محمد العربي المساري: الإدارة الاستعمارية كانت تمنع إصدار الصحف بالعربية ومن طرف الوطنيين التقديم: يتحدث رجل الإعلام المغربي، محمد العربي المساري، في هذه الحلقة الأولى من أصل ثلاثة، حول الإعلام بالمغرب خلال مائة عام، وعن كيفية دخول الإعلام لأول مرة في حياة المغاربة، وهنا يتطرق إلى المراحل الكبرى التي تعّرّف فيها المغاربة عن المطبعة والجريدة والراديو والإذاعة والتلفزيون وكيف كان شمال المغرب أول مستقبل لهذه الاختراعات، إلى أن عم الأمر كافة أرجاء المغرب. كما يتطرق وزير الإعلام الأسبق إلى الإكراهات التي واجهت الإعلام المغربي وإعلام الحركة الوطنية على وجه التخصيص في الوجود والانتشار من طرف الإدارة الاستعمارية. الصحفي والسياسي المساري يتطرق أيضا إلى الجهود والتحديات التي كانت مطروحة على عاتق أول حكومة وطنية في سبيل تحرير الإذاعة الوطنية من البقايا الاستعمارية التي طبعتها طيلة فترة فرض الحماية على المغرب. .... س: كيف دخل اّلإعلام إلى حياة المغاربة خلال مائة سنة المنصرمة، وما هي أبرز المراحل التي قطعها؟ ج: يمكن القول بلا تردد إن أهم التطورات التي حفل بها القرن العشرون عندنا كانت مرتبطة بالإعلام، حيث شهدت المائة سنة الماضية انفجارا هائلا لوسائل نشر المعرفة، التي كانت مقتصرة على المطبعة منذ غوتمبرغ، ثم تدخلت الإذاعة كأداة من أدوات نشر المعرفة حوالي سنة 1906، ثم التلفزيون حوالي سنة 1925، والأنترنيت حوالي سنة 1983، ثم تفشى انتشار هذه الوسائل على نطاق واسع جدا، حتى أصبح في الإمكان الحديث عن وسائل جماهيرية للإعلام، بعد أن كان الأمر مقتصرا فيما قبل على النخب. وفي المغرب، بقي اختراع غوتمبرغ محجوبا عنا مدة 400 سنة، إذ لم تدخله المطبعة إلا سنة 1864، ولم تظهر الجرائد به أول الأمر إلا في ركن معين هو مدينة طنجة وذلك سنة 1883. وكان ظهور الصحافة مقرونا بالنفوذ الأجنبي إذ تبارت البعثات القنصلية المعتمدة في طنجة لتشجيع إصدار جرائد تبشر بدعايتها. وأما الإذاعة فقد دخلت البلاد في وقت قريب من ظهورها في العالم، إذ أنشئت إذاعة راديو ماروك في 1928، فلم يقع التأخير الذي وقع في المطبعة. ولكن لم يعرف الراديو في الشمال إلا في سنة 1935 بإذاعة للجيش الإسباني كانت تبث من مرتيل. وكذلك كان الأمر بالنسبة للتلفزيون، إذ لم يتأخر كثيرا بعد وصوله إلى أوربا. فقد دخل فرنسا في منتصف الأربعينيات، وفي المغرب في سنة 1954 وانقطع ثم بدأ في سنة 1962. س: ما هي أول وسيلة إعلامية تعرف عليها المغاربة وحاولوا إنشاء متيلات لها؟ ج: الجريدة، هي أول وسيلة إعلامية حديثة دخلت حياتنا، كان ظهورها بمبادرة أجنبية وبلغات أجنبية، أولها الإسبانية، وحدث ذلك غالبا في طنجة. ولم تظهر جرائد في الرباط والبيضاء وتطوان إلا بعد فرض الحماية في 1912. وكانت صحافة طنجة، وإن صدرت فوق أرض مغربية، تتجاذبها مؤثرات أجنبية. ولم تسمح الظروف بأن يتمكن الوطنيون من نشر صحف ناطقة باسمهم إلآ في 1933 وذلك بتطوان حينما أصدر الأستاذ محمد داود مجلة " السلام " التي كانت منبرا ثقافيا للشباب الوطني في الشمال والجنوب. ولم تستجب الإدارة الإسبانية قبل ذلك مع خمس محاولات أقدم عليها ج عبد السلام بنونة لطلب الإذن بإصدار جريدة. وفي مارس 1934 تمكن الأستاذ عبد الخالق الطريس من إصدار جريدة أسبوعية هي "الحياة" التي كانت بدورها منبرا للوطنيين في الشمال والجنوب. وفي أعقابهما صدرت مجلة ثقافية جديدة باسم " المغرب الجديد " للأستاذ محمد المكي الناصري ( 1935). س: وكيف كانت ردة فعل وتعامل السلطات الاستعمارية اتجاه التعاطي المغربي مع الجرائد المكتوبة؟ في تلك الفترة كانت الإدارة الاستعمارية بالجنوب تمنع إصدار الصحف بالعربية وتحرص خصوصا على ألا يتمكن الوطنيون من إصدار صحف باسمهم، وهذا ما حذا بكتلة العمل الوطني إلى إصدار جريدة " أكسيون دوبوبل " بالفرنسية ( 3 غشت 1933) التي كان يشرف عليها الأستاذ محمد حسن الوزاني وكانت الرخصة في اسم مواطن فرنسي. وسمحت السلطات الفرنسية بصدور صحيفة بالعربية لأول مرة في أواخر الثلاثينيات حيث صدرت جريدة " الأطلس " باسم الحزب الوطني ( 12 فبراير 1937) وجريدة " الدفاع " باسم حزب الحركة القومية (31 غشت 1937). وفي الشمال صدر الترخيص بإصدار " الحرية " كلسان لحزب الإصلاح الوطني ( 14 مارس 1937)، وفي وقت متقارب سمح بصدور " الوحدة المغربية " كلسان لحزب الوحدة المغربية". وفي غمرة الحرب العظمى الثانية سمحت الإدارة الفرنسية بإنشاء جريدة " المغرب " في 16 أبريل 1937 للأستاذ السعيد حجي، ثم بإصدار مجلة " الثقافة المغربية " (1940) لحجي نفسه، ثم مجلة " رسالة المغرب " للأستاذ محمد غازي في 1 أكتوبر 1942. و بعد الانفراج الذي أعقب الحرب العظمى صدرت في 11 سبتمبر 1946 ثاني جريدة يومية للوطنيين هي " العلم " وذلك بعد " الحرية " بتطوان. وسمح لحزب الشورى والاستقلال بإصدار " الرأي العام " كأسبوعية في 1 أبريل 1947. هكذا تنوعت أساليب الاتصال الجماهيري (المنشور السري الاتصال الشفوي) تبعا للظروف التي سادت في الفترة الاستعمارية، حيث أنه طيلة 44 سنة من الاحتلال، لم تسمح الظروف بإصدار الوطنيين لجرائد ناطقة باسمهم إلا لمدة أقل من 15 سنة. وكان هذا هو الشأن سواء في الشمال أو الجنوب. س: ماذا عن فترة ما بعد الاستقلال هل تغير المشهد الإعلامي المغربي في اتجاه التأصيل لتجربته، أم بقي تابعا لسياسة المستعمر رغم رحيله عسكريا؟ بالفعل لدى استعادة الاستقلال الوطني أصبح على الحكومة الوطنية الأولى أن تقوم بتحويل وظيفة جهاز الإذاعة من لسان للإدارة الاستعمارية إلى أداة لخدمة أهداف وطنية. وقد تم تدبير ذلك على يد صحافي وطني هو الأستاذ قاسم الزهيري، في ظروف قلقة، من جراء الفترة الانتقالية التي كان فيها الطاقم الصحافي، فضلا عن الطاقم التقني والجهاز الإداري، كله فرنسيا في الجنوب، وإسبانيا في الشمال. وتطلبت معالجة الأوضاع في طنجة، التي كانت خاضعة لإدارة دولية متعددة الأطراف، ترتيبات خاصة كان أهمها تصفية نظام المبادرة الخاصة، وإصدار قرار في 1959 بتأميم الإذاعات التي كانت في المنطقة. وهو قرار قدم على أنه يرمي إلى بسط السيادة الوطنية على قطاع لم يكن له أن يتطور إلا في أفق التبعية للدولة بالمفهوم الذي كان سائدا بالنسبة للإعلام العمومي. ومنذ الستينيات أصبح مطروحا على المغرب أن يقرر في شأن الوظيفة التي يجب أن تكون للإعلام العمومي. ونقصد هنا مشروع استقلال الإذاعة الوطنية الذي قدمه المهدي المنجرة، وهو مسعى كان يرتبط في واقع الأمر، بطبيعة النسق السياسي المغربي، وبالدور الذي تعطيه الدولة للإعلام، نتيجة الرؤية التي تنظر بها إلى نفسها. وبرزت تناقضات من خلال الممارسة السياسية بالمجتمعات الديموقراطية بالغرب، وخاصة فيما يتعلق بتنظيم الحملات الانتخابية، التي سلطت الضوء على الدور الذي يلعبه التلفزيون في النقاش السياسي والتواصل مع الرأي العام. في الحلقة القادمة: يتحدث محمد العربي المساري، عن الفترة الممتدة من الستينيات حتى التسعينيات وما طبع هذه المرحلة من تحرر وتطور وكذا كيف واكب المغرب الإعلامي التطور العالمي لحقل الإعلام وكذا عن أبرز إيجابيات ومنجزات العمل الإعلامي بالمغرب وبعض إخفاقاته.