الإفراج بالإكراه: كيف أرغمت ألمانيا النظام الجزائري على إطلاق سراح بوعلام صنصال    التقدم والاشتراكية: البلورة الفعلية للحُكم الذاتي في الصحراء ستفتح آفاقاً أرحب لإجراء جيلٍ جديدٍ من الإصلاحات    تفكيك شبكة إجرامية تهرّب الحشيش من المغرب إلى إسبانيا بواسطة طائرات مسيّرة    للا زينب تترأس حفل توقيع اتفاقية شراكة لدعم البرنامج الاستراتيجي للعصبة المغربية لحماية الطفولة    بعد ضغط أوربي... تبون يعفو عن الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال        البواري يتفقد الفلاحة ببنسليمان والجديدة    عامل إقليم الحسيمة يترأس لقاء تشاورياً حول برامج التنمية الترابية المندمجة (فيديو)    بنكيران يدعو لدعم إمام مغربي حُكم بالسجن 15 عاما في قضية "صامويل باتي"    أشبال الأطلس يرفعون التحدي قبل مواجهة أمريكا في مونديال الناشئين    الحكم الذاتي: من الإقناع إلى التفاوض إلى التطبيق ..    مدرب مالي: حكيمي لاعب مؤثر وغيابه مؤسف للمغرب    توقيع اتفاقية شراكة بالرباط للنهوض بالثقافة الرقمية والألعاب الإلكترونية    الرباط.. إطلاق النسخة الثالثة من برنامج "الكنوز الحرفية المغربية"    عجز في الميزانية يقدر ب55,5 مليار درهم عند متم أكتوبر المنصرم (خزينة المملكة)    فاجعة خريبكة.. بطلة مغربية في رفع الأثقال بنادي أولمبيك خريبكة من بين الضحايا    عروشي: طلبة 46 دولة إفريقية يستفيدون من منح "التعاون الدولي" بالمغرب    مجلس النواب يعقد جلسات عمومية يومي الخميس والجمعة للدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2026    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية مرتقبة بعدة مناطق بالمملكة غداً الخميس    رياح قوية وزخات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    رئيس برشلونة يقفل الباب أمام ميسي    الاسبانيّ-الكطلانيّ إدوَاردُو ميندُوثا يحصد جائزة"أميرة أستورياس"    مسارات متقاطعة يوحدها حلم الكتابة    في معرض يعتبر ذاكرة بصرية لتاريخ الجائزة : كتاب مغاربة يؤكدون حضورهم في المشهد الثقافي العربي    على هامش فوزه بجائزة سلطان العويس الثقافية في صنف النقد .. الناقد المغربي حميد لحميداني: الأدب جزء من أحلام اليقظة نعزز به وجودنا    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    عمالة المضيق الفنيدق تطلق الرؤية التنموية الجديدة. و اجتماع مرتيل يجسد الإنتقال إلى "المقاربة المندمجة"    مصرع 42 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    "الكان" .. "دانون" تطلق الجائزة الذهبية    منظمة حقوقية: مشروع قانون المالية لا يعالج إشكالية البطالة ومعيقات الولوج للخدمات الأساسية مستمرة    ترامب يطلب رسميا من الرئيس الإسرائيلي العفو عن نتنياهو    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    لجنة المالية في مجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    اختلاس أموال عمومية يورط 17 شخصا من بينهم موظفون عموميون    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    مستشارو جاللة الملك يجتمعون بزعماء األحزاب الوطنية في شأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في األقاليم الجنوبية    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    وكالة الطاقة الدولية تتوقع استقرارا محتملا في الطلب على النفط "بحدود 2030"    السعودية تحدد مواعيد نهائية لتعاقدات الحج ولا تأشيرات بعد شوال وبطاقة "نسك" شرط لدخول الحرم    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية    إسرائيل تفتح معبر زيكيم شمال غزة    حجز آلاف الأقراص المهلوسة في سلا    تقرير دولي: تقدم مغربي في مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال    الأمم المتحدة: الطلب على التكييف سيتضاعف 3 مرات بحلول 2050    ليلة الذبح العظيم..    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعثات التعليمية في العهد الحسني -الحلقة 16 –
نشر في بيان اليوم يوم 24 - 05 - 2019

لم يطرح موضوع الإصلاح في المغرب إلا بعد الاصطدام بالدول الأوروبية من خلال حدثين كان لهما أثر بالغ في نفوس المغاربة. يتجلى الأول في هزيمة المغرب أمام القوات الفرنسية في معركة إيسلي، حيث شكلت هذه الهزيمة التي لم يكن أشد المتشائمين بتوقعها، صدمة للنخبة السياسية المغربية، وطرح سؤال الذات لدى النخبة المثقفة والقادة السياسيين. ويتجلى الثاني في الهزيمة النكراء في حرب تطوان أمام إسبانيا، حيث استفحلت الأوضاع مرة أخرى، وانعكس ذلك على الأوضاع الداخلية وزادتها تأزما، وفقدت الدولة المغربية هيبتها السياسية والعسكرية في الساحة الدولية فانكسرت شوكتها. كما كشفت معركة إيسلي عن تقادم النظم السياسية والعسكرية والتعليمية المغربية التي اعتمدتها سياسة البلاد في خضم صيرورتها التاريخية، فأصبح الإصلاح ضرورة ملحة تفرضه الظرفية آنذاك، وشمل بالخصوص الجانب العسكري الذي أخذ حيزا مهما. كما أن الجانب التعليمي نال هو الآخر قسطا بعكس الأول، من خلال إرسال بعثات طلابية إلى الخارج.
شكلت البعثات التعليمية في العهد الحسني، لحظة تاريخية مهمة في التعليم العصري، وكان الهدف المقصود من إرسال البعثات توفير الكفاءات الوطنية اللازمة لتنفيذ المشاريع الإصلاحية التي برمجها السلطان في سياسته. فانكب اهتمامه على هذه البعثات لتنفيذ طموحه السياسي بعد عودتها للنهوض بالمرافق الحيوية، الشيء الذي نلمسه في التوزيع الجغرافي لطلبة البعثات، حيث تم توزيعهم على العديد من الدول الأوروبية.
سنركز في هذه الحلقات على أن نتائج البعثات لم تكن بارزة ومؤثرة في بناء دولة مغربية حديثة، كل ما سبق ذكره يجعلنا نطرح مجموعة من الإشكالات التي حاولنا الإجابة عليها بالتفصيل في الفصول الآتية:
كيف جرى انتقاء الطلبة الواقع عليهم الاختيار بغية إرسالهم للدراسة بالخارج ؟ وهل تمت دراستهم في ظروف ملائمة ؟ وإلي أي حد يمكن تفسير سيطرة العائلات الكبرى على السير العام لهذا المشروع الإصلاحي؟ وهل كان هناك تنويع في البلدان الأوروبية التي قصدها طلبة البعثات لإكمال دراستهم بها ؟ هل يمكننا الحديث عن تقييم الحصيلة إذا كانت إيجابية أم سلبية ؟ وما هي العوامل المؤثرة على المشروع الإصلاحي وساهمت في إفشاله
بموجب تصاعد حدة المطامع الأوروبية على المغرب، وفي مقدمتها المطامع الفرنسية التي تود الانفراد بالمغرب، سلك المخزن سياسة دبلوماسية دفاعية تمثلت في إرسال سفارات وعقد اتفاقيات جرت المغرب إلى تحصيل نتائج وخيمة، وما نود الإشارة إليه هو مشاركة بعض الطلبة الذين درسوا بالخارج في هذا التوجه، ويأتي على رأسهم محمد الجباص، ومحمد الكعاب، والزبير سكيرج، والجبلي العيدوني، والطاهر بن الحاج الأودي.
فلقد شارك الجباص بصفته عضوا رئيسا والكعاب بصفته ترجمانا في السفارة التي توجهت إلى باريس وبطرسبورغ خلال سنة 1319ه/1901م. كما شارك الزبير سكيرج بصفته ترجمانا في السفارة التي قصدت في نفس السنة لندن وبرلين.
ويتحدث الزبير سكيرج في مذكرته عن تعيينه في السفارة الموجهة لمدريد لعقد الشروط المعروفة أثناء مؤتمر مدريد 1296ه/1880م.
ترجم سييج لمحمد الجباص قائلا« : اضطلع محمد الجباص، بعد فترة تكوين بالمدرسة العسكرية شاتهام ببريطانيا ما بين 1877-1880م، بالعديد من المهام والمسؤوليات، ومنها مرافقته سفارة بن سليمان إلى باريس سنة 1901م، وكلف برئاس اللجنة الفرنسية المغربية لضبط الحدود…».
ويستفاد من كتاب الاستبصار أن صاحبه الطاهر بن الحاج الأودي قد شارك بصفته ترجمانا في سفارتين إلى فرنسا أولهما برئاسة الوزير علي بنمحمد المسفيوي سنة 1880، وثانيهما برئاسة القائد الحاج المعطي الكبير المزامري سنة 1324ه/1906م. كما رشح الطاهر بن الحاج الأودي لترجمة مقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء. وبصدد الترجمة، تجدر الإشارة إلى أن السلطان الحسن الأول قد عمل على خلق نواة مصلحة إعلامية بتشكيل« مكتب الترجمة» يعهد إلى أعضائه بترجمة أهم مقالات الصحف الأجنبية الصادرة بطنجة، وقد كان كل أعضاء هذا المكتب من الطلبة الذين درسوا بأوروبا.
أما بخصوص المجال الإداري، تؤكد المصادر أن الخريجين الذين تم تشغيلهم لم تكن تتجاوز مهامهم القيام ببعض الأعمال الجامدة في المكاتب الجمركية بمدينتي الرباط وطنجة، غير أن إحدى الدراسات الأخيرة لا تستبعد أن يكون تهييء وإعداد« ترتيب 1884» كأهم إصلاح إداري وجبائي شهده مغرب القرن التاسع عشر قد تم على يد الأطر المغربية التي درستها بأوروبا، حيث تم تعيين محمد الجباص بعد عودته من انجلترا للإشراف على هذا الترتيب.
تبقى الإشارة أنه إذا كان اهتمام السطان الحسن الأول بإصلاح المراسي وتحصين الثغور وبناء الأبراج قد اقتضى الاعتماد على الخبرة الأجنبية تأطيرا وتجهيزا، فإن عودة بعض أفراد البعثات قد سجلت البدايات الأولى للاعتماد على الخبرة المحلية في إنجاز مثل هذه الأعمال، وذلك استنادا إلى بعض المذكرات التي تفيد أن أصحابها كلفوا من طرف المخزن بالعمل إلى جانب الخبراء الأجانب.
ومن المفيد أن نختم حديثنا عن النتائج العملية لتجربة البعثات بإيراد فقرات من مذكرة الزبير سكيرج.تعرفنا من جهة بالمهام وبعض الخدمات الحديثة العهد التي قام بها. كما تطلعنا من جهة ثانية على مثال لبعض الحالات النادرة جدا التي تبرز حدود الاستفادة من خبرة ومعارف هذه الأطر.
فبعد التذكير بتاريخ ذهابه إلى انجلترا ومدة دراسته بها كتب ما يلي« : … وسنة 1297 رشحت لمساعدة المهندس الانجليزي المكلف بتشييد أبراج طنجة، وتركيب المدافع )…( وسنة 1299 طوقت بتركيب موازين ديوانات المراسي الثمانية بجميع ما تحتاج إليه وسنة 1301 خصصت بالوقوف على تتميم أبراج طنجة لاستغناء المخزن الشريف عن المهندس السالف الذكر، فقمت بهذا المهم الشامل لتركيب المدافع ببرج باب المرسى أتم قيام، وسنة 1303 كلفت بإصلاح دوران المدفعين المركبين بإشارة المهندس الانجليزي المشار إليه سابقا )…( وبالسنة عينها توليت مساعدة المهندس الألماني المكلف ببناء برج رباط الفتح )…( واستهلكت ما بين 1312-1314ه في بناء ديوانات القبض بالمراسي الثمانية، وإنشاء ديوانيات الجمرك بالساحل البحري لمرسى الصويرة. وسنة 1315 وعلى ظهر )البابور( الحسني كلفت بالتجوال في السواحل السوسية والصحراوية الجنوبية للاطلاع على مراسيها ومعرفة طبيعة أراضيها وشرح أحوالها فقمت بهذا الواجب، وضمنت ما يخص ذلك كناشا للجانب العالي .سنة 1317 عينت ب)الكرونطلية( الحجر الصحي بجزيرة الصويرة مع الدكتور أرينو، المعين من قبل نواب الدول بطنجة )…( وسنة 1327 انتخبت لإدارة أعمال ضريبة المباني بمدينة تطوان )…( وبربيع النبوي سنة 1345 اقتضت الإدارة السنية والجلالة الحسنية تسميتي مديرا عاما للأملاك المخزنية لتنظيم مداخلها».
نلاحظ أن أفراد البعثات التعليمية المغربية لما عادوا إلى المغرب، تم توضيفهم في تخصصات بعيدة عن تكوينهم وتوجيههم الدراسي، وبهذا فإن قلة قليلة من جرى توظيفها في مجال تخصصها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.