كعادته، خرج عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق والأمين العام سابقا لحزب العدالة والتنمية، والمستفيد لاأخلاقيا من عدة معاشات، من جحره في بيته بحي الليمون في الرباط، ليلقي خطبة أمام شبيبة حزبه تبين من خلالها أن الرجل أنهكه التهميش والتنكيل، ففقد قواه التوازنية، وربما العقلية. والحمد لله أنه تماسك نفسه شيئا ما، فلم يخلع عباءته الصيفية أمام الحاضرين. نعم، صرخ ابن كيران بأعلى صوته، وشكا أمام مريديه مكر الماكرين، وقذف ولعن وسب يمينا ويسارا، ولم يسلم من شتمه أعضاء ولا قياديي حزبه، بمن فيهم سعد الدين العثماني. ولم يسلم أيضا رئيس مجلس النواب الحالي الحبيب المالكي، ولا وزير الشباب والرياضة الطالبي العلمي. بل لم تسلم الصحافة أيضا، والحقيقة أن ابن نكيران ذكّرنا بشاعر الهجاء، الحطيئة، الذي شتم الجميع، حتى لم يبق أمامه غير وجهه، فهجاه بالبيت الشهير: أَرَى لِي وَجْهًا قَبَّحَ اللَّهُ خَلْقَهُ * * * فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وَقُبِّحَ حَامِلُهُ ووالله لو كان يملك عبد الإله ابن نكيران ذرة حياء واحدة، لطلب من مساعديه تلخيص ردود فعل رواد التواصل ممن تابعوا “اللايف”، ليرى بعينيه كيف كال له المواطنون تحقيرا وشتما وقدحا وتنكيلا. وكيف أن أغلب المتفاعلين مع خطبته صارحوه بأنه مجرد كاذب ومدعي ومتطاول، وطالبوه بالصمت ما دام الصمت حكمة. وقد ظهر ابن نكيران بمظهر المتألم المجروح، الذي لم يستسغ الإبعاد عن رئاسة الحكومة، أو عن قيادة حزبه، فانقلب ساخطا يلعن الجميع. وفي هذا لا يعلم صاحبنا أن إحدى الدراسات الحديثة التي أجرتها جامعة “كيل” البريطانية كشفت مؤخرا أن الشخص عندما يقوم بتوجيه السباب والشتائم إلى غيره، فإنه بذلك يحاول التخفيف من آلامه وأوجاعه البدنية والنفسية. لكن الخطير في انحرافات رئيس الحكومة السابق، أنه أصبح يكشف للناس وجها آخر من وجوهه التي لم يعرفه الناس بها. ومنها أنه ناقم على المجتمع بأخلاقه، ومعاملاته، وقيمه، ودينه، وقوانينه. وأنه يدوس كل المبادئ والأعراف التي طالما ادعى تبنيها. فقد انبرى هذا الرجل غير عابئ بقواعد الدين الإسلامي التي تحرم الشتم والسب وإفشاء الأسرار وخيانة المجالس. كما أنه ضرب بعرض الحائط بالقوانين التي طالما ترأس من أجل تشريعها مجالس للحكومة، وترافع مدافعا عنها أمام البرلمان. فالشتائم التي تفوه بها، ووجهها للآخرين، لا تليق بمقام مسؤول سياسي وحكومي سبق أن ترأس الحكومة، وقاد أقوى حزب بالبرلمان في الفترة الحالية والسابقة. بل إنها لا يجب أن تصدر عن إنسان يدعي التدين والخوف من الله واليوم الآخر. فحين يصف هذا الشخص غيره ب”الوضيع أو الحقير”، فهو يعلم مسبقا أن هذا الأمر محرم في الدين الإسلامي، ولكنه يتحدى كل القواعد والعقائد. فبالله عليك يا عبد الإله، هل تنتظر مني، أنا أبو أمين، أن أخبرك بقول الله تعالى في كتابه العظيم: “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا”. وهل تنتظر مني أن أطلعك على الحديث المتفق عليه لخير الأنبياء: “سِباب المُسْلِمِ فُسوقٌ، وقِتَالُهُ كُفْرٌ”. فيا رجل الدين فإني لست أدرى منك معرفة في أموره، ولكنني أتأسف عما آل إليه حالك ومصيرك. ياااه، كم أبكي حسرة على وضعك الذي لم ترحمه بالتزام الحكمة والسكينة والهدوء!! وها لسانك قد زاغ عن السبيل فحولته إلى خنجر تغرسه غيبا في ظهور المؤمنين، وأنت العارف بيوم المصير، وبما وعد به الرسول الكريم المفلسين من قومه حين قال: “المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا.. فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار”. فيا بنكيران “إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة، فليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء” والكلام أيضا للرسول الكريم. أنت لم تكتف يا ابن كيران بشتم الناس بل تطاولت على المجالس، وخنت الأمانات، وأفشيت أسرارا وادعيت أشياء لم تكن صحيحة. وكم كذبت وادعيت يوم كنت رئيسا للحكومة، وحملت لقاءاتك بملك البلاد بما لا يمكن للقصر الملكي ان يأبه به أو يعيره قيمة،او يصدر بخصوصه بلاغا. ولعلك تذكر جيدا تلك “النكتة الحامضة”، أو تذكر ما كنت تدعي أنك حكيته بحضرته الموقرة، والله تعالى يقول “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُم”. ويا رجل الدولة ورئيس الحكومة السابق، إن القانون الجنائي المغربي ينص على عقوبات وغرامات كبيرة لكل من تاه لسانه عن جادة الصواب، وانكب بالشتائم على عباد الله. وفي فصله 443 يقول: “يعد سبا كل تعبير شائن أو عبارة تحقير أو قدح لا تتضمن نسبة أي واقعة معينة”. وإن أجمل ما قرأت في هذا الباب، ما نقله أحد الشيوخ: “وصاحبُ الخُلُق الدَّنِيء، واللِّسانِ البَذِيء، الطَّعَّانُ في الأعراض، الوقَّاعُ في الخلقِ، القذَّافُ للبُرَآء، الوثَّابُ على العباد، عيَّابُ المُغتاب، الذي لا يفُوهُ إلا بالفُحشِ والسِّباب لا يكونُ مُصلِحًا ولا ناصِحًا ولا مُعلِّمًا. وليس المُؤمنُ بالطعَّان، ولا اللَّعَّان، ولا الفاحِشِ، ولا البَذِيء. وما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سبَّابًا، ولا فحَّاشًا، ولا لعَّانًا، وقال: “إني لم أُبعَث لعَّانًا، وإنما بُعِثتُ رحمة”. ماذا بقي لي أن أقول لك في آخر هذا المكتوب السريع غير كلام الله الذي لعلك تحفظه “مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”. ومادمت نعتت الناس بالحقارة والوضاعة، فلا بأس أيضا أن أذكرك بكلام الشاعر: لا يَرْضي الذلَّ إِن ينزلْ به أبداً … إِلا الجبانُ الوضيعُ النفسِ والشيمِ وكلام شاعر آخر: وإِذا الشريفُ لم يتواضعْ … للأخلاءِ فهو عينُ الوضيعِ فتابع تيهانك ما شئت يا بنكيران، فأنت وجسمك مجرد نطفة، بل وإنك وعاءٌ لِما تعلمُ.