نشرة إنذارية: أمطار قوية أحيانا رعدية يوم فاتح ماي بعدد من أقاليم شمال المملكة    النعم ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا    أزيد من 3.3 مليون سائح زاروا المغرب خلال السنة الجارية    لندن.. إصابة عدة أشخاص في هجوم بالسيف واعتقال مشتبه به    صدمة جديدة للكابرانات .. "طاس" ترفض طلب الاتحاد الجزائري بإيقاف قرارات "الكاف" وفوز بركان    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    نشرة إنذارية | أمطار رعدية قوية تضرب أقاليم شمال المملكة غدًا الأربعاء    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    أعداد الضحايا تواصل الارتفاع في غزة    الرباط تحتضن النسخة الثالثة للدورة التكوينية المتخصصة لملاحظي الانتخابات بالاتحاد الإفريقي    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    ماتش جديد بين المغرب والجزائر.. واش الكابرانات غاينساحبو تاني؟    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    سياحة الأعمال.. المغرب يسعى لاستقطاب مليون ونصف سائح سنة 2026    ألباريس دخل طول وعرض فالحزب الشعبي: فين تقرير المصير ديال الصحرا اللي كدافعو عليه فبرنامجكم الانتخابي وفيناهو فلقاءات زعيمكم راخوي مع المغرب؟    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    صفرو.. أنسبكتور استعمل سلاحو الوظيفي باش يوقف مشرمل جبد جنوية وهدد بها الناس    بسبب تكفير أستاذ جامعي ووصفه بالمرتد والملحد.. النيابة العامة ففاس تابعات عضو بالمجلس العلمي وقيادي فالعدل والإحسان    نتانياهو: بالهدنة وللا بلاش الجيش غيدخل لرفح    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    بعد مؤتمر "الاستقلال".. رجة حكومية منتظرة ووزراء يتحسسون رؤوسهم    الدار البيضاء.. مناظرة حول محاولات "السطو" على الزليج والقفطان المغربيين    "الأمم المتحدة": تدخل الشرطة "غير متناسب" ضد احتجاجات الجامعات الأميركية    نقابة "البيجيدي" ترفض مقاربة الحكومة للحوار الاجتماعي    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    أسعار النفط تهبط للجلسة الثالثة ترقبا لمباحثات هدنة في غزة    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ثلاث وفيات وعشرون حالة تسمم بأحد محلات بيع المأكولات بمراكش    الوداد يحدد لائحة المغادرين للقلعة الحمراء    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    الموانئ الأوروبية في حاجة إلى استثمار 80 مليار يورو لبلوغ التحول الطاقي    ف 5 يام ربح 37 مليار.. ماسك قرب يفوت بيزوس صاحب المركز الثاني على سلم الترفيحة    أسترازينيكا كتعترف وتعويضات للمتضررين تقدر توصل للملايين.. وفيات وأمراض خطيرة بانت بعد لقاح كورونا!    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    معاقبة جامعة فرنسية بسبب تضامن طلابها مع فلسطين    بطولة اسبانيا: ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز على فالنسيا 4-2    مطار الحسيمة يسجل زيادة في عدد المسافرين بنسبة 28%.. وهذه التفاصيل    الصين تتخذ تدابير لتعزيز تجارتها الرقمية    مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية: جماليات المكان في مجموعة «وجع الرمال»
نشر في بيان اليوم يوم 31 - 10 - 2011

اعتمد عبد العزيز الراشدي في بناء عالمه القصصي في مجموعة «وجع الرمال» على فضاءات متعددة و مختلفة من حيث الطبيعة والدلالة الرمزية، و أهم الأمكنة التي تستوقف قارئ المجموعة:
* فضاء البيت /الدار:
يمثل فضاء البيت/الدار، جزءا صغيرا من الفضاء اللانهائي استقطعه الإنسان ليتلاءم مع حجمه أو يرضي حاجته للخلوة، ويحقق له الدفء والألفة و الحماية.
وفي مجموعة (وجع الرمال)، يتخذ فضاء الدار/البيت صورتين:
الأولى سلبية، تجعل روح بطل قصة «البحث عن زمن آخر» مطوقة برهبة غريبة (ص 16) رهبة تبعثها طبيعة الطقوس والأفعال التي تمارس داخل الفضاء: طقوس الخرافة والشعوذة التي تجعل الأيام مفتوحة «على احتمالات كثيرة: عوانس يدفعن لقاء زوج المخيلة، رجال خذلتهم الليلة الأولى، عجائز يبحثن عن ثأر قديم و أشياء أخرى» (ص16).
إن الرهبة التي استشعرها البطل لا تعود فقط إلى ما يمارس داخل البيت، بل حتى إلى شكله الخارجي حيث يبدو «الباب من بعيد صلبا و صارما على جنباته توزعت المسامير» (ص16)، وكذا شكله الداخلي حيث «الجدار المزدان بالكتابات المبهمة، القناني المليئة بالأعشاب والبخور والقنافذ المحنطة، وصورته المزركشة ببقع الذباب «(ص17).
وفي نص (عزلة الكائن) يتخذ فضاء البيت صورة غير بعيدة عن السابقة، حيث المرأة العجوز و طبيعة الحياة التي تحياها شكلتا «وطنا للأسرار» (ص42) تتناسل فيه الأسئلة و تتناسل حوله الحكايات الغريبة التي ترغّب و ترهّب الأطفال.
وقد ارتبط هذا الفضاء في التصور المشكل عنه من طرف الآخرين بالجن، مما يحول دون اقتحام الأطفال له رغم رغباتهم الجامحة. و بذلك شكل هذا الفضاء - كسابقه- فضاء معاديا بتعبير باشلار، يشن على الشخصيات حربا استنزافية.
و طابع العداء/المعاداة الذي يتخذه فضاء البيت لا يعود إلى الإنسان و حسب، بل حتى الطبيعة القاسية (الجنوب المغربي) تساهم في ممارسة القهر و تزيد من القتامة «حيث تسودّ الصورة بفعل الظلمة، وتتحول الغرف وزريبة البهائم ومكان جمع الحطب إلى فضاءات مليئة بالعقارب» (ص37) التي تغتصب الأجساد الغضة و تؤلم القلوب المكلومة.
الثانية إيجابية، تجعل العجوز تحس إحساسا حميميا بتعبير باشلار تجاه الفضاء الذي تقطنه، لأنه يرتبط عندها بالأحلام والخيال كتعويض عن الحرمان والقهر. ففي «فراشها يتثاءب إحساس بلذة الحرارة، تهطل ذكرياتها كغيث لا ينبض... تحلم بأيام الحصاد القديمة... والبسمة ذات المغزى التي يطلقها الحاج علال... وتكبح أملا قديما بعودة مفترضة» (ص44).
ونجد مثل هذا الحلم في فضاء آخر في نص (ولائم الجنوب)، حيث «يأوي الرجال إلى أجساد نسائهم يحلمون بالصيف رغم قسوته» (ص56).
إن فضاء البيت في قصص الراشدي، بقدر ما يشكل عالم و جوهر وجود الشخصيات (الإنسان) فيه تحلم وتسعد،بقدر ما يشكل فضاء معاديا يمارس حرب استنزاف على شخصيات أخرى كاشفا بذلك عن تعدد وغنى رمزيته.
* فضاء الزقاق:
يمثل فضاء الزقاق في نص «زقاق الموتى» بؤرة السرد القصصي. وإذا كان «الزقاق» فضاء مفتوحا على الانطلاق والحرية، وجسرا يربط عالم البيت/الدار/ القصر بالعالم الأكثر انفتاحا و امتدادا، فإنه عند عبد العزيز الراشدي فضاء خارق مليء بالموت، وأشباح الموتى، ويكتسي حلة بيضاء تستطيع أن تبدد ظلام الليل «كل شيء في زقاق الموتى في حلكة الليل أبيض» (ص27).
إن سطوة الموت وبطشه يقهران حتى التعاويذ والطقوس الخرافية المتجدرة في البلدة «رشو الحليب في كل مكان، تحركت فيه... ما عدت أستطيع شرب الحليب لأنه يذكرني بجسمها الرخو» (ص28).
ويتخذ الزقاق عند القاص الراشدي طابعا رمزيا أكثر عمقا عندما يصيررمزا للحياة بكل تناقضاتها و متاعبها:» الحياة بالضبط هي زقاق الموتى» (ص30). حيث ينتشر الموت في كل مكان و حيث الحياة تنزع بكلابها أضراس الناس،كما يقول السارد.
ويشكل فضاء الزقاق مثيرا خارجيا لاستحضار الذاكرة و الماضي (الزمن) كوسيلة للتخلص من القهر والبطش. هكذا تحضر صور الطفولة في الزقاق نفسه، وتحضر صورة البيت باعتباره صورة أخرى للرحم في محاولة للتغلب على الموت و بشاعته. لكن كل المحاولات تذهب سدى « لأن الزقاق دوما كالسابق»، «و لأن الانحراف إلى البيت ينتهي إلى التعثر و التدحرج» . (ص30/31).
إن فضاء الزقاق وما يثيره من تداعيات أحلام تجعله أكثر ارتباطا بما يسميه ميخائيل باختين بالفضاء العتبة، حيث الأفكار والمواقف والأشخاص الذين يعيشون بين/بين.
* فضاء القرية:
كثيرا ما يحضر فضاء القرية -عند المثقف و غيره- باعتباره فضاء مناقضا لفضاء المدينة. والقرية في حضورها هذا كثيرا ما تتزين بثياب الفضيلة والنقاء والعفة والطهارة... وهو بالضبط ما توهمته إحدى شخصيات قصة»ولائم الجنوب» العائدة من فرنسا للبحث عن «بنت البلاد» لتكون زوجة خالية من دنس الحضارة. وهي في بحثها ذاك تكون كأن لم تغادر القرية قط، ولم تطور فكرها أو تجربتها أو تعرف أن «فتيات القرية في تطور مستمر ربما بسبب التلفاز والفيديو كليب...» (ص56).
ومن سخرية القدر أن تلك الشخصية ومعها الشخصيات الأخرى- لن تكتشف ما حدث في القرية من تطورات قيمية إلا يوم العرس، عندما انفرد بالعروس و انفردت به شاعر تائه دخل غرفتها صدفة: «وعند الباب رأيتها كحلم، كما لم أرها قبلا، جاهزة مقشرة كموزة، ترفل في الأبيض كملاك... وأردت الاعتذار أو الهرب، لكنها أوقفتني أمسكت يدي فأحسستني طفلا صغيرا، أجلستني قربها و قبلتني» (ص56) وكان ما كان.
هذه التحولات في عالم القرية تحولات خادعة لأنها لا تستطيع أن تقف أمام جحافل البداوة المتأصلة في أعماق البدو، سكان القرية الذين خرجوا يتعقبون الجاني و دليل تهمتهم كتابه وأوراقه. ورغم كونه «لا يمثل سوى فكرة خرقاء» فقد تعقبوه متوغلين في «الحقول كلما أطفأت الريح مشاعلهم، أوقدوا بدلها الأحقاد» (ص 56).
* القبة الضريح:
ترتبط الأضرحة وقببها في المخيال الشعبي بالبركة والقداسة والكرامة... ومن الباحثين (سيزا قاسم) من يعتبر المكان نظاما اجتماعيا اقتصاديا عاطفيا، ينتظم العلاقات البشرية جميعها.
وفضاء الضريح/القبة في مجموعة (وجع الرمال) ذو طابع أسطوري غني بالدلالات المعاكسة.
يتحدد الطابع الأسطوري للضريح/القبة في جانبها الطبيعي حيث « تنوء تحت ضربات المطر، يخالها الجميع ستسقط لكن... لسبب غامض تتحاشاها السيول، تصنع مجاريها بعيدا، فتتغذى أسطورتها» (ص10). ثم في جانبها الهندسي «هزيلة بأبعاد غير متوازية» و في جوفها يسكن «قبر طويل بأبعاد لا تسمح -البتة- باعتباره قبر رجل واحد» (ص11)
هذا الطابع الاسطوري لفضاء القبة جعله يتحول مع مرور الوقت إلى «مأوى للغرباء والدجالين والمتسولين وبائعي الأقمشة الرخيصة، يروجون الحكايات ويستقبلون تحت جنح الظلام نساء كثيرات متشحات بالملاحف السوداء والرغائب الغامضة...» (ص11).
ويرتبط فضاء القبة -كغيره من فضاءات الراشدي- ارتباطا وثيقا بالزمن إلى درجة يستحيل معها فصلهما. وأكثر الأزمنة ارتباطا بفضاء القبة: الليل، حيث «يستقبل الرجل (المجدوب) الغرباء يجهز الشاي المنعنع يملأ سباسي الكيف الواحد تلو الآخر و يشاركهم لعب الورق» (ص 12).
فالليل في قصة «القبة» هو الزمن المثالي للمارسة الممنوع والمدنس في فضاء غالبا ما يرتبط بالقداسة. فكأن «الشمس نمامة والليل قواد» (كما قال شاعر قديم). فهو يبيح ما لا يباح: يبيح حرية الحركة وحرية الفعل. حرية الخروج على قانون الجماعة، لذلك كانت الفضاءات النائية دوما هي الفضاءات التي تحتضن هؤلاء الخارجين.
*الصحراء:
فضاء الصحراء من الفضاءات الأثيرة عند الراشدي، سواء في كتابته القصصية أو الروائية، مما يجعل قارئ إبداعه يكتشف: «عوالم جديدة لمتخيل قصصي مشبع بالشساعة والامتداد و بثقافة الجنوب المفتوحة على غنى تخيلي يمثل نقط ضوء جديدة للجسد القصصي في المغرب».
وينتمي فضاء الصحراء إلى ما يسميه مول، ورومير بالمكان اللامتناهي الذي لا يملكه أحد، بعيدا عن الدولة وسلطانها وقهرها. إنه فضاء مفتوح على الفقر والفراغ و البرودة وذوبان الكيان الإنساني وتلاشيه. لكنه أيضا فضاء «للبحث عن المعنى» (ص48)، وإن كان بحثا لم يجد في المدى المفتوح سوى غربان طالما راودته (ص50).
وفي رحلة البحث تلك التي قام بها بطل قصة (وجع الرمال) يبدو الزمن قاسيا (الشمس المحرقة) وبدون قيمة حيث يتساءل السارد في حسرة:» من قال إن للزمن معنى في الصحراء؟» (ص48)، مما يجعل رحلة البحث عن المعنى (معنى المكان و معنى الزمان) تنتهي إلى موت مجاني (يذكر برحلة وموت أبطال رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني) على يد غرباء «خضر العيون شقر الوجوه على وجوههم آثار النعمة ،جاؤوا من شيكاكو أو نيو جيرسي للصيد وغسل الأجساد بالبيرة وسب بعضهم بعضا بلكنة الروم» (ص51). هؤلاء الغرباء، الدخلاء، جردوا فضاء الصحراء من نقائه، وفضوا عذريته، وقتلوا القيم التي يحملها. قيم المغامرة.. الحرية.. الانطلاق.. الإفلات من سطوة السلطة.. مما جعل إنسان الصحراء نفسه يتحول إلى «غنيمة» أو حيوان « ظبي» أو «غزال».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.