الخط : لم تتجاوز القمة العربية الإسلامية المشتركة، السقف السياسي الذي وضعه المغرب، في مناسبات عديدة، ولا سيما عند ترؤسه لاجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى الوزراء المنعقد بالقاهرة، في دورته ال 160.. ثم في بلاغيْ وزارة الخارجية والتعاون، بمناسبة اندلاع الحرب ثم بعد القصف الاجرامي الذي تعرض له مستشفي المعمداني، مخلفا عشرات الشهداء... وكانت أقوى اللحظات في التعامل المغربي مع الحرب على غزة، لحظة الرسالة الملكية الموجهة الى ذات القمة.. وبالعودة الى ما ورد فيها، ثم ما تم بعدها من طرف المؤتمرين من دول العرب والمسلمين نجد بالفعل أن السقف السياسي للقمة لم يتجاوز ما ورد في الرسالة، على المديين المتوسط والبعيد، كما أن الرسالة انطلقت مما انتهت إليه قرارات القمة بخصوص التفاعل الفوري مع الحرب، فيما بعد. كانت الرسالة الملكية قد بدأت من حيث انتهت إليه القمة لاحقا، أي بوضع الأولويات العاجلة هنا والآن، وذلكم من خلال: الخفض العاجل والملموس للتصعيد؛ وقف الاعتداءات العسكرية بما يفضي لوقف إطلاق النار، بشكل دائم وقابل للمراقبة؛ ضمان حماية المدنيين وعدم استهدافهم، وفقا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني؛ السماح بإيصال المساعدات الإنسانية بانسيابية وبكميات كافية لساكنة غزة؛ وقد أولت القمة في فقرات قراراتها الأولى ولا سيما الفقرتين 3 و4 لهذا الموضوع مع التنصيص كذلك على تدعيم موقف مصر في مواجهة تبعات الحرب، وكسر الحصار على غزة. وإذا كانت القمة لم تعرض وسائلها في تنفيذ قراراها بتكسير الحصار ورفعه، في واقع يتميَّز بارتفاع وتيرة القصف وهمجيته، يبقى أنها ظلت في مستوى ما ورد في الرسالة الملكية، وما سبق التعبير عنه في بلاغي وزارة الخارجية، مع تفاصيل تتحدث عن «فرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)». كيف سيتم تجسيد ذلك؟ هذا السؤال لم تقدم عنه القمة أية أجوبة. وكان جلالة الملك دعا «العمل الجماعي كل من جهته» أي تكامل العمل الجماعي مع المبادرات الفردية لكل دولة... ومن هنا يكتسي العرض الملكي بالتحرك الفوري مع حيثيات «مرحلة فاصلة، تتطلب من الجميع التحلي بالحزم والمسؤولية، لوقف الاعتداءات الإسرائيلية».. واعتبرت الرسالة الملكية أن مصدر التصعيد يعود إلى انتهاك حرمة بيت المقدس وتدنيس المعالم الدينية في القدس، وعليه فإن منطق الحل، بعيدا عن التصعيد والتقتيل وأصوات المدافع، لن يتم إلا إذا اقتنع الجميع بأن « تخطي هذه الأزمة وتفادي تكرارها، لن يتحقق إلا بوقف الاعتداءات على القدس الشريف، والقطع مع الاستفزازات التي تجرح مشاعر أكثر من مليار مسلم» بناء على المنطوق الملكي.. في هذه النقطة بالذات تجاوب الرسالة مع ما آلت عليه القمة نفسها، من خلال تقديم التجربة الميدانية اليومية وعلى مدار عقود، منذ تأسيس لجنة القدس ووكالة بيت مال القدس. وفي هذا السياق، كانت القمة قد عمدت إلى «إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وإجراءات إسرائيل اللاشرعية التي تنتهك حرية العبادة، وتأكيد ضرورة احترام الوضع القانوني والتاريخي القائم في المقدسات، وأن المسجد الأقصى المبارك الحرم القدسي الشريف بكامل مساحته البالغة 144 ألف متر مربع، هو مكان عباده خالص للمسلمين فقط، وأن إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك الأردنية هي الجهة الشرعية الحصرية صاحبة الاختصاص بإدارة المسجد الأقصى المبارك وصيانته وتنظيم الدخول إليه، في إطار الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس». وخصت لجنة القدس بضرورة «دعم دور رئاسة لجنة القدس وجهودها في التصدي لممارسات سلطات الاحتلال في المدينة المقدسة». مع الانتباه أن الأمر لا يتعلق بدعم لجنة القدس كهيئة، بل برئاستها وهي إشادة بمجهود جلالة الملك في العملية برمتها، وهو إقرار جماعي ل57 دولة عربية وإسلامية بهذا الدور العظيم من حيث مهمته وراهنيته الدائمة. وهي الصفة ذاتها دعا ملك البلاد «إلى صحوة الضمير الإنساني لوقف قتل النفس البشرية التي كرمها الله عز وجل..»... ولقد لاحظت الشعوب الإسلامية وتابعت بأن جلالة الملك كان رئيس الدولة الوحيد الذي قدم أجندة عمل ميدانية، وعلى الأرض بخصوص القدس وحمايتها من خلال تسليط الضوء على العمل الميداني على الأرض، من خلال وكالة بيت مال القدس الشريف، لحماية المدينة المقدسة، والحفاظ على وضعها التاريخي والقانوني ومقدساتها الدينية.. بل كان الوحيد الذي جاء في رسالته بدعم واضح من السلطة الدينية المسيحية مشخصة في البابا فرنسيس، الذي وقع معه جلالته نداء القدس. وعلى مستوى القرارات الاستراتيجية كان المغرب ضد التهجير القسري أو الطوعي للشعب الفلسطيني، ثم دافع عن «إرساء أفق سياسي للقضية الفلسطينية، كفيل بإنعاش حل الدولتين المتوافق عليه دوليا». وجاء في الفقرة 24 من قرارات القمة : «التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودعوة الفصائل والقوى الفلسطينية للتوحد تحت مظلتها، وأن يتحمل الجميع مسؤولياته في ظل شراكة وطنية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية». وعلى مستوى التفصيل العملي توافقت القمة على شيئين أساسيين هما: حل الدولتين والسلام كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي وحل الصراع العربي الإسرائيلي وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. مبادرة السلام العربية باعتبارها الموقف العربي التوافقي الموحد وأساس أي جهود لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط. بالنسبة لاعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مع دعوة الفصائل والقوى الفلسطينية بما فيها حماس والجهاد غير المتواجدين ضمن التركيبة التنظيمية في هياكل المنطمة، للتوحد تحت رايتها. هو موقف المغرب الثابت منذ 1974 وقمة الرباط التي كرست التمثيلية الشرعية الوحيدة للمنظمة. وطالما كانت العديد من العواصم تعاند ذلك... بالنسبة لإعادة التأكيد على التمسك بالسلام كخيار استراتيجي، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحل الصراع العربي الإسرائيلي وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والتأكيد على التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، باعتبارها الموقف العربي التوافقي الموحد وأساس أي جهود لإحياء السلام في الشرق الأوسط» فهذا ما ورد بطريقة شبه حرفية في الرسالة الملكية على أساس أننا أمام مسلَّمات بديهية. بحيث شدد جلالة الملك على أنه: لا بديل عن سلام حقيقي في المنطقة، يضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، في إطار حل الدولتين. ولا بديل عن دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية. و لا بديل عن تقوية السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن... وهو برنامج عمل تحرير الأرض والإنسان من الاحتلال كما من الشعارات الزائفة والافاق الضيقة..