كثيرة هي الأقوال التي تثار حول موضوع الشرفاء خاصة في بلدنا المغرب و يختلف معنى كلمة الشريف التي تُنْطَقُ الشّْرِيفْ بالعامية المغربية على غرار اللغة الأمازيغية, فمعنى الشريف لذا العرب المغاربة يختلف تماما عن المعنى الحقيقي للكلمة, فماذا نعني بالشريف بالمغرب؟ و كيف يجب التعامل مع من يدعي أنه شريف بالمعنى المغربي؟. الشريف في اللغة العربية هو النبيل في الأخلاق, العالي في المنزلة, السامي في المكانة و الرفيع في الدرجة, الذي يتمتع بروح الرقي فيتواضع و هو رفيع, فيرجو العفة و يأنف الدنايا, و هو الذي يغضب للحق و يسر له, و يؤثر على نفسه لغيره, و يتمتع بكل الأخلاق الحميدة. لكن الشريف بالمغرب قد يكون نصابا, كذابا, حلافا مهينا, معتدٍ أثيما, يعصي الله سرا و علانية, يكفي فقط أن يدلي بتصريح للناس و يقنعهم أنه ينتمي إلى عائلة شريفة ليصير شريفا بدوره, فكم من معتدٍ يعامَل على أساس أنه شريف, و كم نصاب يلقب بالشريف و لا يخفى علينا ذلك, فالمغاربة -خاصة في الأطلس المتوسط حيث أنتمي- يخصّصون جزءا من محصولهم السنوي للشريف من غير الزكاة و لا يقربونه حتى يجيء الشريف لأخذ ماله على الرغم من وجود فقراء مهمشين يعيشون كالطير مُياوِمين, و لا أحد يعتقهم و لو باليسير. المغاربة يقدسون الشريف لدرجة تفوق التصور و هو يحتل مكانة عظيمة في نفوسهم و يلتمسون البركة منه ظانّين أنه يمتلك مفاتح الفلاح, و أجوبة الدعوات, فهم يرون فيه المُخَلِّص الذي طالما انتظروه ليتوسط لهم حتى ينالوا رضى الله تعالى في الدنيا و الآخرة, و هذا الأمر هو الشرك بعينه بل هو تنقيص في من شأنه تعالى و عظمته و قدرته, و هذا الأمر طالما ناقشته مع مجموعة ممن يدعون الشرف, و كلما خالفتهم في ذلك و أحسوا بالضيق يأتونني ببطائق تثبت –على حد زعمهم- صدقهم, و هم لا يدركون أن الشرف لا يتعلق بالإنتماءات الدموية أو القبلية أو بالبطائق الممنوحة في ظرف ما. ألم يانِ لهؤلاء أن يكفوا عن إزعاج الناس بترهاتهم و خزعبلاتهم التي لا تمت للمنطق بصلة, ألا يجب أن نتفكر في فحوى ما نصدق, ألا يجب استخدام عقولنا و لو قليلا حتى نكشف عن كذب هؤلاء. إن أغلب هؤلاء الشرفاء المزعومين يركزون على الجانب الديني لإستدراج البسطاء و إسقاطهم في الشباك, و هو الأمر الذي يجعل الناس يسلمون بصدق ما يقولون, و لو عاد هؤلاء الناس إلى دينهم لوجدوا أن ما يقوله هؤلاء مجرد أكاذيب و لا يوجد في الإسلام ما يدل على وجوب تقديس الشرفاء, لأن المقدسون هم الله تعالى و الرسول و الدين و أما من سواهم فالواجب إحترامهم لا تقديسهم و جعلهم في منازل لا تليق بهم, فأما الذين يجعلون ممن يدعون الشرف أنهم مقدسين فقد وقعوا في الإثم مرتين: -وقعوا في الإثم إبتداءا بشركهم بالله: فكما كان الكفار يعبدون الأصنام ليقربوهم إلى الله, كذلك يقدسون الشريف لنيل رضى الله و الإبتعاد عن لعنة الشريف التي تشكل بالنسبة إليهم خسرانا في الدنيا و الآخرة و هو نفس منوال الكفار و لكن على نحوٍ آخر. -و وقعوا الإثم ثانيا لأنهم بذلك يطعنون في مصداقية الله تعالى و نزاهته و عدله, فحين تجد شخصا غارقا في الذنوب ثم يلتمس من شريف أن يدعو الله ليغفر له فكأنه يقول له بصيغة أخرى: أنت تعرف الله فادعه ليغفر لي, فكأنه يجعل من الله فاسدا يتعامل بالجاه فقط فتعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا. متى سندرك أن الشريف ليس انتماء لعائلة ما و إنما الشخص هو الذي يصنع شرفه بنفسه, فإما أن يدنس نفسه في أوحال الذل و يمرغ كرامته في السذاجة المطلقة و إما أن يكون شريفا بخلقه و أفعاله, و عندما يصير حقا شريفا فلن يرضى أن يعيش متطفّلا على محاصيل الضعفاء و السّدج و لن يسافرا بحثا عن الرزق لذا الناس بلا عناء, بل سيدرك أن تكاسله و انتظار الآخر ليطعمه هو خسارة جسيمة للمجتمع, عندها سيدرك أن الله يحب العبد المحترف, و سيدرك أن النصب و الإحتيال جريمة و لا تمت بصلة إلى أخلاق الشرفاء و سيعلم أن الضحك على الناس هو احتقارهم و استخفاف بعقولهم. فلنعلم أننا سواسية عند الله تعالى و أن ميزان التفاضل بيننا هو التقوى و لا فضل لعرق على حساب الآخر و لا للون على اللون الآخر فكلنا سواسية كأسنان المشط, و الله سبحانه و تعالى هو أعلم من اتقى, فلا نحكم أننا أفضل من غيرنا, و لا ندعي أننا شرفاء لنأكل أموال الناس بالباطل. و إن أكثر ما يغيظني عندما أرى بالقرية التي ترعرعت بها رجلا كبيرا كث اللحية كامل مواصفات الرجولة, يبدو عليه الوقار قبل التكلم, فأراه و قد أرخى كفه لنصاب و هو يتفل فيه ثلاثا قبل أن يمد إليه مبلغا من المال جزاء تفله و دعوته, و لا أرى مانعا في إلغاء كلمة الرجولة من مواصفات هكذا ذكور, فقد أكثروا سذاجة و عاثوا جهلا. لنفرض أن من ثبت عندي بالدليل القاطع أنه من عائلة النبي صلى الله عليه و سلم و من دمائه و أراه و قد أسدل حبال شراكه لصيد الفرائس من السذج البسطاء و يأكل أموالهم تحت مسمى الشريف, فسأتعامل معه بالطريقة عينها التي يعامَل بها النصاب و السارق, و لو كان أقرب المقربين إليه لأنه تعدى و ظلم, فالنبي صلى الله عليه و سلم قال لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يده, حين جاءه من جاءه ليشفع للمرأة المخزومية التي سرقت, و القصة مشهورة معروفة, و لو كان الشريف يغني عنك شيئا لأغنى خير الخلق بل أشرف الشرفاء عن عمه أبا طالب, و لما قال تعالى و لا تزر وازرة وزر أخرى, فلا يضر و لا ينفع إلا الله وحده و لا أحد يمتلك ما يجعلك تخافه