يبدُو أن الذكرى الأولى لرحيل عبد االله باها، القيادي بحزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح، ووزير الدولة سابقا، لن تمرٌ دُون أن ترافقها أسئلة التشكيك في الطريقة التي رحل بها إلى دار البقاء، والذي لقي حتفه تحت عجلات القطار بواد الشراط في مدينة بوزنيقة، مساء يوم الأحد 7 دجنبر من العام الماضي، ليشكل حدثا مفجعا في تاريخ السياسيين المغاربة. الجميع يذكر الحادث المأساوي، حسب التفاصيل التي بين يديه، توجه باها لموقع الحادث الذي قضى فيه أحمد الزايدي قيادي الاتحاد الاشتراكي، ترجل من سيارته وتوجه عبر الخط السككي نحو منحدر يطل على البركة التي غرقت بها سيارة الزايدي بواد الشراط بمدينة بوزنيقة.. جاء القطار فجأة، وحول جسد باها إلى أشلاء. كثيرون لم يستسيغوا الرواية البسيطة للقصة، (الرجل شرد وهو يفكر في مصير رجل من رجالات الدولة.. قضى حياة لامعة مليئة بالنجاحات والانجازات، ومات تحت جسر محاطا بالمياه، لم ينتبه باها لصافرات القطار وتأخر في اجتياز السكة فصدمه القطار)… هذه رواية غير مقنعة للعديدين، الذي لا يفهمون كيف لم تنبه الصافرات المدوية للقطار الراحل باها، وكيف لم تجتذبه من حلم يقظته، وكيف لم يتمكن من تجاوز السكة الحديدية لينجو ببدنه، هل هاله المنظر فتأخرت ردود فعله؟ أم أنه اختار أن يظل واقفا؟ حادث؟ قضاء؟ مؤامرة؟ انتحار؟ كلها احتمالات مفتوحة، يضرب بعضها بعضا، لكن أيها الأقرب على الأقل من المنطق إن لم نقل الحقيقة. أشرنا إلى إمكانية أن يكون مجرد حادث، تعثرت قدماه وهو يحاول المغادرة، أو كان غارقا في أفكار بعيدة، وقد يكون قضاء فقط بكل ما تحمل الكلمة من معاني غيبية ولاهوتية، عطلت قدرات باها على التحرك. ولكن جنح البعض إلى أنها مؤامرة أو اغتيال، كلام استقينا جميعا ملامحه من تصريحات رفيقه المفجوع عبد الإله بنكيران أياما قليلة، بعد رحيله، ليسحبها فيما بعد، وكما تحوم علامات الاستفهام حول أحمد الزايدي، فتحت أقواس جديدة في قصة باها. لكن من هم أعداء عبد الله باها؟ ذاك الرجل الذي تفادى طيلة حياته المصادمات والمشادات، وكان صديقا حميما أو خصما نبيلا في عيون جميع المحيطين به، هل هدد مصلحة بعيد أم أثار غيرة حبيب؟ نظرية المؤامرة تزداد تعقيدا عندما نتكلم عن باها بالذات، الرجل الذي لم يقد تيارا معارضا ضد حزبه بل سعى دائما إلى لم شمله، الحديث هنا عن رجل لم تكن له حسابات طافية “على السطح” مع أي غريم سياسي، كان ذاك الرجل الذي يعمل في الخفاء، تلك اليد اليمنى التي ترسم الخطوط العريضة ولكنها تكتفي بالظل. الخوض في نظرية المؤامرة أكثر من ذلك سيجر كلاما فضفاضا وغير مسؤول، ولعلها على أي حال أحد أسخف الاحتمالات وأضعفها. غير أن عبد الإله بنكيران كان قد قال في تجمع لحزبه بالدشيرة:” هناك من يهددنا ونحن نعرف قراءة الرسائل، لكننا لا نريد أن نفضح الأمور، وإذا مات السي باها فنحن مستعدون للموت في سبيل الله”، يورد بنكيران. الإحتمال الثالث يجرنا للحديث عن فرضية الانتحار التي يرفض قياديو وأعضاء حزب العدالة والتنمية التداول فيها، معتبرين أن الراحل فقيه إسلامي ورجيح العقل. غير أن هذا لا يعني أنه محصن ضد الأزمات النفسية وضغط العمل والإبتزاز والفضائح وكل ما من شأنه أن يدفع بالإنسان إلى إختيار الموت هروبا من المواجهة. فرضية الإنتحار لا يمكن إغفالها بإعتبارها أقوى الفرضيات في حوادث القطارات، وخصوصا وأن سائق القطار أكد أن عبد الله باها كان وحيدا فوق الجسر بعيدا عن أي ممر و أنه قد دخل السكة ثم توقف وأمسك رأسه بين يديه قبل أن يصدمه القطار. أسئلة محيرة بحق.. لماذا توجه باها لذلك المكان؟ مصادفة، اتخاذ للعبرة؟ توجه لا إرادي؟ بحث عن أجوبة؟ احباط؟ كلها احتمالات مفتوحة، ولا زال الجواب شاردا بعد عام من الرحيل.