يوسف العمراني .. القرار 2797 يكرس محورية ووجاهة مخطط الحكم الذاتي كحل نهائي    بايتاس: "صنّاع الفرجة" يروّجون الأكاذيب.. وتجربة "الأحرار" سيُنصفها التاريخ    فتاح تؤكد البعد الاستراتيجي للشراكة الاقتصادية المغربية-الإسبانية    الوالي التازي يضع طنجة على درب المدن الذكية استعداداً لمونديال 2030    ديكتاتور بلا مونتاج .. تسجيل غير صالح للبث    محللون ومدربون اسكتلنديون يقولون: "المغرب هو المنتخب الوحيد.. الذي لم تكن اسكتلندا ترغب في مواجهته إطلاقا"    جمال السلامي: الأهم هو أننا تفادينا مواجهة المغرب في كأس العالم    حادثة الفنيدق‬.. 4 وفيات و8 مصابين    موجة برد قارس بمرتفعات الريف        طنجة .. توقيف رجل هدد بالاعتداء على رجال السلطة في فيديو متداول    العمراني: مجلس جهة الشمال عقد دورة استثنائية صادق فيها على مشاريع واتفاقيات ذات بعد استراتيجي    توقيع ثلاث اتفاقيات لتطوير البنيات التحتية اللوجستية والتجارية بجهة الداخلة–وادي الذهب    القصر الكبير : الإعلامي "إبراهيم بنطالب" يُوَجِّهُ رسالة مستعجلة الى السيد باشا المدينة بتدخل بشأن وضعية دار الثقافة    جمعيات حماية المستهلك تثمن تحرك مجلس المنافسة ضد التلاعب بالأعلاف    لقجع يستقبل دياغنا نداي بالمعمورة    بيبي ميل: المدرب الجديد لاتحاد طنجة لكرة القدم "مقتنع بمشروع اتحاد طنجة"        مصر تدعو إلى نشر قوة دولية بغزة    ستون صورة ومغرب واحد نابض بالعاطفة.. افتتاح استثنائي يكرّس المغرب في ذاكرة الصورة    ريتشارد يحتفي بإطلاق نيالا ويستعد لتمثيل سوريا في الدوحة    لجنة تحكيم ثلاثية دولية لاختيار أفضل عرض سيرك لسنة 2025 بالدورة 7 للمهرجان الدولي لفنون السيرك بخريبكة    الجزائر تستعمل لغة غير لائقة في مراسلاتها الدولية وتكشف تدهور خطابها السياسي    أخنوش: ضخ استثمارات غير مسبوقة في درعة تافيلالت ل7 قطاعات حيوية وخلق آلاف مناصب الشغل    الركراكي: حكيمي يبذل جهداً كبيراً للحاق بالمباراة الأولى في "كان 2025"    11 قتيلا في إطلاق نار بفندق في جنوب أفريقيا    أخنوش من الرشيدية: من يروج أننا لا ننصت للناس لا يبحث إلا عن السلطة    المكتب الشريف للفوسفاط يستثمر 13 مليار دولار في برنامجه الطاقي الأخضر ويفتتح مزرعته الشمسية بخريبكة    وزير الصحة يجدد في طوكيو التزام المغرب بالتغطية الصحية الشاملة    معهد يقدم "تقرير الصحافة 2024"    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى رئيس جمهورية فنلندا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    أخنوش بميدلت لتأكيد سياسة القرب: مستمرون في الإنصات للمواطن وتنزيل الإنجازات الملموسة    الرياح الحارة تؤجج الحرائق في شرق أستراليا    مشعل: نرفض الوصاية على فلسطين    ملاحقات في إيران إثر مشاركة نساء بلا حجاب في ماراثون    أنشيلوتي: مواجهة المغرب هي الأصعب في مجموعتنا في كأس العالم 2026    كأس العالم 2026.. الجزائر تترقب الثأر أمام النمسا    لماذا يُعتبر المغرب خصماً قوياً لمنتخب اسكتلندا؟    سطات .. انطلاق فعاليات الدورة 18 للملتقى الوطني للفنون التشكيلية نوافذ    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.. تكريم حار للمخرج المكسيكي غييرمو ديل تورو    تزنيت : دار إيليغ تستعد لاحتضان ندوة علمية حول موضوع " إسمكان إيليغ بين الامتداد الإفريقي وتشكل الهوية المحلية "    العنف النفسي في المقدمة.. 29 ألف حالة مسجلة ضد النساء بالمغرب    سوس ماسة تطلق برنامجاً ب10 ملايين درهم لدعم الإيواء القروي بمنح تصل إلى 400 ألف درهم لكل منشأة    مرصد مغربي يندد بتمييز زبائن محليين لصالح سياح أجانب ويدعو لتحقيق عاجل    تحذير من "أجهزة للسكري" بالمغرب    طنجة.. وفاة عاملة نظافة بعد دهسها من طرف شاحنة فجراً بالعوامة وفرار السائق    الكلاب الضالة تهدد المواطنين .. أكثر من 100 ألف إصابة و33 وفاة بالسعار        قبل انطلاق كان 2025 .. الصحة تعتمد آلية وطنية لتعزيز التغطية الصحية    الاجتماع رفيع المستوى المغرب–إسبانيا.. تجسيد جديد لمتانة الشراكة الثنائية (منتدى)    "أمريكا أولا"… ترامب يعلن استراتيجية تركز على تعزيز الهيمنة في أمريكا اللاتينية وتحول عن التركيز عن آسيا    تقرير: واحد من كل ثلاثة فرنسيين مسلمين يقول إنه يعاني من التمييز    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل أصبح الكرابة ديكورا تتزين بهم الساحات العمومية؟
نشر في التجديد يوم 14 - 02 - 2008


الكرابة من منا لا يعرفهم، هؤلاء الرجال الذين يتسابق الصغار والأجانب لأخذ صور معهم يدسونها في محفظاتهم أو في كناش ذكرياتهم لعلها تذكرهم بزيارتهم لمدينة تاريخية أو مأثر جميل. كانت الساحات العتيقة تبدو بدونهم عطشى يتلهف روادها إلى شربة ماء مقابل قليل من المال أو كلمة شكر يرحم فيها على آبائهم كما في القول المأثور الله يرحم الوالدين، كما كانت الحوامل تقصدهم لإطفاء عطش الوحم القوي الذي يسكن بداخلهن وكانت قطرة ماء باردة تسكب من قربهم الجلدية كفيلة بأن تعطيهن الأمان والراحة لمدة غير قصيرة. أما اليوم فهؤلاء أصبحوا مجرد قطعة زينة أو ديكور تتزين بهم الساحات بالرغم عنها أو بالرغم منهم لا ندري، كما هي الأماكن السياحة من فنادق ومطاعم تؤثث فضاءاتها بهم من أجل تلبية رغبة عين زائر قادم من وراء البحار يريد رؤية جمال وبساطة الماضي والتقاليد أو إدخال مزيد من البهجة في السرور على نفوس مدعوين لعرس أو غيره.. الكرابة تعرفونهم حتما، إنهم أولئك الذين لا يلبسون مثلكم ولا يأكلون مثلكم ولا ينامون مثلكم، في عز الحر كما في عز الشتاء، لا ترى عليهم غير سراويل حمر مزركشة بأنواع من الخيوط التقليدية، وتلك القربة الكبيرة المصنوعة من جلد الماعز والمزينة بالقطع النقدية القديمة، والناقوس الصغير الذي ينادون به على من يريد شرب الماء، وفوق رؤوسهم قبعات لا تجدها إلا في أسواق نساء الشمال أو تحسبها قادمة من المكسيك، وتعلق بهم طاسات لامعة، لا يملؤونها ماء بقدر ما يتحينون فرصا لبيعها لسياح أجانب يعتقدون أنها من الزمن الغابر. في ساحة جامع الفنا بمراكش كما في ساحة محمد الخامس بالدار البيضاء كما في مناطق وأسواق أخرى من المغرب المديد، لا تجد من هؤلاء غير ابتسامة عريضة ورضى بما قسم الله، لا تسمع منهم إلا عدد 25 و30 و45 و65 سنة وهي المدد التي قضوها في هذه المهنة العجيبة دون أن يوصوا أحدا بمزاولتها. عبيدة لخلفية مازال يتذكر كل الذين مروا من هنا بدءا من بقشيش والصاروخ وغيرهم كثير، هو أحد هؤلاء الذي يفند كل النظريات التي تقول بضرورة الإحالة على التقاعد في سن الستين، فهو في الخامسة والثمانين من عمره بارك الله له فيه، ومازال يحمل كل صباح قربته، ويتزين بملابسه الجميلة المزركشة، ويقصد ساحة جامع الفنا طلبا للرزق. بدأ كرابا في العشرينات من عمره، يوم كان الفرنسيون حسب قوله يفرضون ضريبة الترتيب على الأولاد تقدر بـ 200 ريال للولد وعلى البهائم تقدر بـ 150 ريال، يوم كان لماء الكراب نكهة خاصة، في غياب المياه المعدنية المعلبة، بعض النساء المتوحمات يقصدون الكراب من أجل الارتواء من عطشهن الذي لا ينتهي، أما الآن فتقديم الماء للحوامل ممنوع كما يقول لخليفة لاعتبارات كثيرة مخافة أن يلصق بك تهمة الشعوذة أو غير ذلك، أو بالأحرى لم يعد للنساء غرض في ماء الكراب، فهؤلاء أصبحن يتوحمن على الأناناس ينهي كلامه باسما ثم ضاحكا. يضيف سي أحمد بعدما انتظر وقتا غير قصير من أجل الكلام أيضا، يا بني إن مهنة الكراب مهنة جميلة، وقد يبدأ غنيا ويقدر له أن يجمع قدرا غير يسير من المال، لكنه ما يلبث أن ينتهي متسولا في الشوارع والطرقات، وهاهو صديقي وعشرة عمري قد مات الأسبوع الماضي دون أن يلتفت لوجوده أحد غير أولاده وأحفاده طبعا. التسول تلك هي أكثر الكلمات التي يشمئز منها السي حسين أمين الحرفة بمدينة الدار البيضاء، بالرغم من أن ملامحه تبدي للناظر أن عمره المتوقع أكبر من الواقع، إلا أنه مرت عليه 35 سنة في الحرفة وأن هموما كثيرة تثقل كاهله من هذه الناحية، فهو لا يقبل أن يركب الكراب حافلة أو غيرها من أجل مد اليد إلى الركاب، الظاهرة بدأت تنتشر في المدينة الكبيرة دون أن يتصدى لها أحد، يقول السي حسين بمرارة، مضيفا لقد وجب على السلطات أن تنظم المهنة وتوفر لكل مزاول بطاقة يعرف بها والأماكن التي يعمل بها. هو يتذكر كيف شطب عليهم الورثة من أحد البيوت الذي كان يكتريها 35 كرابا. أما السي إبراهيم فهو يكلمك بساحة محمد الخامس بالبيضاء ويداه لا تكفان عن تلميع طاساته العجيبة بمادة عجيبة تسمى السكلا أو الحديدة الزرقا وقليل من الغاز السائل. تلك هي سمعتنا، يضيف بكل فخر، كلما كانت الطاسات لامعة كلما زدنا احتراما لدى الناس والعكس صحيح. يضيف صديقه أحمد إن الفرق بين كراب البيضاء وكراب مراكش أن هذا الأخير يحسب نفسه متطورا، فهو مستعد لبيع مائه بكلمة باسمة، ولا يتحدث إلا لغة الريال وليس الدرهم فهم مستعد مثلا لسقيك شربة ماء مقابل 4 ريال أو 10 ريال. يحكي عبيدة وهو يحاول أن يرفع صوته ما أمكن لمجاراة أصوات ناي عيساوة الذين يروضون الأفاعي، كيف أن كل شيء تبدل، وكيف أن كل شيء غلا ثمنه، فقربته الجلدية مثلا أصبح ثمنها يساوي ثمن دراجة، أما الناقوس الذي اشتراه أول مرة بـ 4 ريالات فهو الآن بـ 10 آلاف ريال (500 درهم) إذا وجدته طبعا في السوق، نظرا لحركة التصدير المستمرة لهم إلى البلاد الغربية، لأنه من طينة النحاس القديم الذي يتهافت عليه أصحاب التحف. صديقه الذي تحفظ على ذكر اسمه تحسر أيضا على ضياع أول طاقم كرابة عمل به في هذه المهنة، فهو يتذكر جيدا كما أن الحادثة وقعت بالأمس، كيف عمل الباشا الكلاوي على جمع الـ دوزان من كل الكرابة الذين كانوا في الساحة وأهداها للفرنسيين، ولو بقيت عنده لكان ثمنها يساوي ذهبا الآن. عبيدة دافع عن كرابة مراكش حين قال إن المسؤولين في المدينة الحمراء لا يلتفتون للكرابة ولا يتذكرونهم إلا عندما يكون هناك استعراض، وغالبا ما كنا نمشي على الأقدام إلى ساحة باب الجديد حيث لا يجد الناس الماء إلا في قربة الكراب. الحديث مع الكرابة شيق طويل، وقد يقودك الفضول إلى المكوث كثيرا إلى جانبهم علك تسمع دقة ناقوس أو موالا قديما من طراز أبرد أعطشان أو إينوب إينوب ينبه بها إلى أن الرازق هو الله، وقد يجرك العطش إلى طلب الماء من بعض الكرابة الذين يشغلهم تصيد زوار الساحة لحثهم على أخذ صور تذكارية معهم يكون هو أحد وجوهها أو صديقه وقد يتحول الكراب بنفسه في بعض الأحيان إلى مصور فوتوغرافي بارع بعدما يكون قد سمح في طربوشه.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.