فوضى ''الدراجات النارية''.. تحد وعبء ثقيل على الشرطة والدرك بإقليم الجديدة    المغرب يجدد التزامه بنظام عالمي منصف للملكية الفكرية في اجتماع الويبو بجنيف    لوكا مودريتش يعزز صفوف ميلان الإيطالي    في بيان المؤتمر الإقليمي السابع لأكادير إداوتنان دعا إلى توحيد الصف واستنهاض كافة الطاقات من أجل استعادة الريادة تنظيميا وسياسيا بالإقليم    استمرار ‬ارتفاع ‬أسعار ‬الأسماك ‬والخضر ‬والفواكه ‬يزيد ‬من ‬إثقال ‬كاهل ‬المغاربة    نزار بركة يؤكد من العرائش: اهتمام خاص بقطاع الموانئ والنقل الجوي بجهة الشمال    المغرب ‬يواصل ‬تعزيز ‬صمود ‬المقدسيين ‬في ‬مواجهة ‬الاحتلال        تشيلسي يختبر صلابة فلومينينسي في نصف نهائي كأس العالم للأندية    قطاع الإسمنت بالمغرب يسجّل أداء إيجابيا في النصف الأول من 2025    العمراني: دفاعنا عن تطوان التزام أخلاقي يسبق الممارسة السياسية وجلبنا للإقليم مشاريع هامة    توقعات احتياجات الخزينة تتراوح بين 12 و12,5 مليار درهم في يوليوز الجاري    جواد الزيات يعود لرئاسة الرجاء الرياضي لكرة القدم    عودة المياه بشكل طبيعي إلى إقامة النجاح بسلا بعد تدخل عاجل    جمود في مفاوضات الدوحة بشأن وقف إطلاق النار في غزة    مبابي يسحب شكوى المضايقة الأخلاقية ضد سان جرمان    عواصف وأمطار غزيرة تتسبب في فيضانات وانهيارات أرضية بعدة مناطق بإيطاليا    مجلة أوليس الفرنسية: المغرب يجذب بشكل متزايد كبار المستثمرين    المغرب وألمانيا يبحثان الارتقاء بعلاقتهما إلى "شراكة استراتيجية"    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    وفاة الطالبة آية بومزبرة يُخيم بالحزن على قلوب المغاربة    المغرب يكثف جهود الإنذار والتوعية من مخاطر موجات الحر            بورصة البيضاء تبدأ التداول بالتراجع    بايرن ميونخ على أعتاب توجيه ضربة لبرشلونة الإسباني في الميركاتو الصيفي    إلغاء مباراة المركز 3 بمونديال الأندية    "كان" السيدات.. المنتخب المغربي يختتم تحضيراته تأهبا لمواجهة الكونغو في ثاني الجولات    مقتل 5 جنود إسرائيليين بكمين لكتائب القسام في شمال قطاع غزة    شرطة السياحة بأكادير تؤكد قانونية تدخلاتها ضد الإرشاد العشوائي    أمريكا تلغي تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية أجنبية    بعودة حنان الابراهيمي.. سعيد الناصري يصور "تسخسيخة"    مؤسسة منتدى أصيلة تسدل الستار على الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي ال46 (صورة)    بتوجيه من نظام تبون.. مدرب الجزائر يُجبر على إخفاء اسم المغرب من شارة كأس إفريقيا    تهديدات بفرض رسوم جمركية جديدة على دول "البريكس".. كفى للحمائية غير المجدية    بنعلي: غياب تمثيلية الجالية غير مبرر    حضره ممثل البوليساريو.. محمد أوجار يمثل حزب أخنوش في مؤتمر الحزب الشعبي الإسباني    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    أوزين: الصحة تنهار وشباب المغرب يفقد ثقته في الدولة    حزب "فوكس" الإسباني يهاجم معرضًا مؤيدًا للبوليساريو: ترويج لعدو إرهابي قتل مئات الإسبان    مهرجان ثويزا يشعل صيف طنجة بالفكر والفن والحوار    بلاغ إخباري حول تجديد مكتب جمعية دعم وحدة حماية الطفولة بالدارالبيضاء    التوقيع على مذكرة تفاهم بين المغرب والمنظمة العالمية للملكية الفكرية للحماية القانونية للتراث الثقافي المغربي    ارتفاع الفقر في فرنسا إلى مستويات غير مسبوقة منذ 30 عاما    حين تصعد وردية من رمادها وتمشي فوق الخشبة    لقاء تواصلي أم حفل فولكلوري؟    فتح باب الترشيح لانتقاء الفيلم الطويل الذي سيمثل المغرب في جوائز الأوسكار 2026    المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا بالرباط .. باحثون من أزيد من 100 بلد يناقشون «اللامساواة الاجتماعية والبيئية»    حق «الفيتو » الذي يراد به الباطل    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي        التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقف المغترب والمثقف المتخاذل
نشر في بيان اليوم يوم 19 - 05 - 2022

برز في الأوساط العربية منذ سنوات عديدة نقاش محتدم حول دور المثقف في مجتمعه، واتهم المثقف العربي بالاغتراب، والتخاذل، والضبابية في المواقف، حتى بات كل ممتهن لفعل القول في نظر المنتقدين مجرد متملق انتهازي لم تعد أفكاره المترهلة تسدي أية خدمة للمجتمع. فمن هو المثقف الحقيقي؟ ولماذا يتهم المثقف العربي بالتقاعس عن تأدية واجباته داخل المجتمع؟
مفهوم المثقف هو مفهوم أضاءه العديد من المفكرين، لكن كلا منهم منحه دلالة معينة. إن المثقف هو إنسان يمتلك معرفة واسعة وملم بعدة مجالات وقضايا، ويتمتع بملكة النقد والتحليل العقلاني. والمثقف الذي لا يساهم في بناء مجتمعه، ولا يحاول مواكبة محيطه، ويفضل العيش منفصلا عن واقع أمته ليس مثقفا ولا يستحق صفة مثقف.
المثقف كما ينبغي أن يكون هو المثقف الرسالي الذي يدافع عن القضايا الوطنية والإنسانية، وينشر الوعي، وينتصر لمبادئه وسط الإغراءات والتجاذبات السياسية. إنه شخص مستقل ومتشبع بالقيم والمبادئ، ومنحاز للحق، ولا يطوع أفكاره ومعارفه لخدمة توجهات متطرفة، أو عنصرية، أو طائفية.
ليس المثقف من يهوي بأمته في مهاوي التخلف، بل هو الذي يأخذ بيدها إلى الأعالي ويسير بها نحو تحقيق النهضة والتقدم.
المثقف الحقيقي إذن هو المثقف الفاعل، والقادر على التأثير والتغيير بغرض تقويم الاختلالات والعلل، وله رؤية ورسالة في الحياة.
هو من يساهم في تجويد المستوى الفكري للمجتمع، وليس ذلك الوصولي المتزلف الذي يمارس الوصاية الفكرية على الناس، أو يفكر نيابة عنهم، ويحاول إلزامهم بتبني الأفكار التي توصل إليها والقناعات التي ترسخت لديه، خدمة لتوجه سياسي أو أيديولوجي يريده أن يهيمن عبر مصادرة حرية الآخرين في التفكير والاختيار.
الثقافة لا تنحصر في تخزين الأفكار أو اجترارها دون إضفاء لمسة خاصة عليها، لأننا نعيش في عصر بات فيه الولوج للمعلومة أمرا سهلا ومجانيا، ولم نعد نعول على أحد من أجل تزويدنا بها. لذلك، فدور المثقف اليوم وكما كان على الدوام هو تنوير الجماهير والتأثير فيها بهدف خلق التغيير المرجو، عبر خلق نقاشات عمومية، وطرح بدائل قادرة على انتشال المجتمع من وضعيته المأزومة.
مشكلة بعض النخب المثقفة في مجتمعاتنا أنها تستورد أفكارها وقيمها من الغرب، ولا تحاول أقلمتها بحيث تصبح منسجمة مع بيئتها الجديدة، بل تُغرِق المجتمع بأفكار دخيلة وتفرِغه من قيمه ومبادئه، وإرثه الحضاري المحلي. هذا الأمر يؤدي إلى مزيد من التشرذم والتمزق عوض توحيد الصفوف.
لا يمكن للمثقف أن يكون ببغاءً يحفظ أقوال الأدباء والفلاسفة على أمل تكرارها على مسامعنا كلما أتيحت له الفرصة، وأن يسقِط تلك المقولات على أحداث الماضي والحاضر والمستقبل. وكل مثقف يسير في هذا النهج هو مثقف مغتَرِب عن مجتمعه ومغَرب له، أي أنه مثقف مستهلك يتماهى مع الغرب، ولا يعيش واقع مجتمعه بكل تفاصيله وخصوصياته. المثقف الحقيقي هو ابن بيئته وثمرة عصره، وما أنتجه الآخرون من سابقين ولاحقين على شكل أفكار ونظريات ورؤى، لا ينطبق بالضرورة على مجتمعاتنا هاته وعصرنا هذا. فالوقائع التاريخية يمكن أن تتكرر بشكل أو بآخر لأن التاريخ يعيد نفسه أحيانا، لكن عجلة التاريخ تدور وتتغير معها المجتمعات، وينبغي أن يراعي المثقف هذه الخصوصيات.
هناك خلط بين الدور المتوخى من المثقف تأديته وما يفعله في حقيقة الأمر، وشتان بين هذا وذاك. فالمثقف في أوساطنا جعل بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه فجوة عميقة لا تنفك تتوسع يوما بعد يوم، خاصة مع التطور التكنولوجي القائم والتحديث الذي تشهده قنوات التواصل بشكل يومي. حيث إن القنوات التي كان يستخدمها بعض المثقفين لتمرير أفكارهم بقيت تقليدية ولم تتغير كثيرا، لكن المجتمع شهد طفرة تكنولوجية انتقلت به من عالم تقليدي عتيد إلى عالم آخر زاخر بالأحداث ويتحرك بسرعة قصوى، لم يقو المثقف على مسايرتها أو حتى اللحاق بها.
من جهة أخرى، يجنح شطر من المثقفين إلى التعالي على المجتمع والانعزال عنه وعن قضاياه، والابتعاد عن همومه ومشاكله، تغذية لغرورهم وإرضاء لأناهم المتضخمة، لكن هذا الانعزال الذي سارت فيه نسبة مهمة من الطبقة المثقفة أو "الإنتلجنسيا" أدى بدوره إلى توسيع الهوة بينها وبين قومها، حتى صرنا نتحدث عن مفهوم "غياب المثقف"، إذ لم يعد خطاب المثقف يصل إلى عموم الناس، وإذا وصل لهم لا ينجحون في فك طلاسمه، لأنه خطاب صادر عن النخبة وموجه إلى النخبة.
على المثقف أن يخرِج خطابه المحبوس خلف أسوار الجامعة ومراكز الدراسات أو خلف باب مكتب بيته إلى عموم الناس. ينبغي أن يمارس دوره في تصحيح الانحرافات وتقديم المقترحات والتنبيه لمواطن الخلل، عوض الانغلاق على نفسه والتعامل بفوقية مع الجماهير.
إذن، تعبير "غياب المثقف" يصف بدقة ما تؤول إليه الأوضاع إذا انزاح المثقف عن تأدية دوره الحقيقي وأضحى يقوم بنقيض ما هو منتظر منه. ينتهي وجود المثقف إذا لم يعد يمثل الأمة ولم يعد صوتَها.
يبالغ كثيرون في لوم المثقف ويقسون عليه حين يعتبرونه السبب الوحيد لتردي المستوى الفكري لمجتمعاتنا، ويلصقون به كل الخيبات والنكسات، ويحملونه مسؤوليتها. ويطلقون أحكاما قاسية عليه بحيث يجعلونه محط إدانة الجميع، بتهمة التملص من واجباته تجاه المجتمع، وخيانة الوطن وقضاياه. لكن الأسئلة الحقيقية التي تستوجب منا الإجابة عليها بكثير من الحكمة والتروي هي: هل المثقف مخير أم مسير؟ متخاذل أم مُهمَش؟ غائب أم مغيب؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.