المنتخب يرفع نبض الجماهير في وجدة    "الأسود" يشيدون بالدعم الجماهيري بعد الفوز في افتتاح "الكان"    انتصار البداية يعزز ثقة "أسود الأطلس" في بقية مسار كأس إفريقيا للأمم    الاستيطان يتسارع في الضفة الغربية ويقوّض فرص قيام دولة فلسطينية    أزيد من 60 ألف متفرج في المنتخب    رصيف الصحافة: النيابة العامة تنتظر نتائج تشريح جثة رضيعة في فاس    أسود الأطلس يبدأون رحلة المجد الإفريقي بالفوز على جزر القمر    المديرية العامة للأمن الوطني ترفع جاهزيتها لإنجاح العرس الإفريقي    أمطار غزيرة تعم جماعات إقليم الحسيمة وتنعش آمال الفلاحين    تعليق الدراسة بعدد من المؤسسات التعليمية بإقليم الحسيمة بسبب الامطار والثلوج            تصعيد ديموقراطي ضد إدارة ترامب لمحاولتها التعتيم على "وثائق إبستين"    تفوق تاريخي ل"الأسود".. تعرّف على سجل المواجهات بين المغرب وجزر القمر    تصعيد خطير بعد دعوات لطرد الإماراتيين من الجزائر    فرض مبالغ إضافية دون مقابل يثير الجدل في مقاهي طنجة خلال كأس أمم إفريقيا    في الذكرى الخامس للتطبيع.. تظاهرات بالمدن المغربية للمطالبة بإسقاطه ووقف الجرائم في فلسطين    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية وهبات رياح من اليوم الأحد إلى الأربعاء المقبل    وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم إستراتيجيتها لدعم قطاع التجارة في القدس برسم سنة 2026    ماكرون يبحث في أبوظبي فرص التعاون    القوات المسلحة الملكية تنشئ ثلاث مستشفيات عسكرية ميدانية بأقاليم أزيلال والحوز وميدلت    إنفانتينو يشيد بالمملكة المغربية مؤكدا قيادتها كرة القدم الإفريقية    دليلة الشعيبي نمودج الفاعلة السياحية الغيورة على وجهة سوس ماسة    أدب ومحاكمة ورحيل    "مجموعة نسائية": الأحكام في حق نزهة مجدي وسعيدة العلمي انتهاك يعكس تصاعد تجريم النضال    "محمد بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة من خلال الصحافة المصرية" موضوع اطروحة دكتوراه بكلية عين الشق    أزمة المقاولات الصغيرة تدفع أصحابها لمغادرة الحسيمة ومهنيون يدقون ناقوس الخطر    مغربي مرتبط بالمافيا الإيطالية يُدوّخ الشرطة البلجيكية    ضيعة بكلميم تتحول إلى مخزن للشيرا    التعويض عن الكوارث جزء أصيل من إدارة الأزمة..    مسلحون مجهولون يفتحون النار على المارة في جنوب إفريقيا    السعدي: أعدنا الاعتبار للسياسة بالصدق مع المغاربة.. ولنا العمل وللخصوم البكائيات    "فيسبوك" تختبر وضع حد أقصى للروابط على الصفحات والحسابات المهنية    حركة "التوحيد والإصلاح" ترفض إعلانًا انفصاليًا بالجزائر وتدعو إلى احترام سيادة الدول    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    اختتام حملتي "حومتي" و"لقلب لكبير" بجهة طنجة تطوان الحسيمة: مسيرة وطنية بروح التضامن والعطاء    نقابة التعليم بالحزام الجبلي ببني ملال تنتقد زيارة المدير الإقليمي لثانوية بأغبالة وتحمّله مسؤولية تدهور الأوضاع    أجواء ممطرة في توقعات اليوم الأحد بالمغرب    "تيميتار" يحوّل أكادير عاصمة إفريقية    "أفريقيا" تحذر من "رسائل احتيالية"    خطر التوقف عن التفكير وعصر سمو التفاهة    أكادير تحتفي بالعالم بصوت أمازيغي    الدرهم في ارتفاع أمام اليورو والدولار    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي في دورته الثانية يشرع في تلقي الأفلام    كأس إفريقيا .. مطارات المغرب تحطم أرقاما قياسية في أعداد الوافدين    الفنانة سمية الألفي تغادر دنيا الناس    البنك الدولي يوافق على منح المغرب أربعة ملايين دولار لتعزيز الصمود المناخي    فتح الله ولعلو يوقّع بطنجة كتابه «زمن مغربي.. مذكرات وقراءات»    الشجرة المباركة تخفف وطأة البطالة على المغاربة    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرأسمالية، الماركسية وفكر المدرسة الاتحادية المغربية على ضوء تطورات الألفية الثالثة
نشر في برلمان يوم 21 - 06 - 2016

لا يمكن لأحد أن ينكر أن المغرب، كأبرز دول الجنوب، عرف بدوره توجهات سياسية قوية بأبعاد تاريخية ودولية مكنته من الاصطفاف إلى جانب الدول التي راكمت التجارب السياسية التي مكنته من التوفر على قاموس سياسي بمواقف وأفكار رائدة. لقد مورست السياسة به بأحدث أشكالها مبكرا. لقد كان حدث تأسيس الحركة الوطنية حدثا بارزا على المستوى الدولي. كما تميز حدث الإعلان الرسمي على تأسيس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية برمزيته السياسية الكبيرة، رمزية برزت كحدث دولي نظرا لتوقيت وظروف وأهداف الإعلان على تأسيسه (في مرحلة الرأسمالية المقيدة)، رمزية أحدثت صدى أقوى في السبعينات، أي العشرية التي أعلنت من خلالها الرأسمالية الغربية المرور من مرحلة الرأسمالية المقيدة إلى الليبرالية الجديدة. ففي جو مشحون بالصراح والتفاعلات الوطنية والإقليمية والدولية التي تزامنت مع هذا التحول، اتخذ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قرارا استثنائيا فاجئ القوى السياسية إقليميا ودوليا، إنه قرار إستراتيجية النضال الديمقراطي، ليميز نفسه في تلك الفترة إفريقيا كحزب اشتراكي ديمقراطي. لقد اتخذ هذا القرار في سياق كوني تميز بجداله القوي حول مصدر إنتاج القيمة المضافة، جدال حول رأس المال بأشكاله ودوره في مسلسل الإنتاج. لقد اتخذت المدرسة الاتحادية هذا القرار في فترة حساسة جدا تميزت بقوة صراعاتها الفكرية والسياسية، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. إنها المرحلة التاريخية التي عرفت مواجهة قوية بين تيارين فكريين، يستند الأول على الفكر الماركسي، والثاني على الفكر الرأسمالي. فإذا كان الأول (الفكر الماركسي) قد ميز بين رأس المال الثابت (هذا النوع الذي يعتبره الماركسيون ينقل قيمته إلى الإنتاج بدون زيادة، أي أن وسائل الإنتاج الثابتة لا يمكنها أن تنقل إلى البضائع قيمة أكبر من تلك التي تفقدها هي نفسها خلال عملية الإنتاج)، والمتغير (الأجور المدفوعة إلى العمال مقابل قوة عملهم الذي يعطي قيمة أكثر من قيمته الأولية، أي يعطي قيمة زائدة. فإذا كانت وسائل الإنتاج لا تضيف أية قيمة جديدة إلى السلع، بل تتلف فقط، فإن قوة العمل تضيف قيمة جديدة من خلال العمل ذاته)، فإن الثاني (الفكر الرأسمالي) قد ميز ما بين رأس مال الثابت (الذي يشارك في إنتاج القيمة في أكثر من دورة إنتاجية واحدة، وبذلك فهي تستهلك قيمتها في أكثر من دورة)، ورأس المال الدائر (الذي تنتقل قيمته إلى المنتجات خلال دوره واحدة)، فإن التطورات التي عرفتها حدة الصراع، وما أحدثه من جدال قوي ما بين التيارين، والذي تحول مع مرور الوقت إلى صراع تعصبي امتد إلى كل شعوب العالم، تمخضت عنها حرب باردة كادت في عدة مناسبات أن تساهم في نشوب حرب عالمية ثالثة زمن الأسلحة النووية والكيماوية الفتاكة. فعلا، لقد عرف العالم، نتيجة هذا الصراع الفكري مخاضا ومنعطفات خطيرة توجت باقتسامه إلى معسكرين منفصلين بجدار برلين. أكثر من ذلك، لقد احتد الصراع إلى درجة بادر الماركسيون إلى إعلان إمكانية الوصول إلى نهاية التاريخ بانتصار البروليتاريا، وفي نفس الوقت، اعتبر الرأسماليون أن الوصول إلى نهاية التاريخ ستتم بتعميم اعتبار حرية السوق الآلية الوحيدة لخلق التوازنات في العالم (المكان الطبيعي لخلق التوازن). في سياق هذا الصراع السياسي والفكري الكوني، وفي إطار التفاعل الإقليمي القوي مع هذا الوضع، اتخذ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحزب المغربي الذي انبثق عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، قرار إستراتيجية النضال الديمقراطي (الاشتراكية الديمقراطية الاجتماعية). لقد كانت أطروحة فكرية ذات قيمة كبيرة شارك في صياغتها رواد المدرسة الاتحادية التي كانت ولا زالت تزخر بالسياسيين والمفكرين الكبار أمثال عبد الله العروي، محمد عابر الجابري، عمر بنجلون، عبد الرحيم بوعبيد، عبد الرحمان اليوسفي،….إلخ، أطروحة بينت اليوم مدى قوتها الفكرية، وقوة مرتكزاتها الإيديولوجية، وأبرزت بالملموس عن النضج السياسي الكبير والمبكر لمن شاركوا في صياغتها. فإضافة عبارة “القوات الشعبية” إلى التسمية لتصبح “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، لم تكن في اعتقادي إضافة عادية فرضتها الصدفة. لقد تبين اليوم أن إضافتها في تلك الفترة لم تمليها اعتبارات مرتبطة بالحاضر ومنطقه البراكماتي النفعي الصرف، بل اعتبارات مرتبطة بوعي رواد المدرسة الاتحادية بمآل التطورات الممكنة للصراع السياسي في العالم. لقد كانت إضافتها بمثابة استشراف للمستقبل، ليس الوطني فحسب بل والدولي كذلك (هنا أعتقد أنه في خضم هذه الاعتبارات تمت ولادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من صلب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية). فعلا، بعدما عاش العالم صراعا عنيفا على المستويات الوطنية والدولية بين طبقتين واضحتين : الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة، أصبحنا اليوم نعيش، بعد إعلان الانتصار الرسمي لليبرالية الجديدة والنظام العالمي الجديد، بثلاث طبقات اجتماعية واضحة: الطبقة الرأسمالية، الطبقة الإدارية، وطبقة القوات الشعبية (التي تشمل محل الطبقة العاملة). إنه تتويج لمسار تطورات النظام الرأسمالي وأزماته، مسار أبان أن التاريخ لم ولن ينتهي، وأن تطورات الأحداث المستقبلية وطنيا وإقليميا وجهويا ودوليا ستلعب فيها طبقة “القوات الشعبية” السلطة المضادة لتصحيح الانزلاق في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان بشقيه السياسي والاقتصادي. لقد كان الاتحاد الاشتراكي في تلك الفترة (السبعينات) على أتم الوعي أن المرور من الرأسمالية المقيدة إلى النيوليبرالية بثورتها التكنولوجية والعلمية والمالية سيحدث هوة كبيرة ما بين أرباح الطبقة الرأسمالية وأجور طبقتها الإدارية من جهة، وأجور طبقة القوات الشعبية (الطبقة العاملة وجمهور الكفاءات والمهارات العاطلة) من جهة ثانية.
هذا، ومن أجل تنوير القارئ، سأخصص ما تبقى من هذا المقال لأتطرق إلى نقط أساسية في التحولات الدولية السياسية والاقتصادية منذ خمسينيات القرن العشرين إلى يومنا هذا. إنها تحولات احتلت مبكرا حيزا كبيرا في نقاشات رواد المدرسة الاتحادية. إنها محاولة متواضعة مني لتحليل هذه الفكرة في سياق ما عرفه ويعرفه العالم من تطورات بعد الإعلان السياسي عن النظام العالمي الجديد، والإعلان الاقتصادي عن ما يسمى بالعولمة والشمولية. فمن خلال أبحاثي المتواضعة ونقاشاتي مع العديد من الفاعلين المهتمين بالقضايا الفكرية في المدرسة الاتحادية، توصلت إلى حقيقة واضحة تؤكد أن رواد هذه المدرسة، المؤسسين وتلامذتهم، كانوا ولا زالوا يشكلون منبتا خصبا لإنتاج الأفكار الجديدة المرتبطة بالسياقات الجغرافية: الوطنية والإقليمية والدولية، والسياقات الزمنية: الماضي والحاضر والمستقبل. لقد كانوا يعلمون :
1. أن الصراع الإيديولوجي العالمي في حقبة الخمسينات من القرن العشرين، والذي تميز بالتزام رواد الليبرالية بما يسمى بالرأسمالية المقيدة، أي برأسمالية شبه احتكارية متحكمة في التوقعات لم يكن الهدف منه سوى تجنب حدوث الفقاعات، وبالتالي الحيلولة دون الوقوع في الأزمات في زمن الحرب الباردة. وهنا لا بد أن أستحضر بين قوسين أنه في سياق المنطق التحكمي الرأسمالي الذي دام ما يقارب العقدين، وموازاة مع إعطاء الانطلاقة لمرحلة المرور إلى الليبرالية الجديدة في السبعينات، عرف المغرب حدث إعلان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قرار إستراتيجية النضال الديمقراطي مدافعا عن العدالة الاجتماعية في إطار نظام ديمقراطي وحقوقي يمكن الشعب المغربي بكل فئاته من حق التعبير عن اختياراته السياسية عبر صناديق الاقتراع. إنها أرضية سياسية تجاوزت الفكرتين السائدتين والمتصارعتين في تلك الفترة: الملكية العامة لوسائل الإنتاج، والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.
2. أن التطورات السياسية والاقتصادية ما بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصا منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، لم تكن سوى تعبير واضح لإرادة القوى المنتصرة، إرادة توجت بنشوب منافسة قوية بين هاته القوى المهيمنة على المعسكر الرأسمالي. فهي لم تكن تطورات مسنودة على مرجعيات فكرية وعلمية موضوعية صرفة بقدر ما كانت طموح لتحقيق مصالح القوى المنتصرة.
3. أن التطورات المختلفة، وما عرفته من أزمات، ستدفع بلا شك مستقبلا الشركات الكبرى، وبشكل اضطراري، إلى تجاوز ما يسمى بالمنافسة المنسقة بين أشباه الاحتكارات إلى المنافسة المفتوحة “القاتلة “. إنها وضعية سيفقد من خلالها الاقتصاد العالمي التحكم في فائض الاستثمار، وفي القدرة على توقع الطلب الحقيقي وتمييزه عن الطلب “الوهمي”، وبالتالي الوصول إلى مرحلة عجز القطاع المالي وما يعرفه من مضاربة على تغطية ارتفاع تكلفة الإنتاج في الاقتصاد الحقيقي.
4. أن تراكمات الثروات المالية لا قيمة لها ما لم تصاحبها تراكمات في ثروات الاقتصاد الحقيقي، وأن المبالغة في “تمجيد” القطاع المالي قصد إعطاء الانطباع وكأنه قطاع مستقل لن تكون مجدية، ولن تمكن من طمس التناقضات الجذرية للرأسمالية، وبالتالي لن تنجح في فرملة مسلسل ظهور “الصراع الطبقي” بأشكال جديدة وعبر دورات متتالية.
5. أن منطق النيوليبرالية، وما عرفه من تطورات ما بعد إعلان النظام العالمي الجديد في تسعينيات القرن الماضي، لا يمكن أن يتمخض عنه حلولا تنموية حقيقية بالنسبة للدول النامية ما لم يتم توسيع مجال الديمقراطية والحقوق لتتجاوز المجال السياسي، لتشمل بشكل مواز المجال الاقتصادي والاجتماعي. إن التركيز على الاقتصاد الحقيقي هو في حد ذاته تركيز على مفهوم “الأجر” المعبر عن قوة العمل، تركيز يجب أن يمكن الطبقة العاملة من القدرة على استهلاك ما ينتجونه من سلع وخدمات.
6. أنه مهما تم الاجتهاد في إصدار الخطابات الرامية إلى تمجيد الإيديولوجية الرأسمالية، فإن الصراع الطبقي سيبقى في نفس الآن سببا ونتيجة في كل التطورات الاقتصادية والسياسية. محاولات إخماد أزمات النظام الرأسمالي لا يمكن أن تقتصر على شن هجومات ممنهجة على حقوق الطبقة المستأجرة (إضعاف الأجور، الرفع من وثيرة إحداث التراجعات المستمرة للقدرة الشرائية للمستهلكين، التسريحات،….)، وأن هذا الحل لا يمكن له بتاتا أن يضمن ديمومة استغلال الطبقة العاملة من أجل تحقيق طموح رفع معدل عوائد الطبقة الرأسمالية.
7. أن نقل الشركات لعملياتها الإنتاجية إلى الدول النامية للابتعاد عن مخاطر المنافسة الشرسة (المفتوحة) ما بين اقتصاديات دول الشمال، وبدون استحضار هدف تحقيق التنمية البشرية للبلدان المستضيفة، لا يمكن اعتباره إلا مجرد مبادرات ظرفية على شكل مسكنات للأزمات المتتالية للمنظومة الرأسمالية، مسكنات الغاية منها السعي إلى ربح بعض الوقت في مجال إنعاش الاقتصاد الغربي من نزعة الركود التي ألمت به. إنها نزعة تكاد تكون مزمنة. فلا أسواق المال ولا اقتصاد الفقاعات تمكنا من تقديم الحلول الدائمة لها.
إن ما تنبأ له رواد المدرسة الاتحادية مبكرا أصبح اليوم حقيقة ملموسة. فإضعاف الطبقة العاملة بمختلف الآليات والسبل، وإعطاء قيمة مبالغ فيها للقطاع الثالث (القطاع المالي والتجاري)، أسقط المنظومة الاقتصادية في أزمة يرى المتتبعون أنها ليست ظرفية، أزمة كان سببها الأساسي هو التراجعات المتتالية للاقتصاد الحقيقي، وإضعاف الطبقة العاملة، وعدم صدقية الدفع بتقوية الطبقة الوسطى (الطبقة الإدارية في منظور الليبرالية الجديدة). إن مسلسل تفقير هذه الأخيرة، عجل من توسيع الطبقة السفلى وتحويلها إلى ما سمته المدرسة الاتحادية مبكرا بطبقة “القوات الشعبية”. إن الحل، كما تنبأت له مبكرا هذه المدرسة الرائدة في المشهد السياسي المغربي، هو تقوية قدرة الدولة على إدارة الاقتصاد الكلي، أي تمكين الدولة من آليات للتدخل لعقلنة هذه الفوضوية والعمل على خلق ترابط مدروس ومعقول ما بين سياسة الإنتاج وسلسلة التسويق والبيع. فلا يمكن تحقيق الرواج الاقتصادي المزدهر والدائم إلا من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية والتفكير المستمر في الحفاظ على القدرة الشرائية للمستهلكين. فالمرور مثلا إلى مرحلة تخصص العمال في مهام جزئية في الإنتاج، في إطار تطوير نظام التيلوري، لم يتم الإعداد لها من أجل ضمان إعادة توزيع العمال على أساس خلق مهن جديدة وتأهيلهم لذلك في إطار سياسة اجتماعية واضحة المعالم. لقد ثبت اليوم أن الرهان النفسي على تحقيق تفوق الرأسمالية بشكلها الجديد من خلال إضعاف الطبقة العاملة (السند الذي اعتمده كارل ماركس كأساس لمواجهة الرأسمالية الاحتكارية الاستغلالية)، لم تتمخض عنه سوى اختلالات في التوازن. لقد تبين أن الحل لا يتجلى في تحويل الطبقة العاملة من قوة مضادة إلى طبقة تابعة. فهذه الأخيرة، أصبحت اليوم هي أساس أزمة المنظومة الليبرالية الجديدة. فلجوءها، من أجل العيش إلى “الاستدانة”، واللجوء المفرط إلى اقتصاد الفقاعات، جعل اليوم اقتصاد العالم في وضعية غموض شامل نتيجة فقدان قدرة الوحدات الإنتاجية الكبرى على التمييز بين الطلب الحقيقي والطلب “الوهمي”. لقد تبين كذلك أن تراكم الثروات عند الطبقة الرأسمالية جراء الاعتماد على الطلب “الوهمي” لم يحقق التطور السياسي المنشود في العالم. كما اتضح بالموازاة أن محاولات حل أزمات المنظومة الليبرالية الجديدة من خلال التدخل بشكل أو بآخر لحل أزمات دول الجنوب لا يمكن أن يشكل إلا حلا ظرفيا أو ترقيعيا، حل لن يكون وقعه أكثر من وقع مبادرة تدخل الدول الغربية لدعم البنوك من خلال ضخ الأموال في حساباتها كآلية للتخفيف من حدة الأزمات المتتالية. لقد أصبح واضحا أن ما تعرفه دول الجنوب عامة والدول العربية والمغاربية خاصة من تطورات لا يمكن أن يكون إلا نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لمسلسل تهميش طبقة “القوات الشعبية”. إنه أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت بقدر كبير في استفحال ظاهرة العنف القبلي والعقائدي والعشائري في العالم، أسباب قد تساهم في تطوير ظواهر جديدة، قد تعجز المنظومة الليبرالية الحالية على توقها ومعالجتها أو مواجهتها.
خلاصة
في الأخير أقول أن القوى الغربية في اعتقادي الراسخ مطالبة باعتماد السبل الضرورية للتمكن من ترحيل التنمية إلى دول الجنوب، وبالتالي تحويل هذا الترحيل إلى آلية دائمة للرفع من الطلب الحقيقي. وفي هذه النقطة بالذات، أرى أن المغرب يمكن أن يشكل نموذجا في هذا الشأن (نقطة محورية لترحيل التنمية ما بين أوروبا وإفريقيا كما يمكن لتركيا “الديمقراطية المدنية” أن تلعب نفس الدور ما بين أوروبا وآسيا). فبفضل ما عرفه المغرب من تراكمات سياسية منذ الاستقلال، أبرزها التطورات التي تلت محطة تعيين حكومة التناوب التوافقي برئاسة المناضل والمقاوم عبد الرحمان اليوسفي، أرى أنه من واجب الدول الغربية، الأوروبية على الخصوص، أن تجعل منه نموذجا يجسد العلاقات التنموية ما بين الشمال والجنوب. فإضافة إلى التقدم في مجال الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، نجد الدولة المغربية تستعمل كل خبراتها من أجل ربح الوقت الضروري الذي سيمكن البلاد من خلق التوازن ما بين التنمية السياسية والاقتصادية من جهة والتنمية والاجتماعية والبشرية من جهة أخرى. فمشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كنموذج من شأنه أن يقلص من العجز في المجال الاجتماعي. إنه في الحقيقة مشروع تنموي استثنائي على مستوى القارة الإفريقية، مشروع يجب أن يمكن المغرب من ربح الوقت في انتظار تحقيق المردودية المنتظرة من المشاريع الكبرى التي ميزت العهد الجديد (الطرق السيارة، الموانئ، المطارات، السسك الحديدية وقطار فائق السرعة، تأهيل المدن، تهيئة السواحل، المناطق الصناعية، تجهيزات الإقلاع الصناعي،…..). كما أعتقد أن دعوة جلالة الملك مؤخرا (خطاب العرش) للحكومة ولمؤسسات الخبرة (المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب) للقيام بدراسة معمقة لرأس المال غير المادي، هي دعوة إلى رئيس الحكومة للبحث والاجتهاد من أجل توفير الموارد الضرورية، وهي موجودة بوفرة حسب تقارير المؤسسات الدولية، من خلال ضمان استغلال ناجع لرأس المال غير المادي للبلاد، وبالتالي الحد من التمادي في اتخاذ القرارات اللاشعبية، ومن اللجوء المستمر إلى الحلول السهلة كإصدار قرارات تضعف القدرة الشرائية لطبقة “القوات الشعبية”. إن المغرب في حاجة إلى ضمان النجاعة في استغلال رأس ماله بكل أشكاله المادي وغير المادي. على الحكومة في اعتقادي أن تستحضر باستمرار الحقيقة التالية: إذا كان الهدف من الإنتاج الرأسمالي هو استخراج فائض القيمة من عمل الطبقة العاملة، فإن العلاقة بين الرأسمال المتغير (الأجور)، وفائض القيمة (الأرباح) تكتسي أهمية كبيرة لدى كل السياسيين والمسؤولين في العالم، وأنه لا يمكن التمادي في دعم الزيادة في كمية القيمة الثانية على حساب الأجور. كما على رئيس الحكومة أن يعلم كذلك، أن الزيادة في قسم فائض القيمة في سياق الأزمة العالمية الخانقة من شأنها أن تشكل سببا رئيسيا في اشتداد حدة صراع الطبقات في بلادنا، وعليه أن يعتبر كذلك الحركات الاحتجاجية وردود الفعل النقابية آلية ضرورية للتعبير على الصراع الطبيعي بين الأجور والأرباح بمختلف أنواعها وأشكالها من أجل خلق التوازن النسبي في توزيع الثروات المنتجة. فعجز الحكومة عن إنتاج الثروات الكافية هو عائق ذاتي، وبالتالي لا يمكن تغطيته بقرارات قد تعصف بالاستقرار المجتمعي. وهنا أعتقد أن الإشارة الملكية إلى دراسة رأس المال غير المادي وتوزيع الثروات إشارة قوية يجب أن تشكل منذ اليوم نقطة تحول في السياسات الحكومية.

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن مواقف صاحبها ولا تلزم موقع برلمان.كوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.