الجيش الملكي يستنكر "الأخطاء التحكيمية" في مباراة الحسنية ويشكو الرداد للجنة التحكيم    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    استئنافية الرباط تؤجل "ابتزاز" رئيس جماعة بورزازات من أجل إعداد الدفاع    "مفاوضات شاقة" تؤخر انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال    حكيم زياش يبصم على أداء كبير رفقة غلطة سراي التركي    اجتياح إسرائيل لرفح قد يكون "خدعة" أو مقدمة لحرب مدمرة    الترتيب ونتائج البطولة الاحترافية الدورة ال27    المغرب يتوصل ب500 "هامر" أمريكية لنشرها بالصحراء    بحضور مسؤولين قضائيين وأمنيين.. لقاء بطنجة يناقش الجريمة المنظمة العابرة للقارات    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    بعد تلويحه بالاستقالة.. مئات الآلاف يتظاهرون بإسبانيا مساندة لسانشيز    صديقي: 2.5 مليار متر مكعب من المياه توفرها تقنيات السقي بالتنقيط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقيف شينويين كانوا كيبيراطيو المكالمات الهاتفية    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    اعتقال بوق النظام الجزائري بن سديرة من قبل الشرطة الفرنسية    الرئيس الفلسطيني وزعماء دوليون يعقدون محادثات بشأن غزة في الرياض    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    بعد مشادات مع كلوب.. صلاح: حديثي سيشعل الأمر    الأمثال العامية بتطوان... (584)    زلزال قوي يضرب سواحل جاوا بإندونيسيا    توافد غير مسبوق للزوار على المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    إندونيسيا.. زلزال بقوة 5ر6 درجات قبالة جزيرة جاوا    بعد تلويحه بالاستقالة.. مظاهرات حاشدة بإسبانيا دعما لرئيس الوزراء    صافرة كونغولية لمباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    الملك: علاقات المغرب والطوغو متميزة    مؤتمر حزب الاستقلال يستعيد الهدوء قبل انتخاب الأمين العام واللجنة التنفيذية    "حماس" تعلن ارتفاع عدد القتلى في غزة    وزير الصحة يدشن مستوصفات جديدة    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    بدء أشغال المؤتمر السادس للبرلمان العربي بالقاهرة بمشاركة المغرب    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    تتويج شعري في ملتقى الشعر والفلسفة    فضيحة مدوية تهز مؤسسة تعليمية.. هذا ما تقرر بعد تحرش مدير بتلميذة    العلماء يعثرون على قبر أفلاطون بفضل الذكاء الاصطناعي "صورة"    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    بلغت تذاكره 1500 درهم.. حفل مراون خوري بالبيضاء يتحول إلى فوضى عارمة    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    مؤتمر الاستقلال يمرر تعديلات النظام الأساسي ويتجنب "تصدع" انتخاب القيادة    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتفالية كبرى بمناسبة "مراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024"
نشر في بيان اليوم يوم 12 - 03 - 2024

احتضن مدرج الشرقاوي إقبال (بفضاء كلية اللغة العربية بمراكش)، على امتداد يومين (7و8 مارس الجاري) تظاهرة أدبية كبرى احتفاء بمدينة مراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024. هذه التظاهرة، التي أقامتها منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ودار الشعر بمراكش بتنسيق مع كلية اللغة العربية بمراكش، شهدت تنظيم ندوة علمية ضمن جلستين. اختصت الأولى بصورة مراكش في السرد العربي المعاصر، فيما قاربت مداخلات الجلسة الثانية حضور مراكش في الشعر العربي المعاصر. وشهدت مشاركة ثلة من الأساتذة والباحثين: أحمد قادم، وردة البرطيع، عادل عبد اللطيف، محمد زهير، ثريا إقبال، وعبد الكبير الميناوي.
وتواصلت الفعاليات، الجمعة 8 مارس، بتنظيم لقاء شعري وفني عرف مشاركة الشاعرة المرموقة مليكة العاصمي، والتي اختارتها التظاهرة "قصيدة 8 مارس" للدورة، وأحيت جمعية عبد الله الشليح لهواة الملحون حفلها الفني، احتفاء ب "ديوان المغاربة" والذي أمسى تراثا كونيا إنسانيا. وقدمت الشاعرة مليكة العاصمي عرضا شعريا استثنائيا، عبر سفر في نصوصها الشعرية والتي استدعت "الضمير الإنساني"، احتجاجا على الصمت. وخصصت جمعية هواة الملحون أغانيها لنصوص خالدة في التراث المغربي، تحتفي بالمرأة (الأم والحبيبة)، في تأكيد على غنى هذا الموروث الفني المغربي، والذي صنفته منظمة "اليونيسكو" تراثا إنسانيا.
الجلسة الافتتاحية: مراكش الأيقونة الممتدة في الزمن
وشهد مدرج الشرقاوي إقبال، صباح يوم الخميس 7 مارس، الافتتاح الرسمي لهذه التظاهرة، من خلال تقديم كلمات كل من: الايسيسكو ودار الشعر بمراكش وكلية اللغة العربية بمراكش، الجلسة التي سهر د. أنس حسام النعيمي (من مركز اللغة العربية للناطقين بغيرها في منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة / إيسيسكو) على تسيير فقراته، مفتتحا بمقطع شعري وسمه ب "عاصمةُ النَّخيلِ والمدينةُ الحَمراء":
"مدينةُ النَّخيلِ يا مراكشُ/ أصابَ قَلبِي مِنكِ سَهمٌ طائشُ// وقعتُ في شِباكِها مُتيّم/ وفي الحَشا ضِرامُ عِشقي جائشُ// كزهرةٍ جميلةٍ تزيَّنتْ/ وقد علَتْ مِن فوقها العرائشُ (…)".
وقدم د. مجدي حاج إبراهيم، رئيس مركز الإيسيسكو للغة العربية للناطقين بغيرها، كلمة "الإيسيسكو" والتي نوهت بمكانة مراكش ودورها الحضاري عبر التاريخ، ومما جاء فيها: "لطالما مثَّلت مراكش للأدباء من ساكنتها أو ممن زاروها أو سمعوا بها أو قرؤوا عنها؛ صورة فاتنة للمدن التاريخية التي خلَّدت دولاً عظيمة في تاريخ المغرب العربي، (…) مراكش مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد المغرب وقطرها ومركزها وقطبها، وإلى هذا الأساس، استندت (إيسيسكو) في اختيار عواصم الثقافة في العالم الإسلامي، أي ضرورة الاحتفاء بمدينة إسلامية عتيقة في الدول الأعضاء – هي اليوم مراكش – تزخر بتاريخ ثقافي متنوع بارز، وذلك من أجل إحياء أمجادها الثقافية والحضارية، وتعزيز الحوار الثقافي والحضاري، وترسيخ قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب".
وفق هذه المعطيات، وبرعاية سامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، كان اختيار إيسيسكو للمدينة الحمراء لنيل لقب "عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي" للعام 2024، ممثلةً المنطقةَ العربيةَ، ضمن "برنامج الإيسيسكو لعواصم الثقافة في العالم الإسلامي". وفي ذلك اعترافٌ بتفوُّقها مركزًا حضاريًّا يعكس تلاقي الفنون والعلوم والتاريخ، يشير الأستاذ مجدي حاج إبراهيم، ف "عروس الصحراء، على امتداد ألف سنة، تميزت، من سائر المدن المغربية، بعطاء أكثر للحضارة المغربية بخاصة، والحضارة العربية الإسلامية بعامة، وقدَّمت للتاريخ أعلامًا في الأدب والعلوم، وقادة في الفكر، مبدعين في شتى صنوف المعرفة، (…) ومن ثم كانت مراكش مَوْحى الأدب، ومَحَلَّة الثقافة، ومَعْلمة العمران،.."؛ ليختتم بمقطع شعري من قصيدة د. سالم بن محمد المالك، المدير العام للإيسيسكو، والذي قال في مطلعها: "أتيتُ أسأل عن أمجاد ماضيها/ أم أن حاضرها يزهو بما فيها؟// هذي مراكش نبع الحسن زاهية/ والحسن منها تجلَّى في مراقيها"
وأوضح الناقد الدكتور أحمد قادم، عميد كلية اللغة العربية بمراكش، "أحقية المدينة الحضارية مراكش بأن تكون عاصمة للثقافة بالعالم الإسلامي، لما تزخر به من تاريخ عريق وتراث غني، كما أعرب عن اعتزازه بالشراكة النوعية التي تجمع الكلية بدار الشعر بمراكش والتي أفضت الى إطلاق مبادرات ثقافية متنوعة، تحتفي بالمنجز الشعري المغربي وبذاكرته، مؤكدا على تميز الدار بما تقوم به من تشجيع على المقروئية واستنبات مهارات الكتابة الإبداعية لدى الفئات الصغرى والشباب، كما توقف الأستاذ قادم عند مكانة كلية اللغة العربية بمراكش، وخصوصيتها في الانفتاح على لغات العالم والتشجيع المعرفي والأكاديمي، إلى جانب فتح التسجيل أمام الطلبة المنحدرين من الدول الإفريقية، وهو ما يشجع اليوم أن يكون هذا المحفل العلمي، منارة أكاديمية بامتياز".
وأشار ذ. عبد الحق ميفراني، مدير دار الشعر بمراكش، أن الدار ثمرة تعاون ثقافي بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل بالمملكة المغربية ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة، بدولة الامارات العربية المتحدة.. مدينة مراكش، أيقونة المدن الكونية، كما تسمها دار الشعر بمراكش، "بمكانتها التاريخية وواجهة ثقافية عالمية والتي اشتهرت بإنتاجها الثقافي والتراثي والأدبي، معززة صورتها كواجهة لتعزيز قيم التعايش والحوار. وهي أيضا مدينة الشعر والشعراء، من خلال قدمته من تجارب شعرية أغنت شجرة الشعر المغربي الوارفة، بل هي المدينة التي شهدت إصدار أول ديوان شعري مغربي، وهو ديوان «أحلام الفجر» للشاعر عبد القادر حسن العاصمي الصادر سنة 1935..".
كلمة الدار، "مراكش.. قصيدة مبللة بمجازات الدهشة"، كانت قصيدة أخرى مهداة لديوانها.. في تظاهرة "تحتفي بأيقونة المدن الكونية، والتي افترشت قرب "أطلس" ترقب ندف الثلج على قممه، وتسرد محكياتها وفرجاتها ونظمها.. بين مجازات المكان وبهارات الأزمنة العابقة في جدرانها ومآثرها، تفتح المدينة في كل مرة، ديوانها الأبدي بسحر ما تفتحه من استعارات حيث "الفضاء ينسج التآويل"، كما يسمها أدونيس..". ف "سرود وأشعار مراكش لا تتوقف ولا تنتهي، بعض من تفاصيل الحب وهي تنكتب بين حدائقها الخالدة، وهي أيضا سحر المكان الذي يفتح كوة على الجنوب. ملهمة الأدباء والشعراء، ألم يسأل "الحسن البونعماني السوسي" "ماذا تخط يراعة الشعراء/ ألوصف فوق بلاغة الفصحاء"، "مراكش مهد النبوع".. ولأنها كذلك، التئم رموز الأدب والفن، من كل بقاع الكون، كي ينسجوا ديوانها الشعري..".
مراكش في السرد العربي المعاصر
خصصت الندوة العلمية "مراكش في عيون الأدب العربي المعاصر"، والتي احتضن فعالياتها مدرج الشرقاوي إقبال (بفضاء كلية اللغة العربية) يوم الخميس 7 مارس الجاري، ضمن تظاهرة أدبية كبرى احتفاء بمدينة مراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024، والتي نظمتها الإيسيسكو ودار الشعر بمراكش بتنسيق مع كلية اللغة العربية بمراكش، لمقاربة واستقصاء حضور مراكش في الأدب العربي المعاصر، من خلال محوريين أساسيين، الأول تقصى هذا الحضور في سرود ومحكيات وخطابات التذكر، والثاني لامس استعارات هذا الحضور في المنجز الشعري العربي.
وقاربت مداخلات الجلسة الأولى، والتي ترأس أشغالها ذ. عبد الحق ميفراني، "صورة مراكش في السرد العربي المعاصر"، وشهدت تقديم أوراق نقدية لامست هذا الحضور المركب والمتعدد. هذا وقدم الناقد أحمد قادم، عميد كلية اللغة العربية بمراكش، ورقة وسمها ب "هوامش مراكش في رواية (بلاد بلارج) لأحمد لويزي"، معتبرا "هوامش مراكش تسع كل من يعيش على الهامش وكل حكاية هي في الأصل جزء من واقع مرير. لكن مراكش عصية على الزوال، ولمَّا تزل تتمدد ويلتهم الإسمنت ما كان يسمى في المدينة حدائق وعرصات".
و"عندما يستولي عليك الهامش في الرواية ويأخذك في جولة رهيبة بين المتناقضات حتى تنسى أنك تقرأ من هامش كتاب آخر، يرجع بك السارد إلى المتن. حينها تحس بالغدر الفني في أبهى صورة وأنك أمام عرضين لنص واحد: رواية "بلاد بلارج" وكتاب "مراكش بين التحلي والتجلي"، يتجاذبانك فلا تدري أي منهما المركز والهامش في تصدير ملتبس يمارس الغواية والتضليل بمزجه بين نصين متوازيين موضوعهما مراكش ومقاصدهما من المدينة مختلفة، لكنهما يتكاملان لدرجة يتيه فيها القارئ بين المتن والهامش في الرواية وبين المركز والمحيط في المدينة".
وخص الناقد عادل عبد اللطيف، أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب في كلية اللغة العربية، المدينة باستدعاء "مراكش في خطاب التذكر"، "على غرار مدن كبرى مثل بغداد وأثينا وروما والقاهرة وباريس، طبعت مراكش بقوة التاريخ والمخيال الإنسانيين بعمرانها وحمولاتها الحضارية وبالتعبيرات الثقافية التي نشأت فيها وبالفنون التي احتضنتها، وبالشخصيات ذات القيمة الاعتبارية التي سكنتها أو هاجرت إليها أو مرت بها… لذلك، لا غرابة أن تحضر مراكش بشكل بارز في الأدب العربي المعاصر، وأن تشكل موضوعا إبداعيا وقادحا رمزيا، ومولدا للمعاني وللامتدادات الثقافية في الشعر والرواية والرحلة والسيرة… هكذا صاغ العديد من المبدعين مراكش تذكرا في أفلامهم وسيرهم وتقاريرهم وأشعارهم ورواياتهم…".
وقاربت الباحثة وردة البرطيع، أستاذة البلاغة وتحليل الخطاب، "مراكش في السرد الروائي".. مقدمة ورقتها بالعديد من المقولات لأعلام كتبوا على "سحر مراكش" ومكانتها الحضارية.. لتحاول الناقدة البرطيع الإجابة على سؤال "كيف برزت مدينة مراكش في السرد الروائي؟"، متخذة رواية "جيران أبي العباس" أحمد توفيق أنموذجا. كثير من هذه الملامح المرتبطة بمدينة مراكش التاريخية الحاملة لأحلام الماضي والحاضر موجود في الرواية، وأضاف لها الروائي ملامح أخرى جعلها ترتقي لمستوى النموذج والرمز وبذلك قدمها لنا أحمد توفيق باعتبارها نسقا سرديا يحمل الكثير من الأبعاد والدلالات.
وقاربت مداخلات الجلسة الثانية حضور مراكش في الشعر العربي المعاصر، وشهدت مشاركة ثلة من الأساتذة والباحثين: محمد زهير، ثريا إقبال، وعبد الكبير الميناوي، وقام بتأطير جلساتها الناقد محمد العوادي. وقدم الناقد والكاتب محمد زهير مداخلة خص موضوعها ل "مراكش في الشعر العربي المعاصر"، باعتبار "مراكش أبدية الإلهام للشعراء والكتاب، ومختلف المبدعين، وغيرهم.. فلمراكش نداء، انجذاب، شغف يساكن كل متأصل من تربتها الخصيبة، وكل من أقبل عليها وتعرّف على مظاهر من تاريخها وثقافتها، وما تزخر به من أرصدة تاريخية وثقافية واغلة في الزمان.. ومن الشعراء المعاصرين الذين أبدعوا قصائد علامات من وحي مراكش الملهمة، الشعراء: أدونيس، سعدي يوسف، عبد الرفيع جواهري.. ومدارات قصائدهم عن مراكش، هي محط النظر في هذه المداخلة، للوقوف على حالات دالة من التفاعل المبدع مع مراكش، المدينة المفتوحة على عوالم لا تني تتجدّد دون حدود..".
واستغور أستاذ الأدب الحديث بالكلية متعددة التخصصات بأسفي، الباحث عبد الكبير الميناوي، مراكش.. "نص يتناسل في نصوص"، حيث المدينة "مفتوحةٌ على شعريتها كلٌ يكتبها بحساسيته. كلٌ يفهمها ويعيشها على طريقته.. ليس شرطاً أن تكون مغربياً، لتعشق مدينة يكشف تعدد ألقابها عن تفرد باذخ وتميز جميل. وليس شرطاً أن تكون مغربياً حتى تعشق مراكش، يشير الباحث الميناوي، لذلك تحول عدد من زوارها أو ممن اختاروها مكان إقامة، إلى حراس لتراثها المادي وغير المادي؛ (الإسباني خوان غويتيصولو إلى الألماني هانس فيرنر غيردتس، وقبلهما الفرنسي جاك ماجوريل والبلغاري إلياس كانيتي والفرنسي كلود أوليي وغيرهم)، من دون نسيان عشاق آخرين، اختاروا الإقامة والاستثمار الثقافي، (أمثال الهولندي بيرت فلينت، والأميركية باتي كود بي بيرش، والسويسرية سوزانا بيدرمان إليوت، والفرنسي إيف سان لوران).
"مراكش: برج النيِّر الجلي"، هو نص مفتوح على التأويل قرأته الشاعرة والباحثة ثريا إقبال، حيث "مراكش اسمها، البهجة طبعها، رجالاتها حرّاسها، الأرجواني إزارها؛ الإبهار والدهشة ساحتها… ومراكش: التقاء الأضداد، استحالة الممكنات، حضور باذخ، كثيف ولطيف، موغل في الروحانية… ومراكش: برج النير الجلي، هكذا وصفها لسان الدين بن الخطيب مستفيضا في ذكر مناقبها. مراكش الملهمة، فمنذ نشأتها افتتن بها العديد من الرحالة من أهل الفن والأدب، فشدوا إليهاالرحال وخلدوا ذكرها في إبداعاتهم الأدبية والفنية. ومن أشهر هؤلاء إلياس كانيتي في كتابه "أصوات مراكش"، وكريستوف لايستن في كتابه "مراكش، جامع الفناء"، وخوان غويتصلو في كتاب "المقبرة"، وكذا الفنان جاك ماجوريل الذي ألهمته المدينة جل أعماله ولا سيما اللون الأزرق الذي أصبح يسمى باسمه فأهداها أحد أجمل بساتينها وهو "حديقة ماجوريل". ومن أشهر الرحالة القدامى الذين مُّروا بمراكش وأتوا على ذكرها في كتبهم : أبو عبيد البكري في كتابه "المسالك والممالك"، أبو الحسن محمد بن جبير في كتابه الشهير برحلة بن جبير والمسمى ب "تذكرة بالأخبار عن اتفاقية الأسفار".
مليكة العاصمي: قصيدة 8 مارس 2024
واحتضن مدرج الشرقاوي إقبال (بفضاء كلية اللغة العربية بمراكش)، مساء يوم الجمعة 8 مارس في اختتام هذه التظاهرة الأدبية الكبرى احتفاء بمدينة مراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024، لقاء شعريا وفنيا تزامن مع الاحتفاء العالمي بيوم المرأة. واختارت الشاعرة المرموقة مليكة العاصمي "قصيدة 8 مارس لسنة 2024" في لحظة وفاء بتجربة مائزة في مشهدنا الشعري العربي. كما أحيت فرقة عبد الله الشليح لهواة الملحون، الحفل الفني الختامي في اختيار واع لفن تراثي مغربي متأصل في الوجدان المغربي، وتوجته اليونيسكو تراثا إنسانيا كونيا.
وقدمت الشاعرة مليكة العاصمي عرضا شعريا استثنائيا، عبر سفر في نصوصها الشعرية والتي استدعت "الضمير الإنساني"، احتجاجا على الصمت. وخصصت جمعية هواة الملحون أغانيها لنصوص خالدة في التراث المغربي، تحتفي بالمرأة (الأم والحبيبة)، في تأكيد على غنى هذا الموروث الفني المغربي، والذي صنفته منظمة "اليونيسكو" تراثا إنسانيا. قرأت الشاعرة مليكة العاصمي ديوانا مصغرا من تجربتها الشعرية، كما اختارت نصا طويلا في ختام قراءتها و"كسرت جدار" التلقي، لتقترب من جمهور القاعة وهي تخاطب "الضمير الإنساني".. سؤال أبدي لهذه "القرية" والتي تنتظر من يرفع عنها البلاء.
افتتحت الشاعرة مليكة العاصمي لحظة القراءة بنداء مفتوح إلى العالم، الشاعرة/ المرأة وهي تطالب الإنسانية، في يوم المرأة العالمي، بوقف صوت الحرب والعدوان لأطفال ونساء تم تجريدهم من حقهم الإنساني والكوني في الحياة والحرية، نساء فلسطين واللواتي يتعرضن لأعنف انتهاك صارخ لحقوقهن. لتبحر الشاعرة بين ثنايا القصائد، بين قصيدة "الذات" ودماء الشمس: "يطل القهر القاتم/ من عينيك/ يفز القهر الغاشم/ من عينيك/ وأنت تضيء بشمعتك الوقادة/ أطراف الليل/ المتحكم فيك/ دعتك إلى الحلبة/ أيد سافلة/ تجترح خطاياها/ دون حياء/ وتعج كما الأفعى/ برحيق السم/ وتنقض على الكون/ فتغمر أمواج البحر/ دماء/ ويشيب/ الولدان/ وتسيل/ دماء الشمس".
وعن سؤال كيف "تصبح فرسا"، في نداء المسؤولية الجماعية أمام الهدم والعصف.. صوت الشاعرة، الذي يأتي "حبوا.. أجيء القدس وإخوتها"، يقول: "أسرجك الليل/ وعاجلك الخيل/ ودوت أرضك بصهيل الويل/ بصليل المطر الأسود/ ملعون/ من يسمع طول الدهر زعيق الفرسان/ ولا يصبح فرسا". وعن "مراكش" القصيدة الكونية الأبدية، والتي ألهمت الشعراء من كل بقاع العالم، تنشد الشاعرة: "تخرجين من الليل مثل اليواقيت والجنيات/ أنت مثل الصبايا الخرائد/ تستترين بما تزدهي به أعطافك المثقلات/ بنضج التسابيح/ بالمهج الراقصات على رعشة اسمك/../ أيا جنتي / هل تجيئين".
في اختتام ديوانها الشعري، والذي سافرت من خلاله الشاعرة مليكة العاصمي بين ثنايا القصائد، في اختيار موضوعاتي ينصت لنبض اللحظة ومفارقاتها.. اختارت من نص شعري طويل "مدائن عاد/ مدائن ثمود أو هوج منتصف أبريل"، مقاطع تستدعي نصوصا تراثيا متعددة، قصيدة مركبة ومفتوحة على "الزمن" وتتراكم فيها أولنا من التراث والرموز والإحالات، تبدأ الشاعرة في المفتتح بالسؤال كي تعرج على المشهد المؤلم بجميع تعرجاته، لتنزل إلى المتلقي حيث يجلس وتسأل: "ما بال القرية حق عيها القول؟/ وأهلكها الطاغوت؟/ ما بال القرية ذاقت طعم الخزي؟/ وجاس بها جالوت؟؟ (…)/ أسألكم/ ما بال القرية حق عيها القول،/ وحدث/ فأهلكها الطاغوت؟؟!/ أجيبوني/ ما بال القرية ذاقت طعم الخزي، وجاء/ يجوس بها جالوت؟؟!".
ظل صدى صوت الشاعرة يتردد في قاعة مدرج الشرقاوي إقبال، سؤال الشعر في اختياره قيم الإنسان وإنسانيته. ووضعت فرقة عبد الله الشليح لهواة الملحون "مسك ختام" هذه التظاهرة الثقافية والشعرية والتي امتدت يومي 7و8 مارس، قدمت خلالها مداخلات نقدية حول صورة مراكش في الأدب العربي المعاصر، سردا وشعرا، واختار ديوان المغاربة قصائد المرأة إهداء وامتنانا، وأفردت جمعية هواة الملحون في النهاية إهداء خاصا للتظاهرة، من خلال تقديم أغنية جديدة خصيصا ل "لالة مولاتي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.