زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    سامسونغ تزيح آبل عن عرش صناعة الهواتف و شاومي تتقدم إلى المركز الثالث    هجوم روسي استهدف السكك بأوكرانيا لتعطيل الإمدادات د مريكان    حريق كبير قرب مستودع لقارورات غاز البوتان يستنفر سلطات طنجة    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    حكيم زياش يتألق في مباريات غلطة سراي    احتجاج تيار ولد الرشيد يربك مؤتمر الاستقلال    زلزال بقوة 6 درجات يضرب دولة جديدة    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    حالة "البلوكاج" مستمرة في أشغال مؤتمر حزب الاستقلال والمؤتمرون يرفضون مناقشة التقريرين الأدبي والمالي    بوزنيقة : انطلاق المؤتمر 18 لحزب الاستقلال بحضور 3600 مؤتمر(فيديو)    ممثل تركي مشهور شرا مدرسة وريبها.. نتاقم من المعلمين لي كانو كيضربوه ملي كان صغير    الرابطة الرياضية البيضاوية يؤكد ان الوحدة الترابية قضيتنا الاولى    طقس السبت: أمطار وطقس بارد بهذه المناطق!    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    رئيس بركان يشيد بسلوك الجمهور المغربي    المدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات : المغرب مركز أعمال من الطراز العالمي    فضّ الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية: ماذا تقول قوانين البلاد؟    الصحراء تغري الشركات الفرنسية.. العلوي: قصة مشتركة تجمع الرباط وباريس    على هامش المعرض الدولي للفلاحة.. إطلاق هاكاثون الذكاء الاصطناعي للفلاحة القادرة على الصمود أمام التغير المناخي    بركة يتهم النظام الجزائري بافتعال المؤامرات وخيانة تطلعات الشعوب المغاربية    شبكة جديدة طاحت فالشمال كتبيراطي شبكات الاتصالات الوطنية وها المحجوزات    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    "طوطو" يشرب الخمر أمام الجمهور في سهرة غنائية    أكبر صيد أمني منذ عشر سنوات.. 25 طنا من الحشيش المغربي تدخل أوروبا    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    رئيس اتحاد العاصمة صدم الكابرانات: المغاربة استقبلونا مزيان وكنشكروهم وغانلعبو الماتش مع بركان    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال27).. الشباب السالمي يتعادل مع ضيفه مولودية وجدة 0-0    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    تفريغ 84 طنا من منتجات الصيد البحري بميناء مرتيل خلال الأشهر الثلاثة الأولى لسنة 2024    السعودية تحذر من حملات الحج الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي    قميص بركان يهزم الجزائر في الإستئناف    عطلة مدرسية.. الشركة الوطنية للطرق السيارة تحذر السائقين    للجمعة 29.. آلاف المغاربة يجددون المطالبة بوقف الحرب على غزة    مقتل 51 شخصا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    الأميرة للا مريم تترأس اجتماعا بالرباط    مندوبية السجون تغلق "سات فيلاج" بطنجة    بيدرو روشا رئيساً للاتحاد الإسباني لكرة القدم    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    ‬غراسياس ‬بيدرو‮!‬    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    الشرقاوي يسلط الضوءَ على جوانب الاختلاف والتفرد في جلسات الحصيلة المرحلية    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    الأمثال العامية بتطوان... (582)    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ العلاقات المغربية الإفريقية .. الجذور والامتدادات -الحلقة 4-
نشر في بيان اليوم يوم 26 - 03 - 2024

من الواضح، وحسب ما يشير إليه أحد الدارسين، في أنه لا يمكن أن نفهم تصور مغاربة القرن الماضي لموقع بلدهم على وجه الأرض، إذا لم نعرف بالتدقيق اتجاه الطرق المتبعة في الأسفار، وتلك الطرق هي في الحقيقة منذ قرون، أرضية وسماوية في آن واحد، طرق المراحل ومنازل النجوم. من هنا يمكن فهم اعتماد المغرب عاصمتين، تعتبران رأسي طريقين اثنين: طريق يربط المغرب بمنزل الوحي، وطلب العلم، والحج. وطريق ثان يربطه بالعمق الإفريقي. الأول جنوبي شرقي، والثاني جنوبي غربي، الأول ينتهي إلى فاس، والثاني إلى مراكش.
فالخريطة كما ترى اليوم، وكما فرضتها الصناعة الخارطوغرافية الغربية تطمس هذه الحقيقة، لهذا يجب أن نضع الخريطة موضع وجهة أخرى، كانت عادية في القرون السالفة. وجهة تحمل في الحقيقة مغزى تاريخنا العميق. فالخريطة الحالية تطمس بروز وأصالة الطريق الثاني، المنغرس في العمق الإفريقي. جاعلة منه طريقا متفرعا عن الأول، في حين أنه مواز له، مضاه له في التأثير على سكان المغرب واقتصادياته.
في هذه الدراسة البحثية، يحاول الدكتور المؤرخ محمد براص إبراز قيمة الجغرافية التاريخية في رصد تاريخ العلاقات بين الدول وخاصة بالنسبة للمغرب، الذي تؤطره أواصر قوية بمحيطه الإفريقي.
مرحلة الحكم المرابطي أو حين افتك عبد الله بن ياسين أودغشت من يد حكام مملكة غانا في العام 957م
وما كادت الدولة الإدرسية تفقد قوتها بالمغرب، حتى تراجعت مثيلاتها بإفريقيا، فعجل الزناتيون تحركهم نحو المناطق الداخلية من إفريقيا، بل إن الأمر بدأ يستتب لها، بعد أن خرج يحيى بن إبراهيم من صنهاجة وذهب إلى المشرق، فاستحضر معه عبد الله بن ياسين الجزولي إلى بلاد كدالة، هذا الأخير الذي كان يميل إلى التنظيم العسكري. فانتقل إلى جزيرة قبالة السنغال، فأخذ في إعداد أنصاره وتربيتهم دينيا وعسكريا. فانتشر الإسلام على يد زعيم المرابطين في كل من قبائل التكرور في السنغال، ليتقدم الزعيم المرابطي إلى أودغشت،ويفتكها من يد حكام مملكة غانا في العام 957م. بل اتجه شمالا نحو سجلماسة، هناك رحبت به القبائل ( بنو يلداس) وبايعته. فتحكم في استقرار التجارة والمواصلات بين الشمال والجنوب. وبدأ عهد غني في التواصل بين المغرب والسودان.
لقد عادت قبائل صنهاجة إلى احتلال مكانتها السابقة، في ظل أمراء غانا الأقوياء. خاصة بعد توقف الطريق التجاري الشرقي بسبب الرياح الرملية، لصالح الطريق الغربي المار من سيجلماسة. والمتفرع بعدها إلى المسلكين المؤديين إلى كوكيا شرقا وأوداغشت غربا (كان على التاجر العراقي والمصري أن يسلك نفس طريق التاجر المغربي) . فأصبحت سجلماسة من أغنى المراكز التجارية والعلمية في كل بلاد الإسلام . فاتسع نطاق استقرار قبائل صنهاجة، التي استوطنت منذ نهاية القرن العاشر جميع مناطق الصحراء الكبرى حتى نهري النيجر والسينغال. فزحفوا على إمبراطورية غانا، حيث كان نصرهما شاملا. فحمل المرابطون جميع قبائل صنهاجة على اعتناق الإسلام على المذهب المالكي السني. ومحيت النزاعات الشيعية والخارجية تماما. حينها ظهر التحول الكبير في خطط المرابطين والحكمة والعظمة، إذ بدلا من أن يتابعوا طريقهم نحو الجنوب والشرق، اتجهوا نحو الشمال، حيث أسسوا إمبراطوريتهم الواسعة، والتي امتدت إلى حدود تونس شرقا وحدود فرنسا شمالا.
لا شك أن المرابطين، وهم يتركون الساحة في جنوب الصحراء، كانوا مطمئنين إلى نفاذي دعوتهم. وتمكن إدارتهم الخارجية من المنطقة. خاصة أمام تقلص قوة نفوذ غانا ابتداء من القرن الحادي عشر الميلادي، مع ولاء قبائل صنهاجة، وخضوع قبائل التكرور والصوصو ودخولهم الإسلام، وإخلاصهم لأمراء الملثمين. فضلا عن تحول أوداغشت وتمنطيط وكوكيا للسلطة القوية. وهي جميعها عناصر كانت لصالح المرابطين، الذي عملوا على تحقيق الاستقرار بالمنطقة. ووضع أصول الانبعاث الحضاري في مستوياته المختلفة، الاقتصادية والاجتماعية والدينية والسياسية.
الملاحظ أنه بالرغم من الانقطاع العملي ما بين المغرب المرابطي والجنوب الغاني المرابطي، على المستوى السياسي، ابتداء من نهاية القرن الحادي عشر الميلادي. فقد حافظ المرابطون على تشجيع وتأمين الحركة التجارية. حيث أصبحت أغمات عاصمة للتجارة مع السودان. كما احتلت اللغة العربية إلى جانب لغة الصوصو والمايدونغ والشلحية مكانة مهمة باعتبارها لغة القرآن. فضلا عن حدوث تمازج عرقي بين المكونات الاجتماعية. بحكم الحركة البشرية التي كانت قائمة. وتكفي الإشارة إلى تلك الأعداد من الجنود التي حملها أباب بكر إلى السودان، وانصهرت في مجتمعه انصهار تاما. وبالمقابل انتقلت تلك العناصر من السودانيين التي تضمنها الجيش المرابطي إلى الأندلس، وانصهرت في مكوناته وامتزجت بسكان حواضره . وقد تحدث أبو عبيد الله البكري عن اشتراك ملوك التكرور مع المرابطين في حروبهم في الأندلس، خاصة خلال معركة الزلاقة .
يتضح أن حكم المرابطين بالنسبة لغانا قدم للمنطقة أعمالا جليلة، ومنجزات في الميدان الاقتصادي لا سبيل إلى نكرانها، وشملها بمعتقد واحد، وجعل أسباب الحضارة تطل عليها، قبل أن تأخذ طريقها إلى الرسوخ. كما أن المرحلة شكلت في بعدها الاقتصادي، نقلة نوعية من الاعتماد في التجارة على الرعي وبيع الذهب، إلى طور الاستخدام الواسع للمعادن. هذا الانتعاش الاقتصادي سوف يتم تدعيمه من قبل خلفهم الموحدين (1147م-1269م)، الذين عملوا بدورهم على الحفاظ على نشاط الطريق التجاري الغربي، حيث كانت الدولة الموحدية تعمل على تأمين هذا الشريان الحيوي بجميع الطرق. وتعاقب بشدة كل من سولت له نفسه ضرب أمن هذا المجال. دليل ذلك ما رواه القصطلي أثناء زيارته لأحد الأمراء الموحدين بسجلماسة، وهو أبو الربيع سليمان بن عبد الله بن عبد المومن. حيث وقف على قوة بأسه وعقابه لجماعة من قطاع الطرق الصحراويين، الذين أدينوا باعتراض القوافل ما بين سجلماسة ونهر النيجر.
معاني هذا التوجه تظهر أيضا من خلال وثيقة نفيسة تعود للمرحلة، وهي نسخة من رسالة وجهها الأمير الموحدي سليمان إلى ملك مالي يعيب عليه احتباسه للتجار الوافدين إلى مملكته، ويبرز مدى رغبة الموحدين في تأسيس تعاون تجاري، ينبني على تبادل المنافع جاء فيها : " نحن نتجاور بالإحسان، وإن تخالفنا في الأديان، ونتفق على السيرة المرضية، ونتألف على الرفق بالرعية. ومعلوم أن العدل من لوازم الملوك في حكم السياسة الفاضلة، والجور لا يعاينه إلا النفوس الشريرة الجاهلة. وقد بلغنا احتباس مساكين التجار ومنعهم من التصرف فيما هم بصدده. وتردد الجلابة إلى البلد مفيد لسكانها. ومعين على التمكين من استيطانها، ولو شئنا لاحتبسنا من جهتنا من أهل تلك الناحية، لكننا لا نستصوب فعله، ولا ينبغي أن تنهى عن خلق وتأتي مثله، والسلام" من كتاب (النبوغ المغربي في الآداب العربي) لعبد الله كنون.
يتضح من خلال مضمون هذا النص، التوجه الصريح للموحدين في تحديد طبيعة العلاقة التي جمعتهم بأقطار السودان الغربي. خاصة وأن المرحلة عرفت ميزة أخرى، تمثلت في قدوم قبائل عربية إلى أطراف السودان (بنو جشم وبنو هلال، وبنو معقل،)، إذانا بقيام عهد التعريب بعد أن ساكن بنو حسان قبائل صنهاجة. واختلطوا بها ولقنوها التقاليد العربية واللغة ( اختص الترارزة من بني حسان بنهر السينغال، وأولاد عبد الله بحوض النيجر، والبرابر من تغازي بتمبوكتو). وتميزت الفترة أيضا بنشاط المدن التجارية، كما هو الحال، بالنسبة للمدينة التي وصفها ابن خلدون. وهي مدينة تمنطيط الواقعة جنوب شرق سجلماسة، التي كانت مفتاح التجارة إلى السودان منذ العهد المرابطي. وتعمق دورها خلال العصر الموحدي، إلى جانب كل من مدن غاو شرقا وولاتة غربا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.