الخط : إستمع للمقال أخطر ما قد تتعرض له الدولة هو استهداف مؤسساتها السيادية، وقد يزيد الأمر تعقيدا حينما تتركز عمليات التشهير على المؤسسة الأمنية، فذلك من شأنه أن يُحدث حالة انكشاف أمني يهدد سيادتها ويضعفها في مواجهة التحديات الحقيقية. لقد اشتغلت مراكز بحثية غربية طويلا على كيفية إضعاف الأنظمة بدون أدوات مواجهة أو عنف، وتوصلت إلى نتائج مفادها أن أسرع بداية لأي انهيار استهداف المؤسسات الأمنية وقياداتها عبر ما تسميه هذه الأبحاث باستراتيجية "التنديد الرمزي"، وهو مخطط يقوم على استغلال منصات التواصل الاجتماعي في التهجم على المؤسسات الأمنية ووسمها بنعوت وصفات عبر التشهير ونشر والادعاءات الكاذبة حول مسؤولي هذه المؤسسات، وهذا ما تسعى إليه الكائنات التشهيرية التي تنسق فيما بينها الخرجات والحملات بغرض الإساءة إلى المؤسسات السيادية والمس بشرف واعتبار القائمين عليها. استهداف المؤسسات السيادية، الأمنية والقضائية وغيرها، فكرة قديمة نظَّرت لها مراكز أبحاث أمريكية في خلاصاتها حول استراتيجيات إضعاف/ إسقاط الأنظمة في العالم. فقد أنتجت هذه المراكز جملة من التصورات، منها فكرة التفكيك من داخل الحدود التي تقوم على افتعال صراع الهويات لإضعاف الدول، وكذا استراتيجيات الإدارة بالأزمة، التي تقوم على فكرة مفادها أن الحروب أدوات لصناعة الدول الجديدة، وجربت إضعاف الدول بواسطة البنيات المستوردة" التي أبدعت فيها المنظمات الحقوقية وجعلت من تقاريرها أدوات لتقويض القرار السيادي للأنظمة، واليوم يجري الحديث عن مخطط جديد يسمى "الانكشاف الأمني" كفكرة تم تطويرها (بالصدفة) في سياق البحث عن حلول للجرائم السيبرانية وعمليات الاختراق التي تتعرض لها الأنظمة المعلوماتية الأمنية، لينتقل البحث عن حلول للانكشاف الأمني السيبراني إلى مخطط موجه لإضعاف الأنظمة. إن التهجم على شخص عبد اللطيف حموشي هو استهداف لعناصر القوة داخل المملكة. قوة صلبة في مواجهة الأخطار وحفظ الاستقرار وقوة ناعمة تجعل من التعاون الدولي والدبلوماسية الأمنية إحدى عناصر الثقة في المغرب. لا يمكن فصل ما تتعرض له المؤسسة الأمنية عن مخطط الانكشاف الأمني. ولا يعني هذا التصور أن محترفي التشهير يدركون هذه الخلفيات فالأمر مستبعد جدا لأنه يتطلب دراية معرفية وعلمية لا يطالها هؤلاء الذين تحركهم الأحقاد الشخصية وتجعل منهم آلة لصناعة الأخبار الزائفة والوقائع الكاذبة وتلفيقها إلى الأشخاص دون تقديم دليل. لكن هذا الاستبعاد لا يبقي على فرضية وجود جهات تستفيد من الوضع وتحرض على مزيد من التصعيد والتشهير. بالمقابل، عرت هذه المرحلة عن حالة من إفلاس سياسي حقيقي. إن أخطر ما تتعرض له الأجهزة الأمنية ليس التشهير وحده، فالوقائع التي يروج لها المشهرون تبث كذبها وزيفها، والتحقيقات التي تباشرها المصالح الأمنية مع بعض المتورطين في شبكات التشهير أبانت أن الأمر بحلف إجرامي وفق ما تناقلته وسائل إعلام وطنية.. لكن الأخطر هو الصمت الذي يسود في الأوساط السياسية والحزبية والمؤسسات المعنية بالدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، والصمت وقت الكلام جريمة كاملة الأركان في وقت تتعرض فيه المؤسسات السيادية إلى حملة ممنهجة، فهو بمثابة مشاركة في تقاسم محتويات الجريمة الرقمية. أين النخب الحزبية من كل ما يقع؟ لا أحد يطلب من الأحزاب أن تنخرط في الدفاع عن مؤسسات الدولة، ولكنها ملزمة بأن تقوم بوظائفها في التحسيس بمخاطر التشهير والجرائم المتعلقة بها. أبسط ما تقدر عليه أن تفتح النقاش العمومي حول حماية المؤسسات والأشخاص، ولو من باب الحفاظ على المكتسبات والديمقراطية والحريات وغيرها من القيم المشتركة التي تتعرض اليوم لاستنزاف واستهداف مقيت من قبل جماعة المشهرين وذيولهم في الداخل. أليست المؤسسات الحقوقية هي من ظلت تترافع عن الحكامة الأمنية والتخليق وشفافية المرفق الأمني والتوصية بمحاسبة المخالفين؟ وفعلا تم تنزيلها جميعا عبر الشراكة والتكوين. أليس من مهامها التصدي الحمائي في مواجهة الاعتداءات التي يتعرض لها الأشخاص أو المؤسسات؟ ثم، ألا تبدو الحكومة مسؤولة تضامنيا عما تتعرض له الأجهزة الأمنية من حملات تشهير؟ أليس من باب المسؤولية التضامنية أن يبادر رئيس الحكومة إلى اتخاذ مبادرات حمائية لتحصين مؤسسات الدولة من حملات التشهير عوض البحث عن مكاسب حزبية انتخابية ما كانت لتتحقق له ولغيره لولا صمود ويقظة المؤسسة الأمنية في مواجهة التحديات السياسية التي واجهت البلاد إبان "الربيع العربي". ألا تَدين هذه النخب الحزبية والسياسية إلى المؤسسات السيادية بأسباب الاستمرارية؟ لا تحتاج الأسئلة الاستنكارية إلى أجوبة عادة. لكن لعبة الصمت أفضت إلى حالة انكشاف سياسي حقيقي. وحملات الشهير فضحت الجميع لأن جزءا من أهدافها: ترهيب وتخويف النخب السياسية والفاعل الحقوقي والمؤسسات السيادية.. وفي ظل مؤامرة الصمت يبدو أن آلة التشهير تحولت إلى وسيلة للعبث بأمن واستقرار الدولة والمؤسسات، بينما فعَّلت الأحزاب والإعلام العمومي وضع متفرج!