لم يكن بودي أن أحشر قلمي في قضية عادية موجودة أمام القضاء، لكن الذي دفعني إلى الكتابة هي تلك الأقلام التي تحولت إلى سكاكين تذبح الرأي وتلطخ الكتابة يوميا بخربشاتها وتدويناتها التافهة والفوضوية. لم أتحمل أن يستخدم كاتب صحفي عبارات من قبيل “القح…” في حق صحافية، و “التبول والخر…على القانون” ويحول مقاله إلى محرقة للقوانين والقيم. وأن يتحدث برلماني سابق في تدوينته عن “البياخة والعورات”، علما أن نفس اليد التي كتب بها، هي التي كان يمارس بها العادة السرية، لاستغلال جسد فتاة مراهقة عبر الإنترنت. المطلوب حاليا ليس هو تحقير النقاش، وجعله سفيها، وتافها، وفوضويا. بل المطلوب هو الاستفادة من حيثيات قضية هاجر الريسوني للرقي بالحوار والسمو به، إلى ما ينفع المجتمع والوطن. والمطلوب عاجلا لا آجلا، هو فتح حوار واقعي وموضوعي حول بعض القوانين المعمول بها في المغرب، وخاصة تلك التي لا تواكب التطور والحداثة والانفتاح، الذي أردناه لهذا الوطن، ضدا على الأفكار الهدامة، والتخلف والتحجر، وكلها جعلت من هاجر الريسوني ضحية في أكثر من مناسبة : مرة حين جاءت من البادية فوجدت أمامها ذئابا وضباعا في غابة مجتمع لا يرحم. ومنذ دخولها الرباط، وهي تتعرض لهذه الممارسات التي تحفظت بنفسها عن ذكرها علنا لدى الشرطة. بدءا من علاقتها بشخص كان يشتغل كسالا بحمام تقليدي بمدينة أكادير، ودون الخوض في جزئيات علاقة مع صحافي بالرباط، انتهت ب”الشوهة”، حين علمت زوجته بالأمر. وسواء كانت هاجر ضحية لرغباتها، أو للوعود الكاذبة في محيطها، فإن جسدها لم يكن في كل هذه المراحل ملكها، قبل الانتهاء بها إلى نزوة هذا الطالب، الذي كان بإمكانه إقناعها بالحفاظ على الجنين، وهي على بضع أيام من إجراءات الخطبة كما ادعت. والممارسات الأخرى التي حولت هاجر إلى ضحية هي حين يعمد البعض إلى نعتها بألقاب ذات فكر مرجعي، لا يليق برغباتها المتحررة كعبارة “سليلة عائلة الريسوني”. ومثل هذه الألقاب التي تحيل إلى فكر حركي ينظر إلى العلاقات الاجتماعية بعيون التطرف والتخلف، أو بوصفات غريبة تعتمد أحيانا “زواج الفاتحة” لشرعنة العلاقة بين الرجل والمرأة. ومثل هذه النظرة هي ما جعلت من هاجر ضحية خطاب مزدوج، يناقض فيه دماغها الغطاء الذي يغطي رأسها. فهذه الفتاة لم تكن، حسب كل المعطيات المتوفرة، سليلة فكر ريسوني يرأس زعيمه اتحاد العلماء المسلمين، وإلا لما التجأت إلى إزهاق روح في طور التكوين، ولما مارست الجنس خارج علاقة الزواج الشرعي. والواضح إذن، أن هاجر كانت منفتحة ومتحررة، ولم تكن لها أية سوابق قضائية، وأن الصدفة هي التي جعلتها شريكة في عملية تدخل في إطار محاربة “مافيا الأطباء” الذين حولوا عياداتهم إلى نهب جيوب المواطنين، عبر استغلال هذه الممارسات. واليوم، هاهي هاجر تقع مرة أخرى ضحية أقلام رخيصة داخل المغرب وخارجه، تتناول قضيتها بشكل فوضوي وتافه، تسعى إلى تحويلها من قضية عادية، إلى قضية اعتداء على الحرية وحقوق الإنسان. فإذا كانت هاجر حرة في جسدها فعليها أن تكون أيضا حرة في فكرها وفي قضيتها، وأن تدعو دفاعها إلى الخروج ببلاغ يطلب من كل هذه الجماعات أن تحترم القانون والعدالة، الذين يسموان فوق كل هذه النقاشات والتدوينات والخربشات الساعية إلى تسييس قضية هاجر وتدويلها، في وقت لا يمكن لهاجر أن تقبل بذلك. إن العاقل من القوم في مثل هذه الأحداث، هو من ينكب على التفكير في كيفية الاستفادة من قضية هذه الشابة، للعمل على إصلاح القوانين، وتغييرها كي تكون في مستوى انفتاح الوطن، وطموحاته المستقبلية. نعم بإمكاننا جميعا أن نوحد الجهود، ونجعل من هذه الفرصة خطوة للإصلاح والتغيير، وليس للإسفاف والسخافة، والضرب في القوانين، وفي الأجهزة الأمنية، وفي النيابة العامة، وفي العدالة المغربية. إن المسؤولية والواجب يحتمان علينا اليوم، أن لا نلقي باللوم على الأجهزة الساهرة على تنفيذ القوانين، لأن هذه الأجهزة ماهي إلا منفذة، ولا علاقة لها بمجال التشريع. وإن الأجدر، أن نتوجه جميعا كمجتمع مدني، وكإعلام، وكأحزاب، إلى العمل في اتجاه تحريك المتجمد، وتليين المتصلب، ومراجعة القوانين وتحديثها، كي نساهم معا في تطوير وسائل تنظيم مجتمعنا، ونرقى بقيمه دفاعا عن أمنه واستقراره. وانطلاقا من هذه الزاوية، سنساهم جميعا في بناء مجتمع حديث ومنصف، ومحاربة مافيا الأطباء من منعدمي الضمير الذين يستغلون السوق السوداء للاغتناء، والعبث خارج القانون. إن البرلمان يجب أن ينكب في أقرب وقت على تخليص مجتمعنا من كل الشوائب التي تضيق علينا الكثير من فرص النمو. وعليه أن يشرع في اتجاه منح الطبيب حق تقدير حالات الإجهاض. ومنح المرأة حق الحفاظ على الجنين أو إسقاطه. مع مراعاة عدة أحكام تستند على قيم المصلحة العامة، وقيم الأخلاق والفضيلة. إن التدوينات لن ترقى إلى مستوى القانون مهما كانت معارف كاتبها، وإن استعجالية فتح نقاش نافع للمجتمع هي أرقى وأسمى من كل هذه الشطحات والسخافات، التي يسعى البعض من خلالها إلى الإساءة إلى الوطن، وتشويه سمعته. الخطأ فينا نحن؛ كجمعيات، وكإعلام، وكأحزاب ممثلة في البرلمان، وليس الخطأ في أجهزة الشرطة أو النيابة العامة أو القضاء. أما الذين يلجؤون إلى الصحافة الأجنبية لتعويم القضايا الداخلية أو تدويلها، فلهم في قوانين فرنسا والولايات المتحدة، ألف درس لاستيعاب حجم المضايقات التي تفرضها هذه الدول على النساء الراغبات في الإجهاض.. وذاك نقاش آخر يمكن أن نفتحه لاحقا.