الخط : إستمع للمقال اقتربت الساعة. وانفضح الكثيرون ممن كانوا يحركون آلة التشهير والابتزاز واستهداف المؤسسة الأمنية. انفلت الحبل حولهم. شهور من التهجم وساعات مقاطع الفيديو كلها كذب وفبركة أخبار ونشر ادعاءات زائفة. وتشاء الأقدار أن يفتضح أمر جميع محترفي التشهير، على اختلاف رتبهم صحافيون واستقصائيون وأصحاب منصات ومدونون، كل صناع التشهير سقطوا الواحد تلو الآخر لسبب بسيط، هو أنهم عمليا تعلقوا ببعضهم البعض في شبكة واحدة سرعان ما تناسلت خيوطها وتهاوت أكاذيب أعضائها، ووجدوا أنفسهم في مواجهة آلة أمنية قوية استطاعت أن تفكك خطاباتهم وعلاقاتهم وتشابكاتهم في ضربة معلم. إن سرعة انهيار بنية السرية للتشهير وانفضاح أطرافها، يتطلب تعديل التفكير الأمني في التهديدات التي تواجه البلاد، فقد أظهرت أن المخاطر ليس دائما تقليدية، محلية كانت أو جرائم عابرة للحدود، إذ تُصبح المؤسسة الأمنية هدفا في حد ذاتها، عبر آلة التشهير والابتزاز وتنشيط شبكة توريد للأخبار الزائفة بعرض إضعافها. وهذا ما انتبه إليه منسق الاستخبارات والأمن الأسبق، البريطاني "ديفيد أوماند"، في أطروحته حول "حماية الدولة" حينما أشار إلى ثلاثة تغيرات كبرى حدثت في التفكير الأمني: مواجهة الأخطار التخريبية الكبرى وبناء مجتمع الصمود ثم التركيز على قيمة التوقع. لقد كشفت طبيعة الجهات التي تقف وراء حملة التشهير التي تعرضت لها المؤسسة الأمنية وقياداتها، عن أهمية "التركيز على قيمة التوقع"، وهي فكرة تقتضي تقدير المخاطر الناجمة عن الإجراءات أو السياسات وكذا شبكة العلاقات داخل البنية السيادية للدولة، والتوقع لا يقتصر على مجرد القدرة على إصدار الأحكام ذات طابع تنبئي بشأن مسار الأحداث في المستقبل، وإنما إدراك ما قد يبدو عليه الأمر وقتها واتباع نهج استباقي يزيد من أهمية القدرة على إنتاج معلومات استخباراتية عملياتية ذات طابع وقائي مع تطور التهديدات خروجها إلى حيز الوجود. إن جاز لنا أن نقرأ، من زاوية أخرى، تطورات مسلسل التهجم والتشهير، يمكن القول إن المؤسسة الأمنية أبانت عن قدرة كبيرة في قراءة الأحداث مسارها وخلفياتها والأجندات التي تقف وراء صناعة الاحتقان والتشكيك في الجهاز والعاملين به، قدرة على تحليل بنية الخطاب وأهدافه واستجلاء الخيوط التي تحركه منذ اليوم الأول. كان التوقع أن ينقلب المتآمرون على أعقابهم ويطلقون النار على بعضهم البعض ويتبرؤون من بعضهم ويُنكرون اجتماعاتهم في فرنسا وإسبانيا. حالة من الارتباك أصابت الجميع أمام ذهولنا جميعا من السرعة التي تهاوت بها القصص التي نُسجت طيلة هذه المدة. أظهرت التسجيلات ومقاطع إبراء الذمة لبعض أفراد الشبكة مسألتين: الأولى أن التشهير ليس فعلا معزولا بل هو نسق مركب وبنية، عبارة للدول والمصالح، لها خصائص وغايات معدة سلفا. أما المسألة الثانية فما أظهرته المؤسسة الأمنية من يقظة وقدرة عل تفكيك البنية وتجفيف سلاسل التوريد. مؤسسة لا تُساوِم ولا تُساوَم على استقرار البلاد ومصالحه العليا. إن الطبيعة "العابرة للمصالح والدول" هي إحدى نقاط ضعف شبكات التشهير عبر المنصات الاجتماعية عموما، والحالة التي ظلت تتهجم على المؤسسة الأمنية وقياداتها نموذجا. ورغم محاولات خلط الوقائع والأسماء، بوعي أو بدونه، لإحداث نوع من الإرباك وتشتيت الانتباه عن مصادر المعلومات، فإن الطبيعة المركبة للشبكة سهَّلت انكشافها الأمني، فضلا عن قوة العمل الاستخباراتي في تجميع وتركيب الأدلة والحقائق. اليوم، يبدو أن عملية تجفيف منابع التشهير نجحت بشكل كبير في إرباك منصات الابتزاز، وحجم الأشخاص الموقوفين يُظهر أن إدارة الأزمة بالقانون كان القرار السليم للوصول إلى الحقيقة والجهات التي تقف وراء ما جرى. راهنت المؤسسة الأمنية على تطبيق القانون لأنه اختيار سيادي لا رجعة فيه، بينما لا تزال أعرق الأنظمة الاستخباراتية تحتفظ لنفسها بأبشع الأساليب التي تمنع المس باستقرار الدولة ونظامها السياسي وأمنها الجماعي، فعوامل التخريب الداخلي، عبر استهداف المؤسسات السيادية بغرض إضعافها، لا تقل خطورة عن الأحداث التخريبية أو التهديدات الأمنية التي تحذق بالبلاد في مواجهة الإرهاب الأخطار الناشئة عنه.
الوسوم إحسان حافظي الأمن المغرب الحموشي الأمن الوطني البنية السرية الجزائر المغرب حملات تضليلية هجومات منظمة