوال أن يأتي أحد ويطلب منا التنازل عن ديننا، ولكن سيطلب منا الذهاب إلى عالمه وثقافته، وسيقولونها بهذه الطريقة باسم الحداثة، والمسلمون واعون بذلك، ولديهم ما يكفي من العقل والدين، وديننا لا يخاطب إلا العقلاء، ولا يكون الفرد عنده مكلفا حتى يكون عاقلا، فهو بذلك دين عقلاني يقبل التطور.
وفي القرآن الكريم، هناك حوالي 500 آية تشير إلى العقل بطريقة أو أخرى، والقرآن علمنا أن الانسان إذا أهمل عقله أصبح مثل البهيمة: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}، وأبعد من هذا، ربط الله تعالى دخول النار بعدم إعمال العقل: {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}، والدين عندنا يمجد العقل، وفي التاريخ البشري لم توجد حضارة حسب علمي والله أعلم ارتبط نهوضها ورقيها العمراني بالعقل إلا الحضارة الإسلامية. فكلما ازداد تمسك الناس بالدين كلما ازداد رقيهم، وكلما ابتعد الناس عن الدين كلما انهارت حضارتهم.
وأعتقد أن هذه المناهج التي عندنا فيها الكفاية، ولله الحمد، ويجب فقط أن نهذبها، ونعصرنها لتخاطب الآخر، ونحصنها أيضا، ولدينا مكتبة خاصة شعارها: التحصيل من أجل التحصين، فالتحصيل العلمي من أجل التحصين أولا، فإنك لا تستطيع أن تناقش الآخر بجسم مهترئ ضعيف يمكن أن تغزوه الطفيليات، إذ لا بد من ثقافة تحصن ثم بعد ذلك تحاور الآخر.
لا شك أن بين المغرب وموريتانيا تعاونا علميا وثقافيا وطيدا، فما هي آفاق هذا التعاون؟
هي والحمد لله آفاق واعدة، وللمغرب أكثر من علاقة بينه وبين موريتانيا؛ فالدين واحد، والمحيط الجغرافي واحد، والعادات في أكثرها عادات واحدة، والمذهب المالكي (مالك بن أنس، وليس مالك كما يصورونه) واحد، فنحن مالكيون مذهبا وعقيدة أيضا، لأن مالك عنده عقيدة وليس مذهبا، وهذا ما يفوت على كثير من الناس، فالبعض يدعو إلى مالك، ولا يدعو إلى عقيدة مالك رحمه الله، كما أن الطرق الصوفية في بلدينا معا متشابهة أيضا.
لكن، ومن أجل أن يظل هذا التعاون معطاء ومنتجا، ينبغي أن يكون هدفنا جميعا المحافظة على أكبر عامل من وحدتنا وهو عامل الدين واللغة العربية، لأن البعض لديهم حساسية من اللغة العربية، فهي وسيلة للتعارف، ولا بد أن تبقى محترمة، ولنحترم هذه اللغة جميعنا مغاربة وموريتانيين ..
حديثنا عن اللغة العربية يجرنا إلى سؤالكم عن أثر التدخل الفرنكفوني في موريتانيا؟
ظاهرة الفرنكفونية ظاهرة عالمية، والمستعمر رغم رحيله عنا، فهو في بعض البلدان رحل قهرا وفي بعضها رحل طواعية، إلا أنه لم يرحل من مناهجنا، وكل ما قمنا به أننا حررنا الوطن، لكننا فشلنا في تحرير المواطن، إذ لم يتحرر إلى الآن، وغدا كل ما جاء من الحضارة الأوروبية هو علامة على الرقي والازدهار في طريقة اللباس والكلام والكتابة أيضا.
عرفت منطقة شنقيط كمنارة للعلم والعلماء، هل ما يزال هذا التوهج العلمي حاضرا؟
شنقيط ما زالت قريبة من سابق عهدها، وهناك بعض العوامل، التي أثرت في هذا التوهج كما تسميه. ففي التسعينيات كان لكارثة الجفاف آثار اجتماعية وثقافية على السكان، أدت إلى هجرة كبيرة للناس إلى التقري، فضعف التزام الناس، ورغم ذلك بقيت المحاظر تؤدي دورها الثقافي في موريتانيا، فلا يتصور وجود مثقف مرموق لم يتخرج من المحظرة، ولدينا في البلاد البيوت محاظر ، فالأم محظرة تدرس الأبناء، والأب محظرة، والمحيط الاجتماعي أيضا، وعندنا بعض الأعراف والتقاليد ترسخ فكرة أنه من لم يتعلم في المحظرة، لا يمكن أن يكون محل ثقة من الناس خصوصا لدى بعض الطبقات الاجتماعية.
كلمة أخيرة توجهونها إلى إخوانكم في المغرب؟
إن كان لي من كلمة أخيرة، فما لي إلا أن أشكر جريدة التجديد، وأتمنى لها التوفيق، وتوسيع توزيعها حتى تكون متوفرة في يد الطالب الموريتاني، والمهتم بالشأن المغاربي والمغربي بصفة خاصة.ونشكر بعض الأساتذة الكرماء، الذين تلقونا في المغرب بكل حفاوة، وبذلوا كامل وقتهم، ومنهم الدكتور العربي بوسلهام، رئيس وحدة الدراسات الإسلامية بالجامعة، لأنه أفادنا كثيرا خلال هذه الزيارة، كما أشكر جميع العاملين في جامعة محمد الخامس بالرباط، خاصة رئيس الجامعة ونائبه.
وأشكركم على جهودكم في تجديد الرأي، فعنوان الجريدة براق وجديد، غير أن المهمة صعبة تحتاج إلى جيل يحمل الراية والمسؤولية، وأنتم بحول الله تعالى أهل لذلك.
المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية في سطور
المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية هو مؤسسة جامعية ذات طابع عمومي وإداري تضطلع بدور محظري في تحديد الدراسة الجامعية والبحث العلمي في مجال العلوم الإسلامية وذلك من خلال استيعاب ودمج الشيوخ وطلبة المحاظر (الجامعات التقليدية) ومدهم بالرؤى العصرية الصحيحة لمستجدات الفكر الإسلامي مع مزيد تعميق الدراسة والبحث لديهم في قضايا الشريعة والأدب والتاريخ واللغة والقانون.
الأسرة التربوية
تضم الأسرة التربوية والإدارية للمعهد بالإضافة إلى الإدارة والطلاب هيئة تدريس ذات كفاءة مشهودة تحدد طبيعة الرغبة الصارمة في المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة إذ تتألف هيئة التدريس هذه من قسمين :
-الشيوخ: وهم الشخصيات العلمية ذات التكوين المحظري البحت وتتميز هذه الشخصيات بكونها موسوعات في العلوم المحظرية والتقليدية في الفقه وأصوله واللغة والأدب والتفسير والحديث والبلاغة.
-الدكاترة: وهم الأساتذة الذين تكونوا في النموذج الجامعي النظامي وحصلوا على شهادات عليا في العلوم الإسلامية والعربية ولهم كفاءات علمية كثيرة لا تقل شأنا عن سابقيهم وهم يشكلون الأغلبية في طاقم تدريس المعهد.
ويتم توجيه الطلاب إلى المعهد رغبة في تكوينهم تكوينا إسلاميا من أجل أن يعدوا لدخول الحياة المهنية حسب الحاجيات الوطنية في المجالات الإسلامية، إذ يشتغل خريجو المعهد من الطلبة في مجالات التدريس بالثانويات العامة أو في مجال القضاء أو مجالات الإعلام والإمامة والإرشاد الديني والإفتاء.
مدة الدراسة والشعب
مدة الدراسة في المعهد أربع سنوات يتم بعدها منح الطالب الإجازة العامة في علوم الشريعة ولابد في السنة الرابعة من أن يعد الطالب بحث تخرج وأن لا يقل معدله العام عن 12 من 20 .
لمزيد من المعلومات يراجع موقع المعهد على الأنترنيتwww.iseri.mr


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.